الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي - أرشيفية
الحرب في السودان مستمرة منذ منتصف أبريل الماضي - أرشيفية

رافقت المعارك الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عمليات اختفاء لمدنيين، تصفها منظمات حقوقية بالواسعة، وتقول إن احتجاز الضحايا يجري في ظروف بالغة القسوة، ودون مراعاة لحق المرضى في الحصول على العلاج.

وتتهم منظمات طوعية وحقوقية، طرفي الصراع في السودان، بالتورط في "عمليات احتجاز واعتقال غير قانونية" بحق المدنيين، بما في ذلك الذين ينشطون لإيقاف الحرب، في وقت كشفت فيه منظمات مدافعة عن حقوق النساء عن تعرض نحو 100 امرأة للاختفاء القسري، منذ اندلاع القتال في 15 أبريل الماضي.

احتجاز وتجويع

يقول أيمن، وهو شاب سوداني يبلغ من العمر 23 عاما فضل عدم ذكر اسمه بالكامل، إنه "تعرض للاحتجاز بواسطة قوات الدعم السريع في الخرطوم، لأكثر من شهرين"، ويلفت إلى أن "احتجازه تم بتهمة أنه يتعاون مع استخبارات الجيش السوداني".

ويضيف أيمن، لموقع الحرة، إن "قوة من الدعم السريع اقتادته من أمام أحد المساجد في شارع الستين، أحد الشوارع الرئيسية في شرق الخرطوم، وزجت به في الطابق الأرضي لإحدى البنايات الشاهقة، وهناك وجد ما لا يقل عن 40 شخصا، بعضهم يعاني المرض والهزال من جراء التجويع".

وأضاف "في الأيام الأولى للاحتجاز كان يتم منح المحتجزين وجبتين في اليوم، مع قدر يسير من الماء، ثم تقلصت إلى وجبة في اليوم، قبل أن تصبح وجبة كل يومين، مع نذر قليل من الماء، مما عرّض المحتجزين للجوع والهزال"، وفق قوله.

ولفت أيمن إلى أن "أسرته لم تكن تعلم مكان احتجازه"، مشيرا إلى أن "قوات الدعم السريع قررت إطلاق المحتجزين عقب وفاة اثنين منهم بسبب الجوع والهزال".

وتتهم المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، قوات الدعم السريع باحتجاز مئات المدنيين قسريا، في ظروف قاسية، وتشير إلى أن "عمليات الاحتجاز غير القانوني تزيد كلما استولت قوات الدعم السريع على منطقة جديدة"، بحسب تقرير للمجموعة في فبراير الماضي.

وكشفت عضو تنسيقية محامي الطوارئ، نفيسة حجر، عن "ارتفاع أعداد المفقودين خلال الحرب الحالية إلى أكثر من ألف شخص، بينهم نحو 100 امرأة".

وقالت حجر لموقع الحرة، إن "قوات الدعم السريع تقوم باحتجاز نساء وتشغيلهن في مهام متعلقة بإعداد الطعام وخدمة المسلحين من دون أجر".

وأشارت إلى أن "الإحصائيات والتقارير الرسمية لم تثبت تعرض نساء إلى الإخفاء القسري بواسطة الجيش السوداني، لكن هناك تقارير مؤكدة عن تعرض فتيات لاعتداءات جنسية بواسطة عناصر من الجيش، خاصة في منطقة الشجرة العسكرية".

وكانت هيئة محامي دارفور، أعلنت في فبراير الماضي، عن اعتقال السلطات في مدينة عطبرة بشمال السودان، سيدتين بتهمة التخابر مع قوات الدع السريع، أعلن وفاة إحداهن داخل المعتقل.

وقالت الهيئة في بيان، إن السلطات اعتقلت كلا من إنعام أحمد خيري وسلمى حسن، في ديسمبر الماضي، بسبب الانتماء إلى قبيلة المسيرية، إحدى الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع.

