عمال الإغاثة يتحسرون من نقص التمويل والدعم للعمليات الإنسانية في السودان
عمال الإغاثة يتحسرون من نقص التمويل والدعم للعمليات الإنسانية في السودان

يتحسر عمال الإغاثة من نقص التمويل والدعم للعمليات الإنسانية في السودان مقارنة بالدعم المقدم في أوكرانيا، ودانوا "العنصرية" في الاستجابة لأزمات متشابهة من ضحاياها الأطفال في دول أخرى.

وتنقل صحيفة "الغارديان" أن الأشهر الأربعة الماضية من القتال في السودان دفعت بالملايين إلى انعدام الأمن الغذائي، وتقول وكالات الإغاثة إنها تكافح للوصول إلى الناس، فيما من المتوقع أن يعاني 1.5 مليون طفل إضافي من الجوع بحلول سبتمبر.

وذكرت إذاعة دبنقا السودانية المستقلة أن 132 طفلا لقوا حتفهم بسبب ظروف مرتبطة بسوء التغذية في ولاية القضارف الشرقية.

وأسعار المواد الغذائية الأساسية، مثل الذرة الرفيعة والقمح، مرتفعة بالفعل ولكن من المرجح أن يزداد النقص سوءا مع اضطرار المزارعين إلى ترك أراضيهم بسبب القتال.

وعلى عكس ما يعيشه السودان، فالوضع ليس مشابها في أوكرانيا، حيت تقديم الدعم أسرع، بحسب ما يراه عمال الإغاثة.

وقال مدير مجلس اللاجئين النرويجي (إن آر سي) في السودان، وليام كارتر، إن نظام التمويل الإنساني العالمي "عنصري بشكل صارخ" كما هو الحال في نظام الحماية الدولية.

وقارن كارتر عبر حسابه في إكس، تويتر سابقا، بين الاستجابة المختلفة للحرب بين السودان وأوكرانيا، مشيرا إلى أنه في أوروبا يتم الترحيب باللاجئين الفارين من الهجوم الروسي، وقُدِّمت مليارات المساعدات، فيما في السودان تحتاج منظمات الإغاثة إلى "التوسل" لأشهر للحصول على ملايين الدولارات من المساعدات، ولا يُرحب باللاجئين.

وقال: "إنها حكاية عاصمتين، كلتاهما ضربتهما غارات جوية مع انفجار حرب واسعة النطاق.
واحدة في أوروبا. حيث لا تدخر نفقة وعرضت مليارات الدولارات من المساعدات خلال أيام. اللاجئون مُرحّبٌ بهم".

وأضاف "أما الأخرى في أفريقيا. نحن بحاجة إلى التوسل لأشهر من أجل ملايين الدولارات من المساعدات للاستجابة. واللاجئون غير مرحب بهم، وجوازات سفرهم ممزقة  والتأشيرات لم تصدر، وتقلصت الإقامة القانونية في بلدان أخرى، و(يواجه اللاجئون) عمليات الإعادة والترحيل، ولا تتوفر وسيلة أو مساعدة للخروج من منطقة القتل".

وأشار إلى أن مجموعة العشرين والجمعية العامة للأمم المتحدة بحاجة إلى "تصحيح ذلك. ويتعين على الهيئات الحكومية الدولية المكلفة بالإشراف على المعونة والحماية أن ترفع صوتها".

واختتم بالقول: "لا تكمن النقطة هنا في أن الاستجابة لإحدى هاتين الأزمتين يجب أن تنخفض وأن تزيد الأخرى على حسابها - فكلتاهما تواجهان نقص التمويل وتحتاجان إلى المزيد. بل فقط، من الواضح أن إحداهما تعاني من حزن ويئس وموت، لكنها مهملة بشدة".

وحذرت منظمة "أنقذوا الأطفال"، الثلاثاء، أنه مع نزوح 4 ملايين شخص حتى الآن، يواجه المزيد من الناس الجوع في السودان أكثر من أي وقت مضى منذ بدء النزاعات هناك، في عام 2012.

ودعت رسالة مفتوحة من قادة المساعدات الإنسانية، صدرت هذا الأسبوع، إلى وقف فوري للأعمال العدائية وحذرت المجتمع الدولي من أنه "لا يوجد عذر للانتظار" للعمل على وقف الصراع "بينما يضيع أطفال السودان".

