السودان يهد معارك دامية منذ أسبوع
السودان يهد معارك دامية منذ أسبوع

مع احتدام المعارك، اندفعت دول من جميع أنحاء العالم بسرعة نحو السودان مما يعكس ديناميكية كانت تلوح في أفق البلاد قبل انقلاب الجنرالان البارزان على بعضهما البعض الأسبوع الماضي: السودان "لقمة سائغة" منذ سنوات، وفق تقرير مطول لصحيفة "نيويورك تايمز".

واستعرضت الصحيفة الأميركية خلال التقرير دول عدة وموقفها تجاه السودان بعد أن دعت لوقف القتال الذي حول أجزاء من العاصمة الخرطوم إلى ساحة معركة مشتعلة.

في 2019، كان من المفترض أن تبشر ثورة - أنهى فيها عشرات الآلاف من المتظاهرين حكم الرئيس، عمر البشير، الذي استمر 3 عقود - بمستقبل مشرق وديمقراطي.

لكن تلك الثورة أوجدت أيضا فرصا جديدة للقوى الخارجية لتحقيق مصالحها الخاصة في السودان، وهي ثالث أكبر دول أفريقيا وتقع استراتيجيا على نهر النيل والبحر الأحمر، حيث تتمتع بثروة معدنية هائلة وإمكانات زراعية ولم تخرج إلا مؤخرا من عقوبات وعزلة دولية استمرت عقود.

وقال مجدي الجزولي، الزميل بمعهد "ريفت فالي"، وهو مركز أبحاث مقره السودان، "الكل يريد قطعة من السودان ولم تعد البلد تتحمل كل هذا التدخل".

وأضاف أن "هناك الكثير من المصالح المتنافسة والادعاءات كثيرة جدا، ثم انهار التوازن الهش كما ترون الآن".

ومنذ 15 أبريل، يشهد السودان اشتباكات بين الجيش النظامي بقيادة، عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، أدت الى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى.

ويشغل البرهان وحميدتي أعلى منصبين في مجلس السيادة الحاكم الذي كان يشرف على عملية الانتقال السياسي بعد انقلاب عام 2021، وهي العملية التي كان من المفترض أن تشمل الانتقال إلى الحكم المدني ودمج قوات الدعم السريع في الجيش.

وذكرت منظمة الصحة العالمية، الجمعة، أن 413 شخصا قُتلوا وأصيب 3551 آخرون منذ اندلاع القتال. وتشمل حصيلة القتلى خمسة على الأقل من موظفي الإغاثة في بلد يعتمد على المساعدات الغذائية.

الإمارات

وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن من بين أهم اللاعبين الأجانب في السودان هي الإمارات، الدولة الخليجية الغنية بالنفط والتي وسعت نفوذها بقوة في القرن الأفريقي خلال السنوات الأخيرة.

ويعود اهتمام الإمارات بالسودان إلى أكثر من عقد بدءا من الإمكانات الزراعية الهائلة للبلاد، والتي يأمل الإماراتيون أن تخفف من مخاوفهم بشأن الإمدادات الغذائية.

لكن الإماراتيين اختلفوا مع البشير بعد أن رفض دعمهم في خلافهم مع الجارة الخليجية قطر.

وبمجرد الإطاحة بالبشير، أعلنت الإمارات والسعودية عن مساعدات واستثمارات بقيمة 3 مليارات دولار لمساعدة السودان على الوقوف على قدميه.

ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤولين إن الإماراتيين ساعدوا أيضا في دعم قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو.

وفي عام 2018، دفع الإماراتيون دقلو إرسال آلاف الجنود للقتال في اليمن - وهو صراع قال مسؤولون سودانيون إنه سبب في ثراء الجنرال السوداني.

وامتنعت وزارة الخارجية الإماراتية عن طلب صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعليق.

وذكرت الصحيفة أن نمو ثروة دقلو جاء أيضا من استخراج الذهب في السودان وشحنه إلى إمارة دبي. كما دخل الجنرال في شراكة مع مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية مقابل الحصول على ترخيص لتعدين الذهب في البلد الأفريقي.

