طوابير لشراء الخبز في الخرطوم
طوابير لشراء الخبز في الخرطوم

قالت منظمات صحية، وشهود عيان، إن منشآت طبية تعرضت للقصف، ووقعت اعتداءات على عمال إغاثة، بينها حادثة اغتصاب، بالتزامن مع تصاعد حدة الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الردع السريع.

ونقلت شبكة "سي إن إن" الإخبارية عن مدير العمليات في منظمة أطباء بلا حدود في السودان عبد الله حسين إن نصف المستشفيات في الخرطوم "عاطلة عن العمل" نتيجة القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

وأضاف حسين أن "المعلومات المتوفرة لدينا في الخرطوم تشير إلى أن 50 في المئة من المستشفيات توقفت عن العمل في أول 72 ساعة".

وتابع أن هذا حصل "لأن الموظفين لم يشعروا بالأمان للذهاب إلى هناك أو أن المستشفيات نفسها تعرضت للقصف".

وأكد حسين أن "معظم برامج منظمة أطباء بلا حدود في جميع أنحاء السودان قد تم تعليقها وأن المستشفيات القليلة التي تواصل العمل مملوءة بالجرحى من المدنيين"، لافتا إلى أن مستشفى الفاشر بدارفور استقبل 183 جريحا من المدنيين في أول 72 ساعة من الاضطرابات".

وتابع حسين أن "منظمة أطباء بلا حدود تكافح من أجل إيصال المزيد من الموظفين والإمدادات إلى المستشفيات، في حين أن الموظفين الذين كانوا في العمل منذ بدء القتال مرهقون وغير قادرين على العودة إلى ديارهم".

واقتحم مسلحون منازل أشخاص عاملين في الأمم المتحدة ومنظمات دولية الأخرى في وسط الخرطوم، وفقا لتقارير وردت في وثيقة داخلية للأمم المتحدة اطلعت عليها شبكة "سي إن إن".

وبحسب الوثيقة ففقد اعتدى المسلحون جنسيا على نساء، وسرقوا متعلقات منها سيارات. كما تم الإبلاغ عن حادثة اغتصاب واحدة. 

وجاء في التقرير أن هؤلاء المسلحين، "يقال إنهم من قوات الدعم السريع، وكانوا يدخلون مساكن المغتربين ويفصلون الرجال عن النساء ويأخذونهن بعيدا".

وتقول "سي إن إن" إنها لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من الهجمات المزعومة، مشيرة إلى قوات الدعم السريع نفت هذه المزاعم، وألقت باللوم على القوات المسلحة السودانية، في ارتكاب الجرائم من خلال ارتداء زي قوات الدعم السريع. 

بالمقابل نفت القوات المسلحة السودانية ضلوعها في الانتهاكات، وجددت اتهاماتها لقوات الدعم السريع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وفي حادثتين منفصلتين ورد ذكرهما في الوثيقة، تم اختطاف رجلين نيجيريان يعملان في منظمة دولية، ثم أطلق سراحهما فيما بعد.

كذلك استهدف مبنى يضم مكتبا للأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وسقطت قذيفة صاروخية على منزل أحد موظفي الأمم المتحدة المحليين في الخرطوم.

وقالت منظمة أطباء بلا حدود الخيرية الطبية يوم الأربعاء إن مسلحين "سرقوا كل شيء بما في ذلك المركبات والمعدات المكتبية" في مجمعها بمدينة نيالا جنوب دارفور.

وأضافت المنظمة على حسابها الرسمي في تويتر: "تم مداهمة مستودعنا - الذي يحتوي على الإمدادات الطبية الحيوية.. نطلب مرة أخرى احترام حماية المنظمات الإنسانية ومبانيها.. أولويتنا الآن هي ضمان سلامة موظفينا".

وكان مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة مارتن غريفيث قال، الثلاثاء، إن استهداف موظفي المساعدات الإغاثية والمنشآت الخاصة بعمليات الإغاثة في السودان لا يزال مستمرا.

وأضاف في منشور على تويتر أن الأمم المتحدة تتلقى تقارير عن تعرض موظفي الإغاثة لهجمات، واعتداءات جنسية.

وشدد أن "هذا غير مقبول ويجب أن يتوقف"، مضيفا أن مكتب الأمم المتحدة للمساعدات في جنوب دارفور تعرض للنهب، الاثنين.

ومن بين الحوادث الأخرى التي وقعت في الأيام الأخيرة تعرض قافلة دبلوماسية أميركية لإطلاق نار، وتعرض سفير الاتحاد الأوروبي في السودان للاعتداء في مقر إقامته بالخرطوم، ومقتل ثلاثة عمال من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في اشتباكات.

وبحسب منظمة الصحة العالمية فقد قتل ما لا يقل عن 270 شخصا وأصيب أكثر من 2600 منذ الاشتباكات التي اندلعت السبت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

والثلاثاء أكد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أن العمليات العسكرية تعرض الشعب السوداني والدبلوماسيين، بما في ذلك الموظفين الأميركيين وعمال الإغاثة الإنسانية، للخطر على نحو متهور.

وأعرب بلينكن عن مخاوفه "بشأن البيئة الأمنية الشاملة لأنها تؤثر على المدنيين، كما تؤثر على الدبلوماسيين، وكذلك تؤثر على عمال الإغاثة".

وأشار إلى أن "برنامج الأغذية العالمي اضطر إلى تعليق عملياته، فضلا عن مقتل ثلاثة من أفراد فريقه"، مشددا أن "من المحتمل أن يكون لذلك عواقب وخيمة على الشعب السوداني، والذي هو في أمس الحاجة إلى المساعدة التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي".

وأغلقت الشركات والمدارس أبوابها في العاصمة منذ بدء القتال، ووردت أنباء على نطاق واسع عن أعمال نهب واعتداء وتكونت طوابير طويلة أمام المخابز التي لا تزال تعمل.

واندلع القتال الذي يضع قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في مواجهة مع قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، بعد توترات بسبب خطة لدمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.

ويرأس البرهان مجلس السيادة الحاكم الذي تشكل بعد انقلاب عام 2021 والإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019. ويشغل دقلو، المشهور باسم حميدتي، منصب نائب رئيس المجلس.
 

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".