معارك السودان مستمرة منذ منتصف أبريل "أرشيف"
معارك السودان مستمرة منذ منتصف أبريل 2023 - أرشيفية

أصبح التنافس على السلطة أكثر وضوحا في السودان، في ظل القتال المسلح المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع.

والخميس، لوح قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي"، بتشكيل "سلطة سياسية حاكمة" في مناطق سيطرة قواته، "إذا شكل خصومه في الجيش حكومة".

لكن إمكانية تطبيق هذه الفكرة على الأرض، في ظل استمرار القتال الدائر رحاه في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى من الدولة الأفريقية، تظل محل تساؤل.

ويعتقد محللون أنه "من الصعب إقامة سلطة مدنية تتبع لقوات الدعم السريع"، وأن "سيناريو وجود حكومتين في السودان كما هو الحال في ليبيا يبقى مستبعدا".

يحاول دقلو تحقيق مكاسب سياسية في حربه ضد الجيش السوداني
حميدتي يهدد بتشكيل سلطة مدنية في مناطق سيطرة قواته بالسودان
قال قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو، في كلمة مسجلة، الخميس، إن قواته ستبدأ مشاورات لتشكيل سلطة مدنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها إذا استمر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان "في الادعاء بالشرعية الزائفة" وفق ما نقلت عنه وكالة رويترز.

وقال الباحث السوداني، محمد تورشين، إنه "من الصعب" إقامة حكم سياسي لقوات الدعم السريع في البلاد، "على اعتبار أنها فعليا لم تسيطر على مناطق واسعة النطاق".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، أضاف تورشين أن "الانتشار العسكري لا يمكن أن يحقق سلطة مدنية، التي تتمثل في مؤسسات الدولة والمصالح الحكومية الأخرى".

وتابع: "الانتشار لا يعني فعليا أنه يحكم السيطرة على الأراضي والمقار الحكومية"، مردفا أن هذه التصريحات تهدف إلى "محاولة ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط على الجيش ومجلس السيادة".

وسيلة "ضغط"

ومنذ بدء الاشتباكات في منتصف أبريل الماضي، لم يحقق أي من الطرفين تقدما ميدانيا مهما على حساب الآخر. وتسيطر قوات الدعم السريع على أحياء سكنية في العاصمة، فيما يلجأ الجيش في مواجهتها إلى سلاح الطيران والقصف المدفعي.

وقال دقلو في تصريحات نقلتها رويترز، الخميس: "في حال استمر هذا الوضع أو قام الفلول بتشكيل حكومة، سنشرع فورا في مشاورات واسعة لتشكيل سلطة حقيقية في مناطق سيطرتنا الواسعة والممتدة، تكون عاصمتها هي العاصمة القومية الخرطوم، ولن نسمح بخلق عاصمة بديلة".

وأضاف دقلو أن "قيام البرهان بتشكيل حكومة مقرها بورتسودان، يعني أننا نتجه نحو سيناريوهات حدثت في دول أخرى، بوجود طرفين يسيطران على مناطق مختلفة في بلد واحد".

وفي هذا الإطار، قال إبراهيم ناصر، رئيس منصة الدراسات الأمنية وأبحاث السلام، وهي شبكة إعلامية تركز على قضايا السودان تتخذ من العاصمة التركية أنقرة مقرا لها، إن "حميدتي لا يستطيع أن يشكل حكومة مدينة".

وأضاف في حديثه لموقع "الحرة": "حميدتي أراد قطع الطريق على البرهان بتشكيل حكومة".

والشهر الماضي، قال مسؤول كبير بمجلس السيادة السوداني، الذي يرأسه قائد الجيش، البرهان، إن "هناك حاجة إلى حكومة انتقالية"، مما يفتح الطريق نحو وجود حكومتين متنازعتين على السلطة كما هو الحال في ليبيا.

وتشهد ليبيا فوضى عارمة منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011. وتتنافس على السلطة حكومتان، الأولى تسيطر على غرب البلد ومقرها طرابلس ويرأسها، عبد الحميد الدبيبة، وشُكلت إثر حوار سياسي مطلع 2021، وأخرى تسيطر على شرق البلاد ويرأسها، أسامة حمّاد، وهي مكلفة من مجلس النواب ومدعومة من قائد "الجيش الوطني الليبي" خليفة حفتر.

واستبعد تورشين هذا السيناريو على اعتبار أن "النموذج الليبي مختلف تماما"، مبررا ذلك بـ"وجود مجموعات مدنية وسياسية بايعت حفتر".

واتفق ناصر مع هذا الرأي، قائلا إن "هناك قوى سياسية تدعم الجيش (بالسودان) في خطواته لتشكيل حكومة مدنية".

في المقابل "لن تغامر القوى السياسية بسمعتها من أجل حميدتي، الذي لن يستطيع إيجاد قوى مدنية تتحالف معه بصورة علنية، في ظل تضاؤل شعبيته"، على حد قول ناصر.

واستطرد ناصر بالقول إن "القوى الإقليمية مثل مصر والسعودية والإمارات، لا يمكن أن تراهن على مشروع حميدتي السياسي، بإعلان سلطة (حاكمة) في أية جهة في السودان".