وقال عدد من المسؤولين الغربيين إن ثروة دقلو تشمل الماشية والعقارات وشركات الأمن الخاصة، حيث ساعدته تلك الأموال - يحتفظ بمعظمها في دبي - على بناء قواته شبه العسكرية، التي أصبحت الآن أفضل تجهيزا من الجيش السوداني النظامي، وفقا للصحيفة.

ويعد الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، واحدا من ثلاثة رؤساء فقط التقوا علنا بالجنرال دقلو مؤخا في فبراير.

لكن أقرب حليف لقائد قوات الدعم السريع في الإمارات، وفقا لدبلوماسيين في السودان، هو نائب رئيس البلاد، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، مالك نادي مانشستر سيتي الإنكليزي لكرة القدم، والذي لديه اتصالات طويلة الأمد مع الجماعات المسلحة في دارفور، مسقط رأي دقلو.

ومع ذلك، يحب الإماراتيون التحوط في رهاناتهم، وقد وقف أمراء آخرون إلى جانب منافسي دقلو، حسبما ذكرت الصحيفة.

وفي عام 2020، استثمر مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، ما قيمته 225 مليون دولار مع، أسامة داود، وهو رجل أعمال سوداني مقرب من الجيش، وذلك في مشروع زراعي يمتد على مساحة 100 ألف فدان على أفضل الأراضي الزراعية بالبلاد.

ومنذ بدء القتال في نهاية الأسبوع الماضي، قال عديد من المسؤولين الأجانب إن دبلوماسيين إماراتيين شاركوا في الجهود لإيقاف المعارك.

مصر

على حدود السودان، تقع مصر على الجانب الآخر من ما وصفته الصحيفة بـ "الانقسام العسكري" في الخرطوم.

ومع تصاعد التوترات داخل السودان خلال العام الماضي، انحاز الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، علنا إلى قائد القوات المسلحة البرهان.

وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن الثورة المؤيدة للديمقراطية التي أطاحت بالرئيس السوداني السابق معادية للسيسي.

ويشك السيسي بشدة في دقلو، ويفضل أن يرى السودان يحكمه ضابط مدرب تدريبا رسميا مثله. كما أن هناك أيضا علاقة شخصية بين السيسي والبرهان، حيث التحقا بالكلية العسكرية نفسها.

في وقت سابق من هذا العام، أطلقت مصر مبادرة سياسية بالقاهرة للجمع بين الفصائل السودانية المتفرقة. لكن الدبلوماسيين الأجانب في الخرطوم، الذين كانوا يحاولون التوصل إلى حل وسط بين دقلو والبرهان، رأوا المصريين يتصرفون لصالح الجيش السوداني وضد قوات الدعم السريع.

وقال كاميرون هدسون، المحلل السابق بوكالة المخابرات المركزية الأميركية والمحلل المتخصص في شؤون أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، "لقد أوضحت مصر أنها لن تتسامح مع زعيم ميليشيا على حدودها الجنوبية". 

روسيا

تتمتع روسيا بعلاقة طويلة الأمد مع الجيش السوداني، ومنذ عام 2019، وسعت مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية أنشطتها في البلاد وتعدين الذهب واستكشاف اليورانيوم، وتزويد منطقة دارفور المضطربة بالمرتزقة.

وخلال الأيام الأخيرة، تلقت قوات الدعم السريع عرضا بتقديم أسلحة من رجل الأعمال الروسي المقرب من الكرملين، يفيغي بريغوجين، وهو زعيم مرتزقة "فاغنر" التي تقاتل في أنحاء متفرقة من العالم.

وبحسب ما ذكرت الصحيفة نقلا عن مسؤولين أميركيين، فإن تلك الأسلحة تشمل صواريخ أرض جو.

وقال المسؤولون إن الجنرال دقلو لم يقرر ما إذا كان سيقبل بالأسلحة التي ستأتي من مخزونات فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى.

إلى ذلك، أفادت صحيفة "واشنطن بوست" نقلا عن مسؤولين ليبيين ودبلوماسيين تحدثوا دون أن يكشفوا عن هويتهم، بأن قوات الدعم السريع تلقت ما لا يقل عن 30 ناقلة وقود وشحنة واحدة على الأقل من الإمدادات العسكرية من أحد أبناء المشير الليبي، خليفة حفتر.

