Internationally-recruited personnel of the United Nations Integrated Transition Assistance Mission in Sudan are evacuated from…
السودانيون يفرون من الحرب بين الجيش والقوات الدعم السريع

اضطرت لترك زوجها وأشقائها يصارعون من أجل البقاء في السودان، وفرت مصر التي فتحت حدودها للنساء والأطفال وكبار السن الهاربين من ويلات الحرب، لكن السيدة كريمة البجالي ذات الثلاثين عاما وجدت نفسها فجأة أمام ظروف قاسية لم تتوقعها.

وصلت بجالي، الأحد، بصحبة أمها وأطفالها الثلاثة وشقيقتيها وأطفالهن، إلى القاهرة قادمة من الخرطوم حيث تدور معارك عنيفة، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، منذ 15 أبريل، وأدت لمقتل مئات وتوقف العمل بالمستشفيات وانقطاع خدمات أخرى وحوّل أحياء سكنية إلى ساحات حرب.

رجال العائلة من الشبان، تقول المجالي لموقع "الحرة"، لم يتمكنوا من الحصول على تأشيرة لدخول مصر.

وتحدثت وسائل إعلام مصرية، الاثنين، عن استمرار وصول مئات من المواطنين السودانيين، منذ الأحد، عبر معبري أرقين وقسطل البريين نحو محافظة أسوان ومنها إلى محافظات مصرية أخرى، وسط حماية الهلال الأحمر المصري.

وأطلق ناشطون مصريون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لمساندة اللاجئين السودانيين، ورحب الشارع المصري بـ"الأشقاء" وطُرحت مبادرات بعضها فردي لمساعدتهم خلال هذه المحنة.  

كذلك، أعلنت مؤسسة "مرسال" الخيرية، المتخصصة في تقديم المساعدات العلاجية، عن توفر خدمات طبية طارئة للسودانيين النازحين للقاهرة، فضلا عن تزويدهم بحليب الأطفال.

تقول بجالي في حديثها مع موقع "الحرة" إنها تشعر بالامتنان لمصر التي فتحت أبوابها للسودانيين الباحثين عن مكان آمن بعيدا عن أهوال الحرب في بلدهم، لكنها ظروفها منذ وصولها ومن معها إلى القاهرة، ليست يسيرة.

"على السودانيين الذين ليس لديهم تجربة سابقة في مصر أو أقرباء أن يهيئوا أنفسهم لواقع جديد،" تقول البجالي.

وترتبط السودان بحدود برية مع مصر يزيد طولها على 1200 كيلومتر. وبحسب بجالي، تسمح مصر لجميع النساء والأطفال، والرجال الذين تزيد أعمارهم على 50 عاما بالدخول من السودان من دون تأشيرة، لكن يحتاج الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و49 عاما إلى تأشيرة دخول من القنصلية المصرية في وادي حلفا قرب الحدود مع مصر.

في القاهرة اضطرت البجالي وأفراد أسرتها إلى البقاء في الشارع، بعدما أخفقت في تأجير مكان للسكن. بحثت في العديد من أحياء القاهرة، بما فيها حي عين الشمس الذي يقيم فيه كثير من السودانيين، لكن المؤجرين طالبوها بمبالغ خيالية، تفوق الأسعار المتعارف عليها بكثير، بحسب قولها.

لم يكن أمامها سوى الجلوس في الشارع بصحبة والدتها المسنة وشقيقتيها وأطفالهن، قبل أن يتقدم رجل سوداني من سكان المنطقة لاستضافتهم جميعا في شقته.

تقول البجالي إنها لا تعرف أحدا في مصر، ولا تستطيع البقاء هي وأسرتها ضيوفا عند الرجل السودانيإلى الأبد، خاصة أن حالته بسيطة ولا يستطيع تحمل تكاليف معيشتهم.

وتقول بجالي إن الرجل الذي يستضيفهم يحاول التوسط لإيجاد شقة لهم بسعر معقول، كما يحاول أن يوفر لها فرصة عمل في أحد المنازل، مختتمة حديثها بأن "الظروف أجبرتها على تقبُل ما لم تتكن تتخيله في حياتها".

