مالك عقار ومن خلفه "حميدتي" خلال مؤتمر صحفي في 27 يوليو 2019
مالك عقار ومن خلفه "حميدتي" خلال مؤتمر صحفي في 27 يوليو 2019

يرصد خبراء عدة دلالات في تعيين مالك عقار، القائد السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان "جناح شمال"، بمنصب نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، بعد إعفاء قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، من المنصب.

والجمعة، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، مرسوما بإعفاء "حميدتي"، من منصب نائب رئيس المجلس.

وقال الجيش السوداني في "بيان"، إن تنفيذ القرار يبدأ اعتبارا من الجمعة الموافق، 19 مايو 2023.

ووجه البرهان الأمانة العامة لمجلس السيادة والجهات المعنية بالسودان بوضع المرسوم الدستوري موضع التنفيذ، حسب بيان وكالة الأنباء السودانية "سونا".

وعين البرهان عضو مجلس السيادة، مالك عقار، في منصب نائب المجلس، وفق ما أوردت وكالة "سانا".

من هو مالك عقار؟

مالك عقار هو أحد مؤسسي الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي تشكلت، عام 2011، في أعقاب استقلال جنوب السودان، وكانت إحدى حركات التمرد المسلحة، وفقا لـ"فرانس برس".

ووصفت "رويترز" نائب مجلس السيادة الجديد بـ"زعيم المتمردين السابق".

وكانت الحركة الشعبية لتحرير السودان تقاتل إلى جانب جنوب السودان قبل أن يصبح دولة مستقلة، في عام 2011.

ومع انفصال جنوب السودان بعد استفتاء أجري، بموجب اتفاق سلام وُقع عام 2005 وأنهى 22 عاما من الحرب الأهلية، عادت هذه المجموعة إلى القتال في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وانشقت، عام 2017، إلى حركتين: الحركة الشعبية لتحرير السودان/جناح عبد العزيز الحلو (شمالا) والحركة الشعبية لتحرير السودان/جناح مالك عقار، وفق "فرانس برس".

وفي أكتوبر 2020، وقعت الحركة التي يقودها عقار، مع حركات متمردة من إقليم دارفور اتفاق "سلام جوبا" مع الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بعدوهم القديم، عمر البشير، في أبريل 2019.

وفي إطار الاتفاق أصبح عقار، في مارس 2021، عضوا في مجلس السيادة الانتقالي بالسودان.

دلالات اختيار عقار

في حديثه لموقع "الحرة"، يشير مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، الرشيد إبراهيم، إلى عدة دلالات سياسية وعسكرية وقومية لاختيار عقار في منصب نائب رئيس مجلس السيادة.

ويرى أنه بعد تمرد قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، كان لابد من تعيين نائب آخر لمنصب رئيس مجلس السيادة السوداني.

ويقول إن "عقار شخصية مدنية سياسية وله موقف إيجابية بعد دمجه قوات الحركة الشعبية جناح الشمال في الجيش السوداني دون تردد عقب اتفاق جوبا للسلام".

وتم اختيار عقار، في دلالة على "عدم انفراد الجيش بالسلطة، وإفساح المجال لممثلي الأقاليم للمشاركة في الحكم"، وفقا لإبراهيم.

ويتفق مع ذلك الطرح، المحلل السياسي السوداني، شوقي عبدالعظيم، والذي يتحدث لموقع "الحرة"، عن عدة دلالات لاختيار نائب رئيس مجلس السيادة الجديد.

وأولى تلك الدلالات هي "مناطقية" حيث يمثل عقار منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والتي تعد "هامشية".

وتم اختياره في ذلك المنصب كمؤشرات على دعم مجلس السيادة للسلام، لأن عقار يعبر عن "اتفاق جوبا"، وفقا لحديثه.

ويرى في الاختيار "إيحاء بعدم استئثار منظومة الجيش، التي يمثلها البرهان، بجميع المناصب في مجلس السيادة".

ومن جانبه يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء كمال إسماعيل، أن القرار يصب المزيد من الزيت على نيران الاقتتال المشتعلة بالسودان. 

وإزاحة حميدتي من منصبه سيشعل الاقتتال والمعارك بين الجيش والدعم السريع، ولن يتسبب في تهدئة الأوضاع المتأزمة، وفقا لحديثه لموقع "الحرة".

ويقول إن حميدتي لم يشارك في القرارات الصادرة عن مجلس السيادة، ولابد أن تكون الحلول "منطقية"، على حد تعبيره.

ويرى أن أي حديث عن "إعفاء أو تعيين" بلا قيمة في ظل استمرار الاقتتال دون هوادة بين الجانبين.

قرار دستوري؟

حسب الوثيقة الدستورية المعمول بها في السودان فعند خلو المنصب العام من خلال "الإقالة أو الاستقالة أو الوفاة" يتم اختيار بديل يشغل ذلك المنصب، وفقا لإبراهيم.

ويرجح مدير معهد التحليل السياسي والعسكري بالخرطوم، "إمكانية مقتل حميدتي خلال الفترة الماضية"، ويقول" هناك مؤشرات أن الجيش لديه معلومات وتفاصيل حول مقتل قائد قوات الدعم السريع".

