السودان يشهد منذ أبريل الماضي نزاعا على السلطة أسفرت عن سقوط 12 الف قتيل
السودان يشهد منذ أبريل الماضي نزاعا على السلطة أسفرت عن سقوط 12 الف قتيل

مع اقتراب الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم من شهرها العاشر، تشهد المواجهات بين الطرفين تعدداً في المحاور القتالية، بينما انخرطت تشكيلات قتالية جديدة في دائرة المعارك، وسط تحذيرات من وقوع السودان تحت سطوة أمراء الحرب، مما قد يعرقل مساعي إنهاء القتال.

ولا تبدو الجهود المبذولة من لاعبيين إقليميين ودوليين قادرة، حتى الآن، على وضع حد للقتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فكثيراً ما تصطدم تلك الجهود بترسانة من الرفض والممانعة، من قبل أطراف لها تأثير واضح في معادلة الصراع والغلبة القتالية.

ومع تفجُّر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، نشطت سريعا مبادرة من السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، لإطفاء نيران الحريق الذي طال العاصمة السودانية الخرطوم.

كما سارعت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا "إيغاد" لإطلاق مبادرة لإنهاء القتال بين الجيش والدعم السريع، بينما استضافت مصر في يوليو 2023 مؤتمر دول جوار السودان، لبحث سبل إيقاف القتال بين الطرفين، لكن دون جدوى فعلية على الأرض. تطورات تطرح تساؤلات عدة بشأن ما يحدث، بينها هل تحول السودان إلى ساحة لأمراء الحرب؟

بالنسبة للناطقة باسم تنسيقة القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، رشا عوض، فإن "دخول أطراف عسكرية جديدة إلى دائرة القتال بين الجيش والدعم السريع، لم يعد سراً، لأن بعض المجموعات تعلن رسمياً عن مشاركتها في الصراع".

عوض أشارت في حديثها لموقع الحرة، إلى أن "هناك معلومات عن استعانة التيارات الإسلامية في السودان بمسحلين من خارج البلاد للقتال إلى جانب الجيش، كما أن هناك أنباء عن معسكرات لتدريب مسلحين في الأراضي الأريترية للدفع بهم إلى ساحة المعارك".

وأضافت أن "هناك خطراً حقيقياً من حدوث انشقاقات أو خروج تلك المجموعات عن سيطرة قادة الجيش وقادة الدعم السريع، وبالتالي يصبح السودان تحت سطوة أمراء الحرب".

وبدوره، أقر مستشار قائد قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، بالتحاق حركات أخرى بقوات الدعم السريع، خلال الحرب الحالية، لكنه شدد على أن تلك الحركات تأتمر بأمر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، ولا تخالف توجيهاته وقرارته العسكرية.

طبيق قال لموقع الحرة، إن "الحركات والتشكيلات المسلحة التي انضمت إليهم اطلعت على لوائح وأطروحة قوات الدعم السريع، وأبدت قناعة كاملة بها، ولذلك تلتزم بقرارات قائد الدعم السريع بشأن الحرب أو السلم".

وكشف عن انضمام أكثر من 30 حركة وتشكيلاً قتالياً وسياسياً إلى قوات الدعم السريع، وقال إن "تلك التشكيلات أصبح لها ممثلون في المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع".

وخلال الأيام الأولى لاندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، نشرت منصات إعلامية تابعة للجيش مقطع فيديو يظهر فيه من قالت إنه قائد "حركة مظلوم" التشادية، حسين الأمين جوجو، وهو يقاتل في صفوف قوات الدعم السريع في الخرطوم.

وبعدها بحوالي شهر، ظهر قائد ميداني يدعى "جلحة"، وهو يقاتل في صفوف قوات الدعم السريع خلال معاركها ضد الجيش السوداني بالخرطوم. 

ودائما ما يعرف "جلحة"، في مقاطع الفيديو التي يظهر فيها، نفسه بأنه قائد حركة "شجعان كردفان".

ويشير المحلل السياسي المختص في الشأن السوداني، عز الدين المرضي، إلى أن "قوات الدعم السريع أنتجت خطاباً قبلياً، مما جعل الكثير من الحركات المنتمية إلى حاضنتها الاجتماعية في دارفور وكردفان تسارع إلى مناصرتها في الحرب الدائرة بينها والجيش السوداني".

المرضي أشار خلال حديثه مع موقع الحرة، إلى أن عدداً من الحركات التي كانت تقاتل في ليبيا عادت إلى السودان، وباتت تقاتل إلى جانب قوات الدعم السريع، "بعضها من منطلقات قبلية، وبعضها بحثاً عن المال".

ويتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع بالاستعانة بمسلحين من دول أجنبية مثل النيجر وتشاد وغيرها، وهو حديث جرى كثيراً على لسان قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ومساعده الفريق ياسر العطا.

وخلال الأيام الأولى للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، أعلن قائد قوات "درع السودان"، أبو عاقلة كيكل، انضمامه إلى قوات الدعم السريع، وأصبح أحد قادتها المؤثرين.

وقاد كيكل في ديسمبر الماضي، معركة الاستيلاء على مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة بوسط السودان، ليصدر حميدتي قراراً بتعيينه حاكماً للولاية، بعد سيطرة قواته عليها.

وظهر كيكل لأول مرة في ديسمبر 2022 مرتدياً زي الجيش السوداني، معلناً عن تكوين قوات "درع السودان"، كحركة للمطالبة بحقوق أهل وسط السودان، بينما شاع وقتها أن الحركة وثيقة الصلة باستخبارات الجيش السوداني، قبل أن يعلن قائدها انضمامه رسمياً إلى الدعم السريع.

ويعود مستشار قائد قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، مؤكدا أن فصيلاً فاعلاً من قوات مجلس الصحوة التي أسسها موسى هلال انضمت إلى قوات الدعم السريع، دون أن يحدد تاريخ انضمامها.

ويشير المحلل السياسي السوداني، أسامة عبد الماجد، إلى أن "مجموعات من المرتزقة والتشكيلات المسلحة التي تقاتل إلى جانب قوات الدعم السريع خرجت فعليا عن سيطرة قائدها حميدتي، وتحولت إلى مجموعات تمارس السلب والنهب، لأنها شاركت بالأساس في الحرب من أجل الغنائم، وليس شئ آخر".

عبد الماجد قال لموقع الحرة، إن "مشاركة التشكيلات الأجنبية إلى جانب قوات الدعم السريع يمكن أن تؤثر على علاقات السودان الخارجية، إذ وجه البرهان وقادة الجيش اتهامات واضحة لبعض تلك الدول على خلفية تلك المشاركة".

ولفت عبد الماجد إلى وجود مجموعات من دولة جنوب السودان، قال إنها تقاتل إلى جانب قوات الدعم السريع، بحسب ما ظهر في مقاطع فيديو نشرتها تلك القوات بنفسها، لكنه عاد واستبعد أن تكون "تلك المشاركة تمت بعلم قادة دولة جنوب السودان، ورجح أنها مشاركة بقرار شخصي".

وكان قائد قوات الدعم السريع أعلن خلال لقاء جمعه مع قادة تنسيقة القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" في أديس أبابا، في يناير الماضي، عن وجود مسلحين لا ينتمون إلى قواته، قال إنهم وصلوا إلى ولاية الجزيرة وشاركوا في القتال هناك دون تنسيق معه".

وتعرّضت مدن وقرى في ولاية الجزيرة إلى تعديات وانتهاكات، وصفها حقوقيون بالواسعة، عقب سيطرة قوات الدعم السريع على الولاية في ديسمبر الماضي، كما قالت لجان المقاومة إنها أحصت سرقة ونهب ما لا يقل عن 3 آلاف سيارة.

كتائب على خط القتال

في المقابل ظهرت تشكيلات مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، مثل كتيبة "البراء بن مالك" التي يقودها المصباح أبو زيد.

وأثير جدل واسع بشأن تلك الكتيبة، إذ يربط سياسيون وناشطون بينها وبين الحركة الإسلامية في السودان.

ويشير أبو زيد في صفحته على موقع فيسبوك إلى أن عناصر "البراء بن مالك": "تلقوا تدريبهم بواسطة الجيش السوداني، وفي ظل دستوره وقانونه".

وسبق أن زار البرهان قائد كتيبة "البراء بين مالك"، المصباح أبو زيد، في المستشفى، حين كان يتلقى العلاج من إصابته في القتال إلى جانب الجيش السوداني، مما أعاد الجدل بشأن علاقة الحركة الإسلامية بالجيش.

ويرى المحلل السياسي، عثمان المرضي، أن العلاقة بين كتيبة "البراء بن مالك"، وبين الحركة الإسلامية السودانية لا تحتاج إلى إثبات، إذ يشارك كثيرون من عناصر الحركة الإسلامية البارزين في القتال ضمن صفوف الكتيبة. 

المرضي أشار إلى أن "كتيبة البراء بن مالك من صُنع الحركة الإسلامية، وأنها واحدة من أدوات نظام الرئيس المخلوع عمر البشير للعودة إلى السلطة".

