نساء وأطفال في معسكر للنازحين داخل السودان بسبب المعارك.
نساء وأطفال في معسكر بمدينة ود مدني للنازحين داخل السودان بسبب المعارك.

تواصلت المعارك في العاصمة السودانية، الخميس، مع تبادل الجيش وقوات الدعم السريع الهجمات على المواقع التابعة لكل جانب، بحسب شهادات السكان، فيما حذرت منظمة الصحة العالمية من "سوء تغذية خطير" في أوساط آلاف الأطفال النازحين.

وأفاد سكان من ضاحية غرب الخرطوم الكبرى أم درمان وكالة فرانس برس بأنهم شهدوا "قصفا بالمدفعية الثقيلة والصاروخية من شمال مدينة أم درمان باتجاه الخرطوم".

كما أشار آخرون إلى هجوم من قبل قوات الدعم السريع على قاعدة وادي سيدنا الجوية شمال أم درمان "باستخدام مسيرات".

وأكدت قوات الدعم السريع في بيان أن "قواتها الخاصة نفذت فجر اليوم (الخميس)، مهمة عسكرية جديدة داخل قاعدة وادي سيدنا العسكرية بكرري أم درمان".

وتابعت أن هذا الهجوم أسفر عن "تدمير 3 طائرات حربية ومخازن للأسلحة والمعدات الحربية والمؤن ومقتل وجرح العشرات من قوات الانقلابيين".

في الأثناء، أفاد بيان من أهالي بلدة في ولاية غرب دارفور بتعرضهم لهجوم مستمر منذ ثلاثة أيام. يعاني الإقليم المضطرب غرب البلاد من ويلات الحرب، ما دفع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان لفتح تحقيق بشأن أحداث العنف.

وأفاد البيان بأن بلدة سربا الواقعة جنوب غرب الجنينة (عاصمة ولاية غرب دارفور) تتعرض "لهجوم مليشيات عربية مدعومة (بقوات)الدعم السريع منذ ثلاثة ايام اسفر عن سقوط ضحايا وحرق عدد من المنازل".

وفي مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، أفاد سكان بوقوع اشتباكات عنيفة بين طرفي الصراع، حيث يسيطر الجيش على الجزء الجنوبي من المدينة، فيما تسيطر قوات الدعم على الشمال.

إلى ذلك أعلنت رئاسة قوات الشرطة في بيان مقتل مساعد المدير العام للإمداد الفريق عمر محمد ابراهيم حمودة "إبان أحداث قيادة قوات الاحتياطي المركزي بالخرطوم".

وكانت قوات الدعم أعلنت الأسبوع الأخير من الشهر الماضي "السيطرة التامة على رئاسة قوات الاحتياطي المركزي" في العاصمة.

وأفاد بيان الشرطة "تأكد استشهاد الفريق (في الشرطة) عمر محمد إبراهيم حمودة وبمعيته عدد من الضباط وضباط الصف والجنود .. بعد أن لقنوا العدو درساً في معاني الوطنية والثبات".

واندلعت الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو في 15 نيسان/ابريل وتركزت في العاصمة وضواحيها وإقليم دارفور غرب البلاد.

وقد أسفرت عن مقتل 3900 شخص على الأقل حتى الآن، بحسب منظمة أكليد غير الحكومية، علما بأن مصادر طبية تؤكد أن الحصيلة الفعلية هي أعلى بكثير.

وأبرم طرفا النزاع أكثر من هدنة، غالبا بوساطة الولايات المتحدة والسعودية، سرعان ما كان يتمّ خرقها.

وفي هذا الصدد أكد الجيش في بيان الخميس عودة وفده من السعودية الاربعاء بعد مشاركته لمدة شهر تقريبا في مباحثات غير مباشرة برعاية السعوديين، لوقف إطلاق النار.

وأفاد البيان "تباحث الوفد حول مسودة لوقف العدائيات تم التوافق فيها على كثير من النقاط".

وتابع "إلا أن الخلاف حول بعض النقاط الجوهرية ومن بينها إخلاء المتمردين لمنازل المواطنين بكافة مناطق العاصمة وإخلاء مرافق الخدمات والمستشفيات والطرق، أدى إلى عدم التوصل لاتفاق وقف العدائيات، ونتيجة لذلك عاد وفدنا".

