عشرات الآلاف من السودانيين فروا من الخرطوم بسبب الاشتباكات الدامية بين الجيش وقوات الدعم السريع
عشرات الآلاف من السودانيين فروا من الخرطوم بسبب الاشتباكات الدامية بين الجيش وقوات الدعم السريع

رغم أنها إثيوبية الأصل، تعتبر هلين ألِم السودان وطنها الأول، ولم تزر إثيوبيا إلا مرة وحدة منذ مدة طويلة بسبب المخاطر الأمنية، مع ذلك، كان عليها المخاطرة لإنقاذ أسرتها، عندما اندلعت المواجهات المسلحة في السودان منتصف الشهر الماضي. 

كانت ألِم المولودة في السودان من أب وأم إثيوبيين، تعيش في حي "حلة حمد" في منطقة الخرطوم بحري، قبل أن تضطر إلى الفرار مع زوجها السوداني وأطفالهما الثلاثة. 

تقول لموقع "الحرة": "كان البيت يهتز بشدة من القصف والرصاصات الطائشة والشظايا كانت تصل إلينا داخل شقتنا، كنا نعيش في رعب". 

وسقط مئات القتلى وآلاف المصابين منذ تحولت صراعات قديمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان إلى اشتباكات بمختلف الأسلحة في 15 أبريل.

مئات القتلى بسبب الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان

في اليوم الثالث من الصراع العسكري، "كان الوضع لا يحتمل، فتركنا كل شيء وراءنا حتى الأوراق، وانتقلنا إلى منطقة الصافية في الخرطوم بحري، كان الوضع أهدأ رغم أننا لم نكن ننام أيضا من صوت الاشتباكات، لكن كانت الحياة صعبة للغاية مع انقطاع المياه والكهرباء، ولا وجود للخبز".  

وتشهد إمدادات الطاقة والمياه حالة من عدم الاستقرار مع شح المعروض من الطعام والوقود وتوقف معظم المستشفيات والعيادات وارتفاع تكلفة النقل مما يجعل المغادرة أمرا صعبا.

واضطرت الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى إلى تعليق عملها في السودان بسبب انعدام الأمن وإجلاء معظم الموظفين الأجانب لكن برنامج الأغذية العالمي قال إنه استأنف أنشطته الاثنين بعد مقتل موظفين تابعين له في وقت مبكر من الحرب.

"لا أفق"

وقالت أَلِم لموقع "الحرة: "بعد نحو أسبوعين من الحرب، وعدم وجود أفق لانتهائها واقتناعنا بأن الأمور ستكون أسوأ، فكرنا في الخروج من السودان، فاضطررنا إلى العودة إلى شقتي تحت وابل من الرصاص والعديد من الحواجز التفتيشية سواء من جانب الجيش أو قوات الدعم السريع، لجلب أوراقنا". 

تحركت هلين ألِم وأسرتها من الخرطوم يوم الخميس الماضي ووصلت إلى إثيوبيا السبت. واتخذ آلاف السودانيين نفس مسار ألِم. 

تقول: "كان كل همنا وتفكيرنا بشأن كيفية الخروج من الخرطوم بحري، فبقاؤنا كان أكثر خطرا من مغامرة الهرب من العاصمة"، مضيفة: "تم إيقافنا كثيرا وتفتيشنا لكن ما كان يسهل الأمور هو أننا كنا نتنقل كأسرة ومع أسرة أخرى في نفس السيارة". 

وأضافت: "أثناء خروجي من الخرطوم بحري رأيت بنفسي جثثا ملقاة في الشوارع، وبيوتا وقد تهدمت وأخرى حرقت ومتاجر نهبت، ولصوصا يحاولون سرقة الناس".  

