جرائم الحرب هي الأعمال غير القانونية التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة
جرائم الحرب هي الأعمال غير القانونية التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة

بدأت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في تصاعد الأعمال العدائية بدارفور في السودان، منذ منتصف أبريل، بما في ذلك تقارير عن جرائم قتل واغتصاب وحرق عمدي وتشريد وجرائم تؤثر على الأطفال، حسبما أبلغ كبير المدعين بالمحكمة الأمم المتحدة، الخميس.

وأعلن مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، عن تحقيق جديد في جرائم حرب بإقليم دارفور، في تقرير  إلى مجلس الأمن الدولي، في وقت يعيش السودان فوضى منذ أربعة أشهر بسبب  المعارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو، فشلت معها كل محاولات التهدئة، وزادت من معاناة سكان البلاد.

ونص التقرير على أن قضاة المحكمة الجنائية الدولية "يتتبعون بعناية تقارير حول (جرائم) قتل بدون محاكمة وحرق منازل وأسواق وأعمال نهب في الجنينة، بغرب دارفور، وكذلك قتل وتشريد المدنيين في شمال دارفور وأماكن أخرى في مختلف أنحاء الإقليم".

ما هي جرائم الحرب؟

وتعد جرائم الحرب التي أعلنت المحكمة أنها ستبدأ التحقيق فيها في السودان، الأعمال غير القانونية التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة وتنتهك القوانين الدولية، بحسب موقع منظمة الأمم المتحدة.

وتشمل هذه الجرائم أعمالا مثل الهجمات غير المبررة على المدنيين، واستخدام العنف المفرط ضد الأفراد غير المشاركين في القتال، وتعذيب الأسرى، والاعتداء الجنسي، وتدمير الممتلكات المدنية، واستخدام الأسلحة المحظورة مثل الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

كيف تحدد هذه الجرائم؟

وتحدد جرائم الحرب بواسطة مجموعة من المصادر والهيئات القانونية، خاصة القوانين الدولية الإنسانية التي تشكل مجموعة المبادئ والإجراءات التي تنظم سلوك الدول والأطراف المتحاربة أثناء النزاعات المسلحة. 

وتشمل القوانين الدولية الإنسانية، عددا من المعاهدات والاتفاقيات الدولية، مثل الاتفاقية الرابعة لجنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، ومعاهدة روما التي أنشأت على إثرها المحكمة الجنائية الدولية، عام 1998.

ويفرق النظام الأساسي للمحكمة في مادته الثامنة بين نوعين من جرائم الحرب في النزاعات المسلحة؛ دولية وتخص الحروب بين بلدين، وغير دولية أو محلية، كما هو الشأن بالنسبة للاقتتال في السودان.

أشكال جرائم الحرب

وتشمل جرائم الحرب في حالة وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي، استعمال العنف ضدّ الحياة والأشخاص، وبخاصة القتل بجميع أنواعه، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، والاعتداء على كرامة الشخص، والمعاملة المهينة، وأخذ الرهائن، وإصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلا نظاميا تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموما بأنه لا غنى عنها.

بالإضافة إلى توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، إلى جانب تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد، أو تعمُّد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو موادّ أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام.

علاوة على تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات، وأماكن تجمع المرضى والجرحى، شريطة ألا تكون أهدافا عسكرية، إلى جانب نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تمّ الاستيلاء عليه عنوة؛

كما تعد جرائم "الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي، من بين "جرائم الحرب" الواردة في المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة.

ونفس الأمر بالنسبة لتجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة أو في جماعات مسلحة أو استخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية.

وذلك إلى جانب إصدار أوامر بتشريد السكان المدنيين لأسباب تتصل بالنزاع، ما لم يكن ذلك بداع من أمن المدنيين المعنيين أو لأسباب عسكرية ملحة.

بالإضافة إلى إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف آخر في النزاع للتشويه البدني أو لأي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي لا تبررها المعالجة الطبية أو معالجة الأسنان أو المعالجة في المستشفى للشخص المعني، والتي لا تجري لصالحه وتتسبب في وفاة ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص أو في تعريض صحتهم لخطر شديد، فضلا على تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتمه ضرورة الحرب.

