الجيش السوداني يخوض حربا ضد قوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023
الجيش السوداني يخوض حربا ضد قوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023

تضاربت الأنباء في السودان، الثلاثاء، عما أشيع أنها تحركات يقودها عدد من ضباط الجيش السوداني لتنفيذ انقلاب عسكري، في وقت تصاعدت فيه المعارك في عدد من المحاور القتالية.

وأوردت صحيفة "السوداني" أن "استخبارات الجيش بمنطقة "وادي سيدنا" العسكرية، اعتقلت عدداً من الضباط الفاعلين في قيادة متحركات أم درمان، بتهمة الإعداد لانقلاب عسكري".

وذكرت الصحيفة نقلا عن مصدر عسكري أن "حملة الاعتقالات طالت 3 ضباط هم، قائد المتحرك الاحتياطي في معسكر سركاب، ومدير الإدارة الفنية بالدفاع الجوي، بجانب مسؤول عمليات الدعم والإسناد الاستراتيجي لمنطقة الشجرة العسكرية في الخرطوم".

ولم يصدر أي تعليق رسمي من الناطق باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، بخصوص المعلومات التي وردت في الخبر.

ومنذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل 2019 شهد السودان عددا من محاولات الانقلاب العسكري، بينما قضت محكمة عسكرية بأحكام متفاوتة على عدد من الضباط، بينهم قائد أركان الجيش الأسبق هاشم عبد المطلب، بتهمة التخطيط لانقلاب. 

لكن مصدرا بالجيش السوداني نفى لموقع الحرة، وجود أي محاولة انقلاب عسكري، وأشار إلى أن "المعلومات المتداولة في هذا الشأن مختلقة كلياً، وليست صحيحة".

المصدر أضاف "الراجح لدينا أن المعلومة صادرة من غرف إعلامية تابعة لمليشيات الدعم السريع، بهدف التشويش على مهمة الجيش الذي يمضي بثبات نحو إنهاء تمرد المليشيات".

وتعد منطقة "وداي سيدنا" التي تقع في أم درمان، أهمّ القواعد العسكرية، كونها تضم قيادة سلاح الجو التابع للجيش السوداني، وزادات أهميتها مع اندلاع المعارك الحالية في السودان.

ولعب سلاح الجو دورا محوريا في العمليات القتالية الدائرة في السودان، حيث كثّف طلعاته الجوية على تمركزات قوات الدعم السريع مع تفجُّر القتال بين الطرفين في 15 أبريل 2023.

ومنذ اندلاع القتال، ظلت قوات الدعم السريع تحاول عبور جسر الحلفايا من ناحية الخرطوم بحري (شرق النيل)، للوصول إلى منطقة "وادي سيدنا" العسكرية في أم درمان (غرب النيل)، لكن الترسانة العسكرية التي ينشرها الجيش صعّبت المهمة.

ومؤخراً باتت قوات الدعم السريع تستخدم راجمات صواريخ بعيدة المدى لقصف منطقة "وداي سيدنا" العسكرية، إذ أعلن الناطق باسمها في بيانات متعددة، أن القذائف تسببت في تدمير عدد من الطائرات ومقتل عدد من ضباط وجنود الجيش في تلك القاعدة، حسبما يقول.

وبدوره، أكد الخبير العسكري اللواء أمين إسماعيل، تحفُّظ قيادة الجيش على عدد من الضباط في منطقة "وادي سيدنا" العسكرية، لكنه نفى وجود أي محاولة انقلابية.

إسماعيل قال لموقع الحرة، إن "هناك خلافات بين مجموعة من الضباط وقيادة منطقة "وادي سيدنا العسكرية" بشأن طريقة إدارة العمليات القتالية، مما أدى للتحفُّظ عليهم".

وأضاف: "لا توجد أي محاولة انقلاب عسكري، وكل ما في الأمر أن الموقوفين أبدوا وجهات نظر مختلفة بشأن طريقة إدارة المعارك، كما أنه لا توجد أي علاقة بين الموقوفين وقوات الدعم السريع". 

وشهدت منطقة أم درمان، الأسبوع الماضي، انتشارا مكثفا للجيش السوداني، حيث نفّذ عملية برية، تمكن من خلالها الوصول، للمرة الأولى، إلى مواقع كانت خاضعة كليا تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

وتسيطر قوات الدعم السريع على مقر الإذاعة السودانية الواقع في أم درمان، وتنتشر في عدد من أحياء المدينة،  كما أنها نفذت محاولات متعدد للاستيلاء على مقر سلاح المهندسين في أم درمان.

ويتمركز الجيش في منطقة "وداي سيدنا" العسكرية "شمال المدينة"، وكذلك في مقر سلاح المهندسين "جنوب المدينة"، وخاض معارك عدة مع قوات الدعم السريع لطردها من مقر الإذاعة، وبهدف ربط "وادي سيدنا" بالمهندسين.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".