السودانيون يهربون من السودان إلى مصر عبر المعابر البرية
السودانيون يهربون من السودان إلى مصر عبر المعابر البرية

تعود السودانية، أميرة عبد المنعم أحمد سرور، إلى مصر، التي درست فيها قبل 20 عاما، لكن هذه المرة مجبرة، حيث هربت من الحرب الطاحنة في بلدها، والتي أودت بحياة نحو 574 شخصا، وتسببت في نزوح كبير إلى البلدان المجاورة.

وفي وقت تنظم حكومات أجنبية في الأيام الأخيرة، عمليات إجلاء لمواطنيها ودبلوماسييها من السودان في ظل احتدام المعارك، لا يجد السودانيون إلا المعابر الحدودية أمامهم للفرار، خاصة إلى مصر التي تجمعها حدود طويلة مع السودان.

رحلة مرهقة.

تروي أميرة عبد المنعم لموقع "الحرة" كيف خاضت رحلة مرهقة رفقة زوجها وابنتها التي تشتغل طبيبة، من الخرطوم إلى مصر، وعلى طول الطريق انعدمت المساعدة من الجميع، بمن فيهم الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وعاتبت عبد المنعم السلطات المصرية ونظيرتها السودانية أيضا.

واستقبلت مصر نحو 16 ألف شخص عبروا الحدود من السودان بينهم 14 ألف سوداني، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز"، الخميس، عن بيان وزارة الخارجية المصرية.

ووصل عشرات آلاف السودانيين إلى دول مجاورة. وتقول الأمم المتحدة إن 270 ألفا يمكن أن يفروا إلى تشاد وجنوب السودان.

ويسعى سكان الخرطوم البالغ عددهم خمسة ملايين إلى الفرار من المدينة التي تشهد انقطاعا في الماء والكهرباء والاتصالات وأزمة وقود، بالإضافة إلى القصف المتواصل.

وبحزن تقول عبد المنعم إن خمس سيدات توفين أثناء الرحلة القاسية، وتروي كيف أمضوا خمسة أيام في الطريق في ظروف سيئة جدا، وحتى بعد وصولهم إلى المعبر لم تشفع لهم ظروفهم المزرية في تلقي المساعدة، إذ بقيت أبواب المعبر مغلقة لثلاث أيام، بحسب قولها.

واندلعت المعارك بين الجيش بقيادة، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، والأخير كان نائبا للبرهان في رئاسة مجلس السيادة الانتقالي في البلاد الذي كان من المفترض أن يقود البلاد إلى حكومة مدنية.

وأميرة التي تخرجت من جامعة أسيوط قبل 20 عاما، استغربت الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي الرافضة لاستقبال السودانيين، وقالت إن من بين القادمين إلى مصر من هم في أوضاع اقتصادية جيدة ويرفضون كلمة "لاجئين".

كما استغربت ربط البعض بين قدوم السودانيين وتدهور الاقتصاد المصري وانخفاض الجنيه.

لا مياه ولا أدوية

ولم يكن، أحمد عمر محمد أحمد، أكثر حظا من مواطنته، أميرة عبد المنعم، إذ بدوره كان شاهدا على تفاصيل معاناة لسودانيين اختاروا الهروب إلى مصر.

ويروي محمد أحمد لموقع "الحرة" كيف قضوا ساعات طويلة أحيانا من دون أن يحصلوا على مياه صالحة للشرب، وحتى إن توفر بعضها تكون "سلامتها" غير مؤكدة.

ويروي الطبيب الشاب البالغ من العمر 23 عاما أن رحلتهم شهدت مشاكل طبية طارئة خاصة لمن يعانون من أمراض مزمنة كالسكري والضغط الذين تدهورت حالتهم بسبب عدم تناولهم أدويتهم لأيام.

ويقول محمد أحمد إنه شكل رفقة أصدقائه مجموعة للمساعدة لكن بسبب النقص الكبير في الإمدادات الطبية الأساسية كان لجهودهم تأثير قليل.

وأوضح الطبيب الشاب أنه أمضى أربعة أيام في الجانب السوداني من معبر "أرجين" مشيرا إلى أن الوضع في الجانب المصري كان أفضل، إذ كان هناك مستشفى ميداني يساعد من عبر من السودان.

وتوقع محمد أن تؤثر ظروف رحلات الهروب على الوضع الصحي بالمعابر، إذ بسبب غياب دورات المياه قد يسبب التهابات المسالك البولية، كما يسبب نقص المياه الصالحة للشرب في مشاكل صحية أخرى.

وكان طالب مصري روى لموقع "الحرة" قصة هروبة المرعبة من السودان التي كان يدرسها بها وصولا إلى بلده مصر. وكشف عن تفاصيل معاناته مدة أسبوع في شهر رمضان، طوال مدة حصار منزله، قائلا إنهم ظلوا محبوسين بلا طعام أو شرب أو حتى كهرباء أو ماء، وخلال تلك الفترة لم يتوقف الرصاص وطلقات المدافع التي وصلت إلى غرفة نومه، حتى في فترات إعلان الهدنة. حتى قرر خوض رحلة الهروب من الموت ليعود إلى بلده.