وإضافة إلى التمييز في المساعدات، يشتكي عمال الإغاثة أيضا من محدودية العمليات في السودان، إذ أجبر مؤخرا المجلس النرويجي للاجئين على إغلاق عملياته في العاصمة، الخرطوم، وإقليم دارفور، فضلا عن تأخير منح التأشيرات.

وهناك ما لا يقل عن 120 تأشيرة للعاملين في المجال الإنساني في انتظار الموافقة، وفقا لمنتدى السودان الدولي، الذي يمثل 70 مجموعة إغاثة تعمل في البلاد.

وقال منسق المنظمة، أنتوني ني،ل إن 15 على الأقل ممن ينتظرون تأشيرات، منذ يونيو، كانوا جراحين وصيادلة وأطباء تخدير. وقال إنه حتى أولئك الذين لديهم تأشيرات يواجهون قيودا على السفر.

كما تنتظر منظمة "أطباء بلا حدود" تأشيرات لموظفيها، وقالت إن هذا يهدد قدرتها على الاستمرار في دعم المستشفى التركي لدى الخرطوم، وهو واحد من عدد قليل جدا من المستشفيات في المدينة التي لا يزال بإمكانها تقديم الرعاية الصحية على مدار الساعة.

وقالت منظمة "أطباء بلا حدود": "إذا لم نتمكن من جلب موظفين جدد، فسنضطر إلى الانسحاب من المستشفى. وسيكون لهذا تأثير مدمر على الأشخاص الذين سيبقون في الخرطوم، والذين سيحتاجون إلى رعاية صحية مُنقذة للحياة خلال الأشهر المقبلة".

الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية
الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية

في اتهام علني، يُعد الأول من مسؤول سوداني إلى السلطات الإماراتية، قال عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا، إن "الإمارات ترسل إمدادات إلى قوات الدعم السريع، عبر مطار أم جرس التشادي".

العطا الذي كان يتحدث أمام مجموعة من أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان، أضاف أن "المعلومات الواردة إلينا من جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية ومن الدبلوماسية السودانية تشير إلى أن الإمارات ترسل الإمدادات إلى الدعم السريع". 

وجاءت تصريحات العطا قبل أيام من مشاركة متوقعة لرئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، في الاجتماع الرئاسي بشأن المناخ والسلام والأمن في منطقة القرن الإفريقي، في دبي بالإمارات، في الثالث من ديسمبر المقبل، وذلك على هامش قمة المناخ.

موقف رسمي

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، أشار إلى أن "اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، لم يصدر من فراغ، وإنما استند إلى أدلة مصدرها ثلاث جهات رسمية، ممثلة في جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية والخارجية السودانية".

وقال إسماعيل لموقع "الحرة" إن تصريحات العطا تمثّل الموقف الرسمي للحكومة والجيش السوداني، ولا تمثّل قائلها، وهذا يشير إلى أن هناك دلائل أو ملفات، استند عليها الجيش ومجلس السيادة في اتهام أبوظبي بإرسال الإمداد إلى الدعم السريع، كما أن هناك تقارير في منصات إعلامية تحدثت بهذا الخصوص".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين أوغنديين، قولهم إنهم عثروا في 2 يونيو الماضي على "شحنات أسلحة في طائرة، كان يفترض أن تحمل مساعدات إنسانية من الإمارات إلى اللاجئين السودانيين" في تشاد.

وفي أغسطس الماضي، نفت دولة الإمارات "دعم أي من طرفي الصراع في السودان بالسلاح والذخيرة"، وفق بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي على موقعها الإلكتروني.

وجاء في البيان "أن الإمارات لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع الحالي، وتسعى إلى إنهائه".

عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر قال إن قواتهم لم تستلم أي دعم من الإمارات، أو من تشاد، أو أي دولة أخرى.

كما أكد لموقع "الحرة" أن "قوات الدعم السريع لا تتلقى أي دعم خارجي، وأنها تعتمد على الأسلحة والعتاد الحربي الذي حصلت عليه من مخازن استولت عليها من الجيش السوداني".

