صورة جوية للخرطوم بتاريخ الأربعاء 19 أبريل
صورة جوية للخرطوم بتاريخ الأربعاء 19 أبريل

استمرت، الأربعاء، لليوم الخامس على التوالي، المعارك في السودان، وسط دعوات دولية لإيقاف القتال فورا، وحث القادة العسكريين على الدخول في حوار، من دون تأخير.

وفيما أشارت بيانات الأمم المتحدة إلى مقتل نحو 300، اتسعت رقعة الصراع المحتدم والعنف في البلد المنهك.

واندلعت المعارك منذ السبت الماضي بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وبين قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، بعد أسابيع من التوتر وخلافات بشأن آلية دمج "الدعم السريع" بالقوات المسلحة.

وصمّ الرجلان، اللذان يخوضان حرب "وجود" على ما يبدو وفق الخبراء، آذانهما، حتى الآن، أمام الدعوات لوقف إطلاق النار، أو على الأقل لإعلان هدنة تسمح بإجلاء المدنيين من أخطر الأحياء.

وبعيدا عن العاصمة الخرطوم، أشارت مصادر عسكرية، الأربعاء، إلى استيلاء الجيش علي قاعده الشفرليت، التابعة للدعم السريع علي الحدود مع ليبيا.

كما أفاد مراسل الحرة بوقوع اشتباكات عنيفة بين قوات الدعم السريع والجيش في منطقة الفاشر، غربي البلاد.

وأعلن بيان لقيادة الجيش، أن قوات الدعم السريع "استولت على عدد من المقرات الحكومية بينها وزارة مجلس الوزراء ووزارة الداخلية".

واتهم الجيش قوات الدعم السريع بالـ"الاعتداء على مقار البعثات الدبلوماسية"، وأشار في بيان إلى أن "مليشيا الدعم السريع المتمردة نهبت البنك المركزيk فرع شارع البلدية، وأضرمت فيه النيران، قبل ان تطاردها قوات الجيش التي تمكنت من القبض على بعض المسروقات، وهي عبارة عن  مبالغ مالية طائلة تم التحفظ عليها لتسلم لرئاسة البنك".

كما أعلن الجيش أن عناصر من الدعم السريع هاجمت، فجر اليوم، عددا من المواقع بمحيط القيادة في الخرطوم، و"قد تم التصدي للهجوم ودحره وتكبيد العدو خسائر، والسيطرة على كميات من الذخائر وعدد من الرشاشات المتوسطة والخفيفة والأسلحة الشخصية و24 عربة لاندكروزر تركوها خلفهم"، بحسب البيان.

وحسب "رويترز" يحاول الجيش، فيما يبدو رد، مقاتلي قوات الدعم السريع عن مجمع وزارة الدفاع، القريب من أحياء وسط العاصمة، الذي يضم أيضا مقر القيادة العامة للجيش، في الوقت الذي يسعى فيه لقطع طرق إمداداتهم في العاصمة.

وتتضارب الأنباء منذ اليوم الأول لتصاعد العنف، إذ يؤكد كل طرف تحقيق "نصر" معين، أو يتهم الطرف الآخر بارتكاب انتهاكات، دون تأكيدات.

وفي المقابل أعلنت قوات "الدعم السريع" أن الجيش يغير بالطائرات على التجمعات السكنية والمستشفيات.

كما أكدت، بحسابها على تويتر، أن قوات عسكرية هاجمت بالأسلحة الثقيلة والخفيفة "منازل الأسر والمواطنين الذين لا علاقة لهم بالعمل العسكري بحي جبرة بالخرطوم"، معتبرة أن ذلك يمثل "خطوة جبانة منافية للقوانين والأعراف الدولية..".

ونشر الحساب ذاته فيديو لتدمير ما قال إنها "دبابة تابعة للقوات الانقلابية".

ولم يتسن التأكد من مصادر محايدة من وقوع تلك التطورات.

وكانت قوات الدعم السريع أعلنت استعدادها لهدنة جديدة من 24 ساعة، بدءا من السادسة مساء الأربعاء بتوقيت الخرطوم، بينما أعلن الجيش في وقت لاحق موافقته على الهدنة.

وقال شهود وسكان لرويترز إن الجيش جلب تعزيزات إلى الخرطوم من أنحاء أخرى بالسودان، من بينها المناطق الشرقية قرب الحدود مع إثيوبيا.

ويسيطر الجيش على مداخل الخرطوم، التي يقطنها نحو 5.5 مليون نسمة، بينما يسكن ملايين آخرون في مدينتي أم درمان وبحري على الجانب الآخر من النيلين الأبيض والأزرق.

