قوات الدعم السريع حذرت من استعمال زيها في انتهاكات تتهم بها
الاشتباكات أدت إلى تفاقم الأوضاع الصحية والإنسانية في السودان

أعلنت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، أن نطاق الأزمة الصحية في السودان أصبح "هائلا"، مطالبة المانحين بـ"ضرورة زيادة دعمهم لضمان تقديم الخدمات على نحو كاف".

وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان، نعمة عابد: "نطاق الأزمة الصحية.. هائل، ونحن نعمل بجد لتعزيز استجابتنا، وذلك بتقديم الإمدادات الصحية الطارئة".

وتابع: "رغم تفاقم التحديات بسبب الهجمات على المرافق الصحية الطارئة، ورغم تفاقم التحديات بسبب الهجمات على المرافق الصحية وانعدام الأمن على نطاق واسع، فإن منظمة الصحة العالمية عازمة على الوصول إلى الأشخاص الأكثر احتياجا".

وأردف: "نحث المانحين على زيادة دعمهم لضمان تقديم الخدمات على نحو كاف".

وكانت منظمة "أنقذوا الأطفال" (سايف ذي تشيلدرن) الخيرية قد حذرت، الثلاثاء، من خطر تفشي الأمراض نتيجة تحلّل جثث القتلى في شوارع الخرطوم التي مزّقتها حربٌ بين الجيش وقوات الدعم السريع مستمرة منذ 4 أشهر.

وذكر بيان صادر عن المنظمة التي يقع مقرّها في لندن، أن "آلاف الجثث تتحلّل في شوارع الخرطوم"، مشيرة إلى عدم سعة المشارح لحفظ الجثث من ناحية، وتأثير انقطاع الكهرباء المستمر على نظم التبريد.

وحذرت من أن ذلك قد "يعرّض العائلات والأطفال لخطر متزايد من الأمراض"، بحسب وكالة فرانس برس.

ونقلت المنظمة عن نقابة الأطباء السودانية قولها: "لم يتبق أي طاقم طبي في المشارح، تاركين الجثث مكشوفة على حالتها".

وأكد البيان أن هذا "المزيج المرعب من أعداد الجثث المتزايدة ونقص المياه الحاد وتعطّل خدمات النظافة والصرف الصحي... يثير مخاوف من تفشي وباء الكوليرا في المدينة".

وسبق لمنظمات إغاثة دولية أن حذّرت من أن موسم الأمطار في السودان، الذي بدأ في يونيو، يمكن أن يتسبّب في انتشار أوبئة مثل الحصبة والكوليرا، خصوصا في ظل توقّف أنشطة التلقيح ضد الأمراض وخروج المرافق الطبية في البلاد من الخدمة

ويعد السودان من أكثر دول العالم فقرا حتى قبل اندلاع النزاع الحالي، في حين يستمر العاملون في المجال الإنساني في المطالبة من دون جدوى بالوصول إلى مناطق القتال، ويقولون إنّ السلطات تمنع وصول المساعدات إلى الجمارك ولا تُصدر تأشيرات دخول لطواقم الإغاثة.

ومنذ 15 أبريل، يستمر النزاع بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو. وتتركز المعارك في العاصمة وضواحيها وفي إقليم دارفور في غرب البلاد وبعض المناطق الجنوبية.

وأسفرت الحرب عن مقتل 3900 شخص على الأقل، ودفعت أكثر من 4 ملايين آخرين الى مغادرة منازلهم سواء إلى ولايات أخرى لم تطاولها أعمال العنف أو إلى خارج البلاد، بحسب أحدث إحصاءات الأمم المتحدة.

وأبرم طرفا النزاع أكثر من هدنة غالبا بوساطة من الولايات المتحدة والسعودية، لكنها لم تصمد.

الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية
الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية

في اتهام علني، يُعد الأول من مسؤول سوداني إلى السلطات الإماراتية، قال عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا، إن "الإمارات ترسل إمدادات إلى قوات الدعم السريع، عبر مطار أم جرس التشادي".

العطا الذي كان يتحدث أمام مجموعة من أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان، أضاف أن "المعلومات الواردة إلينا من جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية ومن الدبلوماسية السودانية تشير إلى أن الإمارات ترسل الإمدادات إلى الدعم السريع". 

وجاءت تصريحات العطا قبل أيام من مشاركة متوقعة لرئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، في الاجتماع الرئاسي بشأن المناخ والسلام والأمن في منطقة القرن الإفريقي، في دبي بالإمارات، في الثالث من ديسمبر المقبل، وذلك على هامش قمة المناخ.

موقف رسمي

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، أشار إلى أن "اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، لم يصدر من فراغ، وإنما استند إلى أدلة مصدرها ثلاث جهات رسمية، ممثلة في جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية والخارجية السودانية".