ويتابع" ربما جاء القرار استباقا لإعلان الوفاة بشكل رسمي وبهدف تجنب ردة فعل انتقامية لأفراد قوات الدعم السريع".

لكن على جانب آخر، ينفي شوقي عبدالعظيم، ذلك الطرح، مستبعدا إمكانية "مقتل أو موت" حميدتي.

ولو كان هذا الأمر قد حدث بالفعل "كانت صيغة القرار ستكون مختلفة، وكان مجلس السيادة سيعلن موت حميدتي ثم تعيين مالك عقار"، لكن هذا لم يحدث حتى هذه اللحظة.

ويشير إلى أن قرار تعيين مالك عقار "غير دستوري" أتى بعد أن تضعضعت أدوار مجلس السيادة، منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021.

ويوضح أن الوثيقة الدستورية لم تحدد قواعد تخص اختيار نائب رئيس مجلس السيادة وأن حميدتي أخذ المنصب بـ"وضع اليد".

ولذلك فهناك "الكثير من الخروقات الدستورية" في قرار إقالة حميدتي وتعيين عقار في ذلك المنصب، وفقا لحديث المحلل السياسي

ويتفق معه اللواء كمال إسماعيل، ويقول إن تعيين عقار في المنصب الجديد هو "قرار حرب غير مرتبط بصيغة قانونية"

ومنصب نائب رئيس مجلس السيادة لم يكن متواجدا في "الوثيقة الدستورية"، ولذلك فالقرار "غير قانوني"، وفقا لحديثه.

ما الدور المتوقع لعقار؟

حسب إبراهيم فإن مالك عقار سياسي محنك، وسيكون له دور يتلخص في التحركات الدبلوماسية والزيارات والجولات الخارجية مع دول عربية وأفريقية.

ولن يكون هناك دور لنائب رئيس مجلس السيادة الجديد في الاقتتال الذي يشهده السودان حاليا، بحسب إبراهيم، لأن قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان "جناح شمال"، تم دمجها بالكامل في القوات المسلحة وهي جزءٌ منها الآن.

ويتفق عبدالعظيم مع النقطة الأخيرة، ويقول: "لا يتواجد دور للحركة في الاقتتال الواقع حاليا بالبلاد"، لكنه يختلف مع طبيعة دور عقار في المرحلة القادمة.

ويوضح موقفه قائلا: "لم يكن لعقار أي أدوار سياسية كبيرة ولم يكن صاحب مبادرات مؤثرة طوال تاريخه".

ويشير المحلل السوداني أنه كانت لدى عقار خلافات مع الجناح السياسي في حركته ما تسبب في انشقاقات داخلها، وبالتالي فهو لا يمتلك خبرة سياسية تؤهله لأداء أي دور وفقا لمنصبه الجديد، وفق تعبيره. 

الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم السريع - رويترز
الجيش السوداني حقق تقدما واضحا خلال الأشهر الأخيرة في حربه ضد الدعم السريع - رويترز

قالت مصادر تابعة للجيش السوداني، الثلاثاء، إن وحدات من القوات "بدأت هجوما على منطقة جبل أولياء" شمالي الخرطوم، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب.

وأضافت في تصريحات لـ"الحرة"، أن المعارك التي تدور الآن "ستقطع الطريق الوحيد الذي تبقى لقوات الدعم السريع للاستفادة منه للانسحاب من العاصمة".

وأكد مصدر عسكري على أن الجيش "دمر نحو 26 سيارة تابعة للدعم السريع، وقتل العشرات من عناصرها".

وأكدت قيادات في حكومة ولاية الخرطوم، رصدها لحركة انسحابات واسعه لقوات الدعم السريع من أحياء شرق ووسط مدينة الخرطوم، حيث توالى خروج العناصر من أحياء الرياض المنشية واركويت وناصر والمعمورة.

وفي سياق متصل، اتهمت قوات الدعم السريع في بيان، الثلاثاء، الجيش السوداني بارتكاب "مجزرة" باستخدام الطيران الحربي، بعد قصف سوق منطقة طرا بولاية شمال دارفور.

وجاء في بيان أن الهجوم تسبب في "مقتل وجرح المئات، بينهم نساء وأطفال".

واستعاد الجيش السوداني خلال الأيام الماضية مناطق استراتيجية في الخرطوم، كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، من بينها القصر الجمهوري وسفارات ومقار حكومية وجامعات.

يُذكر أن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اندلعت في أبريل 2023. ورغم توقيع التوصل لاتفاقيات لوقف إطلاق النار، فإن القتال استمر، مما أدى إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح الملايين.​

الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، ألحقت أضرارا جسيمة بالبنية التحتية وأجبرت أكثر من 12 مليون شخص على النزوح سواء داخل البلاد أو خارجها.

وقُتل عشرات الآلاف على الرغم من أن تقديرات القتلى غير مؤكدة. وفر مئات الألوف إلى مصر وتشاد وجنوب السودان، وعبرت أعداد أقل إلى إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.