قوى دولية تسعى لإجراء محادثات سلام في السودان
رحلة الرعب.. طالب مصري يروي لـ"الحرة" تجربة هروبه من "الموت" في السودان
لم يكن يتخيل أن يتحول الطريق إلى حلمه بكلية الطب إلى إنذار بالموت في أي لحظة، لكن باستيقاظه على أصوات طلقات المدافع والدبابات التي تحاصر منزله في الخرطوم، أدرك الشاب المصري محمود السيد محمد، الذي يدرس الطب البشري في كلية المنهل بالسودان، أنه لا مفر من الهروب عائدا إلى موطنه في مصر.

وشهد محمود الحرب في السودان منذ بدايتها من خلال محاصرة قوات الجيش النظامي وقوات الدعم السريع محل سكنه في المبنى الذي يضم عدد من الطلاب، وحدث تبادل لإطلاق النار واستخدام أسلحة ثقيلة ومدرعات واخترق الكثير من الرصاص جدر

ويخوض حليفا الأمس اللذان قادا انقلابا أطاح المدنيين من الحكم عام 2021، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدا دقول المعروف بـ "حميدتي"، صراعا على السلطة أودى بحياة المئات خلال أسبوع، وفشلت معه كل مساعي التهدئة.

ويفر السودانيون من الحرب وتأثيرها على كل مناحي حياتهم، وحذرت الأمم المتحدة التي علقت نشاطها في السودان بعد مقتل خمسة من موظفيها في أولى أيام المعارك، من أن خمسين ألف طفل يعانون "نقص تغذية حادا" محرومون من أي مساعدة غذائية في دارفور.

الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية - رويترز
الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية - رويترز

"سنقاتلهم 21 عاما".. هكذا توعد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الجيش السوداني، بعد اعترافه بخسارة مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة.

لكن هذه الكلمات "لا تعبر سوى عن حجم الهزائم التي تتلقاها قوات دقلو خلال الأسابيع الأخيرة أمام الجيش"، وخصوصا في ولاية الجزيرة وسط البلاد، وفي الخرطوم أيضًا.. هذا ما يراه محللون تحدث معهم موقع "الحرة".

وكان الجيش السوداني قد أعلن، السبت، السيطرة على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، بعد نحو عام من إحكام قوات الدعم السريع قبضتها عليها.

وتأكيدا على حديث دقلو الذي جاء في تسجيل صوتي بثته وسائل إعلام محلية، كتب مستشار قائد الدعم السريع، الباشا طبيق، في تغريدة على منصة إكس: "انسحاب قوات الدعم السريع من مدني لا يعني الهزيمة ولا خسارة المعركة.. مسيرة النضال مستمرة ولو استمرت الحرب لمدة ألف عام".

ومنذ أبريل 2023 تدور حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق دقلو. وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون سوداني.

ماذا يعني تصريح دقلو؟

قال المحلل السياسي السوداني، محمد تورشين، في تصريحات لموقع "الحرة"، إن حديث قائد قوات الدعم السريع "تتكرر بعد الهزائم المتكررة، وتعكس حجم الانهيار والتراجع في قواته".

ويتقدم الجيش السوداني في مناطق مختلفة، حيث أعلن في بيان، الأحد، أن قواته تستعد لدخول العاصمة الخرطوم، "في أية لحظة".

وسيطر الجيش في وقت سابق الأحد، على مجمع الرواد السكني، جنوبي العاصمة، كما سيطر على مدينة تمبول شرق ولاية الجزيرة.

وقال تورشين للحرة، إن ود مدني "لها أهميتها الجيوستراتيجية، فالجيش أعاد السيطرة على منطقة تعد حلقة وصل بين شرقي وجنوبي وغربي السودان. هذا إنجاز مهم".

الباحث المختص بشؤون حل النزاعات، بابكر فيصل، أوضح من جانبه للحرة، أن السيطرة على ود مدني "يمثل تحوّلا كبيرا لصالح الجيش، وكان واضحا أنه منذ مفاوضات جنيف كان يعمل على تعديل موازين القوى على الأرض، قبل الدخول في أي مفاوضات".

وتابع: "كان يركز على مدني والخرطوم".

وكانت مباحثات قد أجريت في سويسرا بأغسطس الماضي، دعت إليها الولايات المتحدة، سعيا لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع. 

وحضر ممثلو قوات الدعم السريع المفاوضات في جنيف، في حين غاب عنها ممثلو الجيش.

ورغم عدم مشاركة الجيش بشكل في المفاوضات في جنيف، فإن المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، حينها رأى أن المحادثات "حققت بعض النجاح، من خلال التركيز الدولي على السودان، في وقت كان فيه العالم يحوّل انتباهه بعيدا".

وتعدُّ ود مدني، الواقعة على ضفاف النيل الأزرق، بوابة تمكنت قوات الدعم السريع من خلالها من توسيع سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والقرى في وسط السودان، بما في ذلك ولايتي الجزيرة وسنار.

وتتمتع منطقة الجزيرة بأهمية، كونها واحدة من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في البلاد.

