الملايا خطر محدق في شمال دارفور
الملايا خطر محدق في شمال دارفور

بعدما أعلنت وزارة الصحة في ولاية شمال دارفور السودانية عن ازدياد كبير فى حالات الإصابة بالملاريا فى مدينة الفاشر، خاصة في مراكز إيواء النازحين، قال وزير الصحة في الولاية، عماد الدين بدوي، الاثنين، إن هناك أكثر من 79 ألف حالة إصابة بالمرض، فيما أوضحت طبيبة تعمل في مستشفى عاصمة الولاية أن الأوضاع الصحية والإنسانية صعبة جدا.

وأشار وزير الصحة في الولاية، في تصريحات للحرة، إلى أن مدينة الفاشر وحدها قد سجلت، خلال هذا الأسبوع، أكثر من 3 آلاف إصابة بالملاريا، وأكثر من 15 ألفا خلال أقل من شهر.

وقالت وزارة الصحة في تقريرها، أمام اجتماع مجلس حكومة شمال دارفور، إن نقص الدواء يشكل خطراً إضافيا على الوضع الصح،  إلى جانب انتشار الإصابة بحمى الضنك.

ووفقا لمراسل الحرة فإن القطاع الصحي في إقليم دارفور يشهد وضعا صعبا بالنظر إلى إمكاناته المتواضعة، إذ يعتمد سكانه على مبادرات شعبية تقودها جمعيات المجتمع المدني المحلي، وبعض المنظمات الإنسانية.

معاناة قديمة فاقمتها الحرب

وتحصد  الملاريا الكثير من الأرواح سنويا في السودان، إذ تشير منظمة الصحة العالمية الى أن 61 بالمئة من الوفيات الناجمة عن الملاريا في منطقة شرق المتوسط، تسجل في هذا البلد.

بيد أن الأوضاع ازدادت سوءا عقب اندلاع المعارك العنيفة بين الجيش السوداني، بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة.

واندلعت الاشتباكات في 15 أبريل الماضي مما أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد ملايين السكان داخل وخارج والبلاد، ونجم عن ذلك تدهور الخدمات الصحية التي كانت تعاني بالأساس من ضعف البنية التحتية في العديد من مناطق البلاد.

وفي حديثه إلى "الحرة" نفى وزير صحة ولاية شمال دافور أن يكون مستشفى الفاشر الجنوبي هو الذي يعمل فقط في خدمة المرضى، مشيرا إلى وجود مستشفى الفاشر التخصصي لأمراض النساء والتوليد الذي يعمل أيضا بكامل طاقته، على حد تعبيره.

وأضاف الوزير: "هناك أيضا العديد من المراكز الصحية المتخصصة في الفاشر وبقية محليات الولاية التي تساهم في علاج المرضى، وهنا أود أن أنوه إلى أننا الولاية الوحيدة في السودان التي تقدم خدمات علاجية مجانية".

ولفت بدوي إلى أن هناك "شحا في الإمكانيات المتاحة، لكننا نحاول مكافحة الحشرات الناقلة للملاريا".

والملاريا، بحسب موقع "مايو كلينك" الصحي مرض يُسببه طفيل ينتقل الطفيلي إلى البشر عبر لدغة البعوض حامل العدوى.

ويَشعُر الأشخاص المصابون بالملاريا بإعياء شديد عادةً مع ارتفاع في درجة الحرارة وقشعريرة مصحوبة برجفة.

ولا تزال الملاريا شائعة في البلدان الاستوائية وشبه الاستوائية، حيث يصاب ما يقرب من 290 مليون شخص كل عام، ويموت أكثر من 600 ألف شخص سنويا بسبب هذا المرض.

وتوصي منظمة الصحة العالمية بتطعيم الأطفال القاطنين بالبلدان ذات معدلات الإصابة العالية بالملاريا، باللقاح المضاد لذلك المرض.

كما ينصح الخبراء بتناول الأدوية الوقائية قبل الرحلة إلى منطقة مرتفعة الخطورة، وبعدها، علمًا بأن العديد من طفيليات الملاريا طورت من مقاومتها للعقاقير الشائع استخدامها لعلاج هذا المرض.

"أوضاع قاسية جدا"

من جانبها، نبهت الطبيية، الزهراء عبد الله أحمد، التي تعمل بمستشفى الفاشر الجنوبي إلى أن هناك ازديادا كبيرا فى معدلات الوفيات وسط المرضى.