وقال السكان إن الجيش يحاول فيما يبدو محاصرة قوات الدعم السريع التي لا يزال عدد كبير من مقاتليها منتشرا في شوارع المدينة.

وسبَّب الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه نتيجة القتال معاناة للسكان في الأيام الأخيرة من شهر رمضان.

وأغلقت الشركات والمدارس أبوابها في العاصمة منذ بدء القتال، ووردت أنباء على نطاق واسع عن أعمال نهب واعتداء وتكونت طوابير طويلة أمام المخابز التي لا تزال تعمل.

معاناة صحية..

من جهة أخرى، قالت منظمات صحية، وشهود عيان، إن منشآت طبية تعرضت للقصف، ووقعت اعتداءات على عمال إغاثة، بينها حادثة اغتصاب، بالتزامن مع تصاعد حدة الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الردع السريع.

ونقلت شبكة "سي إن إن" الإخبارية عن مدير العمليات في منظمة أطباء بلا حدود في السودان، عبد الله حسين، إن نصف المستشفيات في الخرطوم "عاطلة عن العمل" نتيجة القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

وأضاف حسين أن "المعلومات المتوفرة لدينا في الخرطوم تشير إلى أن 50 في المئة من المستشفيات توقفت عن العمل في أول 72 ساعة".

وتابع أن هذا حصل "لأن الموظفين لم يشعروا بالأمان للذهاب إلى هناك أو أن المستشفيات نفسها تعرضت للقصف".

بيان دولي..

وفي تطور آخر دان بيان صار عن سفارات دول غربية وأسيوية، الأربعاء، بأقوى العبارات، استمرار العنف، بما في ذلك الهجمات الموجهة ضد المدنيين والدبلوماسيين والجهات الفاعلة الإنسانية، ودعا الأطراف إلى إنهاء الأعمال العدائية على الفور، ودون شروط مسبقة.

والدول الموقعة على البيان هي كل من الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا والسويد وهولندا والنرويج وبولندا وجمهورية واليابان وكوريا الجنوبية ووفد الاتحاد الأوروبي في السودان. 

وجاء في البيان، الذي نشرته السفارة الأميركية في الخرطوم: "مع استمرار القتال في يومه الخامس يواصل الناس في جميع أنحاء السودان الاحتماء في أماكنهم خوفا على حياتهم، ونفاد الوقود والغذاء والأدوية والمياه".

وأشار البيان إلى أن العمليات العسكرية أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى المدنيين، وهي تعرض الشعب السوداني والدبلوماسيين وعمال الإغاثة الإنسانية للخطر بشكل متهور.

صورة أرشيفية من داخل القصر الرئاسي في الخرطوم - رويترز
صورة أرشيفية من داخل القصر الرئاسي في الخرطوم - رويترز

قال تلفزيون السودان الرسمي، الخميس، إن الجيش السوداني يقترب من السيطرة على القصر الرئاسي في الخرطوم من قوات الدعم السريع.

وقال شهود عيان ومصادر عسكرية لرويترز إن اشتباكات عنيفة اندلعت في وقت متأخر من مساء الأربعاء قرب القصر الرئاسي مع سماع دوي انفجارات وضربات جوية للجيش استهدفت وسط العاصمة الخرطوم.

وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم غرب السودان وأجزاء من العاصمة بعد ما يقرب من عامين من اندلاع الحرب، لكنها تتكبد خسائر في وسط البلاد أمام الجيش.

وفي 2021، نفذ الطرفان العسكريان انقلابا أدى إلى تعطيل عملية الانتقال للحكم المدني، واندلعت الحرب في أبريل 2023 بعد أن أدت خطط تسليم جديدة للحكم إلى نشوب صراع عنيف.

وأدت الحرب إلى ما وصفتها الأمم المتحدة بأنها أكبر أزمة إنسانية في العالم، مع اتهام قوات الدعم السريع والجيش بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.

ويستعيد الجيش منذ أسابيع عدة مناطق بعد أن ظلت لعامين تقريبا تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ بدء الصراع في أبريل 2023.

وتقول السلطات إنها تعثر على أدلة واسعة النطاق على عمليات قتل في مناطق كانت خاضعة سابقا لسيطرة قوات الدعم السريع.

ولم تستجب قوات الدعم السريع لطلب التعليق من رويترز. وكانت قد نفت سابقا اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق في المناطق التي سيطرت عليها، وقالت إن الجناة سيُحاسبون. كما اتهمت الجيش بارتكاب انتهاكات، وهو ما ينفيه الجيش أيضا.

وتسببت الحرب بمقتل وإصابة عشرات الآلاف ونزوح وتهجير الملايين داخل البلاد وخارجها، وخسائر مادية واقتصادية فادحة بمختلف القطاعات.