البجالي ليست الوحيدة التي تواجه هي وأسرتها أزمة الحصول على مكان للسكن.

يقول الشاب السوداني، محمود أبو بكر، لموقع "الحرة"، إنه يعيش في مصر منذ أربعة أعوام، وقرر التطوع لمساعدة الوافدين السودانيين على ترتيب أوضاعهم من دون مقابل.

وأوضح أبو بكر أن السماسرة زادوا أسعار إيجارات الشقق بطريقة جنونية بعد توافد السودانيين بشكل مفاجئ من دون حتى أن يتم منحهم الوقت الكافي لجمع الأموال التي يحتاجونها.

وقال إنه حاول مساعدة بعض السودانيين في إيجاد شقق لهم لكن الأمر أصبح مستحيلا، موضحا أن السعر يزيد كل ساعة تقريبا.

وأضاف أن سعر الشقة "البدروم"، التي تقع تحت الدور الأرضي، و لا يدخلها هواء أو شمس، ومكونة من غرفة واحدة، وصل إلى 1500 و2000 جنيه في المناطق العشوائية في الهرم أو الهجانة بالقرب من مدينة نصر.

وتابع أنه يحاول من خلال معارفه وعلاقاته أن يطلب من السوادنيين المقيمين في مصر استضافة الوافدين بشكل مؤقت حتى لا ينامون في الشوارع.

 

واطلع موقع "الحرة" بالفعل على حساب أبو بكر في تويتر، والتغريدات التي أعلن فيها استعداده لمساعدة مواطنيه الهاربين من الحرب، لكن خلال إعداد هذا التقرير حذف أبو بكر تغريدة تتعلق بانتقاده ظروف السكن والإيجارات في مصر، ولم يتسن لنا معرفة الأسباب.

وقبل حذف التغريدة، أشار أبو بكر إلى أنه تلقى تهديدات، اعتبر أصحابها أن حديثه عن استغلال بعض الأشخاص أوضاع اللاجئين السودانيين في مصر، انتقادا للبلد المضيف.

وقال أبو بكر لموقع "الحرة" إنه لا يسعى نهائيا لرسم صورة سيئة عن مصر أو أهلها، لكنه يحاول تسليط الضوء على المعاناة التي يواجهها بعض السودانيين الذي وجدوا أنفسهم في مجتمع جديد وبلد لم يطأوا ترابه من قبل.

وأكد أبو بكر أن الكثير من المصريين تواصلوا معه لتقديم المساعدة، واستضافة بعض الأسر السودانية، ونظم شبان مصريون في الجامعات حملات تبرع لصالح الوافدين السودانيين.

ويتذكر الشاب السوداني بأسى واقعة رآها بعينه، وهي قدوم أسرة سودانية بصحبة ابنهما الطفل الذي يعاني من السرطان وفي مراحله الأخيرة.

وقال أبو بكر أن معظم السودانيين القادمين إلى مصر، جاءوا من دون أموال كافية لتوفير المسكن والمأكل، لأنهم تركوا ديارهم على عجل، ولأن البنوك في السودان أغلقت أبوابها بسبب القتال.

وطالب المنظمات الدولية المعنية، ومنها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمختصة بملفات اللاجئين السودانيين بضرورة حل مشكلة السيولة المادية حتى يتمكن السوادنيون من الحصول على أموالهم.

وتحدثت الفتاة السودانية، سلمى الطاهر، لموقع "الحرة" عن "تعليقات عنصرية" تعرضت لها هي وابنها الصغير أحيانا منذ وصولهما القاهرة، الأحد.

وتعتقد الطاهر إن الظواهر السلبية التي واجهتها حتى الآن ترتبط بمستوى التعليم والوعي، وليس بالثقافة أو العادات أو الناس.

وتحدثت الموظفة السابقة بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، هند أنيس، لموقع "الحرة" عن المشاكل التي تواجهها المفوضية منذ سنوات بسبب نقص التمويل والتي تلقي بآثارها على أوضاع السودانيين في مصر.