اتهام بالتخابر

في المقابل، تشير تنظيمات سياسية سودانية إلى تعرض ناشطين إلى الاحتجاز بواسطة عناصر من استخبارات الجيش، في عدد من الولايات السودانية.

وبحسب بيان لقوى الحرية والتغيير في يناير الماضي، فإن عددا من الناشطين تعرضوا للاحتجاز، "بتهمة موالاة الدعم السريع، بما في ذلك بولايات خارج دائرة القتال".

وكشف أحد الناشطين في لجان الخدمات والتغيير بمدينة أم درمان، عن تعرضه واثنين من أعضاء اللجنة إلى الاعتقال بواسطة الأجهزة الأمنية، "بحجة أنهم لا يعلنون موقفا داعما للجيش خلال الحرب الحالية".

ويقول الزين، وهو اسم مستعار، إن "لجان الخدمات والتغيير، تنشط لمساعدة المواطنين بسبب نقص الخدمات، لكنها تواجه مضايقات من السطات في المدينة، بحجة أن أغلب أعضاء تلك اللجان يدعمون قوات الدعم السريع".

وأضاف "تعرضنا للاحتجاز، ووضعنا في غرف مكتظة بالمحتجزين، تنعدم فيها التهوية، ووجهت لنا إساءات بالغة، وكان عناصر الجيش يصفوننا بالجنجويد "نسبة إلى قوات الدعم السريع"، وكثيرا ما أجبرونا على البقاء في الشمس الحارقة لساعات".

وتابع قائلا "كانوا يمنعون عنا الوجبات ليومين أحيانا، مما أفقد كثيرين من المحتجزين القدرة على الوقوف والمشي، قبل أن يتم إطلاق سراحنا دون مقدمات، بعد أن طُلب منا كتابة تعهُّد بعدم التعاون مع الدعم السريع".

ولفت الزين إلى أنهم "لا يوالون الدعم السريع، وأنهم يتبنون موقفا يدعو إلى إيقاف الحرب، وهو ما لم يعجب قادة الاستخبارات العسكرية الذين يريدون من السودانيين دعم هذه الحرب العبثية. ولذلك وجدت نفسي مضطرا لمغادرة السودان".

وكانت قوات الدعم السريع، نشرت مقاطع فيديو على مناصاتها الرسمية، في أغسطس الماضي، لمجموعات من الأشخاص، قالت "إنهم مدنيون تمكنت من إطلاق سراحهم من منطقة المدرعات العسكرية، بعد اعتقالهم بواسطة استخبارات الجيش".

وبدا الأشخاص الذين ظهروا في مقطع الفيديو في حالة من الهزال، وقال بعضهم إنهم "تعرضوا للحرمان من الأكل والشرب في بعض الأيام، بتهمة موالاة الدعم السريع".

بدورها، اتهمت نفيسة حجر، طرفي النزاع باحتجاز مدنيين "بتهم جزافية ودون مسوغ قانوني، بما في ذلك تهمة التعاون مع الطرف الآخر".

وقالت إن "استخبارات الجيش اعتقلت ناشطين معروفين بمواقفهم المناهضة للنظام السابق، بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، بينما احتجزت الأخيرة ناشطين ومواطنين بتهمة التعاون مع الجيش".

وفي أحدث تقرير لها، في منتصف فبراير الماضي، أشارت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري، إلى "اختفاء أكثر من 990 شخصا خلال الحرب الحالية، بينهم 95 امرأة".

ولفت التقرير إلى أن "أكثر حالات الاختفاء مؤخرا، رُصدت في مدينة ود مدني والحصاحيصا والكاملين بولاية الجزيرة، وجبل الأولياء بولاية الخرطوم، والرهد بولاية شمال كردفان".

وحاول موقع "الحرة" الحصول على تعليق من الناطق الرسمي باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، ولكن لم يصلنا أي رد حتى نشر هذا التقرير.

