السودان صدر رسميا 34.5 طنا من الذهب تجاوزت قيمتها 2 مليار دولار العام الماضي
السودان صدر رسميا 34.5 طنا من الذهب تجاوزت قيمتها 2 مليار دولار العام الماضي

تسبب الصراع في السودان في وقف تجارة الذهب الرسمية نتيجة تلف معدات المعالجة ونهب مكاتب الشركة الحكومية المسؤولة عن إنتاج الذهب ما أدى إلى توقف الصادرات الرسمية والمقدرة قيمتها بنحو 2 مليار دولار سنويا، وفقا لوكالة "بلومبيرغ".

ونقلت الوكالة عن المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، مبارك عبد الرحمن أردول، القول إن صناعة الذهب الرسمية في البلاد انهارت تماما بسبب القتال.

وأضاف أردول أن الصادرات توقفت وتضررت معدات المعالجة ونُهبت مقار العديد من شركات الذهب في العاصمة، الخرطوم.

وصدّر السودان رسميا 34.5 طنا من الذهب تجاوزت قيمتها 2 مليار دولار، العام الماضي، حيث يعد أكبر مصدر للدخل في البلاد.

ووفقا لـ"بلومبيرغ"، أوقفت شركة مناجم، وهي أكبر شركة تعدين للمعادن في المغرب، الإنتاج في منجمها للذهب في وادي قبقبة شمال شرقي السودان، كما طلبت من موظفيها العودة لمنازلهم، حسبما أفادت وسائل إعلام محلية.

وعلى الرغم من توقيع الطرفين المتحاربين على اتفاقية لحماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، الأسبوع الماضي، بعد مفاوضات في مدينة جدة السعودية، إلا أن الاشتباكات استمرت بين  الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وفقا لمقابلات مع سكان محليين ووثائق أمنية داخلية تابعة للأمم المتحدة اطلعت عليها بلومبيرغ.

وأشار أردول إلى أن عمليات استخراج الذهب مستمرة، لكنه نوه إلى أن مواقع المعالجة الرئيسية دمرت بسبب الصراع بينما تم إغلاق الأنظمة المالية والجمركية.

وقال: "من المنبع إلى المصب، تضررت كلها الآن.. لا يستطيع الناس التصدير بسبب عمليات إرسال الأموال، لأن البنوك مغلقة والبنك المركزي مغلق ولا يمكن أصلا الوصول إلى المصفاة".

وتقول بلومبيرغ إن الذهب يعد مصدر دخل مهم للحكومة السودانية وذلك عبر شركات من بينها شركة "بيرسيوس" للتعدين الأسترالية وشركة "التحالف الروسي" للتعدين المحدودة، لكن الغالبية العظمى من إنتاجه يتم تهريبها إلى خارج البلاد، وفقا لوزارة المالية السودانية. 

وتضيف الوكالة أن "لكل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني حصص كبيرة في صناعة الذهب ويتهمهما نشطاء وجماعات حقوقية بتهريب كميات كبيرة خارج البلاد".

كما تم ربط مجموعة "فاغنر" الروسية بمنشأة لمعالجة الذهب شمالي الخرطوم، وفقا للوكالة.

وبينما تؤكد السلطات السودانية أن قوات الأمن تسيطر على الحدود، إلا أن بلومبيرغ أشارت إلى أن لجنة تابعة للأمم المتحدة قالت في تقرير، العام الماضي، إن "تهريب السيارات والكحول والمخدرات ومستحضرات التجميل والذهب، فضلا عن الاتجار بالأسلحة والأشخاص منتشر عبر حدود السودان مع جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا (وأنها) لا تزال مستمرة".

وكانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على شركتين لعملهما كواجهة لأنشطة تعدين لصالح "فاغنر"، وهما شركة تعدين الذهب السودانية "ميروي غولد"، ومالكتها شركة "إم إنفست"، ومقرها روسيا. وعلى الرغم من العقوبات، لا تزال "ميروي غولد" تعمل في جميع أنحاء السودان.

واندلع القتال في السودان منذ منصف أبريل، بين قوات الدعم السريع، وهي قوة شبه عسكرية يقودها الفريق محمد دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، وقوات الجيش التي يقودها، الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة.

القتال في السودان يتواصل بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع
القتال في السودان يتواصل بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع

"وصل العرب وشرعوا في قتل الناس".. بدأ تحقيق مشترك أجرته مجموعة من وسائل الإعلام الدولية، بهذه العبارة لرصد تفاصيل "مجزرة" الثالث من يونيو عام 2023، التي كانت إحدى حلقات الفظائع بدوافع عرقية في الحرب السودانية بين قوات الجيش والدعم السريع.

وأجرى التحقيق كل من شبكة "سكاي نيوز" البريطانية ومنظمة "لايتهاوس ريبورتس" وصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية و"لوموند" الفرنسية.

وأشار التحقيق إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استعراض "أدلة مرئية" تظهر أن مسلحين مرتبطين بقوات الدعم السريع "متورطون بشكل مباشر في عمليات القتل خارج نطاق القانون للمدنيين العزل".

بدأ الهجوم الذي راح ضحيته أكثر من 70 شخصًا بعد الفجر بقليل، وكان سكان مدينة كتم التي تبعد 120 كيلومتر غربي مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، إما نائمين أو انتهوا من صلاة الفجر، حينما سمعوا طلقات الرصاص بوضوح وسط هدوء الصباح الباكر.

