الأعمال الإغاثية والإنسانية في السودان في خطر
الأعمال الإغاثية والإنسانية في السودان في خطر

"لا يزال 6 نشطاء كانوا يعملون على تلبية الاحتياجات الإنسانية في الخرطوم معتقلين منذ أكثر من شهرين ولا نعلم عنهم أي شيء"، هكذا يقول المتحدث باسم "محامو الطوارئ"، سمير الشيخ، متحدثا عن الظروف الصعبة لعمل المتطوعين لتقديم المساعدات للمنكوبين في ظل المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع التي دخلت شهرها الرابع. 

آخر هذه الاعتقالات كانت الثلاثاء، من جانب قوات الدعم السريع، للناشط، سيف النصر سليمان بحسب المحامي محمد رمضان، الذي يسكن في العاصمة الخرطوم، ويتتبع حالات الاعتقال للنشطاء. 

وقال رمضان لموقع "الحرة": "كان سليمان ينشط بقوة ويساعد على تنسيق المساعدات التي يحتاجها الناس، وكان مسؤولا عن 5 أحياء، لكن تم اختطافه من حي الخرطوم 3". 

وتحولت ما يسمى بـ"لجان المقاومة" وتنسيقيات الأحياء التي تم تشكيلها في أيام الثورة على الرئييس السابق، عمر البشير، إلى مجموعات عمل تحت مسمى "غرف الطوارئ"، تستنفر بعضها بعضا من أجل مساعدة ما تبقى من السكان في الخرطوم، عبر تطبيقي واتساب وفيسبوك.

وقبل أسابيع قليلة، اعتقلت استخبارات الجيش، شابا يدعى مؤمن ولد زينب، ينفذ أنشطة خيرية في الخرطوم، قبل أن تطلق سراحه بعد يومين، بحسب الشيخ، في حديثه مع موقع "الحرة". 

يشير كل من رمضان والشيخ إلى أن عمليات استهداف الناشطين تتم من قبل طرفي الحرب، ظنا منهم أن هؤلاء النشطاء في المجال الإنساني يتعاونون مع الطرف الآخر. 

ويقول الشيخ: "كلا من عناصر الجيش أو الدعم السريع لا يفهمون بالأساس معنى العمل الإنساني أو الطوعي، ويتشككون في أي ناشط يقوم بعمل خدمي ويقبضون عليه ليسألوه عن مصادر المعونات والمساعدات". 

ويشير عضو مبادرة "عاش للسلام لا للحروب" في الحصاحيصا بولاية الجزيرة، محمد فوزي، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن آخر المضايقات الأمنية التي تعرض لها كانت يوم الأحد الماضي، بعد أن وفد مراسلو قناة دولية لتصوير مراكز الإيواء، "فقام الجيش باستدعائي وسألني عن سبب السماح للقناة بالتصوير، وطلب مني عدم تكرار ذلك". 

وكان السودان، الذي يقدّر عدد سكانه بنحو 48 مليون نسمة، يعدّ من أكثر دول العالم فقرا حتى قبل اندلاع النزاع الحالي الذي دفع نحو 3.5 مليون شخص للنزوح، غادر أكثر من 700 ألف منهم إلى خارج البلاد، خصوصا إلى دول الجوار.

والثلاثاء، قالت منسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا-سلامي، في بيان، إنه "على الرغم من بذل المجتمع الإنساني جهودًا جبارة وشجاعة لتقديم المساعدات في خضم ظروف صعبة للغاية ومع التزام المجتمع بذلك فإن عمال الإغاثة لم يسلموا من أعمال العنف والانتهاكات المروعة، حيث لقي ما لا يقل عن 18 من العاملين في مجال الإغاثة مصرعهم وأصيب عدد أكبر منذ بداية النزاع في السودان، واعتُقل أكثر من عشرين شخصًا، ما زال مصير بعضهم مجهولًا". 

خلال توزيع مساعدات غذائية على النازحين في وادي حلفا في 11 يوليو 2023

بيان سلامي أشار إلى أن "الهجمات شملت مبان ومستودعات وجرى نهب ما لا يقل عن 50 مستودعًا للمساعدات الإنسانية، وسلب 82 مكتبًا وسرقة أكثر من 200 مركبة، وواحد فقط من المستودعات التي نُهبت في الأبيض في أوائل شهر يونيو كان يمكن أن يطعم 4.4 مليون شخص". 