وبدوره، أشار الخبير الاستراتيجي، عبد المنعم مالك، إلى أن "ميليشيا الدعم السريع ارتكبت انتهاكات ممنهجة بحق مدنيين، وتورطت في عمليات إخفاء قسري، بما في ذلك احتجاز بعض النساء، وتعرض بعضهن  إلى الاستغلال الجنسي، بحسب روايات ناجيات".

واعتبر مالك، في تصريحات لموقع الحرة، أن هذا السلوك "ليس غريبا على مليشيا الدعم السريع المتهمة من جهات دولية بقتل واغتصاب واحتجاز آلاف السودانيين والسودانيات منذ حروب دارفور في 2003 وحتى الحرب الحالية".

ونفى الخبير الاستراتيجي تورط الجيش في أي حالة احتجاز لنساء سودانيات، وأشار - في ذات الوقت - لحدوث تحرش من بعض عناصر الجيش تجاه بعض النساء، وقال إن "تلك حالات فردية لا تعبر عن الجيش (..)".

وأضاف: "الدعم السريع تعتقل وتحتجز المواطنين لاستخدامهم دروعا بشرية، لإجبار الجيش على عدم قصف معسكراتها ومواقع تمركزها، وهذه جريمة تعاقب عليها كل القوانين".

وكانت وحدة حماية المرأة والطفل "هيئة حكومية"، أكدت تعرض نساء وفتيات سودانيات إلى الاحتجاز والاعتقال والاستغلال الجنسي، خلال الحرب.

وكشفت الوحدة في تقرير لها، في أكتوبر الماضي، عن "حدوث أكثر من 136 حالة اغتصاب، واتهمت عناصر من الجيش والدعم السريع بالتورط في تلك الحالات". 

من جانبه، نفى عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، عمار صديق، "وجود محتجزين أو معتقلين من المدنيين لدى قواتهم"، وأشار إلى أن "قوات الدعم السريع لديها أكثر من 10 آلاف أسير من منسوبي الجيش، ليس بينهم مجموعات من المدنيين كما يشاع".

وقال صديق لموقع الحرة، إن "الحديث عن احتجاز مدنيين بواسطة الدعم السريع فرية، يسعى عناصر نظام البشير من خلالها لصرف الأنظار عن تورطهم في اعتقال المواطنين على أساس جهوي وقبلي، خاصة المنتمين للقبائل الداعمة لقوات الدعم السريع".

وأشار صديق إلى أن "قوات الدعم السريع مستعدة للتعاون مع أي لجنة دولية للتحقيق في مسألة الاختفاء القسري"، واتهم الجيش "برفض الامتثال إلى لجان التحقيق المستقلة التي تهدف إلى تقصي التعديات على المدنيين". 

وأودت الحرب في السودان بحياة 13 ألف شخص على الأقل، وفق تقديرات "مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها" (أكليد).

كما تسببت في نزوح ولجوء حوالي 8 ملايين شخص، وهي "أكبر أزمة نازحين في العالم"، وفق الأمم المتحدة.

ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من "الجوع الحاد"، كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع، بحسب وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.

وقال مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجمعة، إن طرفي الحرب الأهلية في السودان ارتكبا انتهاكات قد تصل إلى حد جرائم حرب، تشمل هجمات عشوائية على مواقع مدنية مثل مستشفيات وأسواق وحتى مخيمات النازحين.

وقررت الولايات المتحدة رسميا بالفعل أن الطرفين المتحاربين ارتكبا جرائم حرب، وقالت إن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها متورطة بعمليات تطهير عرقي في غرب دارفور.

وقال الجانبان إنهما سيحققان في التقارير المتعلقة بعمليات القتل والانتهاكات وسيحاكمان أي مقاتلين يثبت تورطهم.