"ملامح الحرب ستختلف"

ومع ذلك، أعرب ناصر عن اعتقاده بأن حميدتي قد يفعلها، قائلا: "دقلو متهور ويمكن أن يفعلها.. باعتبار أن مستشارين قبليين متحمسين للانتصار للقبيلة وليس للوطن، هم من يديرونه".

وفي هذا الصدد، قال تورشين :"في أسوأ الأحوال، لو افترضنا أن السلطة الحاكمة لقوات الدعم السريع طبقت ذلك بالفعل على الأرض، فإن ذلك سينعكس على الواقع السوداني بشكل سلبي".

وحتى الآن، تركت المعارك المستمرة، السودان في وضع مأساوي، بعد مقتل نحو 7500 شخص، بينما من المرجح أن تكون الأعداد الفعلية أعلى بكثير. 

كما اضطر نحو 5 ملايين شخص إلى ترك منازلهم والنزوح داخل السودان، أو العبور إلى دول الجوار، خصوصا مصر وتشاد.

واعتبر تورشين أنه في حال طبق حميدتي تهديده، فإنه سيكون بمثابة "انتحار سياسي"، مضيفا: "السودان سيشهد انقسامات حقيقية في المجتمع، وستختلف ملامح الحرب تماما، حيث ستكون هناك مجموعات مختلفة تحارب مجموعات أخرى، وربما يكون البعد الإثني والعرقي حاضرا في هذه المواجهات".

الأمم المتحدة تحاول الوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع
الأمم المتحدة تحاول الوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن ما وصفه بـ "المزيج القاتل" من الجوع والنزوح وتفشي الأمراض، يخلق ما سماه بعاصفة مثالية لـ "خسارة كارثية" في الأرواح بالسودان.

وأفاد المكتب في آخر تحديث أصدره الخميس، بأن برنامج الأغذية العالمي يعمل على مدار الساعة للوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع في البلاد، مشيرا إلى أن البرنامج ساعد في عام 2024 وحتى الآن أكثر من 5 ملايين شخص، بمن فيهم 1.2 مليون في منطقة دارفور.

يأتي هذا في الوقت الذي تواصل فيه منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "يونيسف" نقل إمدادات التغذية المنقذة للحياة لعلاج حوالي 215 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في السودان. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن "يونيسف" وشركاءها قدموا لحوالي 6.6 مليون طفل في السودان وأسرهم مياه شرب آمنة هذا العام، في وقت تتفاقم فيه حالات تفشي الأمراض، بما في ذلك الكوليرا.

وسط المعارك والأمراض.. أطفال "يموتون جوعا" في بلدة سودانية
مع استمرار المعارك العنيفة بين قوات الدعم السريع وبين الجيش السوداني، فر عشرات الآلاف من عاصمة شمال دارفور، الفاشر المحاصرة والممزقة بالحرب، نحو بلدة صغيرة على بعد نحو 70 كيلومترا، حيث بدأت معاناة أخرى جراء نقص الطعام وعدم وجود رعاية صحية.

وأوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن الأطفال يشكلون حوالي نصف الأشخاص الذين فروا من ديارهم ويفوق عددهم 10 ملايين، منذ اندلاع الصراع في السودان العام الماضي. في وقت عبر مليونان من هؤلاء النازحين إلى البلدان المجاورة، حيث تقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الدعم العاجل لهم.

وأفاد المكتب بأن مفوضية اللاجئين تقدم خدمات الحماية الأساسية وتساعد في نقل الأعداد الهائلة من الوافدين الجدد بعيدا عن المناطق الحدودية إلى أماكن أكثر أمانا في بلدان اللجوء، منبها إلى أن هذه الجهود يعرقلها نقص التمويل والفيضانات وانعدام الأمن.

وتقول الأمم المتحدة إنه تم تمويل خطة هذا العام التي تبلغ 1.5 مليار دولار لدعم الاستجابة الإقليمية للاجئين في سبع دول مجاورة، بأقل من ربع المبلغ، إذ لم يتم جمع سوى 347 مليون دولار فقط. وفي الوقت ذاته، تم تمويل الاستجابة داخل السودان بأقل من النصف، حيث تلقت خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024 نحو 1.3 مليار دولار فقط من 2.7 مليار دولار لازمة للوصول إلى حوالي 14.7 مليون شخص في البلاد حتى نهاية العام.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك في المؤتمر الصحفي اليومي الذي عُقِد في مقر المنظمة في نيويورك الخميس، إن أكثر من 113 شاحنة مساعدات دخلت السودان من تشاد عبر معبر أدري منذ إعادة فتحه من قبل السلطات السودانية الشهر الماضي.

وأضاف أن خمس شاحنات أخرى عبرت المعبر مساء الأربعاء، مضيفا أن الإمدادات عن طريق أدري عبرت إلى أكثر من ربع مليون شخص في السودان، وتشمل هذه الإمدادات الغذاء والتغذية والمأوى والمستلزمات الطبية وغيرها من المواد التي تشتد الحاجة إليها.

وفي تطور منفصل، كشف دوجاريك عن حدث وزاري رفيع المستوى سيعقد في 25 من شهر سبتمبر الحالي، بشأن الأزمة المتصاعدة في السودان والمنطقة. وأوضح أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يستضيفان هذا الحدث إلى جانب مصر والسعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وإن المجاعة تلوح في الأفق، كما نزح نحو 10 ملايين شخص. وانتقل أكثر من 2.2 مليون شخص من هؤلاء إلى بلدان أخرى.