في الطريق إلى ولاية القضارف وصلت الأسرة في ست ساعات، رغم أن الطريق يأخذ أربع ساعات فقط عادة، وذلك بسبب كثرة التفتيش، "ثم اتجهنا إلى منطقة القلابات على الحدود مع إثيوبيا، وهناك ختمت جوازي، لكن اضطررت إلى انتظار حصول أولادي على تأشيرة بثمانين دولارا لكونهم سودانيين، فوقفنا لأكثر من ساعتين ونصف بسبب الازدحام". 

بعد انتهاء إجراءات الأسرة في المعبر الحدودي وتأجيرهم سيارة "لم نتحرك مباشرة، حيث طلب منا الانتظار حتى تكون هناك قوة من الجيش الإثيوبي لمرافقتنا وأيضا حتى يمتلئ عدد معين من السيارات".  

وتقول: "وصلنا إلى منطقة تسمى شادي، ليست بعيدة عن مدينة متمة الحدودية، وهناك طلب منا الجيش الإثيوبي الانتظار حتى الصباح لأن الطريق غير آمن". 

وأضافت: "تحركنا في اليوم التالي في العاشرة صباحا تقريبا، وكنا نقف كثيرا على طول الطريق "تفتيش في كل منطقة، حتى وصلنا إلى منطقة تسمى جُندَر". 

"مغامرة كبيرة"

وبينما كان المهندس في دولة الإمارات هشام عوض يقضي وأسرته إجازة في وطنه الأم، السودان، اندلع الصراع وأصبحت منطقته كافوري في الخرطوم بحري موقع اشتباكات بسبب وجود معسكر لقوات الدعم السريع بالقرب من بيته. 

"في اليوم الرابع من الحرب، أخذت قراري بضرورة مغادرة السودان، كانت مغامرة كبيرة بالسفر مع زوجتي وأطفالي الأربعة، لكن الأخطر كان البقاء في بيتي في منطقة الاشتباكات حيث كان الناس يموتون في بيوتهم بسبب الرصاصات الطائشة والقصف الجوي"، يقول عوض لموقع "الحرة". 

بدأت رحلة عوض الخطيرة في وقت لم تكن قد بدأت فيه عمليات الإجلاء الدولية، "اتخذت الطريق الأصعب، وهو الخروج إلى إثيوبيا حيث أنه كان الحل الوحيد مع عدم وجود طيران، ولأن مصر تحتاج تأشيرة للدخول لمن هم في فئتي العمرية". 

يتابع عوض: "كانت الرحلة مليئة بالمتاعب بسبب شح الوقود والنقود، حيث كانت محطات البنزين مغلقة وكان علينا أن نبحث عمن يبيعون الوقود في السوق السوداء بأموال طائلة، وفي نفس الوقت لم يكن معنا أموال، فكنا نتواصل مع أصدقاء لنا يعرفون شخصا في كل منطقة من أجل أن يساعدنا للوصول إلى الحدود بسلام". 

وصل عوض وأسرته إلى مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة "ثم بتنا هناك يوما ثم تحركنا إلى ولاية القضارف وبتنا فيها يوما آخر، ثم وصلنا إلى الحدود السودانية الإثيوبية، وحصلنا على التأشيرة على المعبر". 

ويقول "في المعبر كان هناك سودانيون آخرون من ولاية القضارف يريدون أن يفروا إلى إثيوبيا خوفا من توسع رقعة المعارك، وألا تتوقف على الخرطوم وحدها"، مشيرا إلى أن رحلته التي تقطع عادة في أقل من يوم، قطعها في أربعة أيام. 

وقال رؤوف مازو مساعد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن المفوضية تتوقع خروج 815 ألف شخص من السودان من بينهم 580 ألف سوداني بالإضافة إلى لاجئين أجانب يعيشون الآن في البلاد، مضيفا أن نحو 73 ألفا غادروا البلاد بالفعل.

"خياري الأول كان عن طريق مصر"

وكان على السوداني عبد اللطيف محمد أن يعود إلى عمله في سلطنة عمان بعد العيد مباشرة، لكن الاشتباكات أجبرته على البقاء في الخرطوم. 