سنوات أخرى من القتال؟

الحرب المأساوية في البلاد، تسببت في حاجة نحو 30 مليون شخص في السودان، أكثر من نصفهم أطفال، إلى المساعدة، وفق بيان للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي.

وأسفرت الحرب عن مقتل الآلاف، وسط تقديرات تتراوح بين 20 ألفا و150 ألف شخص، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 11 مليون نازح.

وتعتبر الأمم المتحدة أن الأزمة الناتجة عن الحرب في السودان، هي إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث.

ويأمل فيصل في أن يكون تقدم الجيش "توجها نحو التفاوض ولا يقود إلى استمرار الحرب لفترة طوية"، مضيفا في حديثه للحرة: "تجاربنا في السودان تقول إن الحروب تنتهي عبر التفاوض، واستمرار الحرب سيقود إلى تفكيك وتفتيت البلاد".

لكن في الوقت نفسه، أعرب عن اعتقاده بأن "المعارك ستحتدم خلال الفترة المقبلة في الخرطوم ومناطق أخرى، في محاولة من الجيش للتمدد، وسعي الدعم السريع للتمسك بالأرض قبل أي مفاوضات".

من جانبه، قال تورشين إنه لا يعتقد بأن التقدم العسكري سيقود إلى مفاوضات، حيث يرى أن "أي حل سياسي سيتطلب دمج الفصائل المسلحة في الجيش، وتقديم من ارتكبوا جرائم إلى العدالة"، مضيفا: "لا أعتقد أن دقلو أو الجهات الداعمة له ستقبل بمثل هذه الأمور".

وتابع: "قوات الدعم السريع لا يمكنها تقديم تنازلات أو تفاهمات من شأنها إيقاف الحرب وتوحيد المؤسسة العسكرية، لأن ذلك يعني نهاية آل دقلو والمجموعة المتحكمة في الدعم السريع".

وعاد توشين وأشار إلى تصريح دقلو بأنه سيحارب "21 عاما"، منوها بتوعده السودانيين بالقتال لفترة طويلة.

دور للعقوبات؟

قالت الولايات المتحدة إن عناصر القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ارتكبوا "جرائم ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا".

وزير الخارجية أنتوني بلينكن، قال أيضا في بيان، الثلاثاء، إنه "بناءً على هذه المعلومات، توصّلتُ الآن إلى أن أفراد قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، ارتكبوا عمليات إبادة جماعية في السودان".

وفرضت واشنطن، الأسبوع الماضي، عقوبات على دقلو، بالإضافة إلى 7 شركات وفرد واحد مرتبطين بهذه القوات.

ويرى فيصل أنه "لابد من ملاحقة مرتكبي الجرائم وعدم إفلاتهم من العقاب، لكن عبر لجان تقصي حقائق وآلية دولية مستقلة للتحققيق والمحاكمة".

وأشار إلى أن الولايات المتحدة ودول أوروبية أصدرت عقوبات سابقة على قيادات لدى طرفي الصراع في السودان، بسبب اتهامهم بارتكاب جرائم حرب، "لكن العقوبات الأخيرة شملت الإبادة الجماعية".

خاص- مئات جرائم الاغتصاب في السودان وفيديوهات توثق "الفخر القبيح"
مع بداية الحرب في السودان، ترصد وحدة مكافحة العنف ضد المرأة الانتهاكات التي تمارس ضد النساء، وبشكل خاص من طرف قوات الدعم السريع.

ومع قرار الولايات المتحدة، الثلاثاء، فرض عقوبات على قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لارتكاب جرائم من بينها اغتصاب النساء، قالت رئيسة الوحدة، سليمة إسحق، إن عدد حالات الاغتصاب التي تم رصدها تجاوزت 550 حالة.

وقال: "نتمنى أن يمثل ذلك ضغطا على الأطراف لوقف القتال، والتوجه إلى التفاوض والحوار".

وأفاد تقرير أممي في ديسمبر، بأن المجاعة تتفشى "في 5 مناطق على الأقل" في السودان، وتطال على وجه الخصوص مخيمات اللاجئين والنازحين من الحرب التي تشهدها البلاد.

وتوقع تقرير لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن تعاني 5 مناطق إضافية من المجاعة بين الشهر الجاري ومايو 2025.

تورشين قال عن العقوبات إنها "لن توقف دعم دول بعينها مثل الإمارات لقوات الدعم السريع"، وأضاف أن "الإسلاميين هم الدافع الأساسي لتدخل الإمارات، فهي بحاجة إلى تطمينات، وعدا ذلك أعتقد بأنها ستواصل دعمها لقوات الدعم السريع".

يذكر أن الجيش السوداني اتهم الإمارات مرارا بدعم قوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه الدولة الخليجية تماما.

أما فيصل فرأى أن العقوبات وحدها "لن تكون السبيل للوصول إلى الحقائق على الأرض"، معتبرا أنه "يمكن حدوث ذلك عبر آلية مستقلة دولية تقدم فيها كل البلدان المعلومات التي لديها، لملاحقة الجناة ومرتكبي الجرائم".