مع استمرار انقطاع خدمات الاتصالات بشكل كلي عن ولاية الجزيرة، وسط السودان، تصاعدت الشكاوى عن انتهاكات ترتكب بحق المدنيين، ونقص حاد في المواد الأساسية والضرورية، بجانب خروج بعض المرافق الصحية عن الخدمة.
واتهمت لجان المقاومة في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، في بيان، الأحد، "قوات الدعم السريع بالتورط في انتهاكات متصلة ضد المدنيين في عدد من قرى الولاية".
وقال البيان، إن "قوات الدعم السريع استغلت انقطاع خدمات الاتصالات، واجتاحت عددا من القرى، وأوقعت عددا من القتلى ونهبت عشرات السيارات، في مناطق تنوب ومريود وفطيس والفريجاب ومعيجنة وطابت".
وفي ديسمبر الماضي، بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، وأصدر قائدها محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" قرارا بتعيين القائد الميداني أبو عاقلة كيكل حاكما على الولاية.
ومنذ السابع من يناير الماضي تعاني معظم ولايات السودان من انقطاع الاتصالات كليا، بينما تعمل الخدمة بشكل جزئي في الولايات الشرقية والشمالية من البلاد، وسط تبادل الاتهامات بين الجيش والدعم السريع بالتسبب في انقطاع الخدمة.
ولفت البيان إلى "خروج كل المستشفيات بمدينة ود مدني وعدد من مدن الولاية عن الخدمة، عدا الطوارئ والنساء والتوليد التي تعمل بشكل جزئي، وسط انعدام وندرة بعض الأدوية، بعد إغلاق الصيدليات أبوابها خوفا من عمليات السرقة والنهب".
وقال مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجمعة، إن طرفي الحرب الأهلية في السودان ارتكبا انتهاكات قد تصل إلى حد جرائم حرب، تشمل هجمات عشوائية على مواقع مدنية مثل مستشفيات، وأسواق وحتى مخيمات النازحين.
وأدى قطع شبكة الاتصالات الذي تتهم قوات الدعم السريع به، إلى عرقلة توصيل المساعدات إلى المتضررين من الحرب، كما ترك السكان، الذين يبلغ عددهم نحو 50 مليون نسمة غير قادرين على سداد المدفوعات، أو الاتصال بالعالم الخارجين، بحسب رويترز.
ولجأ السكان إلى الأجهزة المتصلة بنظام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية Starlink وهي خدمة توفرها إحدى شركات رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، بعد استمرار قطع الاتصالات.
مطالبات بالتدخل الدولي
وبدروها، قالت لجان الطوارئ في مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة، إنها "أحصت سقوط أكثر من 25 قتيلاً في عدد من القرى والمناطق خلال الأسبوع الماضي".
واتهمت في بيان، السبت، "قوات الدعم السريع بالتورط في تلك الانتهاكات"، وطالبت "المؤسسات الدولية العدلية بالتحقيق عن الجرائم التي تقع على المدنيين".
وشكت لجان الطوارئ وهي، مجموعات شبابية نشطت عقب اندلاع الحرب، بغرض تسهيل حصول المواطنين على الخدمات، "من صعوبات تواجه الأسر في مسألة توفير الغذاء".
وأشار عضو لجان الطوارئ بمدينة الحصاحيصا، ذو النون الطريفي، في رسالة صوتية، لموقع الحرة، إلى أن "معظم الأسواق بولاية الجزيرة أغلقت أبوابها، مما أدى لحالة من الندرة وزيادة في أسعار السلع، وأجبر آلاف السكان، إلى النزوح إلى مدينة المناقل التي يسيطر عليها الجيش".
وقال الطريفي الذي فرّ ضمن آخرين من الحصاحيصا، إلى مدينة المناقل، إن "خدمة الكهرباء والمياه عادت إلى بعض المناطق في ولاية الجزيرة بشكل جزئي، بينما انعدمت خدمات الغاز ووسائل المواصلات بشكل كلي، وأصبح السكان يعتمدون على الدواب في التنقل".
وتحولت مدينة المناقل، التي تقع غرب ولاية الجزيرة، إلى ملاذ للهاربين من حجيم الحرب، وذلك لوجود الجيش بها، إذ زادت أهميتها عقب استيلاء قوات الدعم السريع على مدينتي ود مدني والحصاحصيا.
لكن نزوح الآلاف من سكان ولاية الجزيرة إلى المناقل، "رفع الضغط على الخدمات بالمدينة، بخاصة في مسألة الصحة والأمن الغذائي"، بحسب الطبيب نادر عمار.