وتابع قائلا: "مساعد القائد العام للجيش السوداني ياسر العطا نفسه، أقرّ بمشاركة إسلاميين في القتال إلى جانب الجيش".

لكن المحلل السياسي، أسامة عبد الماجد، يرى أن مشاركة شباب سودانيين في القتال إلى جانب الجيش ليست حكراً على الإسلاميين وحدهم، وقال إن هناك مجموعات أخرى تقاتل مع الجيش، من حركة "غاضبون"، المحسوبة على التيارات الثورية التي كانت ترفض حكم البشير.

وكان العطا قال خلال خطاب أمام عدد من مقاتلي الجيش، في يناير الماضي، "الحق يجب أن يقال، هناك مجموعات كبيرة من الإسلاميين تقاتل معنا، وهناك شباب من مجموعة غاضبون وغيرها".

وكشفت تقارير إعلامية عن مشاركة عناصر من "البنيان المرصوص" في القتال إلى جانب الجيش، وهي كتيبة تشكلت في تسعينيات القرن الماضي، لمساندة الجيش السوداني في حربه ضد الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق، قبل انفصال جنوب السودان عن السودان في العام 2011.

كما كشفت تقارير أخرى أن حركة "تمازج"، وهي إحدى الحركات الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة السودانية، تشارك في القتال ضمن صفوف قوات الدعم السريع.

ومؤخراً ظهر أحد قادة المجموعات المسلحة، يدعى رضوان أبو قرون، في مقطع فيديو معلناً انضمام حركته إلى القتال بجانب الجيش السوداني، قبل أن يظهر لاحقاً وهو يشرف على عمليات تدريب شبان ينتوون القتال في صفوف الجيش.

مستقبل الحل السلمي

ويتخوّف سياسيون وناشطون أن يؤدي وجود تلك التشكيلات المسلحة في دائرة القتال إلى إطالة أمد الصراع في السودان، على نحو ما حدث في عدد من الدول، بخاصة مع انتشار ثقافة القتال من أجل الغنيمة أو بالدوافع القبلية، أو الأيدلوجية.

ويقول مستشار قائد قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، إن المجموعات التي تقاتل إلى جانبهم متلزمة بقرارات قائد الدعم السريع، بشأن التفاوض تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه".

وبدوره، يشير المحلل السياسي، أسامة عبد الماجد، إلى أن مشاركة كتيبة "البراء بن مالك" في القتال بصفوف الجيش، لن تؤثر على قرارات المؤسسة العسكرية، لأن وجودها لا يتجاوز حدود المشاركة في العمليات القتالية".

وتابع قائلا "ليس هناك سطوة سياسية وعسكرية لشباب الإسلاميين ولا لقادة الحركة الإسلامية أنفسهم على القرار داخل المؤسسة العسكرية، لكن إذا أبرم الجيش اتفاقاً مع الدعم السريع لا يراعي تطلعات السودانيين، فإن غالبية الشعب السوداني ستعارض الاتفاق لما حاق بها من انتهاكات من تلك القوات".

وتشير الناطقة باسم تنسيقة القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، رشا عوض، إلى أن دخول أطراف عسكرية جديدة إلى دائرة القتال بين الجيش والدعم السريع، يعد أحد أسباب استمرار الصراع، وأحد أسباب فشل المبادرات الساعية لحل الأزمة السودانية.

عوض قالت إن "القتال لم يعد محصورا بين الجيش والدعم السريع، مما ينذر بتعدد مراكز القرار، خاصة في مسألة التفاوض وإنهاء الأزمة عبر المسار السلمي".

وبدروه، يرى المحلل السياسي المرضي، أن التشكيلات التي تقاتل مع الطرفين تمثل عقبة حقيقية أمام جهود الحل، وتوقّع أن تطالب تلك التشكيلات بعدم حصر التفاوض بين الجيش والدعم السريع فقط، وأن تتمسك بإشراكها كأجسام منفصلة في أي مفاوضات جادة، وإلا فإنها ستتحول إلى عقبة كبيرة أمام تنفيذ أي اتفاق يتوصل له الطرفان".

وأودت الحرب في السودان بحياة 13 ألف شخص على الأقل، وفق تقديرات "مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها" (أكليد).

كما تسببت في نزوح ولجوء حوالي 8 ملايين شخص، وهي "أكبر أزمة نازحين في العالم"، وفق الأمم المتحدة.

ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من "الجوع الحاد"، كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع في المناطق الأكثر تضررا من الصراع، بحسب وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.