ما الأثر القانوني لتصنيف "جريمة حرب"؟

وتشمل اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي بهولندا، أن "تحقق وتحاكم، حيثما يقتضي الأمر، الأفراد المتهمين بارتكاب أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي، مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية".

وتضيف المحكمة في ميثاقها: "أنها تشارك في معركة عالمية لإنهاء الإفلات من العقاب، ومن خلال العدالة الجنائية الدولي تهدف المحكمة إلى محاسبة المسؤولين عن جرائمهم والمساعدة في منع حدوث هذه الجرائم مرة أخرى".

وكان مجلس الأمن قد أحال عام 2005 الوضع في دارفور، إلى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس السابق، عمر البشير، بتهم بينها ارتكاب إبادة جماعية. 

وقال المدعي كريم خان "نحن نخاطر (...) بالسماح للتاريخ بتكرار نفسه؛ القصة الرهيبة نفسها التي دفعت هذا المجلس إلى إحالة الوضع في دارفور على المحكمة الجنائية الدولية عام 2005".

وأشار التقرير إلى أنه بالرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع العمل حاليا في السودان بسبب الوضع الأمني​​، فإنها تعتزم القيام بذلك في أقرب وقت ممكن. وبموجب قرار مجلس الأمن الدولي لعام 2005، يقتصر اختصاصها على منطقة دارفور.

الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية
الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية

في اتهام علني، يُعد الأول من مسؤول سوداني إلى السلطات الإماراتية، قال عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا، إن "الإمارات ترسل إمدادات إلى قوات الدعم السريع، عبر مطار أم جرس التشادي".

العطا الذي كان يتحدث أمام مجموعة من أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان، أضاف أن "المعلومات الواردة إلينا من جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية ومن الدبلوماسية السودانية تشير إلى أن الإمارات ترسل الإمدادات إلى الدعم السريع". 

وجاءت تصريحات العطا قبل أيام من مشاركة متوقعة لرئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، في الاجتماع الرئاسي بشأن المناخ والسلام والأمن في منطقة القرن الإفريقي، في دبي بالإمارات، في الثالث من ديسمبر المقبل، وذلك على هامش قمة المناخ.

موقف رسمي

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، أشار إلى أن "اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، لم يصدر من فراغ، وإنما استند إلى أدلة مصدرها ثلاث جهات رسمية، ممثلة في جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية والخارجية السودانية".

وقال إسماعيل لموقع "الحرة" إن تصريحات العطا تمثّل الموقف الرسمي للحكومة والجيش السوداني، ولا تمثّل قائلها، وهذا يشير إلى أن هناك دلائل أو ملفات، استند عليها الجيش ومجلس السيادة في اتهام أبوظبي بإرسال الإمداد إلى الدعم السريع، كما أن هناك تقارير في منصات إعلامية تحدثت بهذا الخصوص".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين أوغنديين، قولهم إنهم عثروا في 2 يونيو الماضي على "شحنات أسلحة في طائرة، كان يفترض أن تحمل مساعدات إنسانية من الإمارات إلى اللاجئين السودانيين" في تشاد.

وفي أغسطس الماضي، نفت دولة الإمارات "دعم أي من طرفي الصراع في السودان بالسلاح والذخيرة"، وفق بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي على موقعها الإلكتروني.

وجاء في البيان "أن الإمارات لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع الحالي، وتسعى إلى إنهائه".

عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر قال إن قواتهم لم تستلم أي دعم من الإمارات، أو من تشاد، أو أي دولة أخرى.

كما أكد لموقع "الحرة" أن "قوات الدعم السريع لا تتلقى أي دعم خارجي، وأنها تعتمد على الأسلحة والعتاد الحربي الذي حصلت عليه من مخازن استولت عليها من الجيش السوداني".