السودان يحتاج لمساعدات إنسانية عاجلة

ويقول رمضان، إن الأسواق في الخرطوم بحري وأم درمان والخرطوم، تم نهبها، حتى الصيدليات والمستشفيات". 

وتشير الطبيبة في المستشفى السعودي للنساء والتوليد في أم درمان، راندا قيلي، التي انتقلت وجميع زملائها من الطاقم الطبي المتبقي من المستشفى إلى العمل في المستشفى الحكومي الوحيد الذي يعمل حاليا وهو "النو" في حي الثورة، إلى أنهم مستمرون بالعمل بفضل المساعدات التي تصل من منظمات مثل "أطباء بلا حدود"، بالإضافة إلى سودانيين موجودين في الولايات المتحدة، ومجهودات شخصية. 

وتضيف لموقع "الحرة": "نحصل على الأموال لكننا نشتري الأدوات الطبية من السوق السوداء بأسعار أغلى من سعرها الحقيقي، تصل إلينا بصعوبة شديدة". 

على سبيل المثال، "كانت أسطوانات الأكسجين تصل للمستشفى من مصنع في الخرطوم، أصبحنا نحصل عليها من منطقة تسمى شندي، تبعد عنا 3 ساعات، بعيدا عن المضايقات التي يمكن أن يتعرض لها السائق في الطريق، لأنه من الخطر التنقل بين أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري". 

وأفاد بيان مشترك، الثلاثاء، لمدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط أحمد المنظري، ومديرة منظمة الصحة العالمية لإقليم أفريقيا ماتشيديسو مويتي بأن "أكثر من 67% من مستشفيات البلد صارت خارج الخدمة".

وتشتكي الشبكة السودانية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة، من عدم وصول معظم المساعدات التي ترسلها إلى المحتاجين في الخرطوم. 

ويقول طارق دفع الله، المتواجد في العاصمة واشنطن لموقع "الحرة": "قمنا بتشكيل مجموعات عمل لمساعدة أهالينا في السودان، من خلال تبرعات مالية، وأدوات طبية، وأدوية وغذاء وملابس، لكن يبدو أنه تجار الحروب بدأوا في الظهور، لأن كثيرا من الأشياء تختفي في ميناء بورتسودان ولا تصل للجان المقاومة في الخرطوم". 

ويشير الناشط السوداني، في العاصمة واشنطن، أيمن ثابر، في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أنهم يرسلون المساعدات عبر طريقين هما مصر والسعودية. 

ويوضح: "نرسل الأموال إلى نشطاء في مصر، وهم يشترون ببعض الأموال مساعدات طبية أو غذاء أو أدوية ويدخلونها برا إلى السودان عن طريق أسوان، كما نفعل الشيء نفسه عن طريق السعودية، ثم يرسلون المساعدات عبر البحر الأحمر إلى بورتسودان". 

ويضيف: "الأزمة تكمن في طريق هذه المساعدات من الحدود المصرية أو بورتسودان وحتى الخرطوم، هناك بالطبع منتفعون، فضلا عن أماكن ارتكاز الجيش والدعم السريع حيث تتعرض القوافل إلى التفتيش أو النهب". 

ويتابع: "في بعض الأحيان، ينشب خلاف بين عناصر الجيش أو الدعم السريع مع قافلة المساعدات، فيتم قتل عمال الإغاثة بدم بارد أو اعتقالهم". 

وتشير قيلي إلى أن "الصعوبات بشأن العاملين في المجال الطبي أو في توصيل المساعدات تزيد كل يوم للأسف، إما يقبضون عليهم أو يضربونهم". 

وتضيف: "أمس تعرضنا لدانة بالقرب من المستشفى، وأصبحنا نتعرض لمضايقات في الطريق، وهناك مبادرات من الأهالي لتوفير مكان للعاملين الصحيين للسكن فيه بالقرب من المستشفى". 

ويشير المحامي الناشط، بابكر ريزا، إلى أن التعرض لقوافل المساعدات، يؤثر على كل النازحين داخل السودان. 

