البرهان أكد في أكثر من مناسبة أن الادعاء بوجود أنصار النظام السابق من الإسلاميين في الجيش هو ادعاء كاذب
البرهان أكد في أكثر من مناسبة أن الادعاء بوجود أنصار النظام السابق من الإسلاميين في الجيش هو ادعاء كاذب

في مقابلتين منفصلتين مع مجلة "فايننشال تايمز"، تبادل قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان وحليفه السابق الذي يقود قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، الاتهامات وصور كلاهما الآخر بأنه "مجرم".

من بين الاتهامات التي ساقها حميدتي للبرهان تلك المتعلقة بانحيازه للإخوان المسلمين الساعين لاستعادة السلطة وتشكيل ديكتاتورية على غرار فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير. 

حميدتي قال للمجلة إن "البرهان وعصابته من الإسلاميين وصلوا إلى السلطة وهم غير مستعدين للتخلي عنها".

ينفي البرهان، الذي تحالف مع حميدتي في 2019 للإطاحة البشير، هذه الاتهامات وأكد في أكثر من مناسبة، آخرها في فبراير الماضي، أن الادعاء بوجود "كيزان" وهم الاسم الذي يطلق على أنصار النظام السابق من الإسلاميين، في الجيش هو "ادعاء كاذب".

وقال البرهان في كلمة ألقاها بولاية نهر النيل في 16 فبراير من هذا العام إن "الجيش مؤسسة قديمة وراسخة لم يصنعها البشير.. هذا كله كذب، الجيش ليس فيه كيزان، هذا جيش السودان".

منذ الإطاحة بالبشير، أصبح البرهان الزعيم الفعلي للسودان وأبرم اتفاقا لتقاسم السلطة مع المدنيين لوضع السودان على طريق يستغرق ثلاث سنوات ويفضي إلى الديمقراطية.

تعهد البرهان بإجراء انتخابات في يوليو 2023 وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة. لكن معارضيه يقولون إنه رسخ أقدام الجيش في السلطة. 

بعد اندلاع الصراع المسلح بين البرهان وحميدتي قالت جماعات مؤيدة للديمقراطية إن الموالين لحقبة البشير، أو من يطلق عليهم "فلول" النظام القديم، قد يسعون إلى العودة تحت جنح ظلام قتال الجيش مع قوات الدعم السريع.

وشددت جماعة تضم تحالف قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة في الأحياء في بيان أن "خطة الفلول وعملهم الدؤوب هو إعادة السيطرة على البلاد مرة أخرى، حتى لو كان ذلك يعني تقسيم البلاد"، وفقا لرويترز.

ويرى المحلل السياسي السوداني المقيم في الولايات المتحدة فريد زين أن "تواطؤ البرهان مع الإخوان حقيقة واقعة معروفة لدى الجميع".

ويضيف زين في حديث لموقع "الحرة" أنه "ومنذ الانقلاب بدأ البرهان بالتغيير عندما أوقف عمل لجنة إزالة التمكين، المعنية بمحاسبة رموز وفلول النظام السابق وفصلهم من الجيش أو المؤسسات الأمنية والمدنية".

ويشير زين إلى أن "البرهان عمد كذلك لحل اللجنة وارجع المفصولين من فلول النظام لوظائفهم"، لافتا إلى أن فلول النظام بدأوا بعدها يعودون بقوة وبالتحديد في الجيش وخاصة ممن ينتمون للإخوان".

على الرغم من أن البرهان وحميدتي ترقيا في عهد البشير، إلا أن الإسلاميين الذين كانوا أحد أعمدة حكم البشير لثلاثة عقود ربما يرغبون في هزيمة حميدتي وانتصار جيش البرهان النظامي وإعادة حلفائهم العسكريين إلى الحكم.

"بالنسبة للإخوان المسلمين، يعتبر حميدتي العدو الأول، ويقال إنهم هم من بدأوا هذه الاشتباكات.. لا يوجد إثبات لدينا، لكنه بالفعل أمر يخدمهم حتى يتخلصوا منه"، وفقا لزين.

ويؤكد أن "البرهان استعان بالإخوان لإنه فشل في كسب ود وتأييد ودعم القوى المدنية.. هو حاول أن يشكل حكومة مدنية مواليه له، لكنه فشل".

