الاشتباكات مستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023
الاشتباكات مستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023

قالت قوات الدعم السريع السودانية، الاثنين، إنها انتزعت من الجيش السيطرة على مطار غربي العاصمة، وقال عمال في حقل نفط إنه تم إجلاؤهم بسبب الهجوم في الوقت الذي يستأنف فيه الجانبان محادثات في السعودية.

وقالت قوات الدعم السريع إن الجيش الذي يخوض قتالا ضدها منذ منتصف أبريل كان يستخدم مطار بليلة في ولاية غرب كردفان لإطلاق طائرات حربية. وقال العاملون في حقل بليلة النفطي الذي ينتج معظم النفط الشحيح والمتضائل في السودان، إنه تم إجلاؤهم مساء أمس الأحد بسبب القتال.

ودارت معارك بين الجانبين في مدينتي الأبيض والفاشر بغرب البلاد في الأيام القليلة الماضية مع استئناف المحادثات التي ترعاها الولايات المتحدة والسعودية في مدينة جدة بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

وبعد أن شارك الجيش وقوات الدعم السريع في انقلاب ثم تقاسما السلطة بعد ذلك، بدأت الحرب في السودان بعد خلاف نشب بينهما حول خطط الانتقال نحو إجراء انتخابات ودمج قوات الدعم السريع في الجيش.

وتمخضت الحرب عن أزمة إنسانية هائلة مع نزوح نحو ستة ملايين شخص، ومقتل آلاف وإلحاق دمار بالعاصمة الخرطوم ووقوع عمليات قتل عرقية الدوافع في غرب دارفور.

وتقاتل قوات الدعم السريع التي قاعدة قوتها في دارفور لفرض السيطرة على البنية التحتية والطرق الرئيسية في غرب البلاد في محاولة لوقف عمليات الجيش.

وقالت قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي إنها سيطرت على نيالا ثاني أكبر مدينة في السودان وعاصمة ولاية جنوب دارفور.

وقال أحد سكان نيالا إن الجيش واصل ضرباته الجوية مستغلا ميزته الرئيسية في الحرب على الرغم من سيطرة قوات الدعم السريع على قاعدته الرئيسية في المدينة.

ولم يرد الجيش السوداني ووزارة النفط على طلبات للتعليق.

الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية - رويترز
الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية - رويترز

"سنقاتلهم 21 عاما".. هكذا توعد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الجيش السوداني، بعد اعترافه بخسارة مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة.

لكن هذه الكلمات "لا تعبر سوى عن حجم الهزائم التي تتلقاها قوات دقلو خلال الأسابيع الأخيرة أمام الجيش"، وخصوصا في ولاية الجزيرة وسط البلاد، وفي الخرطوم أيضًا.. هذا ما يراه محللون تحدث معهم موقع "الحرة".

وكان الجيش السوداني قد أعلن، السبت، السيطرة على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، بعد نحو عام من إحكام قوات الدعم السريع قبضتها عليها.

وتأكيدا على حديث دقلو الذي جاء في تسجيل صوتي بثته وسائل إعلام محلية، كتب مستشار قائد الدعم السريع، الباشا طبيق، في تغريدة على منصة إكس: "انسحاب قوات الدعم السريع من مدني لا يعني الهزيمة ولا خسارة المعركة.. مسيرة النضال مستمرة ولو استمرت الحرب لمدة ألف عام".

ومنذ أبريل 2023 تدور حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق دقلو. وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون سوداني.

ماذا يعني تصريح دقلو؟

قال المحلل السياسي السوداني، محمد تورشين، في تصريحات لموقع "الحرة"، إن حديث قائد قوات الدعم السريع "تتكرر بعد الهزائم المتكررة، وتعكس حجم الانهيار والتراجع في قواته".

ويتقدم الجيش السوداني في مناطق مختلفة، حيث أعلن في بيان، الأحد، أن قواته تستعد لدخول العاصمة الخرطوم، "في أية لحظة".

وسيطر الجيش في وقت سابق الأحد، على مجمع الرواد السكني، جنوبي العاصمة، كما سيطر على مدينة تمبول شرق ولاية الجزيرة.

وقال تورشين للحرة، إن ود مدني "لها أهميتها الجيوستراتيجية، فالجيش أعاد السيطرة على منطقة تعد حلقة وصل بين شرقي وجنوبي وغربي السودان. هذا إنجاز مهم".

الباحث المختص بشؤون حل النزاعات، بابكر فيصل، أوضح من جانبه للحرة، أن السيطرة على ود مدني "يمثل تحوّلا كبيرا لصالح الجيش، وكان واضحا أنه منذ مفاوضات جنيف كان يعمل على تعديل موازين القوى على الأرض، قبل الدخول في أي مفاوضات".

وتابع: "كان يركز على مدني والخرطوم".

وكانت مباحثات قد أجريت في سويسرا بأغسطس الماضي، دعت إليها الولايات المتحدة، سعيا لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع. 

وحضر ممثلو قوات الدعم السريع المفاوضات في جنيف، في حين غاب عنها ممثلو الجيش.

ورغم عدم مشاركة الجيش بشكل في المفاوضات في جنيف، فإن المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، حينها رأى أن المحادثات "حققت بعض النجاح، من خلال التركيز الدولي على السودان، في وقت كان فيه العالم يحوّل انتباهه بعيدا".