صورة أرشيفية لسيدة مع طفلها بمخيم زمزم للنازحين، بالقرب من الفاشر شمالي دارفور
صورة أرشيفية لامرأة مع طفلها في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمالي دارفور

مع استمرار المعارك العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فر عشرات الآلاف من عاصمة شمال دارفور، الفاشر المحاصرة والممزقة نتيجة الحرب، نحو بلدة صغيرة على بعد نحو 70 كيلومترا، حيث بدأت معاناة أخرى جراء نقص الطعام وعدم وجود رعاية صحية.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "غارديان" البريطانية، فإن الفارين إلى بلدة طويلة، لا يعانون فقط من الجوع والعطش، بل من انتشار أمراض خطيرة أيضا مثل الملاريا والحصبة والسعال الديكي، مما أرهق كاهل العيادة الصحية الصغيرة والوحيدة الموجودة في تلك البقعة الفقيرة.

وفي هذا الصدد، قالت عائشة يعقوب، المسؤولة عن الصحة في الإدارة المدنية التي تدير بلدة طويلة، إن هناك "ما لا يقل عن 10 أطفال يموتون من الجوع كل يوم".

وأضافت: "نتوقع أن يكون العدد الدقيق للأطفال الذين يموتون من الجوع أعلى بكثير، حيث يعيش العديد من النازحين من الفاشر بعيدًا عن عيادتنا، وغير قادرين على الوصول إليها".

وأوضحت حسين أنها "عرفت 19 امرأة توفين أثناء المخاض في الأسبوعين الأولين من شهر يوليو وحده"، لافتة إلى أنه "لا يزال المزيد من الناس يموتون بسبب الجروح غير المعالجة التي أصيبوا بها خلال القتال الدائر في محيط مخيمي اللاجئين بالقرب من الفاشر (مخيم أبو شوك ومخيم زمزم)".

ولا يصل الكثير من الفارين إلى بلدة طويلة، إذ أنهم يموتون وهم يسلكون الطريق الطويل والمرعب من الفاشر، عابرين العديد من الدروب التي تمر عبر القرى المحترقة، والتي تستهدفها ميليشيات مسلحة.

وقالت هديل إبراهيم (25 عامًا)، والتي دخلت ابنتها ريتال البالغة من العمر عامين إلى العيادة بسبب سوء التغذية، مما جعلها غير قادرة على المشي: "تركت زوجي في الفاشر وهربت إلى هنا مع طفلتي". 

وزادت: "كانت طفلة نشيطة تركض وتلعب مع الأطفال الآخرين.. انظروا إلى حالها الآن. ليس لدي مال ولا توجد وظائف أو أعمال هنا".

من جانبها، أوضحت عمة إبراهيم، التي فرت من الفاشر قبلها، وطلبت عدم الكشف عن هويتها: "لا يوجد طعام هنا، ومحظوظ من يحصل على وجبة واحدة في اليوم"، مردفة: "كانت لدينا حياة هانئة في الفاشر، والآن فقدنا كل شيء".

وحسب الصحيفة البريطانية، فإن مدينة طويلة وقعت تحت حصار دام لأشهر من قبل قوات الدعم السريع، حيث كانت المنطقة مسرحًا لمعارك عنيفة في العام الماضي، وهي أقرب مكان آمن للاجئين الذين تمكنوا من الفرار عبر البوابة الغربية للفاشر، طريق الخروج المفتوح الوحيد للمدينة.

"جحيم على الأرض"

وفي وقت سابق من هذه السنة، غادرت وكالات الأمم المتحدة وكل المنظمات غير الحكومية الدولية، باستثناء منظمة أطباء بلا حدود، الفاشر بسبب انعدام الأمن.

وفي هذا المنحى، وصف نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، توبي هاروارد، الوضع في طويلة والفاشر والبلدات المجاورة بأنه "كارثة إنسانية" تتفاقم يوميا.

وقال هاروارد الذي زار المنطقة مