الصراع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع أدى إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص
الصراع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع أدى إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص

بينما تسعى تحركات مكثفة لإنهاء الأزمة السودانية عبر التفاوض، لوّح قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، خلال زيارته إلى حامية الجيش بمنطقة الدبة في الولاية الشمالية، السبت، بمزيد من التصعيد القتالي.

وفي المقابل، أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" في تسجيل صوتي، السبت أيضا، أن قواته ستمضي في خيار حسم المعركة عسكريا، مشيرا إلى أن ذلك "سيكون قريبا".

مواقف وتصريحات زادت المخاوف من تصاعد المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بعد أن شهدت تراجعا في الأيام الماضية.

تصريحات القائدين جاءت عقب ما تردد عن لقاءات غير معلنة بين الطرفين، إذ راج على نطاق واسع أن نائب القائد العام للجيش، شمس الدين كباشي، اجتمع مع نائب القائد العام لقوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، بالعاصمة البحرينية، المنامة.

ولم يصدر من الجيش ولا من الدعم السريع أي نفي أو توضيح لتلك المعلومات، التي تزامنت أيضا مع تحركات تقودها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، لحث قائد الجيش للتراجع عن قراره القاضي بوقف التعامل مع الهيئة في مساعيها لحل الأزمة السودانية.

خطاب معنوي

الخبير الاستراتيجي، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل قلل من تلويح حميدتي بالمضي قدما في خيار المواجهة والحسم العسكري، ولفت إلى أن "قائد الدعم السريع يهدف إلى رفع الروح المعنوية لقواته التي تلقت هزائم متتالية في مدينة أم درمان"، على حد قوله.

وقال إسماعيل لموقع "الحرة"، إن "التسجيل الصوتي المنسوب إلى حميدتي تضمن مغالطات ومتناقضات، فهو يشير إلى أنه خرج من الخرطوم بحثا عن السلام، ثم يتحدث في الوقت نفس عن اقتراب حسم المعركة عسكريا، وهذا يؤكد حالة الارتباك التي يعيشها".

وشهدت مدينة أم درمان التاريخية الواقعة غرب النيل، اشتباكات بين الجيش والدعم السريع خلال الأسبوع الماضي، يقول كل طرف أنه ألحق خسائر بالطرف الآخر، بينما ذكرت مصادر محلية أن الجيش فرض سيطرته على مواقع كانت خاضعة كليا لسيطرة الدعم السريع.

بدوره، أكد مستشار قائد قوات الدعم السريع، عمران عبد الله أن قواته كثّفت استعدادها لخوض معركة فاصلة، بعد أن "رفض الجيش المضي في مسار التفاوض، واختار خيار الحسم العسكري"، وفق قوله.

وقال عبد الله لموقع "الحرة"، إن "الحديث عن هزائم لحقت بقوات الدعم السريع في أم درمان، يهدف إلى بث الثقة في منتسبي الجيش الذين فشلوا منذ 15 أبريل الماضي في استعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع".

مستشار قائد قوات الدعم السريع أشار إلى أن "التحضير للعمليات القتالية لا يعني أنهم يرفضون خيار التفاوض، مؤكدا - في الوقت ذاته – أن قوات الدعم السريع مستعدة لأي جولة تفاوضية جادة تنهي معاناة السودانيين".

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أجبر القتال أكثر من 7 ملايين سوداني على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى دول الجوار، وتحديدا نحو تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.

ويرى المحل السياسي السوداني، عثمان عبد العظيم، أن طرفي الحرب في السودان وصلا إلى ما يمكن تسميته بتوزان الضعف، إذ لم يتمكن الجيش من استعادة المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع، بينما عجزت الأخيرة عن تحقيق تقدم على الأرض مؤخرا.

ولم يستبعد بعد العظيم في حديثه إلى موقع "الحرة"، أن تكون قوات الدعم السريع حصلت على تعزيزات عسكرية جديدة، جعلت قائدها يتحدث عن "حسم عسكري قريب".

وأضاف "من الواضح أن حميدتي تلقى مساعدات عسكرية جديدة، أو أنه جهز مقاتلين جدد، ولذلك تحدث للمرة الأولى منذ شهور عن اقتراب حسم المعركة لصالحه عسكريا".

وأشار المحلل السياسي إلى أن الجيش شرع خلال الشهور الماضية في تدريب آلاف الشباب الذين أبدوا الرغبة في القتال بجانبه من خلال ما يُعرف في السودان بالمقاومة الشعبية، وربما لذلك تمسك البرهان بخيار الحسم العسكري".

