المعارك في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع دخلت يومها السادس وأوقعت إلى الآن أكثر من 270 قتيلا في صفوف المدنيين
المعارك في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع دخلت يومها السادس وأوقعت إلى الآن أكثر من 270 قتيلا في صفوف المدنيين

تستخدم إسرائيل علاقاتها مع قائد قوات الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، لحثهما على إنهاء القتال في السودان، وفقا لثلاثة مسؤولين إسرائيليين تحدثوا لموقع "أكسيوس" الأميركي.

وذكر الموقع أن التطبيع مع السودان والعلاقات التي أقامتها إسرائيل مع كل من البرهان وحميدتي، وضعتها في "موضع متميز" في محاولة للتأثير على الجنرالين المتصارعين.

وقال المسؤولون إن الإسرائيليين قلقون للغاية من أن القتال الحالي سيدمر البلاد ويمنع تشكيل حكومة مدنية وينهي أي احتمالات لاتفاق سلام بين إسرائيل والسودان.

وأضاف المسؤولون الإسرائيليون أن وزارة الخارجية الإسرائيلية كانت منخرطة في السنوات الأخيرة مع البرهان فيما يتعلق بعملية التطبيع، كما أن الموساد كان على تواصل مع حميدتي في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب.

وأشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أن بلادهم كانت تتابع عن كثب، قبل اندلاع النزاع، المحادثات في السودان بشأن الاتفاق الإطاري الذي كان من المفترض أن يؤدي إلى تعيين حكومة بقيادة مدنية. 

وبين الموقع أن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين عندما زار الخرطوم في فبراير الماضي، حث البرهان على المضي قدما في إعادة السلطة لحكومة مدنية وأوضح أنه سيكون من الصعب التوصل إلى معاهدة سلام بدونها.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن حكومة بلاده كانت على يقين الأسبوع الماضي من أن الاتفاق على تعيين حكومة مدنية سيحصل في غضون أيام، إن لم يكن ساعات.

وتابع أن إسرائيل شعرت بالإحباط عندما انهار الاتفاق واندلع الصراع المسلح في نهاية الأسبوع.

وقال مسؤولون إسرائيليون إن البيت الأبيض ووزارة الخارجية حثا إسرائيل يوم الأحد على المساعدة في الضغط على الجنرالين المتحاربين للموافقة على وقف إطلاق النار. 

وتحدث مسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية مع البرهان، بينما تحدث مسؤولون من الموساد مع حميدتي وحثوا الطرفين على وقف التصعيد، وفقا للموقع.

ونقل الموقع عن متحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية القول إن بلاده "تتابع بقلق الأحداث في السودان"، مشددا أن "إسرائيل تريد الاستقرار والأمن للسودان."

وقال المسؤولون الإسرائيليون الثلاث إن "القرار الرسمي الإسرائيلي يؤكد على عدم الانحياز لأي من أطراف الأزمة وعدم التورط في أي جهود وساطة بخلاف الحث على وقف إطلاق النار".

لكن المسؤولين أضافوا أنهم يعتقدون أن "أفضل طريقة لوقف القتال هي أن يرسل الاتحاد الأفريقي والعديد من جيران السودان وفدا عاجلا إلى الخرطوم لبدء محادثات دبلوماسية وإعطاء ضمانات للجانبين تقنعهما بوقف القتال".

ودخلت المعارك في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع يومها السادس وقد أوقعت إلى الآن أكثر من 270 قتيلا في صفوف المدنيين ودفعت آلاف السكان إلى الفرار من العاصمة السودانية هربا من المعارك.

ويرأس البرهان مجلس السيادة الحاكم الذي تشكل بعد الانقلاب العسكري عام 2021 والإطاحة بعمر البشير في 2019. وكان حميدتي، الذي يقول محللون إنه يقود أكثر من مئة ألف مقاتل، يشغل منصب نائب رئيس المجلس.

مهاجرون سودانيون غير شرعيين، في انتظار ترحيلهم من ليبيا – مطار بن غازي 2019
مهاجرون سودانيون غير شرعيين، في انتظار ترحيلهم من ليبيا – مطار بن غازي 2019

في إحدى ليالي أبريل عام 2023، وبينما كان صوت القذائف يمزّق سكون مدينة الفاشر، شمال دارفور، احتضنت تماضر النور البكر، أطفالها.

لديها ثلاثة أطفال، احتضنتهم سوية، في محاولة لتهدئة رعشة الخوف في قلبها.

"الحرب لا ترحم، والجوع بات يهدد حياتهم"، قالت البكر لموقع "الحرة".

حاول زوجها، الذي ظل معها طوال فترة النزوح، البحث عن أي وسيلة للخروج من السودان، بعدما ضاق بهم الحال وأصبحت الفاشر ساحة معركة، لا تصلح للعيش.

لم يكن أمامهما خيار سوى الهرب. 

