تتواصل المعارك، الجمعة، في الخرطوم وإقليم دارفور بغرب السودان رغم الإعلان عن تمديد الهدنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلال النزاع الدامي المستمر منذ منتصف الشهر الجاري والذي أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص.
في الساعات الأخيرة قبل انتهاء هدنة من ثلاثة أيام لم يتمّ الالتزام بها فعليا، أعلن الجيش بقيادة، عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو، موافقتهما على تمديد وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة إضافية، بمساع أميركية وسعودية.
وقال مراسل لرويترز إن الدخان الكثيف تصاعد فوق منطقتين في بحري. وقالت محاسن العوض (65 عاما)، وهي من سكان بحري "الوضع هذا الصباح مخيف جدا. نسمع أصوات الطائرات والانفجارات. لا نعرف متى سينتهي هذا الجحيم".
وتابعت: "نحن في حالة خوف دائم على أنفسنا وأطفالنا". ويوجه الجيش السوداني ضربات جوية بطائرات مقاتلة أو مُسيرة لقوات الدعم السريع المنتشرة في أحياء بالعاصمة.
واتهمت قوات الدعم السريع في بيان، الجمعة، الجيش بانتهاك اتفاق هدنة توسطت فيه الولايات المتحدة والسعودية من خلال شن ضربات جوية على قواعدها في أم درمان، المدينة الشقيقة للخرطوم الواقعة على الضفة الأخرى من النيل، وجبل الأولياء.
واتهم الجيش قوات الدعم السريع بإطلاق النار على طائرة إجلاء تركية أثناء هبوطها في مطار وادي سيدنا خارج الخرطوم اليوم الجمعة، قائلا إن أحد أفراد الطاقم أصيب وتضررت خزانات الوقود. وقال الجيش في بيان إن الطائرة تمكنت من الهبوط بسلام ويجري إصلاحها.
وقالت قوات الدعم السريع إن ضربات الجيش الجوية تعرقل جهود الإجلاء التي تقوم بها البعثات الدبلوماسية الأجنبية.
ومنذ 15 أبريل، أُعلن عن هدن عدة، سجلّ خلال بعضها تراجع محدود في حدة المعارك ساهم في حصول عمليات إجلاء رعايا أجانب، لكنها لم يتم الالتزام بها بشكل ثابت.
وفي بيان مشترك صدر في واشنطن، رحّب أعضاء الآلية الثلاثية (الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية والأمم المتحدة) والرباعية (السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة) باستعداد طرفي النزاع "الانخراط في حوار من أجل التوصل إلى وقف دائم للأعمال القتالية وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق".
وأضاف البيان أن "هذه المرحلة الدبلوماسية الأولية ستساهم في وقف دائم للأعمال القتالية وفي الترتيبات الإنسانية وتطوير خطة لخفض التصعيد". ورحبّت دول عدّة بتمديد اتفاق وقف إطلاق النار، ودعت إلى تنفيذه بالكامل.
على الأرض، القتال يتواصل. وأفاد شهود عن تبادل قصف في الخرطوم، الجمعة، تستخدم فيه طائرات عسكرية تابعة للحيش ومدفعية ثقيلة تابعة لقوات الدعم السريع.
وأطلقت منظمات ناشطة، الجمعة، جرس الإنذار بشأن الوضع في دافور حيث تدور معارك دامية، لا سيما قرب الحدود التشادية.
وتحدّثت هيئة محامي دارفور عن ظهور مقاتلين مزودين بـ "برشاشات وقذائف أر بي جي ومضادات للطائرات" في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، "أطلقوا قذائف على المنازل". وطالبت الهيئة "البرهان وحميدتي بوقف فوري لهذه الحرب العبثية".
وقالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في بيان إن هناك "عمليات نهب وحرق واسعة طالت الأسواق والمرافق الحكومية والصحية ومقرات منظمات طوعية وأممية والبنوك" في الجنينة. وذكرت أن "الأحداث الدموية لا تزال جارية" في المدينة "مخلفة عشرات القتلى والجرحى".
وتحدثت الأمم المتحدة عن "توزيع أسلحة على المدنيين" في دارفور.
وحذّرت الأمم المتحدة التي علّقت نشاطها بالسودان بعد مقتل خمسة من موظفيها في الأيام الأولى للمعارك، من أن خمسين ألف طفل يعانون من "نقض تغذية حاد" محرومون من أي مساعدة غذائية في دارفور.
ويصعب الحصول على معلومات دقيقة عمّا يجري في الإقليم الذي شهد في العام 2003 حربا دامية استمرت سنوات بين قوات الرئيس السابق المعزول، عمر البشير، شاركت فيها قوات الجنجويد (قوات الدعم السريع بقيادة دقلو)، ومتمردين متحدرين من أقليات إتنية، وتسبّبت بمقتل قرابة 300 الف شخص ونزوح 2,5 مليون.
نزوح جماعي
ولم يعرف السودان استقرار منذ العام 2019. وأطاح الجيش في أبريل من تلك السنة بعمر البشير تحت ضغط احتجاجات شعبية عارمة ضده. وتقاسم السلطة بعد ذلك مع مدنيين قادوا هذه الاحتجاجات.
وفي أكتوبر 2021، نفذ البرهان ودقلو انقلابا أطاح بالمدنيين من الحكم، قبل أن يبدأ بينهما صراع على السلطة انفجر أخيرا عسكريا.
ويسعى سكان الخرطوم البالغ عددهم خمسة ملايين إلى الفرار من المدينة التي تشهد انقطاعا في الماء والكهرباء والاتصالات وأزمة وقود، بالإضافة الى القصف المتواصل. وتسبّب القتال بنزوح جماعي في البلد الذي يعدّ من أفقر بلدان العالم.
ووصل عشرات الآلاف من السودانيين لدول مجاورة وخصوصا إثيوبيا إلى شرق السودان ومصر إلى شمالها. وتقول الأمم المتحدة إن 270 ألفا يمكن أن يفروا الى تشاد وجنوب السودان.
ويغادر الأجانب غالبا عبر البحر من بورتسودان (شرقا)، أو في طائرات تنطلق من قواعد عسكرية. ووصلت سفينة سعودية، مساء الخميس، إلى جدة حاملة 2744 شخصا من جنسيات مختلفة أجلتهم الرياض.
ونفّّذت دول عدة، لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، عمليات إجلاء خلال الأيام الأخيرة.