ممثلو الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية المتناحرة يوقعون اتفاقية لوقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام في جدة.
ممثلو الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يوقعون اتفاقية لوقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام في جدة.

مع دخول القتال في السودان شهره الثالث الآن وعدم ظهور أي بوادر على انحسار المعارك، ذكرت مجلة "فورين بوليسي" أن الصراع بين الجنرالين المتنافسين ليس مجرد نزاع داخلي، بل يمتد إلى منافسة بين الإمارات والسعودية لتعزيز تواجدهما الإقليمي والسيطرة على السودان.

وأوضحت المجلة أن عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار في السودان انتهكها كل من قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومنافسه، الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع.

وتحدثت المجلة عن أهمية السودان في المنطقة، مشيرة إلى أنه "جسر يربط الشرق الأوسط وأفريقيا، وموارده الطبيعية الوفيرة تعني أن معركة الخرطوم اتخذت بعدا إقليميا".

وأشارت إلى أن السعودية والإمارات، الدولتان الخليجيتان ذات الثقل الأكبر، تعتبران أن "الحرب فرصة لترسيخ مكانتهما المهيمنة في الشرق الأوسط، وبينما تدعم السعودية البرهان، تدعم الإمارات حميدتي".

وترى "فورين بوليسي" أنه بالنظر إلى الشرعية الدولية للبرهان، فإن فرص انتصار قوات الدعم السريع على الجيش السوداني ضئيلة.

والأرجح، بحسب المجلة، أن البرهان وحميدتي يؤسسان مناطق سيطرة متنافسة في السودان تحاكي الوضع في ليبيا، حيث أدى التنافس المستمر بين مختلف الفصائل السياسية والعسكرية إلى خلق دولة مجزأة ذات مراكز قوة متعددة.

وفي مثل هذا السيناريو، ذكرت المجلة أن "قوات الدعم السريع ستكون شوكة في خاصرة البرهان وفاعليه الخارجيين، ما يمنح الإمارات نفوذا إضافيا في مستقبل البلاد ويساعد على ترسيخ أبوظبي كقوة بارزة ناشئة في الخليج".

ووفقا للمجلة، الرياض وأبوظبي، وكلاهما عضو في مجلس التعاون الخليجي، كانا حليفين ظاهريين لعقود، لكن علاقتهما الحالية أصبحت تتعلق بالمنافسة على السيادة الإقليمية التي تتصاعد الآن.

وأوضحت أنه في السنوات الأخيرة، وسعت السعودية والإمارات من المنافسة بينهما لتشمل أفريقيا، خاصة السودان لما تتمتع به من موقع استراتيجي وموارد متعددة.

ووفقا للمجلة، لعبت دول الخليج دورا مهما في السودان منذ الإطاحة بالبشير، ومولت أبوظبي والرياض على الفور المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة، بما قيمته 3 مليارات دولار من المساعدات.

وفي ذلك الوقت، كانت المصالح السعودية والإماراتية في السودان متوافقة بشكل عام، بحسب المجلة، التي أوضحت أن كلاهما ساعد في لعب دور في التحول الديمقراطي قصير الأمد في البلاد. كما انتزعت الدولتان تنازلات من الخرطوم، منها تقديم السودان دعما عسكريا للسعودية في اليمن، كما توسطت الإمارات في انضمام الخرطوم إلى اتفاقات إبراهيم.

واستثمرت السعودية والإمارات لفترة طويلة في الاقتصاد السوداني. وبداية من عام 2018، استثمرت أبوظبي بشكل تراكمي 7.6 مليار دولار في السودان. ومنذ سقوط البشير، أضافت الإمارات استثمارات أخرى بقيمة 6 مليارات دولار تشمل مشاريع زراعية وميناء على البحر الأحمر.

وفي أكتوبر 2022، أعلنت الرياض أنها ستستثمر ما يصل إلى 24 مليار دولار في قطاعات الاقتصاد السوداني بما في ذلك البنية التحتية والتعدين والزراعة، وفقا للمجلة.

وباعتبارهما من القوى المهيمنة الناشئة في الشرق الأوسط، ذكرت المجلة أن الرياض وأبوظبي الآن "على خلاف، فكل منهما يسعى للسيطرة على موارد السودان وطاقته وبوابات الخدمات اللوجستية من خلال التوافق مع البرهان وحميتي، على التوالي".

واكتسبت الإمارات الثقة في حميدتي، لأن مقاتلي قوات الدعم السريع كانوا نشطين في جنوبي اليمن، منذ عام 2015. وفي عام 2019، توسعت إلى ليبيا لدعم الجنرال خليفة حفتر، أحد القادة المنافسين في البلاد المدعوم من أبوظبي، بحسب المجلة.

وبينما تعاونت السعودية مع مصر في دعم البرهان، تعاونت الإمارات مع روسيا في دعم قوات الدعم السريع من خلال مجموعة فاغنر شبه العسكرية، التي تعمل في السودان منذ عام 2017، عندما وقعت عقودا مع وزارة الموارد في البلاد لمشاريع في دارفور، حيث كانت قوات الدعم السريع نشطة.