وقال لموقع "الحرة": "عندما جاءت الفرصة للخروج من الخرطوم تحركت عبر القضارف ثم إلى الحدود وأنا الآن في مدينة تسمى جندر في إثيوبيا، وأعتزم السفر إلى أديس ابابا ومن هناك إلى سلطنة عمان، لكن أسرتي موجودة كلها في السودان". 

كان خيار محمد الأول هو الخروج عبر مصر "حاولت فعلا لكن الطريق كان مزدحما للغاية ووسائل النقل لم تكن كافية، فضلا عن الاستغلال الحاصل، حيث كانت التذكرة تباع قبل الأحداث بـ25 ألف جنيه سوداني، وأصبحت بـ400 ألف جنيه سوداني أي ما يقارب ألف دولار، فضلا عن أنني سمعت من أصدقائي عن أن هناك مشاكل كثيرة في المعبر، وأن بعضهم بقوا ما يقارب الأسبوع حتى يمروا، أما بالنسبة للطريق إلى إثيوبيا، فالطريق كان سهلا وغير مكلف". 

وأعلنت مصر أن 40 ألف سوداني عبروا حدودها، بينما اتجه آخرون إلى تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا أو سافروا عبر البحر الأحمر على متن سفن إجلاء.

وقال محمد: "الحكومة الإثيوبية كانت مستعدة لاستقبالنا، في مدينة متمة، وكان هناك وفد كبير عبارة عن أكثر من 20 سيارة تحمل كل منها 14 شخصا بالإضافة إلى أتوبيس يحمل 50 يمنيا".  

وأضاف: "كانت هناك دورية من الجيش الإثيوبي، رافقتنا إلى منطقة جندر عاصمة إقليم أمهرة، لأنه حسب الكلام الذي وصلنا فإن الطريق ليس آمنا لنا، حتى أنهم منعوا تحرك القافلة ليلا".  

وتابع أن "الرحلة استغرقت 20 ساعة من مدينة متمة إلى مدينة جُندَر بالرغم من ان المسافة حوالي 200 كيلو متر، لكن التأخير كان من الحكومة باعتبار أن الطريق ليس آمنا". 

ويلاحظ محمد أن كثيرا من المرافق في إثيوبيا، مثل الفنادق، رفعت أسعارها بشكل كثير بسبب السودانيين الفارين من الحرب. 

في طريقهم من متمة إلى جندر، وقع حادث أليم حيث اصطدم الأتوبيس الذي يحمل يمنيين بسيارة تحمل سودانيين، "ما أدى إلى مقتل شخصين على الأقل، وإصابة عدد آخر بكسور خطيرة، وتم نقلهم إلى المستشفيات"، بحسب ما قاله محمد وأَلِم لموقع "الحرة".  

"وطني الأول"

وبالرغم من أن أَلِم لديها أسرة وعائلة في منطقة تيغراي، شمال إثيوبيا، فإنها تخشى الذهاب إليها بسبب كونها غير آمنة منذ أن اندلع صراع بين الجيش الإثيوبي وقوات الإقليم في 2020 وتسبب في مقتل الآلاف وتشريد الملايين وتدمير البنية التحتية وتفاقم الجوع. 

تيغراي ترتبط بحدود مع السودان

لم تذهب ألِم إلى بلدها الأصلي إثيوبيا إلا مرة واحدة في حياتها وبالتحديد في 2013، "وعندما فررتُ من السودان، كل ما فكرت فيه هو أن أخرج من منطقة الخطر، ثم أفكر في الخطوة التالية بعد وصولي إلى إثيوبيا".

وتنتظر ألِم وأسرتها السفر إلى العاصمة أديس أبابا، وتعبر عن أسفها لأنها تركت ما تعتبره وطنها الأول "فيه تربيت وتعلمت ودرست في الجامعة، لكن السودان أصبح خطرا ولا أتوقع أن يكون هناك أمان قريب".  