وأدى الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الذي بدأ في أبريل الماضي، إلى مقتل أكثر من تسعة آلاف شخص، بجانب تشريد أكثر من 7 ملايين نازح داخلياً، بينما يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد، إلى مساعدات إنسانية، للبقاء على قيد الحياة، حسب منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

المحلل السياسي الإماراتي، ضرار الفلاسي، قلل من اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، بالضلوع في تقديم الإمداد إلى قوات الدعم السريع.

الفلاسي قال لموقع "الحرة"، إن "الإمارات لا تدعم الحرب في السودان، وتعمل على تقديم الدعم إلى المتضررين من الأزمة الحالية، ولذلك لا تلتف إلى مثل هذه الاتهامات والمزاعم".

رسائل خارجية

اتهام عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا إلى الإمارات، جاء بعد يومين من زيارة البرهان إلى كينيا وجيبوتي، حيث بحث مع الرئيس الكيني، وليام روتو ومع السكرتير التنفيذي لمنظمة ايقاد، ورقني قبيهو، في اجتماعين منفصلين، "سبل إيقاف الحرب وعودة الحياة طبيعتها في السودان"، بحسب إعلام مجلس السيادة السوداني.

من جانبه اعتبر عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر، أن "اتهام العطا إلى الإمارات، ابتزاز للمجتمع الدولي وأنه محاولة للتشويش على الإرادة الدولية والجهود الساعية إلى تحقيق السلام في السودان".

وتابع قائلا: "هذه التصريحات تكشف عن ارتباك وفوضى في مركز قيادة القوات المسلحة السودانية، والجميع يعلم أن الإمارات دعمت السودانيين وتوسطت لردم الهوة بين السودانيين قبل وبعد اندلاع الحرب".

وتقود السعودية والولايات المتحدة جهودا لإنهاء الحرب في السودان، من خلال جولات تفاوضية بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة جدة، حيث اتفق الطرفان المتحاربان على "تسهيل وصول المساعدات الإنسانية"، بحسب بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في السابع من نوفمبر الماضي.

ووفق البيان، فقد اتفق الطرفان على "إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع"، ضمن مساعي تعزيز إجراءات الثقة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها اختراق منظور في مسار إنهاء الحرب عبر التفاوض.

السودان.. طرفا الصراع يلتزمان بتسهيل مرور المساعدات الإنسانية
ذكر بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، الثلاثاء، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أعلنا التزامهما بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات لبناء الثقة، من دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وتزامن هجوم العطا على الإمارات مع وقفة احتجاجية في مدينة بورتسودان، التي تتخذها السلطات السودانية مقراً بديلاً لإدارة شؤون البلاد، حيث رفع المحتجون لافتات تطالب بطرد السفير الإماراتي من السودان.

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، استعبد أن تصل علاقات السودان والإمارات إلى مرحلة القطيعة الدبلوماسية، أو سحب، أو طرد السفراء.

لكنه أشار إلى أن تصريحات العطا ستنعكس على مشاركة البرهان في قمة المناخ بالإمارات، وربما تقطع الطريق – والحديث لإسماعيل – على أي فرصة لتقارب أو محادثات جانبية بين البرهان والقيادة الإماراتية خلال فعاليات القمة".

وبدوره، شدد المحلل السياسي الإماراتي ضرار الفلاسي، على أن الإمارات مستمرة في تقديم الدعم للسودانيين المتضررين من الحرب، وأنها عازمة على إنجاح قمة المناخ المنعقدة في دبي". 

وكان تحالف يضم شركة موانئ أبو ظبي وشركة إنفيكتوس للاستثمار، وقع في ديسمبر الماضي، اتفاقا مبدئيا مع السلطات السودانية، لإدارة وتشغيل ميناء أبو عمامة، والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر، باستثمارات قيمتها 6 مليارات دولار.

ومن المخطط أن يضم المشروع، الذي يقع على بعد حوالي 200 كيلومتر شمالي مدينة بورتسودان الساحلية، منطقة اقتصادية ومطارا ومنطقة زراعية على مساحة 400 ألف فدان.