وأوضحت أنه من المفترض أن تخصص المفوضية منحة شهرية بملغ مادي محدد لجميع اللاجئين السودانيين، لكن هذه المبالغ تتوقف في كثير من الأحيان بسبب ضعف التمويل.

وأوضحت أن السودانيين في مصر يعانون من أزمات وصعوبات متعددة، من العنصرية، والتحرش، وقلة فرص العمل بسبب لونهم. ويواجهون إهمالا كبيرا من المنظمات الدولية بخلاف السوريين الذين يجدون الدعم الدولي والمادي.

وقالت أنيس إنه بسبب سوء أوضاع السودانيين في مصر، سواء المادية أو المعاناة من العنصرية، يخطط أغلبهم إلى الهجرة غير الشرعية من مصر إلى أوروبا ومنها إلى أي مكان في العالم.

وأضافت أن مصر تستضيف ملايين السودانيين منذ سنوات، وسيزداد العدد بعد الحرب، لكنها لا تستطيع وحدها تحمل تكلفة ونفقات هؤلاء الوافدين، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها حاليا، لذلك لابد من وقوف المجتمع الدولي مع مصر في حل أزمة السودانيين وتوفير جميع سبل الرعاية لهم.

وحظي السودانيون الذين دخلوا إلى أسوان بترحيب كبير من قبل المصريين الذين أطلقوا مبادرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم الدعم والمساعدة.

وأعلن مصريون في أسوان فتح بيوتهم للسودانيين بشكل مؤقت قبل توجههم لمدن أخرى شمالا، مثل القاهرة والإسكندرية.

ومن بين هؤلاء امرأة مصرية قالت لموقع "الحرة" إنها تفعل ذلك "لوجه الله".

تقول المرأة المصرية التي وافقت على التحدث، شريطة عدم الكشف عن هويتها، إن السودانيين يعيشون في "حال لا يعلم بها إلا الله"، مضيفة: "حالتهم النفسية سيئة مما يحدث (في بلدهم)، ولكنهم يحاولون إخفاء ذلك".

وقالت إن الذين ينزحون من الخرطوم يصلون إلى أسوان، ويبقون فيها لمدة يوم أو يومين قبل أن يسافروا مجددا إلى القاهرة.

وتابعت: "المصريون يحاولون المساعدة قدر الإمكان معنويا أو حتى ماديا .." مشيرة إلى أن السلطات الرسمية أيضا خففت الإجراءات لهم.

تقارير رسمية سودانية ومصرية أشارت إلى عودة مئات السودانيين من مصر.
تقارير رسمية سودانية ومصرية تحدثت عن عودة مئات السودانيين من مصر.

في يوم الجمعة من كل أسبوع، وفي حي الكلاكلة القبة بالخرطوم، عاصمة السودان، اعتادت الشقيقتان، نعمات وميادة عثمان، الالتقاء بصحبة عائلتيهما (زوجيهما وأبنائهما الست)، لممارسة طقوسهما المحببة، طهي الإيدام (البطاطس باللحم على الطريقة السودانية)، ثم التحلية بمديدة التمر (دقيق-حليب- سكر ومكونات أخرى)، وأخيرا الشاي.

منذ صغرهما، تعاهدت الشقيقتان، على ألا يفرقهما شيء في الحياة، لكن كان للقدر أو بالأحرى للحرب رأي آخر.

تقول التوأم: "تواعدنا أن يكون مصيرنا واحدا وألا يفرقنا شيء في الحياة".

حاولت الشقيقتان التمسك بعهدهما هذا حتى مع اندلاع الحرب في السودان ووصول الضربات إلى العديد من المناطق السكنية في الخرطوم وغيرها من المدن، وقررتا اللجوء إلى مصر طلبا للأمان، لكنهما واجهتا صعوبات مختلفة أجبرتهما على الافتراق للمرة الأولى في حياتهما.

قررت إحداهما (ميادة) العودة إلى الخرطوم، في ديسمبر الماضي، مثل آلاف السودانيين، رغم عدم إعلان انتهاء الحرب رسميا، واستمرار المخاطر الأمنية، والتردي الاقتصادي، ونقص الخدمات الصحية.