كما تشير التقارير إلى أن حميدتي تصرف كحارس للمصالح الإماراتية في السودان، وحراسة مناجم الذهب التي تسيطر عليها شركة فاغنر، إذ يتم شحن الذهب من هذه المناجم إلى الإمارات في طريقها إلى روسيا.

ولذلك خلصت المجلة إلى أن "سقوط السودان تحت سيطرة البرهان أو حميدتي، وبالتالي إما منطقة النفوذ السعودي أو الإماراتي، من شأنه أن يغير ميزان القوى في الخليج ويصعد التوترات بين الرياض وأبوظبي. لكن من غير المرجح أن تكون نتيجة الحرب بهذا الوضوح، إذ من المتوقع تكرار سيناريو ليبيا، بحيث سينقسم السودان إلى مناط قوى مختلفة ربما على أساس الانتماءات العرقية والقبلية".

الأمم المتحدة وصفت الوضع في السودان ب "اليائس"
الأمم المتحدة وصفت الوضع في السودان ب "اليائس"

أدى عام ونصف من الحرب في السودان إلى كارثة إنسانية في واحدة من أكبر دول أفريقيا.

ويقول تقرير للإذاعة الوطنية العامة "إن بي آر" الأميركية إن هذه الحرب أدت إلى مقتل نحو 150 شخص، وفقًا لبعض التقديرات. كما شردت المعارك 12 مليون شخص، وفقًا للأمم المتحدة، التي تصفها بأنها "أكبر أزمة نزوح في العالم، في ظل انهيار الخدمات الطبية في معظم أنحاء السودان.

مراسل "إن بي آر" أجرى جولة مؤخرا في إحدى مستشفيات منطقة أم درمان، قرب العاصمة الخرطوم، ونقل المشاكل التي تواجهها المستشفيات والكوادر الطبية.

ينقل التقرير عن الدكتور جمال محمد، 52 عاما، أن الحرب أجبرته على ترك منزله في العاصمة السودانية، لتهرب عائلته لاحقا إلى مصر بينما نزح هو إلى أم درمان ليعمل في مستشفى النعمان في تلك المنطقة.

ومثل جميع الكوادر الطبية هناك، يقول محمد أنه لم يستلم راتبا منذ بداية الحرب، بل يحصل فقط على مساعدات صغيرة.

وفقًا لمحمد، تعرض مستشفى النعمان للقصف خمس مرات على الأقل ويقول إن المستشفى كان مستهدفًا بشكل متعمد، مما يُعد جريمة حرب، بحسب تعبيره.

في اليوم الذي سبق وصول فريق "إن بي آر"، تعرض المستشفى للقصف من قبل قوات الدعم السريع، وأثناء وجود الفريق الصحفي هناك، تعرضت المنطقة المحيطة للقصف بشكل متكرر أيضًا.

يستقبل المستشفى يوميا جثثا لضحايا مجهولي الهوية، ويعالج العديد من حالات الإصابة ضمن الإمكانيات المتوفرة.

التقرير نشر مجموعة من الصور لهؤلاء الضحايا الذين تعرضوا إلى اعتداءات من قبل الأطراف المتصارعة أو أصيبوا جراء المعارك الدائرة، هذه الصور نقلت أيضا الحال الصعب الذي تمر به المستشفيات في السودان في ظل قلة المساعدات وأدوية العلاج، فضلا عن الاكتظاظ وقلة الكادر الطبي.

ممرات مستشفى النعمان في أم درمان أصبحت مليئة بالمصابين وجثث الضحايا، في حين ساد الحزن على أوجه عائلات الضحايا التي تنتظر في الردهات لمعرفة مصير أحبائها.

يضيف التقرير أنه كانت هناك العشرات من المراكز الطبية في أم درمان قبل الحرب، ولكن معظمها اضطرت إلى الإغلاق بسبب نقص الإمدادات أو الكوادر أو التمويل، أو لأنها تعرضت للتدمير بسبب القتال. 

والآن، لا تتواجد سوى سبعة مراكز في تلك المنطقة، ويعتبر مستشفى النعمان واحدًا من أكبر  تلك المراكز التي لا تزال تعمل.

وحذّر المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في مقابلة مع وكالة فرانس برس، في سبتمبر الماضي، من أنّ الوضع في السودان "يائس" والمجتمع الدولي "لا يلاحظ ذلك".

وقال غراندي إنّ "هذه الأزمة الخطيرة للغاية، أزمة حقوق الإنسان وأزمة الاحتياجات الإنسانية، تمرّ دون أن يلحظها أحد تقريبا في مجتمعنا الدولي" المنشغل بأزمات أخرى، من أوكرانيا إلى غزة.

وأوضح أنّه منذ بدء الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل عام 2023 "نزح أكثر من 10 ملايين شخص من ديارهم"، بينهم أكثر من مليوني سوداني لجأوا إلى دول أخرى.