عمر آثار مملكة كوش يزيد عن 2300 سنة
عمر آثار مملكة كوش يزيد عن 2300 سنة

باتت المواقع الأثرية في جزيرة مروي، المدرجة على قائمة التراث العالمي منذ عام 2011، مهدة بالدمار بعد الإعلان عن وصول المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إليها مؤخرا.

وأعلنت "الشبكة الإقليمية للحقوق الثقافية" في السودان أنها تدين دخول قوات الدعم السريع للمرة الثانية لموقعي النقعة والمصوّرات الأثري"، الواقع في ولاية نهر النيل في شمال البلاد.

وحذرت الشبكة من خطر تضرّر آثار مملكة كوش، التي يزيد عمرها عن 2300 سنة، نتيجة المعارك، مضيفة أن قوات الدعم السريع دخلت الموقع الأثري للمرة الثانية يوم الأحد بعدما كانت قد دخلته للمرة الأولى في الثالث من ديسمبر.

وأكدت المنظمة الحقوقية، نقلا عن "مصادر موثوقة وصور وفيديوهات منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي أن معركة حربية وقعت بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مما يعرّض هذه المواقع للتخريب والدمار والنهب والسرقة".

ووفقا للسلطات المحلية في ولاية نهر النيل فقد حاولت قوات الدعم السريع "التسلل عبر منطقة النقعة والمصوّرات وقد تصدت لها القوات الجوية"، مؤكدة عودة الهدوء إلى المنطقة.

ماذا نعرف عن الموقع الأثري؟

يتكون الموقع الأثري من 3 مناطق منفصلة، الأولى هي مروي، العاصمة، وتشمل المدينة الرئيسية وموقع المقبرة، والنقعة والمصورات وهما مستوطنتان ومركزان دينيان مرتبطان.

يعتبر موقعا النقعة والمصوّرات من أهم المواقع التاريخية المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي في السودان، إذ يضمّان تماثيل وآثاراً ومزارات منذ الحقبة المروية (350 ق.م. حتى 350 م.)

وبحسب اليونسكو فإن المواقع الأثرية في جزيرة مروي هي "عبارة عن مناطق شبه صحراوية بين نهر النيل ونهر عطبرة، معقل مملكة كوش التي كانت قوة عظمى بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد، وتتألف من الحاضرة الملكية للملوك الكوشيين في مروي، بالقرب من نهر النيل، وبالقرب من المواقع الدينية في النقعة والمصوّرات الصفراء". 

وتضيف اليونسكو في تعريفها للجزيرة أنها "كانت مقرّا للحكام الذين احتلوا مصر لما يقرب من قرن ونيّف، (وتضم) من بين آثار أخرى، الأهرامات والمعابد ومنازل السكن وكذلك المنشآت الكبرى، وهي متصلة كلها بشبكة مياه".

وجاء في موقع اليونيسكو أيضا أن "إمبراطورية الكوشيين الشاسعة امتدت من البحر الأبيض المتوسط إلى قلب أفريقيا، وتشهد هذه المساحة على تبادل للفنون والهندسة والأديان واللغات بين المنطقتين".

وطالبت وزارة الخارجية في السودان في بيان بتصنيف قوات الدعم السريع على "قوائم الإرهاب الدولي، لسعيها الممنهج لتدمير التراث الثقافي في السودان".

وأضافت في بيانها أن "استهداف التراث الثقافي والمؤسسات التي تجسد حرية الأديان هي سمة بارزة تميز الجماعات الإرهابية كما حدث على يد داعش وبوكو حرام والمجموعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي". 

وأسفرت الحرب الدائرة في السودان منذ 15 أبريل عن أكثر من 13 ألف قتيل، وفق حصيلة أوردتها منظمة "مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها" (أكليد) لكن خبراء يعتبرونها أقل بكثير من الواقع.

كما تسبّب النزاع بتهجير حوالى 7.5 مليون شخص داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة. 

Raous Fleg sits outside a hut at a displaced persons camp she fled to in South Kordofan, Sudan
النازحون في السودان يعانون من أزمات إنسانية.

كشف مكتب المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، الثلاثاء، أن ما نقلته وسائل إعلام على لسانه بشأن جهود يقوم بها لبحث احتمال نشر قوات سلام أفريقية لحماية المدنيين في السودان، قد أخرج من سياقه.

