لاجئون سودانيون جرحى الحرب من غرب دارفور يتجمعون للحصول على المساعدة من فرق أطباء بلا حدود
صورة أرشيفية للاجئين من دافور (تعبيرية)

أُعرب الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، جان إيغلاند، في حديثه إلى صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية: عن "خيبة أمله من التجاهل الدولي" لأزمة إنسانية كبرى في السودان، وذلك وسط انشغال العالم بالحرب في قطاع غزة وأوكرانيا.

وأوضح إيغلاند أن الحرب التي تشهدها السودان منذ منتصف أبريل من العام المنصرم، نجم عنها "عمليات تطهير عرقية كبرى في منطقة دارفور، حيث أجبر أكثر من 700 ألف شخص على مغادرة مدنهم وقراهم".

وبحسب إيغلاند، فإن الأزمة الحالية هي "أسوأ بكثير" من الأزمة التي شهدتها نفس المنطقة قبل 20 عاما، واستحوذت وقتها على اهتمام دولي كبير.

واعتبر أن الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تم "تجاهله" إلى حد كبير من قبل المجتمع الدولي، الذي ركز بدلاً من ذلك على الحروب في أوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وقطاع غزة.

وتابع: "هذا أمر محير للعقل، لمن يؤمنون بقيم الإنسانية والحضارة".

وقارن بين المبالغ المحدودة من الأموال التي تم جمعها خلال الأزمة الحالية، وبين الاستجابة الساحقة في عامي 2003 و2004 عندما اندلع العنف على نطاق واسع في دارفور آخر مرة.

ونبه إلى أنه في الأزمة السابقة، قام زعماء مثل الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش، ورئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، بدفع تلك المنطقة المهمشة إلى قمة جدول الأعمال الدولي.

وقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أنه تم جمع 3.5 في المائة فقط من مبلغ 2.7 مليار دولار المطلوب للتعامل مع أزمة السودان.

وعاد إيغلاند مؤخراً من زيارة مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد المجاورة، واصفا ما رآه بالقول: "من المؤلم أن نسمع عن أفظع الفظائع، ومعظمها تتعلق بالعنف الجنسي ضد المرأة.. وقتل الشباب بشكل جماعي".

ووصف ذلك بأنه "تطهير عرقي " تقوم به ميليشيات عربية مرتبطة بقوات الدعم السريع.

قوات الدعم السريع كانت محط انتقادات حقوقية منذ سنوات
فورين بوليسي: نجاح العقوبات الأميركية في السودان مرتبط بتعاون الإمارات
شدد تقرير لمجلة "فورين بوليسي" على أن العقوبات الأميركية على مسؤولي قوات الدعم السريع السودانية، والمتهمة بارتكاب جرائم حرب، لن تنجح ما لم تقنع حليفتها، الإمارات، بوقف دعمها للميليشيا، بقيادة محمد حمدان دقلو.

"مفارقة هائلة"

وأصبحت دارفور نقطة محورية دولية رئيسية بعد أن قتلت ميليشيات عربية كانت تعرف باسم الجنجويد، ما يقدر بنحو 200 ألف شخص هناك بين عامي 2003 و2005.

واتهم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن في ديسمبر، قوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وأضاف أن قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، "مذنبون بارتكاب جرائم حرب".

وقال بلينكن إنه "منذ اندلاع القتال في السودان في 15 أبريل، أطلقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع العنان لأعمال عنف مروعة وموت ودمار في جميع أنحاء السودان". 

وأشار إلى أن المدنيين هم من تحملوا تداعيات "ذلك الصراع الذي لا داعي له، وتعرض المعتقلون للإساءة وقتل بعضهم في مواقع الاحتجاز التابعة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع". 

وتماثل شهادة إيغلاند شهادة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، الذي قال للصحيفة البريطانية مؤخرا إن "السودان ربما يكون أكبر بؤرة للمعاناة" في العالم بسبب ما أسماه "الحرب الخفية".

وأضاف أن المعارك أدت إلى جعل نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، في حاجة إلى المساعدات، فضلا عن نزوح نحو 7 ملايين، وفقا للتقديرات.

وقال غريفيث إنه تحدث إلى قادة قوات الدعم السريع والجيش، "لكن لم يكن هناك تقدم دبلوماسي ملموس".

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل ما لا يقل عن 13 ألف شخص، منذ اندلاع القتال، لكن العدد الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك بكثير.

وقدّر تقرير مسرب للأمم المتحدة، أن عدد الوفيات في مدينة الجنينة بدارفور وحدها يتراوح بين 10 آلاف و15 ألف شخص.

وقال إيغلاند إنه لا يستطيع تأكيد المزاعم، التي نفتها دولة الإمارات، والتي تقول بأن تلك الدولة الخليجية تساعد في إعادة تسليح قوات حميدتي عبر تشاد.

وأوضح: "لا أستطيع التأكد من أن هذه الدولة أو تلك تدعم الأطراف بالسلاح.. ومع ذلك، فمن الواضح جدًا أن أولئك الذين يرتكبون الفظائع وأولئك الذين يشنون هذه الحرب العبثية لا يفتقرون إلى الموارد، وذلك على عكسنا نحن الذين نحاول إنقاذ الأرواح وحماية المدنيين.. إنها مفارقة هائلة في عصرنا".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".