ونفت قوات حفتر تقديم مثل هذه الشحنات.

إسرائيل

ولدى إسرائيل مصلحة تتمثل في تعزيز صفقة التطبيع التي وقعت مع السودان في صيف 2020 ضمن إطار معاهدة إبراهيم التي جاءت برعاية الولايات المتحدة.

وفي العام الماضي، زار وفد من وكالة المخابرات الخارجية الإسرائيلية (الموساد)، السودان لعقد اجتماعات مع قادة أمنيين بمن فيهم دقلو، الذي عرض التعاون في مكافحة الإرهاب والاستخبارات، وفقا لمسؤولين غربييين وسودانيين مطلعون على المحادثات.

وتشير الصحيفة إلى "المشروع الأجنبي الأقل نجاحا" في السودان هو الذي أيدته الدول الغربية ن خلال التحول الديمقراطي.

وكان من المفترض أن يسلم الجنرالان دقلو والبرهان اللذان كانا يشتركان في السلطة، إلى حكومة يقودها مدنيون.

وبعد أن بات هدف التحول الديمقراطي في حالة يرثى لها، فإن الغرب قد يدفع قوى الخليج مثل السعودية والإمارات لاستخدام نفوذهما لإجبار دقلو والبرهان على التنحي.

وأثار الخبير بجموعة الأزمات الدولية، آلان بوسويل، فكرة أن دول الخليج يمكنها الضغط على الجنرالين المتحاربين من خلال استهداف ثرواتهم، متسائلا: "هل سيجمدون أصولهم إذا لم يستجيبوا؟".

وقال بوسويل إنه "لا أحد يريد دولة فاشلة في السودان".

مهاجرون سودانيون غير شرعيين، في انتظار ترحيلهم من ليبيا – مطار بن غازي 2019
مهاجرون سودانيون غير شرعيين، في انتظار ترحيلهم من ليبيا – مطار بن غازي 2019

في إحدى ليالي أبريل عام 2023، وبينما كان صوت القذائف يمزّق سكون مدينة الفاشر، شمال دارفور، احتضنت تماضر النور البكر، أطفالها.

لديها ثلاثة أطفال، احتضنتهم سوية، في محاولة لتهدئة رعشة الخوف في قلبها.

"الحرب لا ترحم، والجوع بات يهدد حياتهم"، قالت البكر لموقع "الحرة".

حاول زوجها، الذي ظل معها طوال فترة النزوح، البحث عن أي وسيلة للخروج من السودان، بعدما ضاق بهم الحال وأصبحت الفاشر ساحة معركة، لا تصلح للعيش.

لم يكن أمامهما خيار سوى الهرب. 

جمعا ما تبقى لديهما من أموال قليلة، واستعدا لرحلة محفوفة بالمخاطر نحو ليبيا، حيث قيل لهما: هناك فرصة لحياة أكثر أمانا.

بدأت الحرب في السودان منتصف أبريل عام 2023، نتيجة صراع بين القوات المسلحة بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي.

يعود أصل الخلاف إلى تنافس قديم بين المؤسستين حول السلطة والنفوذ، وتفاقم الخلاف بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

خلفت الحرب آثارا إنسانية تصفها تقارير دولية بـ"الكارثية"، إذ سقط آلاف الضحايا المدنيين وأجبر الملايين على النزوح داخليا وخارجيا.

رحلة الهروب إلى الكفرة

في شاحنة قديمة مكتظة بالهاربين، انطلقت البكر وزوجها وأطفالهما عبر الصحراء الكبرى في أغسطس من نفس العام.

كان الحرّ لا يُطاق، والماء شحيحا، والخوف من قطاع الطرق والميليشيات، ينهش القلوب.

كلما شعرت البكر باليأس، نظرت إلى عيون أطفالها واستمدّت منهم القوة، فيما كان زوجها يمسك بيدها ليطمئنها بأن "هذه المحنة ستمر".

بعد أيام من المعاناة، وصلوا إلى مدينة الكفرة الليبية، نقطة الدخول الرئيسية من السودان، وتبعد نحو 350 كيلومترا عن أقرب نقطة حدودية سودانية.