ويقول لموقع "الحرة": "هناك حوالي مليون شخص نزوحوا من الخرطوم إلى ولاية الجزيرة، منهم أكثر  من 40 ألفا في مراكز الإيواء في الولاية، يعانون بالإضافة إلى الاكتظاظ، من نقص أبسط الأشياء التي تعينهم على الحياة، حتى الحفاظات الصحية للنساء أصبحت غير موجودة"، مضيفا أن "كثيرين من المرضى ماتوا بسبب عدم توفر الأدوية أو الغسيل الكلوي". 

وينتقد محمد فوزي منظمات دولية قائلا: "على سبيل المثال، برنامج الغذاء العالمي لم يوزع طعاما إلا مرة واحدة، شملت كمية من الملح والزيت والعدس والذرة الصفراء بالإضافة إلى مكمل غذائي للأطفال"، مشيرا إلى أن معظم ما يتم جمعه يكون من خلال جهود محلية وفردية من الأهالي والسودانيين العاملين في الخارج. 

ويشرف فوزي على 5 مراكز للإيواء في محلية الحصاحيصا، تضم 400 أسرة بواقع 2500 نازح. 

ويقول فوزي لموقع "الحرة": "حتى المساعدات التي يجب أن يوصلها الهلال الأحمر لا تصل كاملة، وبعضها تحجزها الحكومة". 

ويوضح أن الهلال الأحمر القطري والسعودي والإماراتي تبرعوا بمساعدات غذائية، بعضها جاءت محملة بقوافل تكفي 800 أسرة، لكننا نفاجأ بأنهم يوزعون ما يكفي 200 أسرة فقط، هذا فضلا عن أنها شحيحة".

لكن المتحدث الإعلامي باسم الهلال الأحمر السوداني، خالد شوقار، نفى لموقع "الحرة" هذه الاتهامات. 

وقال شوقار: "كل المساعدات التي تصل توزع للمستفيدين مباشرة من خلال الهلال الأحمر السوداني، والحكومة لا تتدخل في عملنا". 

وأضاف: "لا أعلم بالضبط ما حدث مع القوافل التي وصلت إلى ولاية الجزيرة، لكن كنت في وادي حلفا، ووصلت آخر قافلة لنا من الهلال الأحمر الإماراتي في 11 يوليو الجاري، وكانت عبارة عن 12 شاحنة محملة بسكر ودقيق وأرز، توزعت على مراكز الإيواء التي تضم 5640 شخصا في وادي حلفا". 

وتابع: "نحن لا ننحاز لأي طرف ونتغلب على العوائق بحكمة". 

الآلاف من النساء مكتظات في الملاجئ من دون مياه نظيفة. أرشيفية
الآلاف من النساء مكتظات في الملاجئ من دون مياه نظيفة. أرشيفية

يقول متطوعون محليون ساعدوا في إطعام أشد الناس فقرا في السودان على مدى 17 شهرا منذ اندلاع الصراع هناك، إن هجمات تستهدفهم يشنها الطرفان المتحاربان تجعل من الصعب تقديم المساعدات الضرورية وسط أكبر أزمة جوع في العالم.

وفرّ كثير من المتطوعين خوفا من تهديدات بالاعتقال‭‭‭ ‬‬‬أو العنف، وتوقفت المطابخ الخيرية (المعروفة في السودان باسم التكايا) التي أقاموها في بعض المناطق الأكثر نكبة عن تقديم الوجبات لأسابيع في كل مرة. وتشير تقديرات إلى أن مئات الأشخاص يموتون يوميا من الجوع والأمراض المرتبطة بالجوع في السودان.

وتحدثت رويترز مع 24 متطوعا يديرون مطابخ في ولاية الخرطوم بوسط السودان ودارفور في الغرب، وأجزاء من الشرق، حيث فر الملايين من منازلهم وفقدوا سبل عيشهم منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

وكثفت منظمات إنسانية دولية دعمها للمتطوعين لأنها لم تتمكن من توصيل المساعدات الغذائية إلى مناطق بالبلاد يحدق بها خطر المجاعة. لكن عشرة من المتطوعين قالوا لرويترز عبر الهاتف إن هذا جعلهم أكثر عرضة للنهب من قبل قوات الدعم السريع.

وقال جهاد صلاح الدين، وهو متطوع غادر مدينة الخرطوم العام الماضي وتحدث من القاهرة "كنا في أمان عندما لم تكن قوات الدعم السريع على علم بالتمويل... ينظرون إلى مطابخنا كمصدر للطعام".