وكان البرهان دعا السودانيين إلى المشاركة في ما سماه الدفاع عن السودان والأرض والعرض، وأعلن أن الجيش سيقوم بتجهيز كل من يرغب في المشاركة في ما أطلق عليها "معركة الكرامة".

مصير مجهول

في الوقت الذي أبدى فيه البرهان وحميدتي رهانا على خيار الحسم العسكري، حذرت تنظيمات سياسية من الاستمرار في القتال، وقالت إن ذلك سيفاقم معاناة السودانيين.

ودعت قوى الحرية والتغيير، في بيان، طرفي القتال إلى العودة إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب، وقبل ذلك السماح بإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين من النزاع.

ويشير إسماعيل إلى أن "الجيش السوداني يمضي وفق "خطط عسكرية محكمة" لاستعادة السيطرة الكاملة على البلاد، وإنهاء تمرد الدعم السريع"، موضحا أن الجيش يملك - في الوقت ذاته – خطة وآلية للتعامل مع خيار التفاوض.

ورهن الخبير الاستراتيجي نجاح المفاوضات بالتزام قوات الدعم السريع بتنفيذ ما تم التوافق عليه في منبر جدة في 11 مايو الماضي، بشأن خروجها من الأعيان المدنية، متهما حميدتي بتعطيل مسار التفاوض من خلال طرح شروط تعجيزية وغير منطقية، على حد قوله.

وتابع "يطالب حميدتي بالقبض على رموز نظام الرئيس السابق عمر البشير الذين خرجوا من السجن، ويشترط أن يأتي البرهان إلى التفاوض بصفته قائدا للجيش وليس رئيسا لمجلس السيادة، وهذه شروط لا علاقة لها بإنهاء الحرب".

ولم تتمكن المساعي التي تقودها السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، من حث الطرفين على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، بينما اصطدمت الجهود التي تقودها هيئة "إيغاد" برفض من جانب الجيش السوداني.

ويشهد السودان انقطاعا كاملا لخدمات الاتصال والانترنت، في وقت تبادل فيه الجيش والدعم السريع الاتهامات عن مسؤولية توقف الخدمة.

وأشارت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، كليمنتين سلامي، إلى أن "غياب خدمات الاتصالات أضرّ بعمليات إرسال واستقبال الأموال لملاييين السودانيين.

وبدروه، دفع مستشار قائد قوات الدعم السريع عمران عبد الله، مسؤولية تعطيل المفاوضات عن قواته، وألقى باللائمة على الجيش ، وأكد "استعدادهم إلى العودة إلى منبر المفاوضات في أي لحظة يُظهر فيها الجيش رغبة حقيقة لإنهاء القتال".

من جانبه، حمّل المحلل السياسي عثمان عبد العظيم طرفي القتال المسؤولية عما يعيشه السودانيون من ويلات الحرب، ولفت إلى أن "الطرفين لا يملكان إرادة أو رغبة حقيقية لإيقاف الحرب".

وتابع "للأسف يتعامل قادة الدعم السريع والجيش مع المفاوضات بنظرة "تكتيكية" لتحقيق مكاسب على الأرض، وفي ميدان القتال، ولا أحد من الطرفين يريد أن يضع حدا لمعاناة السودانيين".

وأضاف عبد العظيم "حل الأزمة يكمن في التفاوض، وليس في خيار الحسم العسكري الذي يبدو أنه فقد فرص التحقق، كما فقد كثيرا من السودانيين الذين كانوا يراهنون عليه، بعد أن أصبح الصوت الغالب وسط السودانيين يدعو إلى العودة إلى المفاوضات".

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعا، الخميس، المجتمع الدولي إلى التعبئة وبذل كل ما هو ممكن لوقف الحرب في السودان.

وقال غوتيريش إنه لا يوجد حل عسكري للصراع بين القوات الداعمة للجنرالين، وشدد على أن استمرار القتال "لن يحقق أي حل لذا يجب علينا وقف ذلك في أقرب وقت ممكن".

جانب من معروضات المتحف الوطني في الخرطوم
جانب من معروضات المتحف الوطني في الخرطوم

كشفت صحيفة التايمز البريطانية الاثنين أن قطعا أثرية سودانية لا تقدر بثمن تعرض للبيع على موقع "إيباي" بعد تهريبها من البلد الذي مزقته حرب مستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

ويُعتقد أن القطع، التي تشمل تماثيل وأواني ذهبية وفخارا، قد نُهبت من المتحف الوطني في الخرطوم، الواقع في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

وبحسب الصحيفة، نُهبت آلاف من الآثار بما في ذلك شظايا تماثيل وقصور قديمة خلال أكثر من عام من القتال الذي قُتل فيه ما يصل إلى 150 ألف شخص ووضعت الآثار الثمينة تحت رحمة اللصوص.