أدى اندلاع الحرب في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، شبه العسكرية، بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، منذ أبريل 2023، إلى نزوح أكثر من 11 مليونا داخليا، بينما لجأ 3,1 ملايين إلى الدول المجاورة، وعلى رأسها مصر، وفق الأمم المتحدة.

ومؤخرا، أشارت تقارير رسمية سودانية ومصرية إلى عودة مئات السودانيين من مصر، في أعقاب العملية العسكرية التي بدأها الجيش اعتبارًا من 26 سبتمبر الماضي، واستعاد خلالها مواقع عديدة في أم درمان والخرطوم وولاية سنار.

وأرجع عدد من النشطاء والمتخصصين في حديثهم لموقع "الحرة" سبب هذه العودة إلى الصعوبة التي يواجهها السودانيون في مصر نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وكذلك بسبب بعض العداء وحملات التحريض الشعبية ضد اللاجئين في مصر، والتي يظهر صداها في بعض المواقع الإعلامية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، رغم تأكيد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في يوليو الماضي، رفض أيِ تحريض ضد السودانيين في بلاده، ونوه إلى أنهم ضيوف مصر.

وتقدر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أعداد السودانيين المسجلين رسميا لديها والذين تستضيفهم مصر بأكثر من نصف مليون شخص، بينما تشير البيانات الأخيرة الصادرة عن الحكومة المصرية إلى أن أكثر من 1,2 مليون سوداني سعوا للحصول على الحماية الدولية في مصر.

معاناة تقنين الأوضاع

"لم أكن أتوقع أن أترك أختي في بلد ثاني، لكن الحقيقة الأوضاع في مصر سيئة بالنسبة للسودانيين بشكل أكبر مما تخيلته بكثير"، هكذا بدأت ميادة الحديث عن تجربتها في مصر لموقع "الحرة"، مضيفة "مع بداية الحرب في الخرطوم، خفت أنا وأختي على أولادنا، فقررنا اللجوء إلى مصر، على أن يحصلنا زوجينا في غضون أسابيع".

عادت ميادة بذكرياتها إلى تفاصيل رحلتها مع شقيقتها إلى مصر، قائلة "قطعنا طريقا طويلا وشاقا للوصول إلى الحدود، وعبرنا بطريقة غير نظامية، في يوليو 2023، وقضينا أسبوعا بأكمله في الصحراء، حتى وصلنا إلى المعبر، ودفع كل شخص مننا نحو 500 ألف جنيه سوداني (830 دولارا) للسفر في شاحنة صغيرة مع آخرين".

وأضافت "عندما وصلنا بصعوبة إلى معبر اشكيت البري بوادي حلفا على الحدود بين مصر والسودان، تخيلت أننا وصلنا بر الأمان، لكن الحقيقة كانت عكس ذلك، فما واجهناه داخل القاهرة كان أصعب بكثير".

وتطرقت ميادة إلي مشكلة التوثيق بمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة للتسجيل كطالبي لجوء والحصول على البطاقة الصفراء (بطاقة طالبي اللجوء)، قائلة إنه فور وصولهم إلى مصر في نهاية يوليو 2023، توجهوا جميعا إلى المفوضية، وتمكنت شقيقتها نعمات واثنان من أبنائها فقط من التسجيل في فبراير 2024، بينما حصل الباقون على مواعيد متفاوتة بعد عدة أشهر.

ظلوا ينتظرون بقلق بالغ موعد تسجيلهم كطالبي لجوء، وفي أغسطس الماضي، بعد قرار رسمي مصري، أمهل الأجانب والمقيمين في البلاد بشكل غير شرعي مهلة حتى سبتمبر 2024 لتسوية أوضاعهم. خلال هذه الفترة، واجهوا صعوبات في إيجاد عمل أو إلحاق أبنائهم بالمدارس أو إجراء أي تعاملات حكومية أو بنكية، وفقا لما ترويه ميادة.

