عبد الرحيم دقلو القائد الثاني في الدعم السريع متهم بارتكاب انتهاكات جسيمة
عبد الرحيم دقلو القائد الثاني في الدعم السريع متهم بارتكاب انتهاكات جسيمة

تردد اسم عبد الرحيم دقلو، على نطاق واسع، الأربعاء، بعدما فرضت وزارة الخزانة الأميركية، الأربعاء، عقوبات هي الأولى من نوعها على مسؤول سوداني متورط في الصراع الجاري بين الجنرالين المتنافسين على السلطة.

ويعتبر دقلو الرجل الثاني في قوات الدعم السريع السودانية، فهو يشغل منصب القائد الثاني في القوات، وهو أيضا شقيق قائدها، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي".

وقد جاء إدراجه في قائمة العقوبات الأميركية نظرا لدوره "القيادي" في القوات التي ارتكبت "انتهاكات ضد حقوق الإنسان وأعمال عنف جنسي" ضد المدنيين السودانيين، وفق بيان لوزارة الخزانة الأميركية.

وتأتي الخطوة الأخيرة، وفق رويترز، ردا على ما يبدو على أعمال العنف التي تشهدها ولاية غرب دارفور، واتهمت فيها قوات الدعم السريع التي خرجت من رحم ميليشيا الجنجويد العربية بارتكاب فظاعات بدارفور مطلع الألفية، أثناء حكم الرئيس السابق، عمر البشير.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية وجهت اتهامات لمسؤولين حكوميين وقادة في الجنجويد بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور خلال تلك الفترة.

وعلى عكس شقيقه، الذي شغل منصب نائب قائد الجيش في المجلس السيادة الذي حكم البلاد منذ 2019 وحتى اندلاع الحرب، لم يشغل عبد الرحيم دقلو أي منصب رسمي في الحكومة، لكنه لعب دورا رائدا في تطوير العلاقات السياسية لقوات الدعم السريع، وفق رويترز.

وبعد أن ظل بعيدا عن الأضواء قبل الصراع، ظهر برسائل مصورة في وقت مبكر من القتال وهو محاط بقوات الدعم السريع، داعيا جنود الجيش السوداني إلى الفرار.

وقبل ذلك، كان عبد الرحيم ضمن قادة قوات الدعم السريع التي لعبت دورا رئيسيا في الأحداث التي أعقبت الانتفاضة ضد البشير في ديسمبر 2018.

وخلال محاكمة الرئيس السابق بتهمة الفساد، قال مدير مكتبه السابق إن البشير سلم قوات الدعم السريع 5 ملايين يورو، وإنه سلم الأموال لعبد الرحيم دقلو، ولم يتسلم إيصال بها.

وواجه دقلو اتهامات بإصدار أوامر بفض اعتصام المحتجين السودانيين يوم 3 يونيو 2019 أمام مقر القيادة العامة للجيش، ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) شهادة ضابط من القوات، قال إنه أعطى الأمر بفض الاعتصام، لكن لا توجد تأكيدات بذلك، وقد نفى هو ذلك أكثر من مرة.

وقال دقلو في مقابلة سابقة مع صحيفة الشرق الأوسط إن القوة التي فضت الاعتصام "ليست متفلتة كما يروج له، بل إنها تلقت أوامر من شخص متآمر أراد فض الاعتصام، وتخريب سمعة الدعم السريع".

وفي أغسطس الماضي، التقت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، براميلا باتن، بعبد الرحيم دقلو، وعبرت له عن "مخاوف جدية بشأن تزايد العنف الجنسي في الخرطوم ودارفور، بما في ذلك الحالات التي تورط فيها حاملو السلاح المرتبطون بقوات الدعم السريع".

ووفقا لملاحظات، اطلعت عليها رويترز، ستقول ليندا توماس غرينفيلد مبعوثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة للصحفيين لدى زيارتها تشاد، الأربعاء، إن العقوبات ستفرض عليه "لعلاقته بالانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع بحق مدنيين في السودان بما يشمل أعمال عنف جنسي تتعلق بالصراع والقتل على أساس الانتماء العرقي".

ويسيطر محمد دقلو وعبد الرحيم دقلو على العديد من مناجم الذهب في السودان، وفق تقارير من بينها تقرير لمنظمة غلوبال ويتنس غير الربحية.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت عقوبات في يونيو الماضي على "شركة الجنيد للأنشطة المتعددة المحدودة المسؤولية" وقالت إنها "هي شركة قابضة سودانية يسيطر عليها الشقيقان.

ويقع المقر الرئيسي للشركة في الخرطوم، وهي تشغل 11 شركة تابعة عبر قطاعات اقتصادية عدة، بما ذلك صناعة مناجم الذهب، وفق الوزارة.

وجاء فرض العقوبات عليها "لمسؤوليتها عن المشاركة أو محاولة المشاركة في أعمال أو سياسات تهدد السلم والأمن والاستقرار في السودان أو تواطؤها في ذلك أو قيامها بذلك بشكل مباشر أو غير مباشر".

وتشير "غلوبال ويتنس" إلى وجود روابط وثيقة بين الشركة الخاضعة للعقوبات الأميركية وقوات الدعم السريع، وتقول إنها حصلت على وثيقة مسربة تفيد بتسجيل القوات مدفوعات إلى الشركة من بينها مدفوعات لتسديد ديون.

وردا على تحقيق أجرته رويترز بهذا الشأن، نفى المدير العام للشركة أي صلة بقوات الدعم السريع، وقال إن "مجموعة الجنيد بعيدة كل البعد عن قوات الدعم السريع".

وكشف التحقيق ذاته أن حميدتي نقل كميات من الذهب بملايين الدولارات إلى الخارج عن طريق شركة "الجنيد".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".