وأوضحت الطبيبة السودانية في اتصال هاتفي مع موقع الحرة أن المستشفى يعمل بكافة طاقته من أجل مساعدة المرضى ضمن الإمكانيات المتاحة، متابعة: "الطواقم الطبية تعاني من إرهاق شديد فنحن نواصل الليل بالنهار لإنقاذ المرضى ومساعدتهم".

وتابعت: "أعداد المصابين كبيرة وليس لدينا القدرة، سواء في مستشفى الفاشر الجنوبي أو المستشفى التخصصي، على معالجة جميع المرضى بسبب الأعداد الكبيرة وشح الأدوية وأجهزة الفحص والاختبارات".

وأضافت: "الأوضاع الاقتصادية لا تساعد الناس على الذهاب للعلاج في العيادات الخارجية، لأنهم لا يملكون أجرة الطبيب أو ثمن الدواء، بل أن الكثير منهم لا يستطيع أن يدفع أجرة الوصول إلى المستشفى".

وكان بدوي كشف للحرة أنه تواصل مع وزارة الصحة الاتحادية، مشيرا إلى أن بعض الإمدادت الطبية في طريقها إلى الولاية، كما أوضح أنه جرى التواصل مع بعض المنظمات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، لتقديم العون في أسرع وقت.

من جانبه، ذكر نائب مدير عام وزارة الصحة بولاية شمال دارفور، أحمد الدومة، لموقع "سودان تربيون" المحلي أن هناك نقصا كبيرا في أدوية الملاريا.

وشدد على أن النقص الكبير في أدوية الملاريا وقلة الدعم من المنظمات لمواجهة الأوبئة وعدم صرف استحقاق العاملين لفترة طويلة، فاقم من الوضع الصحي بالولاية.

ولفت أيضا إلى أن  توقف المصارف عن العمل "يحول دون التزام المنظمات بتعهداتها المالية تجاه دعم القطاع الصحي".

كما أشار إلى أن منظمة "أطباء بلا حدود" الفرنسية تخطط لفتح أربعة مراكز بمدينة الفاشر لعلاج حالات الملاريا.

الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية
الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي. أرشيفية

في اتهام علني، يُعد الأول من مسؤول سوداني إلى السلطات الإماراتية، قال عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا، إن "الإمارات ترسل إمدادات إلى قوات الدعم السريع، عبر مطار أم جرس التشادي".

العطا الذي كان يتحدث أمام مجموعة من أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان، أضاف أن "المعلومات الواردة إلينا من جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية ومن الدبلوماسية السودانية تشير إلى أن الإمارات ترسل الإمدادات إلى الدعم السريع". 

وجاءت تصريحات العطا قبل أيام من مشاركة متوقعة لرئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، في الاجتماع الرئاسي بشأن المناخ والسلام والأمن في منطقة القرن الإفريقي، في دبي بالإمارات، في الثالث من ديسمبر المقبل، وذلك على هامش قمة المناخ.

موقف رسمي

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، أشار إلى أن "اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، لم يصدر من فراغ، وإنما استند إلى أدلة مصدرها ثلاث جهات رسمية، ممثلة في جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية والخارجية السودانية".

وقال إسماعيل لموقع "الحرة" إن تصريحات العطا تمثّل الموقف الرسمي للحكومة والجيش السوداني، ولا تمثّل قائلها، وهذا يشير إلى أن هناك دلائل أو ملفات، استند عليها الجيش ومجلس السيادة في اتهام أبوظبي بإرسال الإمداد إلى الدعم السريع، كما أن هناك تقارير في منصات إعلامية تحدثت بهذا الخصوص".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين أوغنديين، قولهم إنهم عثروا في 2 يونيو الماضي على "شحنات أسلحة في طائرة، كان يفترض أن تحمل مساعدات إنسانية من الإمارات إلى اللاجئين السودانيين" في تشاد.

وفي أغسطس الماضي، نفت دولة الإمارات "دعم أي من طرفي الصراع في السودان بالسلاح والذخيرة"، وفق بيان لوزارة الخارجية والتعاون الدولي على موقعها الإلكتروني.

وجاء في البيان "أن الإمارات لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع الحالي، وتسعى إلى إنهائه".

عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر قال إن قواتهم لم تستلم أي دعم من الإمارات، أو من تشاد، أو أي دولة أخرى.

