نساء من دافور هاربات من عنف ميلشيات الجنجاويد في العام 2005
نساء من دافور هاربات من عنف ميلشيات الجنجاويد في العام 2005

قد يغير مقطع مصور قصير انتشر أخيرا الموازين في السودان، ففيه يظهر زعماء قبائل عربية في دارفور وهم يدعون أتباعهم الى الانضمام لقوات الدعم السريع وترك الجيش، ما يؤجج الصراع العرقي في هذا الإقليم الواقع في غرب بالسودان.

ففي دارفور التي تعني "دار قبيلة الفور"، وهي إثنية غير عربية، ينشر المقاتلون المنتمون للقبائل العربية الرعب منذ زمن طويل.

فهم هاجموا الأقليات غير العربية في دارفور في العام 2003 بناء على أوامر من الرئيس السوداني السابق، عمر البشير. فيما يتعين على الديكتاتور الذي أطيح في العام 2019 أن يمثل الآن أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" بسبب ذلك.

وبعد عشرين سنة على تلك الحرب، يزداد الشرخ توسعا بين الإثنيات العربية وغير العربية ولا سيما منذ اندلاع النزاع المدمر في مطلع الربيع بين قوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو، والجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

023 جثث مغطاة متناثرة في الهواء الطلق بالقرب من منازل في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور

فيتحدث الكثير من سكان غرب دارفور عن قيام ميليشيا من القبائل العربية بـ"إعدام" مدنيين لمجرد أنهم ينتمون إلى قبيلة المساليت غير العربية. ويندد الناشطون بحملة اغتيالات تطال أشخاصا من قبيلة المساليت في معقلهم وهو مدينة الجنينة.

وانتقلت المعارك الآن إلى جنوب دارفور وخصوصا في العاصمة نيالا، ثاني أكبر مدن السودان.

 "تقسيم دارفور"

في تلك الولاية دعا زعماء أكبر سبع قبائل عربية في المنطقة جميع أفراد قبائلهم إلى الانضمام لقوات الدعم السريع مطالبين خصوصا المنخرطين في صفوف الجيش بتركه  للانتقال الى المعسكر الآخر.

ويرى عبد المنعم كاديبو وهو صحافي مستقل من دارفور أن هذه الدعوة "ستؤدي إلى تقسيم جنوب دارفور إلى عرب وغير عرب كما حدث في الجنينة".

زعماء أكبر سبع قبائل عربية في المنطقة دعوا جميع أفراد قبائلهم إلى الانضمام لقوات الدعم السريع

لكن آدم مهدي، المحلل السياسي المتخصص في شؤون دارفور، يشير إلى أن القبائل العربية "هي التي تسيطر على جنوب دارفور لأن غالبية السكان ينتمون إليها".

وحتى الآن لم يعلن عن أي تمرد لعناصر من الجيش، ولكن في جنوب دارفور يشير الجميع إلى أن المسؤول الثاني في عمليات الجيش في نيالا هو جنرال ينتمي إلى قبيلة المسيرية العربية وكذلك الرجل الثاني في عمليات الجيش في ولاية شرق دارفور المجاورة.

كذلك، ينتمي الكثير من ضباط الجيش إلى قبيلة الرزيقات وهي قبيلة دقلو، ويظهر زعيما هاتين القبيلتين في الفيديو الذي بُث الاثنين.

ويقول مهدي لوكالة فرانس برس إن الجيش قد يجد نفسه في مواجهة جبهة واسعة ومتحدة "يمكنها أن تطرده من جنوب دارفور حيث سقطت بالفعل معظم قواعده".

ويتابع أن رد الفعل ربما يكون في هذه الحالة "تسليح القبائل الأخرى (المناوئة) لتخوض حربا بالوكالة".

"أبناء أعمامنا"

لكن مصدرا في الجيش يرى أن هذا السيناريو مبالغ فيه. ويقول، طالبا عدم كشف هويته، إن قوات الدعم السريع التي سارعت بالترحيب  بفيديو زعماء القبائل "تبحث عن فرقعة إعلامية".

ويضيف أن زعماء القبائل يفضلون "مصالحهم الخاصة"، وهي في الوقت الراهن، تتلاقى مع مصالح الفريق دقلو.

في جنوب دارفور وشرق دارفور حيث تشكل القبائل العربية الغالبية، انضم مقاتلون قبليون بالفعل إلى قوات الدعم السريع، بحسب ما قال لوكالة فرانس برس الكثير من سكان هاتين الولايتين.

قبل الحرب، كان الطرفان يحاولان استمالة أهالي دارفور

وينتمي آدم عيسى بشارة، أحد هؤلاء المتطوعين، إلى قبيلة الرزيقات ويستعد للذهاب إلى الخرطوم للقتال مع قوات الدعم السريع.

ويقول لوكالة فرانس برس: "سنذهب لنقاتل مع أبناء أعمامنا لن نتركهم لوحدهم".

وقبل الحرب، كان الطرفان يحاولان استمالة أهالي دارفور،  حيث كان جهاز المخابرات التابع للجيش ينشط لجذب أعضاء من دارفور.

وجاء الفيديو الأخير لزعماء القبائل "من أجل قطع الطريق على الجيش وإعلان الولاء بشكل واضح"، وفق مهدي.

ومن شأن انضمام هؤلاء المتطوعين تدعيم قوات الدعم السريع التي لا تعلن عن خسائر ولكنها تتعرض لقصف جوي متواصل من قبل الجيش.

ومساء الاثنين، أفاد سكان بقيام مقاتلين قبليين مدعومين من قوات الدعم السريع بهجوم جديد على بلدة في غرب دارفور.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".