Sudanese Army soldiers rest near a tank at a checkpoint in Khartoum on April 30, 2023, as clashes continue in war-torn Sudan. -…
"أصبحت السلع الأساسية شحيحة في المراكز الحضرية الأشد تضررا"

حذر منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة، مارتن غريفيث، من أن الوضع الإنساني في السودان على وشك الانهيار، وذلك بعد أسبوعين من اندلاع الاقتتال بين الجيش و"قوات الدعم السريع" شبه العسكرية في الخرطوم ومناطق أخرى، حسب ما نقلت أخبار الأمم المتحدة.

وأضاف غريفيث: "أصبحت السلع الأساسية شحيحة في المراكز الحضرية الأشد تضررا، وخصوصا الخرطوم".

وأوردت أخبار الأمم المتحدة قوله إن الأسر تكافح للحصول على المياه والغذاء والوقود والسلع الأساسية الأخرى، شارحا أن تكلفة النقل من المناطق الأكثر تضررا ارتفعت بشكل كبير، ما جعل الفئات الأكثر ضعفا غير قادرة على الوصول إلى مناطق أكثر أمانا.

وقال غريفيث إن الوصول إلى الرعاية الصحية العاجلة، بما في ذلك للمصابين في أعمال العنف مقيد بشدة، مما يزيد من مخاطر حالات الوفاة التي يمكن الوقاية منها.

وحذر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية أيضا من الآثار الكارثية التي تلحق بالصحة النفسية، وخصوصا بالنسبة للأطفال والشباب، مشيرا، حسب أخبار الأمم المتحدة، إلى أن المنظمة الدولية وشركاءها يبذلون قصارى جهدهم لاستعادة جهود الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في البلاد.

ولفت إلى أن النهب المكثف لمكاتب ومستودعات المنظمات الإنسانية تتسبب في استنفاد معظم الإمدادات.

وقال غريفيث: "نحن نستكشف طرقا عاجلة لجلب وتوزيع إمدادات إضافية".

وأفاد بوصول شحنة تحتوي على خمس حاويات من السوائل الوريدية وإمدادات الطوارئ الأخرى إلى ميناء بورتسودان، في انتظار الموافقة عليها من قبل السلطات، حسب موقع المنظمة.

ونقل موقع منظمة الأمم المتحدة رسالة غريفيث إلى الأطراف المتنازعة، وجاء فيها: "احموا المدنيين والبنية التحتية المدنية، اضمنوا مرورا آمنا للمدنيين الفارين من مناطق القتال. احترموا العاملين في المجال الإنساني والأصول. سهلوا عمليات الإغاثة. احترموا الطواقم الطبية ووسائل النقل والمرافق وتوقفوا عن استخدامهم كدروع".

وأعلن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الأحد، تمديد الهدنة التي تنتهي منتصف الليل لمدة ثلاثة أيام رغم خرقها باستمرار منذ بدئها، فيما قرر الأمين العام للأمم المتحدة إيفاد مسؤول كبير إلى المنطقة في ظل الوضع "غير المسبوق" في السودان، حسب تقرير لفرانس برس.

وقال الجيش في بيان إنه بناء على المساعي السعودية والأميركية "وافقت القوات المسلحة على تمديد الهدنة" مؤكدا "جاهزيته التامة للتعامل مع أي خروقات".

وبدورها أعلنت قوات الدعم السريع "تمديد أجل الهدنة الإنسانية لـ72 ساعة" استجابة "لنداءات دولية وإقليمية ومحلية". وقالت إنها ستلتزم بوقف إطلاق النار "رغم الخروقات المستمرة" من قبل الجيش.

وأوفد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش غريفيث إلى المنطقة في ضوء وضع "غير مسبوق"، حسب ما نقلت فرانس برس.

وقال المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك في بيان إن "الأحداث في السودان تحصل بنطاق وسرعة غير مسبوقين"، مبديا "قلقه الكبير" وداعيا "جميع الأطراف" الى حماية المدنيين والسماح لهم بمغادرة مناطق المعارك، حسب فرانس برس.

ونقلت الوكالة الفرنسية أن السودان غرق في الفوضى منذ انفجر في منتصف أبريل الصراع الدامي على السلطة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقّب "حميدتي".

وأوقعت الحرب ما لا يقل عن 528 قتيلا و4599 جريحا، وفق أرقام أعلنتها وزارة الصحة السبت، لكن يرجح أن تكون الحصيلة أعلى، وفق فرانس برس.

وأفاد شهود عيان وكالة فرانس برس بوقوع اشتباكات الأحد قرب مقر الجيش في الخرطوم، وتعرض مدينة أم درمان غربي العاصمة لقصف جوي.

ومن جنوب الخرطوم قال شاهد عيان لفرانس برس "هناك قتال عنيف جدا وإطلاق نار كثيف في الشارع كل بضع دقائق منذ الصباح الباكر".

ومع دخول المعارك أسبوعها الثالث، لا تزال العائلات في العاصمة البالغ عدد سكانها حوالي خمسة ملايين نسمة، وضواحيها، تعاني من نقص الغذاء والمياه والكهرباء والسيولة النقدية ويقبع الكثيرون منهم في المنازل، حسب فرانس برس. ونزح عشرات آلاف الأشخاص في الداخل أو إلى البلدان المجاورة، فيما تنظم عدة دول أجنبية وعربية عمليات إجلاء واسعة.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".