حرب واسعة تدور بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي
حرب واسعة تدور بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي

أعاد الانتشار المكثف لعناصر "قوات العمل الخاص"، التابعة للجيش السوداني، خلال المعارك ضد الدعم السريع، الجدل عن وجود منتسبي الحركة الإسلامية، داخل الجيش السوداني.

وتصاعدت الاتهامات للحركة الإسلامية، المعروفة بوصفها مرجعية دينية لنظام الرئيس السابق عمر البشير، بالسيطرة على قرار المؤسسة العسكرية في السودان، وفق ما تقوله تنظيمات سياسية سودانية.

مواقف متباينة

وتتهم قوى الحرية والتغيير، وهي تحالف مدني كان يقود البلاد، قبل سيطرة الجيش على السلطة في 25 أكتوبر 2021، الحركة الإسلامية، بإشعال الحرب الحالية في السودان، وهي اتهامات تنفيها الحركة.

ويشير القيادي في الحرية والتغيير، عثمان عبد الجليل، إلى أن "عناصر النظام السابق يسيطرون على مفاصل القرار داخل الجيش"، ويستدل على ذلك "بأنهم يرفضون مبدأ التفاوض لحل الأزمة، الأمر الذي انعكس على مواقف الجيش، خلال محادثات منبر جدة بينه والدعم السريع".

وقال عبد الجليل لموقع "الحرة" إن "تورط عناصر الحركة الإسلامية في تأجيج القتال لا يحتاج إلى إثبات بدليل وجود كتيبة "البراء بن مالك" التي تقاتل الآن إلى جانب الجيش في مواجهة الدعم السريع".

ومع تفجُّر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، نشطت سريعا مبادرة من السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، لإطفاء نيران الحرب التي طال العاصمة السودانية الخرطوم.

كما سارعت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا "إيغاد" لإطلاق مبادرة لإيقاف القتال، بينما استضافت مصر في يوليو 2023 مؤتمر دول جوار السودان، لبحث سبل حل الأزمة، لكن لم تفلح كل تلك المبادرات في إنهاء الحرب. 

وانضم عناصر كتيبة "البراء بن مالك" التي يقودها، المصباح أبو زيد، إلى القتال بجانب الجيش بعد أيام من اندلاع الحرب، في 15 أبريل 2023.

ويشير أبو زيد في صفحته على موقع فيسبوك إلى أن عناصر كتيبة "البراء بن مالك": "تلقوا تدريبهم بواسطة الجيش السوداني، وفي ظل دستوره وقانونه"، وذلك ردا على الاتهامات التي تنسب الكتيبة إلى الحركة الإسلامية السودانية.

وفي المقابل يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، منتصر رزق الله، أن "مشاركة كتيبة "البراء بن مالك" وغيرها، في القتال إلى جانب الجيش، أمر طبيعي، لأن انتهاكات قوات الدعم السريع فاقت التصورات، ولأنها حولت حربها إلى مواجهة مع المواطنين".

وقال رزق الله لموقع "الحرة"، "لا أرى ما يمنع مشاركة عناصر النظام السابق في القتال إلى جانب الجيش، فهم من مواطني السودان، ومن حقهم الدفاع عن بلادهم".

وقلل أستاذ العلوم السياسية من شأن الأصوات التي تتحدث عن "سيطرة عناصر النظام السابق على القرار داخل الجيش السوداني"، وقال إن "معظم الأحزاب السودانية لها خلايا وعناصر داخل الجيش، وبالتالي ليس من المنطق حصر الاتهام على الحركة الإسلامية وحدها".

ولفت إلى أن "التاريخ غير القابل للجدال يثبت أن الحزب الشيوعي سيطر على القرار داخل الجيش عقب انقلاب 1969، وكذلك سيطر حزب الأمة على القرار في فترة الديمقراطية، وهو الحال ذاته بالنسبة للحزب الاتحادي الديمقراطي".

بدوره، يرى المحلل السياسي، عز الدين المنصور، أن "مشاركة كتيبة "البراء بن مالك" في القتال إلى جانب الجيش أمر طبيعي، إذا التزمت بمواقف الجيش وتقيدت بتعليماته الصارمة".

وقال المنصور لموقع "الحرة" إن "كتيبة "البراء بن مالك" أصبحت - مؤخرا -تتخذ قرارات عسكرية مفصلية، دون الرجوع إلى قيادة الجيش، كما أن هناك حديثا يتردد على نطاق واسع، بأنها تدير منصات لإطلاق المسيرات، دون أدنى تنسيق مع قيادة الجيش".

ولفت المحلل السياسي إلى أن "عناصر النظام السابق يعملون على العودة إلى السلطة من خلال استعادة السيطرة على الجيش، بعد أن فقدوا تلك السيطرة عقب سقوط نظامهم في أبريل 2019".

وأشار إلى أن "عناصر النظام السابق تسللوا إلى قوات العمل الخاص التابعة للجيش، وهيمنوا عليها، إلى الدرجة التي توحي في كثير من المرات، بأن تلك القوات أقرب لكونها قوات تابعة لفصيل سياسي، وليس جيش نظامي رسمي للدولة".

وأضاف "هناك آلة إعلامية ضخمة موجهة لإبراز ما تقوم به كتيبة "البراء بن مالك" وقوات العمل الخاص، وتسويقه للمتابعين، على عكس منجزات الجيش العسكرية، التي لا تجد الاهتمام الإعلامي المطلوب، حتى من قبل هيئة التوجيه المعنوي بالجيش السوداني".

وتابع "هذا يولد مزيدا من الشكوك عن الأهداف غير المعلنة لمشاركة عناصر الحركة الإسلامية في القتال إلى جانب الجيش، وربما يدلل على أن البرهان إنما اتخذ قراره بفتح معسكرات التجنيد أمام المواطنين، حتى يجد مبررا أخلاقيا لمشاركة كتيبة "البراء بن مالك".

هنا يشير القيادي في قوى الحرية والتغيير، إلى أن "عناصر النظام السابق انخرطوا في القتال إلى جانب الجيش قبل الإعلان الرسمي عن إمكانية مشاركة المواطنين في القتال".

وأضاف "كل هذه دلائل تشير إلى أن مشاركة عناصر النظام السابق في العمليات الحربية، إنما تهدف إلى استعادة السلطة التي فقدوها بأمر الثورة السودانية".

وسبق أن زار البرهان قائد كتيبة "البراء بين مالك"، المصباح أبو زيد، في المستشفى، حينما كان يتلقى العلاج من إصابته في القتال إلى جانب الجيش السوداني، مما زاد الجدل بشأن علاقة الحركة الإسلامية بالجيش.

وكان القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، دعا في يونيو الماضي، "المواطنين القادرين على حمل السلاح إلى الانضمام إلى أقرب وحدة عسكرية للإسهام في الدفاع عن الوطن". 

وحاول موقع "الحرة" الحصول على تعليق من الناطق الرسم باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، ولكن لم يصلنا أي رد حتى كتابة هذا التقرير.

وتباينت تصريحات قادة الجيش عن مشاركة أو سيطرة الإسلاميين على القرار داخل المؤسسة العسكرية.

وفي حين نفى البرهان خلال خطاب في قاعدة "فلامنغو" العسكرية، في أغسطس الماضي، سيطرة الحركة الإسلامية على الجيش، قال مساعده الفريق ياسر العطا، في يناير الماضي، إن "الحق يجب أن يقال، هناك مجموعات كبيرة من الإسلاميين تقاتل معنا، وهناك شباب من مجموعة غاضبون وغيرها".

مصير التفاوض

ومع تصاعد التحركات التي تسعى لإنهاء الحرب عبر التفاوض، تزداد الأصوات التي تنادي بالحسم العسكري. وهي أصوات يرى مختصون أنها "تُنتج في غرف خاصة، لتحقيق أهداف سياسية"، بينما يشير آخرون إلى أنها "تعبير حقيقي عن صوت المواطن الذي يرفض التصالح مع قوات الدعم السريع لتورطها في الانتهاكات".

ويشير عبد الجليل إلى أن "عناصر النظام السابق درجوا على التحريض ضد أي مساع ترمي إلى تسوية الأزمة عبر الحل السملي، لخوفهم من أن يقود الاتفاق إلى إبعادهم من المشاركة في العملية السياسية، على نحو ما كان يحدث قبل الحرب، بأمر الثورة".

وأضاف "نشطت الغرف الإعلامية التابعة للنظام السابق في هجوم كثيف على نائب القائد العام للجيش شمس الدين كباشي، حينما جرى تسريب خبر اللقاءات التي جمعته مع نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو في العاصمة البحرينية، المنامة".

وأضاف "عقب تسريب خبر الاجتماعات، نشطت حملة كثيفة في مواقع التواصل لتخوين كباشي، ما أفشل إتمام المفاوضات التي كانت تجري بسرية شديدة".

وبحسب قوى الحرية والتغيير، "التقى كباشي وعبد الرحيم دقلو في المنامة، لمرتين، الأولى في 6 يناير والثانية في العشرين منه، قبل أن يغيب كباشي عن الجلسة الثالثة بشكل مفاجئ لتنهار المحادثات".

ولم يصدر أي نفي أو تعليق من الجيش السوداني عن تلك المعلومات، في حين صوّب كباشي في أكثر من خطاب أمام مجموعات من الجيش، انتقادات لقوات الدعم السريع، ومن سماها "القوى السياسية التي تسنادها"، معلنا أنه "لا حل خارجيا لمشكلة السودان".

ويشير المنصور إلى أن "مشاركة منتسبي النظام السابق في القتال إلى جانب الجيش أثرت على قرار قادته في ما يتعلق بالتفاوض، ما أدى إلى تراجع النزعة ناحية الحل السلمي، بعد أن كانت طاغية خلال الأشهر الأولى للحرب".

وأضاف "سيطرة النظام السابق على قرار الجيش ستقود إلى أحد احتمالين، إما قطع الطريق أمام إتمام أي اتفاق سلام، أو عرقلة وتعويق تنفيذ الاتفاق حال إتمامه".

وأضاف "لا استبعد أن تطالب كتيبة "البراء بن مالك" أو كتيبة "البنيان المرصوص" بالمشاركة كطرف ثالث في أي محادثات سلام، وفي هذه الحالة يمكن أن ينجح التفاوض".

وتابع "لكن لا أتوقع أن يستجيب رعاة المفاوضات لتلك المطالب، لأن المزاج العام داخل المفاوضات يميل إلى استبعاد النظام السابق من أي عملية سياسية متوقعة".

وفي المقابل، يرى رزق الله، أن "هناك تضخيما غير منطقي عند الحديث عن علاقة النظام السابق بالمعارك الحالية، أو القرار داخل الجيش. وهناك من يصور قادة النظام السابق على أساس أنهم يمسكون تماما بمفاصل القرار، وهذا غير صحيح".

وأضاف "خلال الفترة الانتقالية التي تلت سقوط نظام البشير، ظل كل أعضاء مجلس السيادة العسكريين، بمن فيهم البرهان وكباشي، يوجهون الانتقادات الشديدة الممتالية، لقادة النظام السابق، ما يدلل على عدم وجود أي سيطرة للحركة الإسلامية على الجيش".

وأودت الحرب في السودان بحياة 13 ألف شخص على الأقل، وفق تقديرات "مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها" (أكليد).

كما تسببت في نزوح ولجوء حوالي 8 ملايين شخص، وهي "أكبر أزمة نازحين في العالم"، وفق الأمم المتحدة.

ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من "الجوع الحاد"، كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع، بحسب وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعا، الخميس، المجتمع الدولي إلى التعبئة وبذل كل ما هو ممكن لوقف الحرب في السودان.

وقال غوتيريش إنه لا يوجد حل عسكري للصراع بين القوات الداعمة للجنرالين، وشدد على أن استمرار القتال "لن يحقق أي حل لذا يجب علينا وقف ذلك في أقرب وقت ممكن".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".