وقال عمار، وهو طبيب ينشط في منظمة طوعية محلية بالمناقل، بعد أن فقد عمله في ود مدني بسبب الحرب، إن "توافد أعداد النازحين إلى مدينة المناقل وضع نظامها الصحي المتهالك أمام تحديات جديدة، إذ ظهرت ندرة في الأدوية والمستلزمات الطبية".
وأضاف "الأوضاع في ولاية الجزيرة تمضي نحو سوء بالغ، خاصة مع توقف التطبيقات المصرفية البنكية التي يعتمد عليها السكان والنازحون في معاملاتهم الشرائية اليومية".
وتضرر القطاع المصرفي السوداني من جراء الحرب، وخرج عدد من البنوك والمصارف من الخدمة، مما أفرز ندرة في السيولة، بحسب اتحاد المصارف السوداني.
واتجه السكان إلى التعامل عبر التطبيقات البنكية في المعاملات التجارية، قبل أن تتوقف تلك التطبيقات عن الخدمة من جراء انقطاع الاتصالات والإنترنت.
وأعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الجمعة، أن 95 في المئة من السودانيين لا يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم، بينما فر حوالي 8 ملايين شخص، نصفهم من الأطفال، من منازلهم.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصف السودانيين، البالغ عددهم أكثر من 48 مليون نسمة، أي حوالي 25 مليون شخص، باتوا يحتاجون إلى المساعدة، بمن فيهم 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
اتهامات رسمية
وبدورها، قالت وزارة الخارجية السودانية، في بيان، إن "ميليشا الدعم السريع وظفت التعتيم الإعلامي الذي فرضته بسبب قطعها شبكات الاتصالات، خاصة في ولايتي الخرطوم والجزيرة، لتصعيد عملياتها الإرهابية ضد المدنيين".
ولفت البيان إلى أن "مليشيا الدعم السريع قتلت خلال الأيام الماضية 20 مواطنا َمن قرية ود العزيز، غرب سنار، وأكثر من 17 مواطنا من قرية ود البليلة، غرب ولاية الجزيرة، و12 مدنيا من قرية معيجنة و7 من قرية العقدة المغاربة".
في المقابل، نفى مستشار قائد قوات الدعم السريع، عمران عبد الله، "تورط الدعم السريع في الانتهاكات على المدنيين في ولاية الجزيرة"، مؤكدا أن "هناك حملة لتشويه صورة قواتهم، يقوم بها عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير".
وقال عبد الله لموقع الحرة، إن "المتفلتين المتورطين في الانتهاكات على المواطنين بولاية الجزيرة لا ينتمون إلى قوات الدعم السريع، وإنما يرتدون أزياءها بوجه غير قانوني، وينفذون جرائمهم بدعم من عناصر النظام السابق".
وتابع: "قبل أيام قتل بعض المتفلتين الذين يرتدون أزياء الدعم السريع اثنين من أفراد الحرس الشخصي للقائد الميداني بقوات الدعم السريع، المك أبو شتوال، وعندما تم فحص هوية الجناة اتضح أنهم لا ينتمون إلى قوات الدعم السريع".
ولفت المستشار أن "قيادة قوات الدعم السريع، تعاملت مع كل البلاغات التي وردت إليها عن انتهاكات في ولاية الجزيرة، وأوفدت قادة ميدانيين وأعضاءً من المجلس الاستشاري، للتحقق من تلك المزاعم على الأرض".
وأشار إلى أن "قوات الدعم السريع ستتعامل بحزم مع كل من يثبت تورطه في تلك الجرائم والانتهاكات، سواء من عناصرها أو من المتقلتين، الذين يسعون إلى بث الجريمة المنظمة وإشاعة الفوضى في ولاية الجزيرة".
وبحسب وكالات الأمم المتحدة، أدى النزاع الذي يدور في السودان منذ 15 أبريل الماضي، إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص، وأجبر أكثر من ستة ملايين على الفرار من منازلهم.
وفي فبراير، وجهت الأمم المتحدة نداءً لجمع 4.1 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسودانيين هذه السنة، في بلادهم وفي البلدان المجاورة.
وفي عام 2023، لم تتلق سوى نصف التمويل المطلوب.
من جهتها، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، في يناير، من أنه من دون دعم دولي إضافي، "من المرجّح أن يموت عشرات الآلاف" من الأطفال في السودان.