القتال تسبب بمقتل مئات الأشخاص وترك الملايين محاصرين في المناطق الحضرية
القتال تسبب بمقتل مئات الأشخاص وترك الملايين محاصرين في المناطق الحضرية

أدى الصراع المسلح بين القوات الموالية لاثنين من كبار الجنرالات في السودان إلى تعريض الدولة الإفريقية لخطر الانهيار، والتهديد بانتقال الصراع عبر الحدود.

لدى كلا الجانبين عشرات الآلاف من المقاتلين والداعمين الخارجيين والثروات الطبيعية والموارد الأخرى التي يمكن أن تحميهما من أي عقوبات. 

ويقول تقرير لوكالة أسوشيتد برس إن هذه المعطيات تعتبر "وصفة" مشابه لصراعات عصفت ببلدان أخرى في الشرق الأوسط وإفريقيا، من لبنان وسوريا إلى ليبيا وإثيوبيا.

وأدى القتال، الذي بدأ مع محاولة السودان الانتقال إلى الديمقراطية، إلى مقتل مئات الأشخاص وترك الملايين محاصرين في المناطق الحضرية، وسط الاشتباكات والانفجارات وعمليات النهب.

يحاول قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح برهان وقائد قوات الردع السريع الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو، السيطرة على السودان. 

من المرجح أن يكون المنتصر في القتال الحالي هو الرئيس المقبل للسودان، حيث يواجه الخاسر المنفى أو الاعتقال أو الموت، بحسب التقرير. 

ومن الممكن أيضا اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد أو تقسيم الدولة العربية الإفريقية إلى قطاعات متنافسة.

يقول الخبير في شؤون السودان بجامعة تافتس في ماساتشوستس أليكس دي وال إن الصراع يجب أن يُنظر إليه على أنه "الجولة الأولى من حرب أهلية".

وأضاف: "ما لم يتم إنهاؤه بسرعة، فسيتحول إلى لعبة متعددة المستويات مع بعض الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مصالحها، باستخدام الأموال وإمدادات الأسلحة وربما قواتها أو وكلائها".

ماذا يعني القتال بالنسبة لجيران السودان؟

يعد السودان ثالث أكبر دولة في إفريقيا من حيث المساحة ويمتد على نهر النيل، حيث يتشارك المياه مع دولتين إقليميتين مهمتين هما مصر وإثيوبيا. 

تعتمد مصر على نهر النيل لدعم سكانها الذين يزيد عددهم عن 100 مليون نسمة، وتعمل إثيوبيا على بناء سد ضخم على منابع النهر مما أثار قلق القاهرة والخرطوم.

ترتبط مصر بعلاقات وثيقة مع الجيش السوداني الذي تعتبره حليفا ضد إثيوبيا. 

تواصلت القاهرة مع كلا الجانبين في السودان للضغط من أجل وقف إطلاق النار، لكنها من غير المرجح أن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما تعرض الجيش السوداني للهزيمة، وفقا للتقرير.

يحد السودان خمس دول أخرى هي ليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وإريتريا وجنوب السودان، التي انفصلت عام 2011 واستحوذت على 75 في المئة من موارد الخرطوم النفطية. 

ويشير التقرير إلى أن معظم هذه الدول غارقة في صراعات داخلية، حيث تعمل مجموعات متمردة مختلفة على طول الحدود مع السودان.

يقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية آلان بوسويل إن "ما يحدث في السودان لن يبقى في السودان". 

ويضيف: يبدو أن تشاد وجنوب السودان معرضان حاليا لخطر التداعيات المحتملة.. وكلما طال أمد القتال كلما زاد احتمال حدوث تدخل خارجي".

من القوى الخارجية التي تهتم بالسودان؟

لدى الإمارات العربية المتحدة، القوة العسكرية الصاعدة التي وسعت وجودها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشرق إفريقيا، علاقات وثيقة مع قوات الدعم السريع، التي أرسلت بدورها آلاف المقاتلين لمساعدة أبوظبي والسعودية في حربهما ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.

ولطالما امتلكت روسيا خططا لبناء قاعدة بحرية قادرة على استضافة ما يصل إلى 300 جندي وأربع سفن في بورتسودان، الواقعة على طريق تجاري مهم في البحر الأحمر. 

وكذلك تعمل مجموعة "فاغنر" الروسية في السودان منذ عام 2017، حيث فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على شركتين لتعدين الذهب في السودان بتهمة التهريب لصالح المجموعة.

هل يمكن للقوى الخارجية أن تفعل أي شيء لوقف القتال؟

يبدو أن المشاكل الاقتصادية في السودان تتيح فرصة للدول الغربية لاستخدام العقوبات الاقتصادية للضغط على الجانبين المتحاربين.

لكن في السودان، كما هو الحال في الدول الإفريقية الغنية بالموارد الأخرى، لطالما أثرت الجماعات المسلحة نفسها من خلال التجارة السرية سواء في المعادن النادرة أو الموارد الطبيعية الأخرى.