وصرح 12 متطوعا إن كلا من طرفي الصراع هاجم أو احتجز متطوعين للاشتباه في تعاونهم مع الطرف الآخر.

وتحدث معظم المتطوعين شريطة عدم نشر هوياتهم خوفا من الانتقام.

وقال متطوع في بحري، وهي مدينة تشكل إلى جانب الخرطوم وأم درمان منطقة العاصمة السودانية الكبرى، إن جنودا يرتدون زي قوات الدعم السريع سرقوا الهاتف الذي كان يستخدمه لتلقي التبرعات عبر تطبيق مصرفي على الهاتف المحمول إلى جانب ثلاثة ملايين جنيه سوداني (1200 دولار) نقدا مخصصة للغذاء في يونيو.

وأضاف أن هذه كانت واحدة من خمس وقائع هذا العام تعرض فيها للهجوم أو المضايقة من قبل القوات شبه العسكرية التي تسيطر على أحياء يشرف فيها على 21 مطبخا تخدم نحو 10 آلاف شخص.

وذكر أنه في وقت لاحق من شهر يونيو اقتحمت قوات منزلا يضم أحد المطابخ في منتصف الليل وسرقت أكياسا من الذرة والفول. وقال المتطوع، الذي كان نائما في ذلك المنزل، إنه تم تقييده وتكميمه وجلده لساعات من قبل القوات للحصول منه على معلومات حول من يمول مجموعة المتطوعين التي ينتمي إليها.

ولم تتمكن رويترز من التحقق من روايته بشكل مستقل، لكن ثلاثة متطوعين آخرين قالوا إنه أبلغ بقية المجموعة بما حدث في ذلك الوقت.

ووفقا لثمانية متطوعين من ولاية الخرطوم، التي تسيطر قوات الدعم السريع على معظمها، ارتفعت وتيرة هذه الحوادث مع زيادة التمويل الدولي للمطابخ الخيرية مع اقتراب فصل الصيف.

وهناك مطابخ كثيرة لا توثق الهجمات، بينما رفض البعض الآخر تقديم التفاصيل خوفا من جذب الانتباه غير المرغوب فيه. ومع ذلك، وصف المتطوعون لرويترز 25 واقعة استهدفت خلالها مطابخهم أو متطوعين في الولاية منذ يوليو تموز، بما في ذلك المزيد من السرقات والضرب واحتجاز ما لا يقل عن 52 شخصا.

وأعلنت مجموعات تدير مطابخ هناك عن مقتل ثلاثة متطوعين على الأقل في هجمات مسلحة، بما في ذلك شخص قالوا إنه قُتل برصاص قوات الدعم السريع في حي الشجرة بالخرطوم في سبتمبر. ولم تتضح هويات المهاجمين الآخرين حتى الآن، ولم تتمكن رويترز من التحقق من الروايات.

أزمة الغذاء في السودان

وقال مدير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في السودان، إيدي رو "المطابخ المجتمعية في السودان تشكل شريان حياة للأشخاص الذين تقطعت بهم السبل في مناطق تشهد صراعا مستمرا". وأضاف لرويترز "من خلال دعمها، يتمكن برنامج الأغذية العالمي من توصيل الغذاء إلى أيدي مئات الآلاف من الأشخاص المعرضين لخطر المجاعة، حتى في مواجهة القيود الشديدة على الوصول إلى المساعدات". وذكر أنه يجب ضمان سلامة عمال الإغاثة.

ولم ترد قوات الدعم السريع ولا الجيش السوداني على أسئلة بشأن هذا التقرير. ولكن قوات الدعم السريع نفت في وقت سابق استهداف فرق الإغاثة وقالت إن أي عناصر مارقة تفعل ذلك ستُقدم إلى العدالة.

وقال الجيش أيضا إنه لا يستهدف عمال الإغاثة، لكن أي شخص يتعاون مع قوات الدعم السريع "المتمردة" معرض للاعتقال.

عناصر مارقة

يقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن أكثر من نصف سكان السودان، أي 25.6 مليون شخص، يعانون من الجوع الحاد ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة. وفي المناطق الأكثر نكبة لجأ السكان النازحون بسبب القتال أو المحاصرون في منازلهم إلى أكل الحشائش وأوراق الشجر.