خلال عام 2024، تضاعف عدد اللاجئين السودانيين الباحثين عن الأمان في ليبيا، مع وصول ما يقدر بنحو 400 لاجئ إلى البلاد يوميا، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

سرعان ما اكتشفت أسرة البكر أن الكفرة تعج بالمُهربين والمسلحين، وأن اللاجئين السودانيين يُعاملون بقسوة. 

بالكاد تمكنوا من العثور على مكان يؤويهم. ناموا في مخزن صغير مشترك مع مجموعة عائلات، هربت أيضا من أماكن أخرى.

في الصباح، بدأوا مع آخرين بمساعدة مهرب، التحرك نحو العاصمة الليبية طرابلس، حيث أوقفهم مسلحون على حواجز عدة.

قالت البكر: "كانوا ينزلوننا ويهينوننا، خاصة في بوابة إجدابيا شرق ليبيا، ويطلبون أموالا إضافية حتى نمر".

دفعوا ما يعادل الـ 100 دولار أميركي لهذه الحواجز، حتى وصلوا إلى طرابلس في الغرب.

خريطة السيطرة في ليبيا

احتجاز أول

وصلت الأسرة والقافلة إلى مقر مفوضية اللاجئين. بالكاد استطاعوا تسجيل أسمائهم، ثم حصلت كل أسرة على مبلغ 500 دينار (حوالي 101 دولار أميركي)، بحسب البكر.

قالت البكر: "هذا المبلغ لا يكفي إيجار بيت لشهر واحد، لذا خصصناه للأكل والشراب".

لم يكن هناك مكان يأوي أسرتها، فباتوا أمام المفوضية مع عشرات من السودانيين الآخرين.

لم يمضِ وقت طويل حتى داهمت قوات الأمن الليبية المنطقة بعد اكتظاظها بالمهاجرين.

اعتُقل عشرات اللاجئين، من بينهم البكر وزوجها وأطفالهما الذين يبلغون من العمر سبعة وثمانية و12 عاما.

اقتيدت الأسرة مع عشرات من الأسر الأخرى إلى سجن أبو سليم.

"أجبرونا على خلع كل ملابسنا أنا وزوجي تماما حتى الأطفال الصغار، بدعوى التفتيش، وعندما جادلناهم ضربونا. لدي علامات على جسمي بسبب ضربهم" قالت البكر.

كانت الليالي في السجن تمر بطيئة ومليئة بالخوف. 

شاهدت البكر رجال الأمن يضربون بعض المحتجزين، وسمعت صرخات نساء تم استجوابهن بطرق مهينة.

حاولت أن تبقى قوية من أجل أطفالها الذين كانوا يبكون من الجوع والبرد.

في السجن، رافقتهم امرأة سودانية مع أطفالها السبعة، أكبرهم فتاة تبلغ من العمر 18 عاما.

كانت السيدة تعاني من مرض السكري، ولم تكن قادرة على تناول الطعام الذي يقدم لهم، وهو عبارة عن خبز أو أرز.

تعيش هذه السيدة الآن مع البكر وعائلتها. تعاني من مرض شديد بسبب ما حدث معها في السجن.

بعد 30 يوما من الاحتجاز والمعاناة، تم إطلاق سراحهم بعد أن تدخلت مفوضية اللاجئين التي منحتهم 900 دينار (190 دولارا أميركيا تقريبا) للبحث عن مأوى.

وبالفعل، اشتركت الأسرة مع عائلات سودانية أخرى لتأجير منزل بثلاث غرف، حوت كل واحدة، سبعة أشخاص.

قالت البكر: "أفضل من أن نبيت في الشارع ويتم اعتقالنا من جديد".

حاول زوجها البحث عن عمل دائم، لكنه لم يفلح. السبب في ذلك، عدم وجود جوازات سفر معهم.

لم يطل بقاؤهم في المنزل المستأجر أكثر من شهر، حتى جاءت قوات الأمن واعتقلتهم من جديد.

تم الاعتقال بناء على شكوى من الجيران الذين قالوا إن "المنزل فيه عدد كبير من السودانيين".