تقول الناشطة السودانية في مصر وداد أحمد، في حديث لموقع "الحرة"، إن القاهرة أعفت في بداية الحرب النساء والأطفال والرجال السودانيين فوق سن الخمسين من متطلبات الحصول على تأشيرة. لكن بعد شهر من اندلاع النزاع، فرضت الحكومة المصرية الحصول على تأشيرة دخول لجميع السودانيين، ما دفع الكثير منهم إلى اللجوء إلى "معابر غير شرعية".

وتضيف: "في سبتمبر 2024، شددت مصر متطلبات الدخول، وألزمت الأشخاص الوافدين من السودان بالحصول على "موافقة أمنية مسبقة" إلى جانب تأشيرة قنصلية، وفق وزارة الداخلية المصرية".

ويلزم قرار تقنين الأوضاع أي أجنبي يقيم في مصر بشكل غير شرعي، بإيجاد مستضيف مصري وتسديد مصروفات تقدر بألف دولار، وهي الإجراءات التي يراها كثيرون "مكلفة ومعقدة"، على حد تعبيرها.

وأوضحت الناشطة السودانية أن "الحكومة المصرية ألزمت جميع السودانيين بالحصول على تأشيرة من أجل دخول البلاد، وقالت حينها إنها فرضت هذا الإجراء بعد رصد أنشطة غير مشروعة، منها إصدار تأشيرات مزورة".

أما عن المسار الذي يسلكه السودانيين فور وصولهم مصر، فقالت إنهم يتوجهون إلى المفوضية للحصول على بطاقة طالبي اللجوء، التي تعد بمثابة وثيقة قانونية للشخص، إذ توفر لهم حماية تمنع من إعادتهم قسريا للبلدان التي فروا منها، بحسب القانون الدولي، ويحصلون بموجبها على العديد من الخدمات، أبرزها الخدمات الصحية.

وأضافت أنه بعد الحصول على البطاقة الصفراء، يحصل طالبو اللجوء على موعد في إدارة الجوازات والهجرة المصرية، للتقدم بطلب إقامة رسمي في البلاد، لكن بسبب الضغط الهائل من آلاف المتقدمين، زادت مدة الانتظار للحصول على هذا الموعد لأكثر من سنة.

في المقابل، تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها ضاعفت من قدراتها لاستيعاب أعداد طالبي اللجوء التي تتزايد يوميا.

وتقول مسؤولة التواصل بالمفوضية، كريستين بشاي، إن "عدد طالبي اللجوء المسجلة قبل بدء الحرب في السودان كان نحو 294 ألف شخص، أما اليوم فيبلغ هذا العدد 731 ألف شخص، وهو يزداد بشكل يومي، ويمثل السودانيون 61٪ من نسبة طالبي اللجوء المسجلة لدى المفوضية".

غلاء ورفض وعداء

وتتحدث ميادة عن صعوبة الأوضاع المعيشية في مصر بسبب ارتفاع الأسعار، خاصة الإيجارات، فكان من الصعب على زوجها تلبية احتياجات الأسرة بسبب تدني الأجور، ولذلك اضطروا للعيش في شقة من 3 غرف مع شقيقتها وأبنائها وزوجها، أي كان عددهم 10 أفراد في الشقة، ما تسبب في خلاف مع المالك الذي قرر رفع الإيجار بأكثر من الضعف.

"حين قررنا المجيء إلى مصر كنا نأمل أن نبدأ حياة جديدة لأن الحياة في الخرطوم انتهت، وكنتُ أفضل تسوية الوضع القانوني لنا حتى نتمكن من الحركة بأريحية، لكن المبلغ المطلوب كبير بالنسبة لشخص قادم من وسط الحرب، ألف دولار للشخص ونحن خمسة أشخاص.. هذا مبلغ كبير، لا نملكه"، تتحسر ميادة.

في حديثها، تتطرق ميادة إلى أزمة أخرى يعاني منها أغلب السودانيين في مصر، وهي صعوبة إلحاق أبناهم بالمدارس بسبب غلاء المصروفات للمدارس الخاصة والدولية، وعدم استقبال المدارس الحكومية لأطفالهم بسبب زيادة الكثافة داخل الفصول.

وفي هذا الصدد، تقول الناشطة السودانية في مصر أمينة عباس لموقع "الحرة"، إنها "شخصيا تعرف الكثير من الأسر التي قررت العودة للسودان خصيصا بسبب عدم قدرتها إلحاق أبنائها بالمدارس في مصر، خاصة بعد الحملات الحكومية لإغلاق المدارس السودانية في مصر بسبب تدريس خريطة تفيد بأن حلايب وشلاتين سودانية، وليست مصرية".

ففي يونيو 2024، أغلقت السلطات المصرية عدداً من المدارس السودانية حتى "توفر الاشتراطات القانونية لممارسة النشاط التعليمي"، حسب بيان الحكومة.

أما عن الواقعة التي دفعتها للعودة إلى السودان رغم عدم استقرار الأوضاع هناك، فتقول ميادة إن "ابنتها ذات الاثنا عشر عاما تعرضت للتحرش الجسدي واللفظي على يد مجموعة من الأشخاص في المنطقة التي يعيشون بها في حي الهرم بمحافظة الجيزة، وعندما توجهت للشرطة للإبلاغ، لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة، بل وتم الاستهزاء بنا، وبعدها أُغلق المحضر بدون أي استدعاء للمتهمين".

وتضيف "وقتها قررت الرحيل إلى بلدي، فنحن لا يتم التعامل معنا على أننا بشر".

ويقول المحامي الحقوقي المصري كامل عبده لموقع "الحرة" إنه "للأسف في الآونة الأخيرة، "تعالت الأصوات السياسية والإعلامية المناهضة للاجئين في مصر، بل وتم ربط التدهور الاقتصادي بوجودهم، وأدت هذه الحملات إلى زيادة العنصرية والتضييق على الأجانب، خاصة السودانيين باعتبارهم الجالية الأكبر حاليا في مصر، سواء من قبل الشعب أو بعض سلطات إنفاذ القانون".

ويضيف: "هذه الحملات هدفها تشتيت الانتباه عن المشاكل السياسية والاقتصادية في مصر، وتحميلها لأطراف بعيدة وخارجية، مثل الأجانب واللاجئين".

العودة أسهل.. لكنها أخطر

وتحدثت ميادة عن رحلة عودتها إلى الخرطوم، قائلة إنها كانت أسهل من القدوم إلى مصر ولم تستغرق وقتا طويلًا، فقد انتقلت بالقطار من القاهرة إلى أسوان، ومن هناك إلى مدينة أبو سمبل، حيث تتواجد عشرات الحافلات التي تسهل عملية العودة والتي تتحرك يوميًا لنقل الركاب.

في المقابل، حذرت الناشطة السودانية في مصر أمينة عباس، في تصريح لموقع "الحرة"، من "خطورة تسرع بعض السودانيين في قرار العودة إلى السودان، خاصة بسبب الأوضاع الاقتصادية والتضييق الأمني تجاههم في مصر"، موضحة أنه لا توجد أرقام رسمية مؤكدة لإجمالي من رحلوا، خاصة أن منهم من دخلوا مصر بدون وثائق رسمية، لكن الإحصاءات غير الرسمية تشير إلى أنه خلال الشهور الأربع الماضية تجاوز عدهم 300 ألف شخص.

وأكدت أن "عودة السودانيين في الفترة الحالية تحمل مخاطر أمنية وصحية ضخمة، في ظل عدم انتهاء الحرب بشكل تام، واستمرار تفشي الأمراض وانهيار البنية التحتية والوضع الاقتصادي".

"رغم الحرب والخوف، الأمر الوحيد الذي كان يشعرني بالاطمئنان هو أننا معا وسنعود أيضا معا، ولم أكن أتخيل أن هذا الطريق من الخرطوم للقاهرة ستعود عليه إحدانا بمفردها تاركة الأخرى"، هكذا تروي نعمات، شقيقة ميادة جانبها من القصة.

وتقول: "بعد أن أنفقنا كل مدخراتنا في القاهرة، فالآن أصبحنا أمام خيارين كلاهما مر، إما تحمل صعوبة الأوضاع في مصر أو العودة إلى خطر الحرب والموت في السودان".