وأقام متطوعون محليون مئات المطابخ في بدايات الحرب والتي كانت تقدم مرة أو مرتين في اليوم وجبات ساخنة، تتكون عادة من عصيدة الذرة الرفيعة أو العدس أو الفول. ولكن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع التبرعات الخاصة، اضطر البعض إلى وقف أو تقليص الخدمات إلى خمس مرات فقط في الشهر.

وفي ولاية شمال دارفور، كان على مجموعة تدير مطابخ في مخيم يؤوي نصف مليون شخص نزحوا بسبب العنف العرقي التوقف عدة مرات عن تقديم الوجبات بسبب عدم كفاية التمويل، حسبما قال أحد المتطوعين هناك.

وفي أغسطس، قالت هيئة عالمية معنية بأزمات الجوع، في أغسطس، إن الصراع والقيود المفروضة على تسليم المساعدات تسببا في مجاعة في مخيم زمزم.

وتدير (غرف الطوارئ)، وهي شبكة واسعة من المجموعات المجتمعية، الكثير من المطابخ الخيرية، وحاولت الحفاظ على استمرار الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء وتوزيع المواد الغذائية والإمدادات الطبية.

ولا يثق الجيش ولا قوات الدعم السريع في هذه المجموعات، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنها تضم أشخاصا كانوا أعضاء في "لجان المقاومة" التي قادت احتجاجات مؤيدة للديمقراطية خلال الانتفاضة التي أطاحت بعمر البشير في عام 2019. وقال المتطوعون الذين تحدثوا إلى رويترز، إن أهداف غرف الطوارئ إنسانية بحتة.

وشارك الجيش وقوات الدعم السريع في انقلاب عسكري بعد عامين من الإطاحة بالبشير، لكن خلافات دبت بينهما لتشعل فتيل حرب مستمرة منذ أبريل نيسان 2023.

وفي المناطق الأكثر تضررا، قال متطوعون محليون إنهم يتعرضون للاستهداف أسبوعيا أو كل بضعة أيام من قبل عناصر مارقة، مقارنة بما يقرب من مرة واحدة في الشهر، في وقت سابق من العام. وبدأ البعض في إخفاء الإمدادات الغذائية في مواقع مختلفة لتجنب خسارتها في هجوم واحد.

وتحدثت رويترز إلى تسعة متطوعين فروا من أجزاء مختلفة من السودان بعد استهدافهم من قبل طرفي الصراع.

وقال المتطوع صلاح الدين "هذه الهجمات لها تأثير سلبي كبير على عملنا. نخسر المتطوعين الذين يخدمون مناطقهم".

وفي مناطق يحتفظ الجيش بالسيطرة عليها، وصف ستة متطوعين الاعتقالات والمراقبة التي قالوا إنها أثنت أشخاصا كانوا يساعدون في إدارة المطابخ عن مواصلة هذه المهمة، مما قلل من قدرتهم على العمل.

وتوصلت بعثة لتقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة إلى أنه من بين 65 قضية نظرتها محاكم شكلها الجيش لمن قال إنهم "قادة وموظفون" يتبعون قوات الدعم السريع حتى يونيو، استهدفت 63 دعوى نشطاء وعاملين في المجال الإنساني. وقالت البعثة في تقريرها إن من بينهم أعضاء في غرف الطوارئ.

ووفقا لموظفي إغاثة، استخدم كلا الجانبين تكتيكات تشبه الحصار لمنع وصول الغذاء والإمدادات الأخرى إلى الجانب الآخر. وأضافوا أن قوات الدعم السريع وميليشيات متحالفة معها نهبت مراكز المساعدات والمحاصيل.

وتبادل الطرفان المتحاربان الاتهامات بشأن تأخير تسليم مواد الإغاثة الغذائية، في حين نفت قوات الدعم السريع نهب المساعدات.

وقال قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان، دقلو (حميدتي) في سبتمبر،  إنهما ملتزمان بتسهيل تدفق المساعدات.

 تردد المانحين

قال عبد الله قمر، أحد المنظمين بولاية الخرطوم إنه مع تفشي الجوع أنشأت غرف الطوارئ 419 مطبخا بهدف خدمة أكثر من مليون شخص يوميا في الولاية وحدها. لكن المتطوعين يكابدون لتأمين 1.175 مليون دولار لازمة لذلك كل شهر. وقال قمر لرويترز إنهم تلقوا في سبتمبر  نحو 614 ألف دولار.