Raous Fleg sits outside a hut at a displaced persons camp she fled to in South Kordofan, Sudan
النازحون في السودان يعانون من أزمات إنسانية.

كشف مكتب المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، الثلاثاء، أن ما نقلته وسائل إعلام على لسانه بشأن جهود يقوم بها لبحث احتمال نشر قوات سلام أفريقية لحماية المدنيين في السودان، قد أخرج من سياقه.

وكانت وسائل إعلام عربية ذكرت، الأسبوع الماضي، أن بيرييلو، قال خلال اجتماع مع مجموعة من الصحفيين في العاصمة الكينية نيروبي، إنه يعقّد بمشاورات مع الاتحاد الأفريقي بشأن إمكانية نشر قوات سلام أفريقية لحماية المدنيين، وذلك مع استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية وتزايد الدعوات الدولية للتدخل لحماية المدنيين.

وبعد تواصلنا معه من خلال مكتبه في الخارجية الأميركية، قال بيرييلو للحرة إن الكلام تم تغيير معناه، موضحا أن رده الرسمي هو ما نشره أيضا على صفحته في "أكس".

وكان بيرييلو كتب، يوم 4 أكتوبر الجاري، "لدينا قنوات اتصال مفتوحة مع الاتحاد الأفريقي حول آلية مراقبة الاتفاقيات الحالية والمستقبلية. ومن الأفضل دائما أن نكون مستعدين، ويجب على المجتمع الدولي أن يقيم الخيارات المتاحة لدعم تنفيذ وقف الأعمال العدائية محليا أو وطنيا في المستقبل".

واعتبر أن ما فهم من سياق كلامه هو بعيد عن الجهود الدبلوماسية التي يسعى إليها حاليا.

أما الدعوات بشأن إرسال قوات إفريقية مثل "إيساف" فهذه الدعوات ليست جديدة، فقد دعت إليها من قبل الهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا "إيغاد"، خلال اجتماعها في أديس أبابا في يوليو 2023 بعد ثلاثة أشهر من بداية الحرب في السودان.

وجاءت دعوة "إيغاد" لنشر قوات "إيساف"، التي تعتبر جزءا من الاحتياطي العسكري لشرق إفريقيا، لضمان حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من القتال.

لكن الأمر لم يتجاوز مرحلة المشاورات حتى الآن، فهذه القوات تدخلت من قبل في دول مثل الصومال وجنوب السودان لدعم عمليات حفظ السلام واستعادة الاستقرار.

وبعد أكثر من عام ونصف من الحرب، أصبح السودان من بين أعلى 4 دول في العالم من حيث انتشار سوء التغذية الحاد "GAM"، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

كما أن المجاعة بدأت تظهر في شمال دارفور، إضافة إلى تفشي العديد من الأمراض مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة والحصبة الألمانية.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 24.8 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ومنذ 15 أبريل 2024، نزح داخليا حوالي 8.1 مليون شخص بسبب النزاع المستمر.

تدهور الأوضاع الإنسانية  

وعلى ضوء هذه الأوضاع الإنسانية الكارثية، اعتبرت ندى فضل، التي تدير وتشرف على مشاريع في السودان لتوفير الخدمات الطبية، أن الوضع الإنساني يفرض تدخلا خارجيا.

وقالت للحرة إنه "لا يمكن الوثوق بالطرفين لحماية المدنيين، ومن المهم حماية العاملين أيضا في العمل الإنساني سواء لجان الطوارئ في الأحياء أو المنظمات المحلية التي تعتبر أكثر الفئات التي تقدم الدعم..".

وأضافت أنه تم استهداف العديد من العاملين في العمل الإنساني من قبل طرفي النزاع تحدت ذريعة "التخوين والعمالة، وفي بعض الأحيان سرقة المساعدات، وحتى من يعملون في المنظمات الأممية والدولية من المهم حمايتهم، فهناك قتل وسرقات وبدون طرف ثالث يحميهم سيكون من الصعب مساعدة المواطن الذي يحتاج للمساعدة".

وهو الأمر الذي تقول فضل إنه "يتطلب وجود قوة قادرة على حماية المدنيين"، مضيفة أن "دخول قوات للسودان يمكن أن يكون له تأثير وضغط في زيادة الاهتمام بملف السودان وبخاصة الوضع الإنساني المتردي. ما نعول عليه كعاملين في العمل الإنساني ليس هو استمرار الحرب ولكن هو أن نستطيع العمل في ظروف أفضل في السودان. وهذا حاليا لا يحدث".