بالتالي، يقول المحلل السوداني، لم يجد البرهان أمامه سوى الإخوان، المعروفين بانتهازيتهم.. لذلك دعموه وأبلغوه أنهم مستعدون للمساعدة في تشكيل حكومة مدنية صورية ".

ويبين زين أن "البرهان ليس متشددا أو منتميا للإخوان، لكن تمسكه بالسلطة جعله يتحالف معهم للبقاء بأي ثمن".

يسيطر البرهان على الأسلحة الثقيلة والقوات الجوية لكن جنوده يواجهون قوة شبه نظامية يقودها قائد ثري سابق المعروف باسم حميدتي.

بعد أن انهار التحالف بين البرهان وحميدتي، يقاتل الرجلان لتسديد ضربة قاضية في نزاع على السلطة قد يؤدي بدلا من ذلك إلى صراع طويل الأمد والمزيد من عدم الاستقرار مما سيعصف بآفاق السلام والانتعاش الاقتصادي في السودان بعد عقود من الاستبداد والحكم العسكري والعزلة الدولية.

ومع ذلك يقول القيادي في قوى الحرية والتغيير مأمون فاروق إن "النزاع الدائر حاليا لم يفصح عن حقيقة أن البرهان يدعم الإخوان أو يستعين بهم".

ويضيف فاروق في حديثه لموقع "الحرة": "لا نستطيع أن ننفي أو نؤكد هذا الاتهام".

كذلك يشير مأمون إلى أن" البرهان لم يقدم أي خطاب سياسي أو استراتيجية يفصح بها عما يريده بالضبط، وهذا الأمر فتح الباب أمام التأويلات تجاه تحركاته وتحالفاته سواء مع الإخوان أو غيرهم".

ويبين مأمون أن "قيادات الإخوان هي من تدعي قربها من البرهان، وأن لها علاقة قوية بمركز اتخاذ القرار ووجود الكثير من ضباط الجيش المستمرين في الخدمة يتبعون الإخوان".

"حتى في حال صدقت هذه الاتهامات فالبرهان لن يعلن عن ذلك بشكل واضح لإنه يعلم رأي الشعب السوداني بالحركة الإسلامية"، وفقا لمأمون، الذي أكد أن "الحقيقة الواضحة وضوح الشمس هي أن الثورة قامت لاقتلاع الإخوان المسلمين من الحكم وبالتالي لن يعودوا مهما حصل".

ويرى مأمون أن النزاع الدائر حاليا "لم يفصح حتى الآن عن توجه واضح للبرهان، وكل الذين يتحدثون عن ذلك ينطلقون من واقع تحليل وليس معلومات حقيقية".

ومع ذلك يصر الناطق باسم حركة جيش تحرير السودان محمد عبد الرحمن الناير على وصف البرهان بأنه "جنرال انقلابي سرق جهود الشعب السوداني وتآمر مع فلول النظام البائد".

ويضيف الناير للحرة أن البرهان "يريد التشبث بالسلطة وإعادة تنظيم الإخوان الذي أسقطه الشعب السوداني في ثورة سبتمبر".

يقول الناير إن "الإخوان حاولوا منذ عام 2019 العودة للحكم عبر تكتيكات متعددة، وعندما فشلوا أدخلوا البلاد في الحرب".

ويشدد الناير أن "الجيش السوداني مختطف من قبل تنظيم الإخوان وفلول النظام الموجودين في المؤسسات الأمنية والعسكرية" حسب تعبيره.

وفي ظل الاتهامات والاتهامات المقابلة، يرى المحلل السياسي فريد زين أنه "بالنهاية، لا يمكن التعويل على البرهان أو حميدتي، الاثنان مجرمان وارتكبا فظائع بحق الشعب السوداني"، حسب تعبيره.

ويشدد زين أن "تاريخ الرجلين معروف لدى السودانيين سواء في حرب دارفور أو غيرها.. أيديهم ملطخة بالدماء".

ويعتقد زين أن "الحل الوحيد للسودان يتمثل بزوال الاثنين وتسليم السلطة لحكومة مدنية".

ويختتم بالقول: "كان يجب أن يتنحيا عن السلطة، لكن كراهيتهما لبعضهما البعض وعدم الثقة بينهما، أدت لاندلاع الحرب البشعة التي ستدمر ما بقى في السودان".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".