وقال قمر إن معظم الدعم كان يأتي في البداية من السودانيين المغتربين، لكن موارد هؤلاء المانحين نضبت.

وأشار موظفو الإغاثة إلى أن كثيرا من المانحين الأجانب ترددوا في تمويل المطابخ لأن المجموعات التي تديرها غير مسجلة لدى الحكومة وتستخدم في الغالب حسابات مصرفية شخصية.

وقالت ماتيلد فو، مسؤولة الشأن السوداني في المجلس النرويجي للاجئين "هناك الكثير من العزوف عن المخاطرة عندما يتعلق الأمر بدعم البرامج غير المسجلة".

وأضافت أن المجلس بدأ في دعم جهات محلية تقدم مساعدات في السودان العام الماضي. وقالت "الآن نرى أن الكثير من المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة بدأت تدرك أننا لا نستطيع تقديم أي استجابة إنسانية -أي لا يمكننا إنقاذ الأرواح- بدونهم".

ويعمل بعض المانحين الآن من خلال وسطاء مسجلين للحصول على تمويل للمطابخ الخيرية. على سبيل المثال، بدأ برنامج الأغذية العالمي في الشراكة مع مجموعات المساعدة المحلية في يوليو، لمساعدة حوالي 200 مطبخ في توفير وجبات ساخنة لما يصل إلى 175 ألف شخص يوميا في منطقة الخرطوم الكبرى، حيث أنفق أكثر من مليوني دولار حتى الآن، حسبما قالت المتحدثة باسم البرنامج في السودان ليني كينزلي.

ورحب المتطوعون بالدعم، لكنهم قالوا إن الأمر قد يستغرق أسابيع حتى تصل الأموال إلى المطابخ من خلال الوسطاء. وقالوا إن المتطلبات المرهقة المتعلقة بتقديم التقارير تزيد من التأخير.

وقال محمد عبد الله، المتحدث باسم غرفة الطوارئ في جنوب الخرطوم "تعمل المطابخ بشكل متقطع، لا يوجد تمويل ثابت". وقال إن غرفة الطوارئ لا تملك في بعض الأحيان سوى ما يكفي لتوفير وجبات الطعام مرة واحدة في الأسبوع، بما في ذلك في الأحياء المعرضة لخطر المجاعة.

وقال جاستن برادي رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، إن المانحين يحتاجون إلى ما يضمن استخدام الأموال للغرض المستهدف لكنهم اتخذوا خطوات لتبسيط العملية.

وفي الوقت نفسه، تتزايد الاحتياجات.

وقال المتطوعون إن قدوم موسم الأمطار خلال الصيف تسبب في فيضانات مفاجئة وفاقم خطر الإصابة بأمراض قاتلة، من بينها الكوليرا والملاريا، مما أدى إلى استنزاف الموارد بشكل أكبر.

وانخفضت قيمة الجنيه السوداني 300 بالمئة مقابل الدولار منذ بداية الحرب، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنفس النسبة تقريبا، وفقا لمسوحات برنامج الأغذية العالمي.

وقالت هند لطيف، المتحدثة باسم المتطوعين في منطقة شرق النيل المجاورة لمدينة بحري،  إن العديد من الناس يموتون من الجوع كل شهر "في أحياء كان لدينا فيها مطبخ واحد، نحتاج الآن إلى ثلاثة مطابخ أخرى... ومع استمرار الحرب، سنرى المزيد من الناس يصلون إلى الحضيض".

وفي أحد أحياء بحري يصطف الناس مرتين في اليوم حاملين أوعية ودلاء لجمع مغارف من العصيدة التي يتم إعدادها على نار في فناء منزل أحد المتطوعين. ويقف بينهم معلمون وتجار وغيرهم ممن انقطعت سبل عيشهم.

وقالت ربة منزل تبلغ من العمر 50 عاما، طلبت عدم نشر اسمها مثل غيرها من الذين أجريت معهم المقابلات لأسباب أمنية "ليس لدينا أي طعام في المنزل لأننا لا نملك المال. نعتمد على المطبخ... ليس لدينا بديل".