جمعا ما تبقى لديهما من أموال قليلة، واستعدا لرحلة محفوفة بالمخاطر نحو ليبيا، حيث قيل لهما: هناك فرصة لحياة أكثر أمانا.

بدأت الحرب في السودان منتصف أبريل عام 2023، نتيجة صراع بين القوات المسلحة بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي.

يعود أصل الخلاف إلى تنافس قديم بين المؤسستين حول السلطة والنفوذ، وتفاقم الخلاف بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

خلفت الحرب آثارا إنسانية تصفها تقارير دولية بـ"الكارثية"، إذ سقط آلاف الضحايا المدنيين وأجبر الملايين على النزوح داخليا وخارجيا.

رحلة الهروب إلى الكفرة

في شاحنة قديمة مكتظة بالهاربين، انطلقت البكر وزوجها وأطفالهما عبر الصحراء الكبرى في أغسطس من نفس العام.

كان الحرّ لا يُطاق، والماء شحيحا، والخوف من قطاع الطرق والميليشيات، ينهش القلوب.

كلما شعرت البكر باليأس، نظرت إلى عيون أطفالها واستمدّت منهم القوة، فيما كان زوجها يمسك بيدها ليطمئنها بأن "هذه المحنة ستمر".

بعد أيام من المعاناة، وصلوا إلى مدينة الكفرة الليبية، نقطة الدخول الرئيسية من السودان، وتبعد نحو 350 كيلومترا عن أقرب نقطة حدودية سودانية.

خلال عام 2024، تضاعف عدد اللاجئين السودانيين الباحثين عن الأمان في ليبيا، مع وصول ما يقدر بنحو 400 لاجئ إلى البلاد يوميا، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

سرعان ما اكتشفت أسرة البكر أن الكفرة تعج بالمُهربين والمسلحين، وأن اللاجئين السودانيين يُعاملون بقسوة. 

بالكاد تمكنوا من العثور على مكان يؤويهم. ناموا في مخزن صغير مشترك مع مجموعة عائلات، هربت أيضا من أماكن أخرى.

في الصباح، بدأوا مع آخرين بمساعدة مهرب، التحرك نحو العاصمة الليبية طرابلس، حيث أوقفهم مسلحون على حواجز عدة.

قالت البكر: "كانوا ينزلوننا ويهينوننا، خاصة في بوابة إجدابيا شرق ليبيا، ويطلبون أموالا إضافية حتى نمر".

دفعوا ما يعادل الـ 100 دولار أميركي لهذه الحواجز، حتى وصلوا إلى طرابلس في الغرب.

خريطة السيطرة في ليبيا

احتجاز أول

وصلت الأسرة والقافلة إلى مقر مفوضية اللاجئين. بالكاد استطاعوا تسجيل أسمائهم، ثم حصلت كل أسرة على مبلغ 500 دينار (حوالي 101 دولار أميركي)، بحسب البكر.

قالت البكر: "هذا المبلغ لا يكفي إيجار بيت لشهر واحد، لذا خصصناه للأكل والشراب".

لم يكن هناك مكان يأوي أسرتها، فباتوا أمام المفوضية مع عشرات من السودانيين الآخرين.

لم يمضِ وقت طويل حتى داهمت قوات الأمن الليبية المنطقة بعد اكتظاظها بالمهاجرين.

اعتُقل عشرات اللاجئين، من بينهم البكر وزوجها وأطفالهما الذين يبلغون من العمر سبعة وثمانية و12 عاما.

اقتيدت الأسرة مع عشرات من الأسر الأخرى إلى سجن أبو سليم.

"أجبرونا على خلع كل ملابسنا أنا وزوجي تماما حتى الأطفال الصغار، بدعوى التفتيش، وعندما جادلناهم ضربونا. لدي علامات على جسمي بسبب ضربهم" قالت البكر.

كانت الليالي في السجن تمر بطيئة ومليئة بالخوف. 

شاهدت البكر رجال الأمن يضربون بعض المحتجزين، وسمعت صرخات نساء تم استجوابهن بطرق مهينة.

حاولت أن تبقى قوية من أجل أطفالها الذين كانوا يبكون من الجوع والبرد.

في السجن، رافقتهم امرأة سودانية مع أطفالها السبعة، أكبرهم فتاة تبلغ من العمر 18 عاما.

كانت السيدة تعاني من مرض السكري، ولم تكن قادرة على تناول الطعام الذي يقدم لهم، وهو عبارة عن خبز أو أرز.

تعيش هذه السيدة الآن مع البكر وعائلتها. تعاني من مرض شديد بسبب ما حدث معها في السجن.

بعد 30 يوما من الاحتجاز والمعاناة، تم إطلاق سراحهم بعد أن تدخلت مفوضية اللاجئين التي منحتهم 900 دينار (190 دولارا أميركيا تقريبا) للبحث عن مأوى.