يأتي تقرير "التايمز" بعد أيام قليلة من إعراب هيئة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم (اليونسكو) عن قلقها العميق إزاء التقارير الأخيرة عن احتمال نهب وإتلاف العديد من المتاحف والمؤسسات التراثية في السودان، بما في ذلك المتحف الوطني، على أيدي الجماعات المسلحة.

المتحف الوطني السوداني في الخرطوم من الخارج

ودعت المنظمة الخميس في بيان المجتمع الدولي إلى بذل قصارى جهده لحماية تراث السودان من الدمار والاتجار غير المشروع.

وحذرت هيئة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم (اليونسكو) من أن التهديد الذي تتعرض له أعظم كنوز البلاد وصل إلى "مستوى غير مسبوق".

وتشير صحيفة التايمز إلى أن اللوحات والأشياء الذهبية والفخار تدرج في بعض الأحيان على موقع إيباي باعتبارها آثارا مصرية، لكنها في الحقيقة جاءت من المتحف الوطني السوداني في الخرطوم، بحسب ما نقلت عن خبراء.

يقع المتحف في منطقة من العاصمة تسيطر عليها قوات الدعم السريع، والتي نشأت من ميليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب إبادة جماعية في دارفور قبل عقدين من الزمان. وتخوض قوات الدعم السريع صراعًا على السلطة مع الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للسودان.

تتضمن المجموعة الضخمة للمتحف قطعا أثرية من العصر الحجري القديم وعناصر من موقع كرمة الشهير بجوار النيل في شمال السودان، بالإضافة إلى قطع فرعونية ونوبية.

ونفت قوات الدعم السريع تورطها في النهب.

لكن خبراء يرون أن الحرب جعلت من السهل سرقة القطع المخزنة أثناء عمليات التجديد التي كانت جارية في المتحف قبل اندلاع الصراع.

"لم يدخلوا بيوت العرب".. تحقيق يوثق تفاصيل "مجزرة التسع ساعات" في شمال دارفور
"وصل العرب وبدأوا في قتل الناس".. بدأ تحقيق مشترك أجرته مجموعة من وسائل الإعلام الدولية، بهذه العبارة لرصد تفاصيل مجزرة الثالث من يونيو عام 2023، والتي وصفت بإحدى حلقات الفظائع بدوافع عرقية في الحرب السودانية بين قوات الجيش والدعم السريع.

ورغم حذف إيباي عددا من القطع بعد تواصل الصحيفة معهم، يستمر الاتجار بالآثار السودانية المنهوبة، وسط تحذيرات من علماء الآثار بشأن تهديد مواقع تاريخية أخرى، مثل جزيرة مروي، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.

وجزيرة مروي عبارة عن مناطق شبه صحراوية بين نهر النيل ونهر عطبرة، معقل مملكة كوش، التي كانت قوة عظمى بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد.

وكانت تتألف من الحاضرة الملكية للملوك الكوشيين في مروي، بالقرب من نهر النيل، والمواقع الدينية في نقاء والمصورات الصفراء.

ويذكر موقع اليونسكو أنها كانت مقرًّا للحكام الذين احتلوا مصر لما يقرب من قرن ونيف، من بين آثار أخرى، مثل الأهرامات والمعابد ومنازل السكن وكذلك المنشآت الكبرى، وهي متصلة كلها بشبكة مياه. امتدت إمبراطورية الكوشيين الشاسعة من البحر الأبيض المتوسط إلى قلب أفريقيا، وتشهد هذه المساحة على تبادل للفنون والهندسة والأديان واللغات بين المنطقتين.

جانب من جزيرة مروي

وحثت منظمة "اليونسكو" التجار وجامعي التحف على الامتناع عن اقتناء أو المشاركة في استيراد أو تصدير أو نقل ملكية الممتلكات الثقافية من السودان، معتبرة أن "أي بيع غير قانوني أو تهجير لهذه العناصر الثقافية من شأنه أن يؤدي إلى اختفاء جزء من الهوية الثقافية السودانية وتعريض تعافي البلاد للخطر". 

والجمعة، دعا خبراء من الأمم المتحدة إلى نشر قوة "مستقلة ومحايدة من دون تأخير" في السودان، بهدف حماية المدنيين في مواجهة الفظائع التي يرتكبها الطرفان المتحاربان.