واشنطن لم تحسم مسألة إخلاء السفارة الأميركية في السودان. أرشيفية
واشنطن لم تحسم مسألة إخلاء السفارة الأميركية في السودان. أرشيفية

قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الجمعة، إن الجيش يعد خيارات لإخلاء السفارة الأميركية في السودان، في الوقت الذي لا تزال فيه إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تدرس ما إذا كانت ستجلي الموظفين من العاصمة السودانية التي تشهد حالة من عدم الاستقرار المتزايد.

وقال أوستن في مؤتمر صحفي في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا "نشرنا بعض القوات في مسرح العمليات لضمان توفير أكبر عدد ممكن من الخيارات إذا طلب منا التحرك. ولم تتم مطالبتنا بفعل أي شيء بعد... لم يتخذ قرار بشأن أي شيء".

وقال مسؤولان أميركيا إن من المتوقع صدور قرار قريبا بشأن إخلاء محتمل للسفارة ولكن لم يتضح إن كان سيصدر إعلان عام بهذا الصدد.

وبدأت قوات الجيش وقوات الدعم السريع صراعا عنيفا على السلطة في مطلع الأسبوع. ولقي المئات حتفهم حتى الآن وبات السودان الذي يعتمد على المساعدات الغذائية على شفا كارثة إنسانية حسبما قالت الأمم المتحدة.

وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، إن الرئيس بايدن وافق على خطة هذا الأسبوع لنقل القوات الأميركية إلى مكان قريب في حالة الحاجة إليها للمساعدة في إجلاء الدبلوماسيين الأميركيين.

وقال كيربي للصحفيين "نحن ببساطة نضع مسبقا بعض القدرات الإضافية في مكان قريب في حالة الحاجة إليها".

ومع اشتعال حدة القتال في مطار الخرطوم وحالة عدم الأمان في الأجواء السودانية، لم تتمكن الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وإسبانيا من إجلاء موظفي السفارات.

وقال دبلوماسي غربي إن الموقف المتعلق بالإجلاء من السودان من أصعب المواقف التي مروا بها إذ يركز الأميركيون على الأرجح على وقف إطلاق النار واستخدام ذلك لإجلاء الأفراد.

وأضاف الدبلوماسي "في هذه الحالة الوضع في السودان تبدأ الحرب الأهلية في العاصمة ويدور القتال تحديدا في الأماكن التي توجد بها السفارات والمطار. إنه أمر صعب بشكل غير عادي".

وقال كاميرون هدسون، الخبير الأميركي في السياسة الأفريقية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والمدير السابق للشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي، إن مستوى العنف في الخرطوم يجعل الإجلاء غير متوقع.

وأضاف "التحدي الرئيسي هو أن هناك حربا تدور في جميع أنحاء المدينة والمطار الدولي في وسط المدينة لا يعمل حاليا، لذا فإن التحدي هو نقل الناس إلى مكان آمن لإجلائهم".

وقالت واشنطن إن المواطنين الأميركيين العاديين في السودان يجب ألا يتوقعوا إجلاء منسقا من جانب الحكومة الأميركية من السودان.

وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل إن الولايات المتحدة على اتصال بمئات المواطنين الأميركيين الموجودين في السودان.

وفي وقت سابق الجمعة، أكدت وزارة الخارجية وفاة مواطن أميركي في البلاد.

إجلاء الأمم المتحدة للموظفين

الأوضاع وصفت بـ"الكارثية" في مستشفيات بالسودان انقطعت عنها الكهرباء والمياه والأدوية

وتبحث دول أخرى والأمم المتحدة سبل إجلاء المواطنين والموظفين من السودان.

قال القائم بأعمال منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في السودان عبده ديانج الخميس إن الأمم المتحدة تحاول إجلاء الموظفين من مناطق "خطيرة للغاية" في السودان ونقلهم إلى أماكن أكثر أمانا. وقال ديانج إنه نقل إلى منطقة أكثر أمانا أول أمس الأربعاء.

وللأمم المتحدة نحو أربعة آلاف موظف في السودان منهم 800 موظف دولي. وقال مصدر بالأمم المتحدة اشترط عدم الكشف عن هويته إن هناك ستة آلاف آخرين من أفراد أسر موظفي الأمم المتحدة وأفرادا مرتبطين بهم في السودان.

وقالت سويسرا، الجمعة، إنها تدرس سبل إجلاء مواطنيها من السودان، فيما أشارت السويد إلى إنها ستجلي موظفي السفارة والأسر في أقرب وقت ممكن.

ووضعت إسبانيا طائرات عسكرية في حالة تأهب لإجلاء نحو 60 مواطنا إسبانيا وآخرين من الخرطوم، وأرسلت كوريا الجنوبية طائرة عسكرية إلى قاعدة عسكرية أميركية في جيبوتي لإجلاء رعاياها عندما يتأتى ذلك.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".