وبالفعل، اشتركت الأسرة مع عائلات سودانية أخرى لتأجير منزل بثلاث غرف، حوت كل واحدة، سبعة أشخاص.

قالت البكر: "أفضل من أن نبيت في الشارع ويتم اعتقالنا من جديد".

حاول زوجها البحث عن عمل دائم، لكنه لم يفلح. السبب في ذلك، عدم وجود جوازات سفر معهم.

لم يطل بقاؤهم في المنزل المستأجر أكثر من شهر، حتى جاءت قوات الأمن واعتقلتهم من جديد.

تم الاعتقال بناء على شكوى من الجيران الذين قالوا إن "المنزل فيه عدد كبير من السودانيين".

كانت هذه المرة أسوأ من الأولى، حيث أجبرتها قوات الأمن على خلع ملابسها رغم أنها كانت في فترة الحيض.

لم تفلح محاولات التوسل إليهم لإثنائهم عن هذه الإجراءات المهينة، التي تصاحبها تحرشات جنسية، على حد قولها.

داخل الحجز، لم يكن هناك طعام تقريبا. كان الأطفال يمرضون دون أي رعاية طبية.

بعد ستة أيام اتصلت السفارة السودانية وتوسطت لإخراجهم من السجن.

لا تستطيع البكر وأسرتها العودة إلى الفاشر التي تستمر فيها الحرب، حتى أن والدها قتل هناك بقصف قوات الدعم السريع قبل أربعة أشهر. 

صعوبات هائلة

وبينما تشير التقديرات إلى وصول أكثر من 210 ألف سوداني إلى ليبيا منذ بداية الحرب، تتوقع مفوضية اللاجئين أن يصل العدد إلى نحو 450 ألفا مع نهاية العام الجاري.

في أواخر ديسمبر الماضي، قالت عسير المضاعين، رئيسة بعثة مفوضية اللاجئين في ليبيا: "لقد تحمل اللاجئون في ليبيا صعوبات هائلة في رحلتهم إلى هنا. ومع دخولنا عاما جديدا، يجب أن نتحرك بسرعة لمنع المزيد من المعاناة وحماية الأرواح".

أصدرت هيئة مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا الشهر الماضي، إنذارا نهائيا للشركات في جميع أنحاء البلاد، وطالبتها بتسوية الوضع الوظيفي لعمالها المغتربين.

"استغلال"

طارق لملوم، وهو باحث في الهجرة غير الشرعية، قال خلال مقابلة مع موقع "الحرة" إن " ليبيا تعيش حالة من الفوضى في ما يتعلق بمعاملة المهاجرين غير النظاميين".

"هناك إعلانات كثيرة عن ضرورة تسوية أوضاعهم، لكن على أرض الواقع، يتورط الكثير من المسؤولين في استغلالهم بشكل غير قانوني"، قال لملوم.

قال أيضا إن "كل من يقوم بأعمال الصيانة والنظافة، حتى في السجون، هم مهاجرون غير نظاميين. حتى في الوزارات، هؤلاء العمال هم من يشغلون الوظائف، لكنهم ليسوا مسجلين بشكل قانوني".

وأشار لملوم إلى أن "هؤلاء المهاجرين، غالبا ما يجدون أنفسهم ضحايا للمتاجرة بالبشر، ويعيشون في ظروف قاسية داخل مراكز الاحتجاز، حيث يتم استغلالهم ماليا من قبل السلطات والمجموعات المسلحة".

في السجون، يتعرض المهاجرون للاحتجاز التعسفي، مع تهديدات مستمرة بأنهم سيظلون رهن الاعتقال إلى أن يدفعوا مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم، بحسب لملوم.

بعضهم لا يتمكن من الخروج إلا بعد دفع مبالغ تصل إلى 1500 دولار أميركي، وهو ما يزيد من معاناتهم، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور في ليبيا.

تضاف إلى هذه المأساة، قلة الخيارات الإنسانية المتاحة لتخفيف معاناتهم، ما يعكس بشكل واضح ضعف الدولة الليبية في معالجة أزمة الهجرة بشكل قانوني وإنساني.

وبينما تخشى البكر مغادرة المنزل الذي يبيتون فيه خوفا مما يمكن أن يحدث، جاءت حملة أمنية السبت (2 فبراير) واعتقلت زوجها ومجموعة سودانيين كانوا يقفون في ساحة يتجمع فيها العمال بحثا عن عمل.

لم تعد ترى أي مخرج من هذا الكابوس الذي يزداد تعقيدا مع مرور الوقت، خاصة، أنها ترى أطفالها يكبرون أمامها دون أن يلتحقوا بالمدارس.

أصبحت البكر تحلم باليوم الذي تنتهي فيه هذه الرحلة القاسية، والعودة إلى وطن آمن، حيث لا تُعامل كالغريبة، وحيث يستطيع أطفالها أن يناموا دون خوف.