وأبدى الجيش استعداده "لمواصلة المباحثات متى تم استئنافها بعد تذليل المعوقات".

"سوء تغذية خطير"

يُعد السودان، الذي يقدر عدد سكانه بنحو 48 مليون نسمة، من أكثر دول العالم فقرا حتى قبل اندلاع النزاع الحالي الذي دفع نحو 3,5 ملايين شخص للنزوح، غادر أكثر من 700 ألف منهم إلى خارج البلاد وخصوصا إلى دول الجوار.

وتعتبر تشاد من أبرز الجيران الذين استقبلوا أعدادا كبيرة من النازحين السودانيين وخصوصا من غرب البلاد حيث إقليم دارفور الذي مزقته الحرب، إذ وصل عدد الفارّين إلى تشاد أكثر من 240 ألف شخص.

وفي مؤتمر صحفي افتراضي للمكتب الإقليمي لدول شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، حذر ممثل المنظمة الأممية في تشاد من أن آلاف الأطفال في مخيمات النازحين السودانيين يواجهون "سوء تغذية خطير"، مشيرا إلى وفاة 65 طفلا دون سن الخامسة.

ومن جهته أشار ممثل المنظمة في السودان نعمة عابد إلى "توقف جميع أنشطة التحصين" ضد الأوبئة مثل الكوليرا والحصبة والتي من المتوقع انتشارها خلال موسم هطول الأمطار.

وكان بيان مشترك الثلاثاء لمدير منظمة الصحة العالمية لمنطقة شرق المتوسط أحمد المنظري ومديرة منظمة الصحة العالمية لمنطقة إفريقيا ماتشيديسو مويتي أفاد بأن "أكثر من 67 بالمئة من مستشفيات البلاد باتت خارج الخدمة".

إلى ذلك، يستمر العاملون في المجال الإنساني في المطالبة سُدى بالوصول إلى مناطق القتال ويقولون إنّ السلطات تمنع وصول المساعدات إلى الجمارك ولا تُصدر تأشيرات دخول لعمال الإغاثة.

الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية
الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية

في اتهام علني، يُعد الأول من مسؤول سوداني إلى السلطات الإماراتية، قال عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا، إن "الإمارات ترسل إمدادات إلى قوات الدعم السريع، عبر مطار أم جرس التشادي".

العطا الذي كان يتحدث أمام مجموعة من أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان، أضاف أن "المعلومات الواردة إلينا من جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية ومن الدبلوماسية السودانية تشير إلى أن الإمارات ترسل الإمدادات إلى الدعم السريع". 

وجاءت تصريحات العطا قبل أيام من مشاركة متوقعة لرئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، في الاجتماع الرئاسي بشأن المناخ والسلام والأمن في منطقة القرن الإفريقي، في دبي بالإمارات، في الثالث من ديسمبر المقبل، وذلك على هامش قمة المناخ.

موقف رسمي

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، أشار إلى أن "اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، لم يصدر من فراغ، وإنما استند إلى أدلة مصدرها ثلاث جهات رسمية، ممثلة في جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية والخارجية السودانية".

وقال إسماعيل لموقع "الحرة" إن تصريحات العطا تمثّل الموقف الرسمي للحكومة والجيش السوداني، ولا تمثّل قائلها، وهذا يشير إلى أن هناك دلائل أو ملفات، استند عليها الجيش ومجلس السيادة في اتهام أبوظبي بإرسال الإمداد إلى الدعم السريع، كما أن هناك تقارير في منصات إعلامية تحدثت بهذا الخصوص".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين أوغنديين، قولهم إنهم عثروا في 2 يونيو الماضي على "شحنات أسلحة في طائرة، كان يفترض أن تحمل مساعدات إنسانية من الإمارات إلى اللاجئين السودانيين" في تشاد.

وفي أغسطس الماضي، نفت دولة الإمارات "دعم أي من طرفي الصراع في السودان بالسلاح والذخيرة"، وفق بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي على موقعها الإلكتروني.

وجاء في البيان "أن الإمارات لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع الحالي، وتسعى إلى إنهائه".

عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر قال إن قواتهم لم تستلم أي دعم من الإمارات، أو من تشاد، أو أي دولة أخرى.