كانت هذه المرة أسوأ من الأولى، حيث أجبرتها قوات الأمن على خلع ملابسها رغم أنها كانت في فترة الحيض.

لم تفلح محاولات التوسل إليهم لإثنائهم عن هذه الإجراءات المهينة، التي تصاحبها تحرشات جنسية، على حد قولها.

داخل الحجز، لم يكن هناك طعام تقريبا. كان الأطفال يمرضون دون أي رعاية طبية.

بعد ستة أيام اتصلت السفارة السودانية وتوسطت لإخراجهم من السجن.

لا تستطيع البكر وأسرتها العودة إلى الفاشر التي تستمر فيها الحرب، حتى أن والدها قتل هناك بقصف قوات الدعم السريع قبل أربعة أشهر. 

صعوبات هائلة

وبينما تشير التقديرات إلى وصول أكثر من 210 ألف سوداني إلى ليبيا منذ بداية الحرب، تتوقع مفوضية اللاجئين أن يصل العدد إلى نحو 450 ألفا مع نهاية العام الجاري.

في أواخر ديسمبر الماضي، قالت عسير المضاعين، رئيسة بعثة مفوضية اللاجئين في ليبيا: "لقد تحمل اللاجئون في ليبيا صعوبات هائلة في رحلتهم إلى هنا. ومع دخولنا عاما جديدا، يجب أن نتحرك بسرعة لمنع المزيد من المعاناة وحماية الأرواح".

أصدرت هيئة مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا الشهر الماضي، إنذارا نهائيا للشركات في جميع أنحاء البلاد، وطالبتها بتسوية الوضع الوظيفي لعمالها المغتربين.

"استغلال"

طارق لملوم، وهو باحث في الهجرة غير الشرعية، قال خلال مقابلة مع موقع "الحرة" إن " ليبيا تعيش حالة من الفوضى في ما يتعلق بمعاملة المهاجرين غير النظاميين".

"هناك إعلانات كثيرة عن ضرورة تسوية أوضاعهم، لكن على أرض الواقع، يتورط الكثير من المسؤولين في استغلالهم بشكل غير قانوني"، قال لملوم.

قال أيضا إن "كل من يقوم بأعمال الصيانة والنظافة، حتى في السجون، هم مهاجرون غير نظاميين. حتى في الوزارات، هؤلاء العمال هم من يشغلون الوظائف، لكنهم ليسوا مسجلين بشكل قانوني".

وأشار لملوم إلى أن "هؤلاء المهاجرين، غالبا ما يجدون أنفسهم ضحايا للمتاجرة بالبشر، ويعيشون في ظروف قاسية داخل مراكز الاحتجاز، حيث يتم استغلالهم ماليا من قبل السلطات والمجموعات المسلحة".

في السجون، يتعرض المهاجرون للاحتجاز التعسفي، مع تهديدات مستمرة بأنهم سيظلون رهن الاعتقال إلى أن يدفعوا مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم، بحسب لملوم.

بعضهم لا يتمكن من الخروج إلا بعد دفع مبالغ تصل إلى 1500 دولار أميركي، وهو ما يزيد من معاناتهم، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور في ليبيا.

تضاف إلى هذه المأساة، قلة الخيارات الإنسانية المتاحة لتخفيف معاناتهم، ما يعكس بشكل واضح ضعف الدولة الليبية في معالجة أزمة الهجرة بشكل قانوني وإنساني.

وبينما تخشى البكر مغادرة المنزل الذي يبيتون فيه خوفا مما يمكن أن يحدث، جاءت حملة أمنية السبت (2 فبراير) واعتقلت زوجها ومجموعة سودانيين كانوا يقفون في ساحة يتجمع فيها العمال بحثا عن عمل.

لم تعد ترى أي مخرج من هذا الكابوس الذي يزداد تعقيدا مع مرور الوقت، خاصة، أنها ترى أطفالها يكبرون أمامها دون أن يلتحقوا بالمدارس.

أصبحت البكر تحلم باليوم الذي تنتهي فيه هذه الرحلة القاسية، والعودة إلى وطن آمن، حيث لا تُعامل كالغريبة، وحيث يستطيع أطفالها أن يناموا دون خوف.