ونقل التحقيق أن الهجوم استمر لمدة 9 ساعات تقريبا، وفيه "نزل رجال عرب مسلحون في المدينة، وقتلوا مدنيين عزّل واحتفلوا بوحشيتهم".

كما شمل شهادات لسكان قالوا إنهم "شاهدوا المسلحين يتحركون من باب إلى باب لمطاردة الرجال المدنيين في الأحياء غير العربية بالمدينة، فيما استولوا على ثكنات الجيش بالمدينة".

وأوضح التحقيق أن تلك المذبحة "قادها عناصر قوات الدعم السريع، الذين على مدار الـ16 شهرا الماضية، منذ بدء القتال مع الجيش، غالبا ما اتسم تقدمها العسكري في منطقة دارفور بالعنف العرقي الجماعي".

"قتل في الشوارع"

نشر التحقيق شهادات لسكان، لكنه استخدم أسماء مستعارة حماية لهم.

وتحدثت أمينة، وهي أم شابة، عن رعب ما رأته خلال الهجوم حينها، قائلة: "وصل العرب وبدأوا في قتل الناس بالشوارع، وحينما دخلوا المنازل أخذوا كل شيء وأحرقوا ما تبقى".

كما قال ناجون إن منفذي الهجوم "استخدموا عبارات عنصرية ضد السكان، خلال عمليات النهب والقتل".

وقال شاهد عيان آخر، يدعى أحمد: "لم يدخلوا أي بيوت للعرب في الحي. يذهبون فقط إلى منازل السود، ويقتحمونها ويستولون على كل شيء".

وواصلت أمينة حديثها: "ارتدوا ملابس مدنية، وليس الزي الرسمي ليتمكنوا من التخفي، لكنهم جميعا كانوا من قوات الدعم السريع".

وأضافت أنهم "استخدموا الدراجات النارية والجمال والسيارات لمهاجمة المدينة".

وحصل معدو التحقيق على مقاطع فيديو مسربة لعمليات تحتفي بقتل المدنيين في مخيم كساب للنازحين، شمالي مدينة كتم مباشرة، وهو "مخيم يضم مجتمعات غير عربية تتعرض للاضطهاد على مدار عقدين من الصراع في دارفور".

"هجوم كساب"

ووفق تقرير سابق لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد قتل 54 شخصا في مخيم كساب فقط، في مطلع يونيو 2023.

وقال أحد المقيمين في المخيم منذ مدة طويلة، إن القيادي بالدعم السريع، علي رزق الله، "استعان بقافلة من 17 مركبة قتالية ونفذ هجوما على المخيم". وأوضح التحقيق نقلا عن شهادات، أنه وصف السكان "بالعبيد" الذين "دخلوا إلى جحورهم كالفئران" أثناء ركضهم للاحتماء من الهجوم.

من جانبها، أكدت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، الجمعة، أن طرفي الصراع "ارتكبا انتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب"، مشددة على ضرورة أن ترسل القوى العالمية قوات حفظ سلام، وتوسيع حظر الأسلحة لحماية المدنيين.

وذكر التقرير الصادر عن البعثة، مستندا إلى 182 مقابلة مع ناجين وأسرهم وشهود، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية "مسؤولان عن هجمات على مدنيين، ونفذا عمليات اغتصاب وتعذيب واعتقال قسري"، وفق رويترز.

وسبق أن نفى الجانبان اتهامات من الولايات المتحدة وجماعات حقوقية بارتكاب انتهاكات، ويتبادلان الاتهامات بالوقوف وراءها. ولم يرد أي من الجانبين بعد على طلب رويترز للتعليق، كما لم يصدرا بيانا للرد على التقرير.

ودعت البعثة إلى توسيع نطاق حظر قائم للأسلحة تفرضه الأمم المتحدة، يسري حاليا فقط على إقليم دارفور غربي البلاد. وقد وردت تقارير عن مقتل الآلاف في الإقليم لدوافع عرقية.

واندلعت الحرب في الخرطوم في أبريل العام الماضي، ثم امتدت إلى 14 ولاية من أصل 18.

واشتعل الصراع حينما تحولت المنافسة بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى حرب مفتوحة. وكان الطرفان يتشاركان السلطة سابقا.

وتقول منظمات إغاثة، إن المدنيين في السودان يواجهون مجاعة متفاقمة والأمراض والنزوح الجماعي، بسبب الحرب المستمرة منذ 17 شهرا.

وقال وسطاء بقيادة الولايات المتحدة، الشهر الماضي، إنهم حصلوا على ضمانات من كلا الطرفين في محادثات بسويسرا، لتحسين آليات توصيل المساعدات الإنسانية، لكن غياب الجيش السوداني عن المناقشات عرقل إحراز تقدم.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، للصحفيين، الجمعة: "سنواصل الضغط على جميع الأطراف للتوصل إلى تسوية، من خلال التفاوض تسمح للشعب السوداني برسم مستقبله السياسي"، مؤكدة إدانة إدارة الرئيس جو بايدن للعنف.

وهذا هو أول تقرير تصدره البعثة المكونة من 3 أعضاء، منذ أن شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر 2023.