كما أكد لموقع "الحرة" أن "قوات الدعم السريع لا تتلقى أي دعم خارجي، وأنها تعتمد على الأسلحة والعتاد الحربي الذي حصلت عليه من مخازن استولت عليها من الجيش السوداني".

وأدى الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الذي بدأ في أبريل الماضي، إلى مقتل أكثر من تسعة آلاف شخص، بجانب تشريد أكثر من 7 ملايين نازح داخلياً، بينما يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد، إلى مساعدات إنسانية، للبقاء على قيد الحياة، حسب منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

المحلل السياسي الإماراتي، ضرار الفلاسي، قلل من اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، بالضلوع في تقديم الإمداد إلى قوات الدعم السريع.

الفلاسي قال لموقع "الحرة"، إن "الإمارات لا تدعم الحرب في السودان، وتعمل على تقديم الدعم إلى المتضررين من الأزمة الحالية، ولذلك لا تلتف إلى مثل هذه الاتهامات والمزاعم".

رسائل خارجية

اتهام عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا إلى الإمارات، جاء بعد يومين من زيارة البرهان إلى كينيا وجيبوتي، حيث بحث مع الرئيس الكيني، وليام روتو ومع السكرتير التنفيذي لمنظمة ايقاد، ورقني قبيهو، في اجتماعين منفصلين، "سبل إيقاف الحرب وعودة الحياة طبيعتها في السودان"، بحسب إعلام مجلس السيادة السوداني.

من جانبه اعتبر عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر، أن "اتهام العطا إلى الإمارات، ابتزاز للمجتمع الدولي وأنه محاولة للتشويش على الإرادة الدولية والجهود الساعية إلى تحقيق السلام في السودان".

وتابع قائلا: "هذه التصريحات تكشف عن ارتباك وفوضى في مركز قيادة القوات المسلحة السودانية، والجميع يعلم أن الإمارات دعمت السودانيين وتوسطت لردم الهوة بين السودانيين قبل وبعد اندلاع الحرب".

وتقود السعودية والولايات المتحدة جهودا لإنهاء الحرب في السودان، من خلال جولات تفاوضية بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة جدة، حيث اتفق الطرفان المتحاربان على "تسهيل وصول المساعدات الإنسانية"، بحسب بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في السابع من نوفمبر الماضي.

ووفق البيان، فقد اتفق الطرفان على "إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع"، ضمن مساعي تعزيز إجراءات الثقة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها اختراق منظور في مسار إنهاء الحرب عبر التفاوض.

السودان.. طرفا الصراع يلتزمان بتسهيل مرور المساعدات الإنسانية
ذكر بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، الثلاثاء، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أعلنا التزامهما بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات لبناء الثقة، من دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وتزامن هجوم العطا على الإمارات مع وقفة احتجاجية في مدينة بورتسودان، التي تتخذها السلطات السودانية مقراً بديلاً لإدارة شؤون البلاد، حيث رفع المحتجون لافتات تطالب بطرد السفير الإماراتي من السودان.

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، استعبد أن تصل علاقات السودان والإمارات إلى مرحلة القطيعة الدبلوماسية، أو سحب، أو طرد السفراء.

لكنه أشار إلى أن تصريحات العطا ستنعكس على مشاركة البرهان في قمة المناخ بالإمارات، وربما تقطع الطريق – والحديث لإسماعيل – على أي فرصة لتقارب أو محادثات جانبية بين البرهان والقيادة الإماراتية خلال فعاليات القمة".

وبدوره، شدد المحلل السياسي الإماراتي ضرار الفلاسي، على أن الإمارات مستمرة في تقديم الدعم للسودانيين المتضررين من الحرب، وأنها عازمة على إنجاح قمة المناخ المنعقدة في دبي". 

وكان تحالف يضم شركة موانئ أبو ظبي وشركة إنفيكتوس للاستثمار، وقع في ديسمبر الماضي، اتفاقا مبدئيا مع السلطات السودانية، لإدارة وتشغيل ميناء أبو عمامة، والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر، باستثمارات قيمتها 6 مليارات دولار.

ومن المخطط أن يضم المشروع، الذي يقع على بعد حوالي 200 كيلومتر شمالي مدينة بورتسودان الساحلية، منطقة اقتصادية ومطارا ومنطقة زراعية على مساحة 400 ألف فدان.