كما أكد لموقع "الحرة" أن "قوات الدعم السريع لا تتلقى أي دعم خارجي، وأنها تعتمد على الأسلحة والعتاد الحربي الذي حصلت عليه من مخازن استولت عليها من الجيش السوداني".

وأدى الاقتتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الذي بدأ في أبريل الماضي، إلى مقتل أكثر من تسعة آلاف شخص، بجانب تشريد أكثر من 7 ملايين نازح داخلياً، بينما يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد، إلى مساعدات إنسانية، للبقاء على قيد الحياة، حسب منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).

المحلل السياسي الإماراتي، ضرار الفلاسي، قلل من اتهام عضو مجلس السيادة السوداني إلى الإمارات، بالضلوع في تقديم الإمداد إلى قوات الدعم السريع.

الفلاسي قال لموقع "الحرة"، إن "الإمارات لا تدعم الحرب في السودان، وتعمل على تقديم الدعم إلى المتضررين من الأزمة الحالية، ولذلك لا تلتف إلى مثل هذه الاتهامات والمزاعم".

رسائل خارجية

اتهام عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا إلى الإمارات، جاء بعد يومين من زيارة البرهان إلى كينيا وجيبوتي، حيث بحث مع الرئيس الكيني، وليام روتو ومع السكرتير التنفيذي لمنظمة ايقاد، ورقني قبيهو، في اجتماعين منفصلين، "سبل إيقاف الحرب وعودة الحياة طبيعتها في السودان"، بحسب إعلام مجلس السيادة السوداني.

من جانبه اعتبر عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر، أن "اتهام العطا إلى الإمارات، ابتزاز للمجتمع الدولي وأنه محاولة للتشويش على الإرادة الدولية والجهود الساعية إلى تحقيق السلام في السودان".

وتابع قائلا: "هذه التصريحات تكشف عن ارتباك وفوضى في مركز قيادة القوات المسلحة السودانية، والجميع يعلم أن الإمارات دعمت السودانيين وتوسطت لردم الهوة بين السودانيين قبل وبعد اندلاع الحرب".

وتقود السعودية والولايات المتحدة جهودا لإنهاء الحرب في السودان، من خلال جولات تفاوضية بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة جدة، حيث اتفق الطرفان المتحاربان على "تسهيل وصول المساعدات الإنسانية"، بحسب بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في السابع من نوفمبر الماضي.

ووفق البيان، فقد اتفق الطرفان على "إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع"، ضمن مساعي تعزيز إجراءات الثقة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها اختراق منظور في مسار إنهاء الحرب عبر التفاوض.

السودان.. طرفا الصراع يلتزمان بتسهيل مرور المساعدات الإنسانية
ذكر بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، الثلاثاء، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أعلنا التزامهما بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات لبناء الثقة، من دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وتزامن هجوم العطا على الإمارات مع وقفة احتجاجية في مدينة بورتسودان، التي تتخذها السلطات السودانية مقراً بديلاً لإدارة شؤون البلاد، حيث رفع المحتجون لافتات تطالب بطرد السفير الإماراتي من السودان.

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، استعبد أن تصل علاقات السودان والإمارات إلى مرحلة القطيعة الدبلوماسية، أو سحب، أو طرد السفراء.

لكنه أشار إلى أن تصريحات العطا ستنعكس على مشاركة البرهان في قمة المناخ بالإمارات، وربما تقطع الطريق – والحديث لإسماعيل – على أي فرصة لتقارب أو محادثات جانبية بين البرهان والقيادة الإماراتية خلال فعاليات القمة".

وبدوره، شدد المحلل السياسي الإماراتي ضرار الفلاسي، على أن الإمارات مستمرة في تقديم الدعم للسودانيين المتضررين من الحرب، وأنها عازمة على إنجاح قمة المناخ المنعقدة في دبي". 

وكان تحالف يضم شركة موانئ أبو ظبي وشركة إنفيكتوس للاستثمار، وقع في ديسمبر الماضي، اتفاقا مبدئيا مع السلطات السودانية، لإدارة وتشغيل ميناء أبو عمامة، والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر، باستثمارات قيمتها 6 مليارات دولار.

ومن المخطط أن يضم المشروع، الذي يقع على بعد حوالي 200 كيلومتر شمالي مدينة بورتسودان الساحلية، منطقة اقتصادية ومطارا ومنطقة زراعية على مساحة 400 ألف فدان.