وتعدُّ ود مدني، الواقعة على ضفاف النيل الأزرق، بوابة تمكنت قوات الدعم السريع من خلالها من توسيع سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والقرى في وسط السودان، بما في ذلك ولايتي الجزيرة وسنار.

وتتمتع منطقة الجزيرة بأهمية، كونها واحدة من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في البلاد.

سنوات أخرى من القتال؟

الحرب المأساوية في البلاد، تسببت في حاجة نحو 30 مليون شخص في السودان، أكثر من نصفهم أطفال، إلى المساعدة، وفق بيان للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي.

وأسفرت الحرب عن مقتل الآلاف، وسط تقديرات تتراوح بين 20 ألفا و150 ألف شخص، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 11 مليون نازح.

وتعتبر الأمم المتحدة أن الأزمة الناتجة عن الحرب في السودان، هي إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث.

ويأمل فيصل في أن يكون تقدم الجيش "توجها نحو التفاوض ولا يقود إلى استمرار الحرب لفترة طوية"، مضيفا في حديثه للحرة: "تجاربنا في السودان تقول إن الحروب تنتهي عبر التفاوض، واستمرار الحرب سيقود إلى تفكيك وتفتيت البلاد".

لكن في الوقت نفسه، أعرب عن اعتقاده بأن "المعارك ستحتدم خلال الفترة المقبلة في الخرطوم ومناطق أخرى، في محاولة من الجيش للتمدد، وسعي الدعم السريع للتمسك بالأرض قبل أي مفاوضات".

من جانبه، قال تورشين إنه لا يعتقد بأن التقدم العسكري سيقود إلى مفاوضات، حيث يرى أن "أي حل سياسي سيتطلب دمج الفصائل المسلحة في الجيش، وتقديم من ارتكبوا جرائم إلى العدالة"، مضيفا: "لا أعتقد أن دقلو أو الجهات الداعمة له ستقبل بمثل هذه الأمور".

وتابع: "قوات الدعم السريع لا يمكنها تقديم تنازلات أو تفاهمات من شأنها إيقاف الحرب وتوحيد المؤسسة العسكرية، لأن ذلك يعني نهاية آل دقلو والمجموعة المتحكمة في الدعم السريع".

وعاد توشين وأشار إلى تصريح دقلو بأنه سيحارب "21 عاما"، منوها بتوعده السودانيين بالقتال لفترة طويلة.

دور للعقوبات؟

قالت الولايات المتحدة إن عناصر القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ارتكبوا "جرائم ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا".

وزير الخارجية أنتوني بلينكن، قال أيضا في بيان، الثلاثاء، إنه "بناءً على هذه المعلومات، توصّلتُ الآن إلى أن أفراد قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، ارتكبوا عمليات إبادة جماعية في السودان".

وفرضت واشنطن، الأسبوع الماضي، عقوبات على دقلو، بالإضافة إلى 7 شركات وفرد واحد مرتبطين بهذه القوات.

ويرى فيصل أنه "لابد من ملاحقة مرتكبي الجرائم وعدم إفلاتهم من العقاب، لكن عبر لجان تقصي حقائق وآلية دولية مستقلة للتحققيق والمحاكمة".

وأشار إلى أن الولايات المتحدة ودول أوروبية أصدرت عقوبات سابقة على قيادات لدى طرفي الصراع في السودان، بسبب اتهامهم بارتكاب جرائم حرب، "لكن العقوبات الأخيرة شملت الإبادة الجماعية".

خاص- مئات جرائم الاغتصاب في السودان وفيديوهات توثق "الفخر القبيح"
مع بداية الحرب في السودان، ترصد وحدة مكافحة العنف ضد المرأة الانتهاكات التي تمارس ضد النساء، وبشكل خاص من طرف قوات الدعم السريع.

ومع قرار الولايات المتحدة، الثلاثاء، فرض عقوبات على قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لارتكاب جرائم من بينها اغتصاب النساء، قالت رئيسة الوحدة، سليمة إسحق، إن عدد حالات الاغتصاب التي تم رصدها تجاوزت 550 حالة.

وقال: "نتمنى أن يمثل ذلك ضغطا على الأطراف لوقف القتال، والتوجه إلى التفاوض والحوار".

وأفاد تقرير أممي في ديسمبر، بأن المجاعة تتفشى "في 5 مناطق على الأقل" في السودان، وتطال على وجه الخصوص مخيمات اللاجئين والنازحين من الحرب التي تشهدها البلاد.

وتوقع تقرير لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن تعاني 5 مناطق إضافية من المجاعة بين الشهر الجاري ومايو 2025.

تورشين قال عن العقوبات إنها "لن توقف دعم دول بعينها مثل الإمارات لقوات الدعم السريع"، وأضاف أن "الإسلاميين هم الدافع الأساسي لتدخل الإمارات، فهي بحاجة إلى تطمينات، وعدا ذلك أعتقد بأنها ستواصل دعمها لقوات الدعم السريع".

يذكر أن الجيش السوداني اتهم الإمارات مرارا بدعم قوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه الدولة الخليجية تماما.

أما فيصل فرأى أن العقوبات وحدها "لن تكون السبيل للوصول إلى الحقائق على الأرض"، معتبرا أنه "يمكن حدوث ذلك عبر آلية مستقلة دولية تقدم فيها كل البلدان المعلومات التي لديها، لملاحقة الجناة ومرتكبي الجرائم".