وأدى الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الذي بدأ في أبريل الماضي، إلى مقتل أكثر من تسعة آلاف شخص، بجانب تشريد أكثر من 7 ملايين نازح داخلياً، بينما يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد، إلى مساعدات إنسانية، للبقاء على قيد الحياة، حسب منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

المحلل السياسي الإماراتي، ضرار الفلاسي، قلل من اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، بالضلوع في تقديم الإمداد إلى قوات الدعم السريع.

الفلاسي قال لموقع "الحرة"، إن "الإمارات لا تدعم الحرب في السودان، وتعمل على تقديم الدعم إلى المتضررين من الأزمة الحالية، ولذلك لا تلتف إلى مثل هذه الاتهامات والمزاعم".

رسائل خارجية

اتهام عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا إلى الإمارات، جاء بعد يومين من زيارة البرهان إلى كينيا وجيبوتي، حيث بحث مع الرئيس الكيني، وليام روتو ومع السكرتير التنفيذي لمنظمة ايقاد، ورقني قبيهو، في اجتماعين منفصلين، "سبل إيقاف الحرب وعودة الحياة طبيعتها في السودان"، بحسب إعلام مجلس السيادة السوداني.

من جانبه اعتبر عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر، أن "اتهام العطا إلى الإمارات، ابتزاز للمجتمع الدولي وأنه محاولة للتشويش على الإرادة الدولية والجهود الساعية إلى تحقيق السلام في السودان".

وتابع قائلا: "هذه التصريحات تكشف عن ارتباك وفوضى في مركز قيادة القوات المسلحة السودانية، والجميع يعلم أن الإمارات دعمت السودانيين وتوسطت لردم الهوة بين السودانيين قبل وبعد اندلاع الحرب".

وتقود السعودية والولايات المتحدة جهودا لإنهاء الحرب في السودان، من خلال جولات تفاوضية بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة جدة، حيث اتفق الطرفان المتحاربان على "تسهيل وصول المساعدات الإنسانية"، بحسب بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في السابع من نوفمبر الماضي.

ووفق البيان، فقد اتفق الطرفان على "إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع"، ضمن مساعي تعزيز إجراءات الثقة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها اختراق منظور في مسار إنهاء الحرب عبر التفاوض.

السودان.. طرفا الصراع يلتزمان بتسهيل مرور المساعدات الإنسانية
ذكر بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، الثلاثاء، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أعلنا التزامهما بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات لبناء الثقة، من دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وتزامن هجوم العطا على الإمارات مع وقفة احتجاجية في مدينة بورتسودان، التي تتخذها السلطات السودانية مقراً بديلاً لإدارة شؤون البلاد، حيث رفع المحتجون لافتات تطالب بطرد السفير الإماراتي من السودان.

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، استعبد أن تصل علاقات السودان والإمارات إلى مرحلة القطيعة الدبلوماسية، أو سحب، أو طرد السفراء.

لكنه أشار إلى أن تصريحات العطا ستنعكس على مشاركة البرهان في قمة المناخ بالإمارات، وربما تقطع الطريق – والحديث لإسماعيل – على أي فرصة لتقارب أو محادثات جانبية بين البرهان والقيادة الإماراتية خلال فعاليات القمة".

وبدوره، شدد المحلل السياسي الإماراتي ضرار الفلاسي، على أن الإمارات مستمرة في تقديم الدعم للسودانيين المتضررين من الحرب، وأنها عازمة على إنجاح قمة المناخ المنعقدة في دبي". 

وكان تحالف يضم شركة موانئ أبو ظبي وشركة إنفيكتوس للاستثمار، وقع في ديسمبر الماضي، اتفاقا مبدئيا مع السلطات السودانية، لإدارة وتشغيل ميناء أبو عمامة، والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر، باستثمارات قيمتها 6 مليارات دولار.

ومن المخطط أن يضم المشروع، الذي يقع على بعد حوالي 200 كيلومتر شمالي مدينة بورتسودان الساحلية، منطقة اقتصادية ومطارا ومنطقة زراعية على مساحة 400 ألف فدان.