الأمم المتحدة تحاول الوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع
الأمم المتحدة تحاول الوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن ما وصفه بـ "المزيج القاتل" من الجوع والنزوح وتفشي الأمراض، يخلق ما سماه بعاصفة مثالية لـ "خسارة كارثية" في الأرواح بالسودان.

وأفاد المكتب في آخر تحديث أصدره الخميس، بأن برنامج الأغذية العالمي يعمل على مدار الساعة للوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع في البلاد، مشيرا إلى أن البرنامج ساعد في عام 2024 وحتى الآن أكثر من 5 ملايين شخص، بمن فيهم 1.2 مليون في منطقة دارفور.

يأتي هذا في الوقت الذي تواصل فيه منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "يونيسف" نقل إمدادات التغذية المنقذة للحياة لعلاج حوالي 215 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في السودان. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن "يونيسف" وشركاءها قدموا لحوالي 6.6 مليون طفل في السودان وأسرهم مياه شرب آمنة هذا العام، في وقت تتفاقم فيه حالات تفشي الأمراض، بما في ذلك الكوليرا.

وسط المعارك والأمراض.. أطفال "يموتون جوعا" في بلدة سودانية
مع استمرار المعارك العنيفة بين قوات الدعم السريع وبين الجيش السوداني، فر عشرات الآلاف من عاصمة شمال دارفور، الفاشر المحاصرة والممزقة بالحرب، نحو بلدة صغيرة على بعد نحو 70 كيلومترا، حيث بدأت معاناة أخرى جراء نقص الطعام وعدم وجود رعاية صحية.

وأوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن الأطفال يشكلون حوالي نصف الأشخاص الذين فروا من ديارهم ويفوق عددهم 10 ملايين، منذ اندلاع الصراع في السودان العام الماضي. في وقت عبر مليونان من هؤلاء النازحين إلى البلدان المجاورة، حيث تقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الدعم العاجل لهم.

وأفاد المكتب بأن مفوضية اللاجئين تقدم خدمات الحماية الأساسية وتساعد في نقل الأعداد الهائلة من الوافدين الجدد بعيدا عن المناطق الحدودية إلى أماكن أكثر أمانا في بلدان اللجوء، منبها إلى أن هذه الجهود يعرقلها نقص التمويل والفيضانات وانعدام الأمن.

وتقول الأمم المتحدة إنه تم تمويل خطة هذا العام التي تبلغ 1.5 مليار دولار لدعم الاستجابة الإقليمية للاجئين في سبع دول مجاورة، بأقل من ربع المبلغ، إذ لم يتم جمع سوى 347 مليون دولار فقط. وفي الوقت ذاته، تم تمويل الاستجابة داخل السودان بأقل من النصف، حيث تلقت خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024 نحو 1.3 مليار دولار فقط من 2.7 مليار دولار لازمة للوصول إلى حوالي 14.7 مليون شخص في البلاد حتى نهاية العام.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك في المؤتمر الصحفي اليومي الذي عُقِد في مقر المنظمة في نيويورك الخميس، إن أكثر من 113 شاحنة مساعدات دخلت السودان من تشاد عبر معبر أدري منذ إعادة فتحه من قبل السلطات السودانية الشهر الماضي.

وأضاف أن خمس شاحنات أخرى عبرت المعبر مساء الأربعاء، مضيفا أن الإمدادات عن طريق أدري عبرت إلى أكثر من ربع مليون شخص في السودان، وتشمل هذه الإمدادات الغذاء والتغذية والمأوى والمستلزمات الطبية وغيرها من المواد التي تشتد الحاجة إليها.

وفي تطور منفصل، كشف دوجاريك عن حدث وزاري رفيع المستوى سيعقد في 25 من شهر سبتمبر الحالي، بشأن الأزمة المتصاعدة في السودان والمنطقة. وأوضح أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يستضيفان هذا الحدث إلى جانب مصر والسعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وإن المجاعة تلوح في الأفق، كما نزح نحو 10 ملايين شخص. وانتقل أكثر من 2.2 مليون شخص من هؤلاء إلى بلدان أخرى.