وكانت وسائل إعلام عربية ذكرت، الأسبوع الماضي، أن بيرييلو، قال خلال اجتماع مع مجموعة من الصحفيين في العاصمة الكينية نيروبي، إنه يعقّد بمشاورات مع الاتحاد الأفريقي بشأن إمكانية نشر قوات سلام أفريقية لحماية المدنيين، وذلك مع استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية وتزايد الدعوات الدولية للتدخل لحماية المدنيين.

وبعد تواصلنا معه من خلال مكتبه في الخارجية الأميركية، قال بيرييلو للحرة إن الكلام تم تغيير معناه، موضحا أن رده الرسمي هو ما نشره أيضا على صفحته في "أكس".

وكان بيرييلو كتب، يوم 4 أكتوبر الجاري، "لدينا قنوات اتصال مفتوحة مع الاتحاد الأفريقي حول آلية مراقبة الاتفاقيات الحالية والمستقبلية. ومن الأفضل دائما أن نكون مستعدين، ويجب على المجتمع الدولي أن يقيم الخيارات المتاحة لدعم تنفيذ وقف الأعمال العدائية محليا أو وطنيا في المستقبل".

واعتبر أن ما فهم من سياق كلامه هو بعيد عن الجهود الدبلوماسية التي يسعى إليها حاليا.

أما الدعوات بشأن إرسال قوات إفريقية مثل "إيساف" فهذه الدعوات ليست جديدة، فقد دعت إليها من قبل الهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا "إيغاد"، خلال اجتماعها في أديس أبابا في يوليو 2023 بعد ثلاثة أشهر من بداية الحرب في السودان.

وجاءت دعوة "إيغاد" لنشر قوات "إيساف"، التي تعتبر جزءا من الاحتياطي العسكري لشرق إفريقيا، لضمان حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من القتال.

لكن الأمر لم يتجاوز مرحلة المشاورات حتى الآن، فهذه القوات تدخلت من قبل في دول مثل الصومال وجنوب السودان لدعم عمليات حفظ السلام واستعادة الاستقرار.

وبعد أكثر من عام ونصف من الحرب، أصبح السودان من بين أعلى 4 دول في العالم من حيث انتشار سوء التغذية الحاد "GAM"، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

كما أن المجاعة بدأت تظهر في شمال دارفور، إضافة إلى تفشي العديد من الأمراض مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة والحصبة الألمانية.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 24.8 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ومنذ 15 أبريل 2024، نزح داخليا حوالي 8.1 مليون شخص بسبب النزاع المستمر.

تدهور الأوضاع الإنسانية  

وعلى ضوء هذه الأوضاع الإنسانية الكارثية، اعتبرت ندى فضل، التي تدير وتشرف على مشاريع في السودان لتوفير الخدمات الطبية، أن الوضع الإنساني يفرض تدخلا خارجيا.

وقالت للحرة إنه "لا يمكن الوثوق بالطرفين لحماية المدنيين، ومن المهم حماية العاملين أيضا في العمل الإنساني سواء لجان الطوارئ في الأحياء أو المنظمات المحلية التي تعتبر أكثر الفئات التي تقدم الدعم..".

وأضافت أنه تم استهداف العديد من العاملين في العمل الإنساني من قبل طرفي النزاع تحدت ذريعة "التخوين والعمالة، وفي بعض الأحيان سرقة المساعدات، وحتى من يعملون في المنظمات الأممية والدولية من المهم حمايتهم، فهناك قتل وسرقات وبدون طرف ثالث يحميهم سيكون من الصعب مساعدة المواطن الذي يحتاج للمساعدة".

وهو الأمر الذي تقول فضل إنه "يتطلب وجود قوة قادرة على حماية المدنيين"، مضيفة أن "دخول قوات للسودان يمكن أن يكون له تأثير وضغط في زيادة الاهتمام بملف السودان وبخاصة الوضع الإنساني المتردي. ما نعول عليه كعاملين في العمل الإنساني ليس هو استمرار الحرب ولكن هو أن نستطيع العمل في ظروف أفضل في السودان. وهذا حاليا لا يحدث".

من ناحية أخرى، قال وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، الذي تترأس بلاده منظمة "إيغاد"، في مقابلة مع قناة الحرة، إن الأزمة السودانية تمثل إحدى خيبات الأمل بالنسبة للإيغاد.