وقال إسماعيل لموقع "الحرة" إن تصريحات العطا تمثّل الموقف الرسمي للحكومة والجيش السوداني، ولا تمثّل قائلها، وهذا يشير إلى أن هناك دلائل أو ملفات، استند عليها الجيش ومجلس السيادة في اتهام أبوظبي بإرسال الإمداد إلى الدعم السريع، كما أن هناك تقارير في منصات إعلامية تحدثت بهذا الخصوص".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين أوغنديين، قولهم إنهم عثروا في 2 يونيو الماضي على "شحنات أسلحة في طائرة، كان يفترض أن تحمل مساعدات إنسانية من الإمارات إلى اللاجئين السودانيين" في تشاد.

وفي أغسطس الماضي، نفت دولة الإمارات "دعم أي من طرفي الصراع في السودان بالسلاح والذخيرة"، وفق بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي على موقعها الإلكتروني.

وجاء في البيان "أن الإمارات لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع الحالي، وتسعى إلى إنهائه".

عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر قال إن قواتهم لم تستلم أي دعم من الإمارات، أو من تشاد، أو أي دولة أخرى.

كما أكد لموقع "الحرة" أن "قوات الدعم السريع لا تتلقى أي دعم خارجي، وأنها تعتمد على الأسلحة والعتاد الحربي الذي حصلت عليه من مخازن استولت عليها من الجيش السوداني".

وأدى الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الذي بدأ في أبريل الماضي، إلى مقتل أكثر من تسعة آلاف شخص، بجانب تشريد أكثر من 7 ملايين نازح داخلياً، بينما يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد، إلى مساعدات إنسانية، للبقاء على قيد الحياة، حسب منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

المحلل السياسي الإماراتي، ضرار الفلاسي، قلل من اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، بالضلوع في تقديم الإمداد إلى قوات الدعم السريع.

الفلاسي قال لموقع "الحرة"، إن "الإمارات لا تدعم الحرب في السودان، وتعمل على تقديم الدعم إلى المتضررين من الأزمة الحالية، ولذلك لا تلتف إلى مثل هذه الاتهامات والمزاعم".

رسائل خارجية

اتهام عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا إلى الإمارات، جاء بعد يومين من زيارة البرهان إلى كينيا وجيبوتي، حيث بحث مع الرئيس الكيني، وليام روتو ومع السكرتير التنفيذي لمنظمة ايقاد، ورقني قبيهو، في اجتماعين منفصلين، "سبل إيقاف الحرب وعودة الحياة طبيعتها في السودان"، بحسب إعلام مجلس السيادة السوداني.

من جانبه اعتبر عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر، أن "اتهام العطا إلى الإمارات، ابتزاز للمجتمع الدولي وأنه محاولة للتشويش على الإرادة الدولية والجهود الساعية إلى تحقيق السلام في السودان".

وتابع قائلا: "هذه التصريحات تكشف عن ارتباك وفوضى في مركز قيادة القوات المسلحة السودانية، والجميع يعلم أن الإمارات دعمت السودانيين وتوسطت لردم الهوة بين السودانيين قبل وبعد اندلاع الحرب".

وتقود السعودية والولايات المتحدة جهودا لإنهاء الحرب في السودان، من خلال جولات تفاوضية بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة جدة، حيث اتفق الطرفان المتحاربان على "تسهيل وصول المساعدات الإنسانية"، بحسب بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في السابع من نوفمبر الماضي.

ووفق البيان، فقد اتفق الطرفان على "إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع"، ضمن مساعي تعزيز إجراءات الثقة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها اختراق منظور في مسار إنهاء الحرب عبر التفاوض.

السودان.. طرفا الصراع يلتزمان بتسهيل مرور المساعدات الإنسانية
ذكر بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، الثلاثاء، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أعلنا التزامهما بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات لبناء الثقة، من دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وتزامن هجوم العطا على الإمارات مع وقفة احتجاجية في مدينة بورتسودان، التي تتخذها السلطات السودانية مقراً بديلاً لإدارة شؤون البلاد، حيث رفع المحتجون لافتات تطالب بطرد السفير الإماراتي من السودان.

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، استعبد أن تصل علاقات السودان والإمارات إلى مرحلة القطيعة الدبلوماسية، أو سحب، أو طرد السفراء.

لكنه أشار إلى أن تصريحات العطا ستنعكس على مشاركة البرهان في قمة المناخ بالإمارات، وربما تقطع الطريق – والحديث لإسماعيل – على أي فرصة لتقارب أو محادثات جانبية بين البرهان والقيادة الإماراتية خلال فعاليات القمة".

وبدوره، شدد المحلل السياسي الإماراتي ضرار الفلاسي، على أن الإمارات مستمرة في تقديم الدعم للسودانيين المتضررين من الحرب، وأنها عازمة على إنجاح قمة المناخ المنعقدة في دبي". 

وكان تحالف يضم شركة موانئ أبو ظبي وشركة إنفيكتوس للاستثمار، وقع في ديسمبر الماضي، اتفاقا مبدئيا مع السلطات السودانية، لإدارة وتشغيل ميناء أبو عمامة، والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر، باستثمارات قيمتها 6 مليارات دولار.

ومن المخطط أن يضم المشروع، الذي يقع على بعد حوالي 200 كيلومتر شمالي مدينة بورتسودان الساحلية، منطقة اقتصادية ومطارا ومنطقة زراعية على مساحة 400 ألف فدان.