من ناحية أخرى، قال وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، الذي تترأس بلاده منظمة "إيغاد"، في مقابلة مع قناة الحرة، إن الأزمة السودانية تمثل إحدى خيبات الأمل بالنسبة للإيغاد.

ورغم فشل المنظمة في حل الأزمة، فإنه أشار إلى أن الجهود الأفريقية لا تزال مستمرة، معتبرا أن إعادة الملف إلى الاتحاد الأفريقي هو السبيل الأمثل لحل الأزمة السودانية.

وأضاف أن "الأزمات الأفريقية تتطلب حلولًا أفريقية، منتقدًا تعدد المبادرات الدولية التي لم تساهم في تهيئة المناخ المناسب لجمع الأطراف السودانية".

تعثر الدبلوماسية  
 

في ظل هذه الدعوات والوضع الإنساني السيء، تعثرت العديد من المفاوضات والمبادرات الدولية الرامية لحل الأزمة.

وكانت آخر هذه المبادرات في أغسطس الماضي، بقيادة الولايات المتحدة في سويسرا، تحت رعاية مشتركة سعودية وسويسرية، وبمشاركة الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات كمراقبين.

وشاركت قوات الدعم السريع في المفاوضات، بينما رفض الجيش السوداني المشاركة لأسباب عدة، من بينها اعتراضه على دور الإمارات كمراقب، حيث اتهمها في مجلس الأمن بدعم قوات الدعم السريع وتغذية الصراع.

كما عبر الجيش عن رفضه لمخرجات محادثات جدة ورفضه استخدام مصطلح "الجيش" من قبل الجانب الأميركي للإشارة إلى البرهان عوضا عن اعتباره رئيس الحكومة الشرعية للسودان.

وفي سبتمبر الماضي، دعا الرئيس الأميركي، جو بايدن، أطراف النزاع السودانية للعودة إلى طاولة المفاوضات بحثا عن حل سلمي للأزمة.

ورغم ترحيب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بدعوة البيت الأبيض، فإن الشكوك لا تزال قائمة بشأن جدية الطرفين في التوصل إلى تسوية سياسية.

ففي مقابلة أجراها مع "بي.بي.سي"، قال مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق إبراهيم جابر، إن محادثات السلام قد تستمر، لكن الجيش لن يتوقف عن القتال، مؤكدا وجود تعاون عسكري مع إيران وأنهم قاموا بالفعل بشراء أسلحة منها.

ومع إصرار الطرفين على الحسم العسكري، ازدادت الأوضاع تعقيدا في السودان، حيث أظهرت الحرب بشكل جلي تدفقا غير مسبوق للأسلحة.

وأكدت منظمة العفو الدولية، في يوليو الماضي،  أن دولا مثل الصين وروسيا وصربيا وتركيا والإمارات واليمن، ضخت كميات كبيرة من الأسلحة إلى البلاد، مشيرة إلى أن طرفي الصراع يقوما بشراء هذه الأسلحة التي تغذي حرب السودان وتقلل من فرص الوصول لحل سلمي.

ماذا يعني إرسال قوات أفريقية

وعند الحديث عن إرسال قوات افريقية للسودان في ظل هذه التعقيدات وفشل العديد من المبادرات السابقة، يعتبر كاميرون هدسون، في حديث للحرة، أن إرسال قوات افريقية للسودان هو غير منطقي ولن يحدث وقد يستغرق إرسالهم، في حال اتخذ القرار، أشهر أو حتى سنوات.

وأضاف هدسون، وهو مستشار الشؤون الأفريقية في المركز الدولي للدراسات، أن الحكومة في بورتسودان لن توافق على إدخال هذه القوات.

وقالت أماني الطويل، من مركز الأهرام المصري، للحرة، إن التدخلات الخارجية في الدول الأفريقية، مثل التدخل الفرنسي في مناطق عدة، غالبا ما تواجه مقاومة داخلية وتفشل في تحقيق الاستقرار.

وفي الحالة السودانية، تحذر الطويل من أن تعدد الأطراف العسكرية والتحالفات القبلية قد يؤدي إلى فوضى أكبر على الصعيد العسكري، مما يضعف من احتمالية نجاح أي تدخل عسكري، حتى وإن كان من قبل قوات أفريقية.

ويبقى السؤال مفتوحا حول إمكانية نجاح التدخل الأفريقي في السودان إذا ما تم إقراره وأصبح هو الحل الأخير لدعم المدنيين وسط التعقيدات العسكرية والسياسية الحالية، وهل يمكن للقوات الأفريقية الصمود وإحراز تقدم أمام ميليشيات ليس لديها عقيدة واضحة أو مرجعية واضحة.