يمتلك دقلو أصولا ضخمة من الماشية وهو منخرط كذلك في عمليات تعدين الذهب، ويعتقد أيضا أنه تلقى تمويلا جيدا من دول الخليج مقابل خدمة قوات الدعم السريع في اليمن.

بالمقابل يسيطر الجيش على جزء كبير من الاقتصاد، ويمكنه أيضا الاعتماد على رجال الأعمال في الخرطوم وغيرها من مناطق البلاد.

ويشير التقرير إلى أن رجال الأعمال هؤلاء أصبحوا أغنياء خلال فترة حكم البشير ولا يكنون مشاعر طيبة لقوات الدعم السريع.

وفي الوقت نفسه، فإن العدد الهائل من الوسطاء المحتملين، بما في ذلك الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر ودول الخليج والاتحاد الأفريقي ومجموعة شرق إفريقيا، يمكن أن تجعل أي جهود سلام أكثر تعقيدا من الحرب نفسها.

الأمم المتحدة تحاول الوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع
الأمم المتحدة تحاول الوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن ما وصفه بـ "المزيج القاتل" من الجوع والنزوح وتفشي الأمراض، يخلق ما سماه بعاصفة مثالية لـ "خسارة كارثية" في الأرواح بالسودان.

وأفاد المكتب في آخر تحديث أصدره الخميس، بأن برنامج الأغذية العالمي يعمل على مدار الساعة للوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع في البلاد، مشيرا إلى أن البرنامج ساعد في عام 2024 وحتى الآن أكثر من 5 ملايين شخص، بمن فيهم 1.2 مليون في منطقة دارفور.

يأتي هذا في الوقت الذي تواصل فيه منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "يونيسف" نقل إمدادات التغذية المنقذة للحياة لعلاج حوالي 215 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في السودان. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن "يونيسف" وشركاءها قدموا لحوالي 6.6 مليون طفل في السودان وأسرهم مياه شرب آمنة هذا العام، في وقت تتفاقم فيه حالات تفشي الأمراض، بما في ذلك الكوليرا.

وسط المعارك والأمراض.. أطفال "يموتون جوعا" في بلدة سودانية
مع استمرار المعارك العنيفة بين قوات الدعم السريع وبين الجيش السوداني، فر عشرات الآلاف من عاصمة شمال دارفور، الفاشر المحاصرة والممزقة بالحرب، نحو بلدة صغيرة على بعد نحو 70 كيلومترا، حيث بدأت معاناة أخرى جراء نقص الطعام وعدم وجود رعاية صحية.

وأوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن الأطفال يشكلون حوالي نصف الأشخاص الذين فروا من ديارهم ويفوق عددهم 10 ملايين، منذ اندلاع الصراع في السودان العام الماضي. في وقت عبر مليونان من هؤلاء النازحين إلى البلدان المجاورة، حيث تقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الدعم العاجل لهم.

وأفاد المكتب بأن مفوضية اللاجئين تقدم خدمات الحماية الأساسية وتساعد في نقل الأعداد الهائلة من الوافدين الجدد بعيدا عن المناطق الحدودية إلى أماكن أكثر أمانا في بلدان اللجوء، منبها إلى أن هذه الجهود يعرقلها نقص التمويل والفيضانات وانعدام الأمن.

وتقول الأمم المتحدة إنه تم تمويل خطة هذا العام التي تبلغ 1.5 مليار دولار لدعم الاستجابة الإقليمية للاجئين في سبع دول مجاورة، بأقل من ربع المبلغ، إذ لم يتم جمع سوى 347 مليون دولار فقط. وفي الوقت ذاته، تم تمويل الاستجابة داخل السودان بأقل من النصف، حيث تلقت خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024 نحو 1.3 مليار دولار فقط من 2.7 مليار دولار لازمة للوصول إلى حوالي 14.7 مليون شخص في البلاد حتى نهاية العام.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك في المؤتمر الصحفي اليومي الذي عُقِد في مقر المنظمة في نيويورك الخميس، إن أكثر من 113 شاحنة مساعدات دخلت السودان من تشاد عبر معبر أدري منذ إعادة فتحه من قبل السلطات السودانية الشهر الماضي.

وأضاف أن خمس شاحنات أخرى عبرت المعبر مساء الأربعاء، مضيفا أن الإمدادات عن طريق أدري عبرت إلى أكثر من ربع مليون شخص في السودان، وتشمل هذه الإمدادات الغذاء والتغذية والمأوى والمستلزمات الطبية وغيرها من المواد التي تشتد الحاجة إليها.

وفي تطور منفصل، كشف دوجاريك عن حدث وزاري رفيع المستوى سيعقد في 25 من شهر سبتمبر الحالي، بشأن الأزمة المتصاعدة في السودان والمنطقة. وأوضح أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يستضيفان هذا الحدث إلى جانب مصر والسعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وإن المجاعة تلوح في الأفق، كما نزح نحو 10 ملايين شخص. وانتقل أكثر من 2.2 مليون شخص من هؤلاء إلى بلدان أخرى.