ورغم فشل المنظمة في حل الأزمة، فإنه أشار إلى أن الجهود الأفريقية لا تزال مستمرة، معتبرا أن إعادة الملف إلى الاتحاد الأفريقي هو السبيل الأمثل لحل الأزمة السودانية.

وأضاف أن "الأزمات الأفريقية تتطلب حلولًا أفريقية، منتقدًا تعدد المبادرات الدولية التي لم تساهم في تهيئة المناخ المناسب لجمع الأطراف السودانية".

تعثر الدبلوماسية  
 

في ظل هذه الدعوات والوضع الإنساني السيء، تعثرت العديد من المفاوضات والمبادرات الدولية الرامية لحل الأزمة.

وكانت آخر هذه المبادرات في أغسطس الماضي، بقيادة الولايات المتحدة في سويسرا، تحت رعاية مشتركة سعودية وسويسرية، وبمشاركة الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات كمراقبين.

وشاركت قوات الدعم السريع في المفاوضات، بينما رفض الجيش السوداني المشاركة لأسباب عدة، من بينها اعتراضه على دور الإمارات كمراقب، حيث اتهمها في مجلس الأمن بدعم قوات الدعم السريع وتغذية الصراع.

كما عبر الجيش عن رفضه لمخرجات محادثات جدة ورفضه استخدام مصطلح "الجيش" من قبل الجانب الأميركي للإشارة إلى البرهان عوضا عن اعتباره رئيس الحكومة الشرعية للسودان.

وفي سبتمبر الماضي، دعا الرئيس الأميركي، جو بايدن، أطراف النزاع السودانية للعودة إلى طاولة المفاوضات بحثا عن حل سلمي للأزمة.

ورغم ترحيب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بدعوة البيت الأبيض، فإن الشكوك لا تزال قائمة بشأن جدية الطرفين في التوصل إلى تسوية سياسية.

ففي مقابلة أجراها مع "بي.بي.سي"، قال مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق إبراهيم جابر، إن محادثات السلام قد تستمر، لكن الجيش لن يتوقف عن القتال، مؤكدا وجود تعاون عسكري مع إيران وأنهم قاموا بالفعل بشراء أسلحة منها.

ومع إصرار الطرفين على الحسم العسكري، ازدادت الأوضاع تعقيدا في السودان، حيث أظهرت الحرب بشكل جلي تدفقا غير مسبوق للأسلحة.

وأكدت منظمة العفو الدولية، في يوليو الماضي،  أن دولا مثل الصين وروسيا وصربيا وتركيا والإمارات واليمن، ضخت كميات كبيرة من الأسلحة إلى البلاد، مشيرة إلى أن طرفي الصراع يقوما بشراء هذه الأسلحة التي تغذي حرب السودان وتقلل من فرص الوصول لحل سلمي.

ماذا يعني إرسال قوات أفريقية

وعند الحديث عن إرسال قوات افريقية للسودان في ظل هذه التعقيدات وفشل العديد من المبادرات السابقة، يعتبر كاميرون هدسون، في حديث للحرة، أن إرسال قوات افريقية للسودان هو غير منطقي ولن يحدث وقد يستغرق إرسالهم، في حال اتخذ القرار، أشهر أو حتى سنوات.

وأضاف هدسون، وهو مستشار الشؤون الأفريقية في المركز الدولي للدراسات، أن الحكومة في بورتسودان لن توافق على إدخال هذه القوات.

وقالت أماني الطويل، من مركز الأهرام المصري، للحرة، إن التدخلات الخارجية في الدول الأفريقية، مثل التدخل الفرنسي في مناطق عدة، غالبا ما تواجه مقاومة داخلية وتفشل في تحقيق الاستقرار.

وفي الحالة السودانية، تحذر الطويل من أن تعدد الأطراف العسكرية والتحالفات القبلية قد يؤدي إلى فوضى أكبر على الصعيد العسكري، مما يضعف من احتمالية نجاح أي تدخل عسكري، حتى وإن كان من قبل قوات أفريقية.

ويبقى السؤال مفتوحا حول إمكانية نجاح التدخل الأفريقي في السودان إذا ما تم إقراره وأصبح هو الحل الأخير لدعم المدنيين وسط التعقيدات العسكرية والسياسية الحالية، وهل يمكن للقوات الأفريقية الصمود وإحراز تقدم أمام ميليشيات ليس لديها عقيدة واضحة أو مرجعية واضحة.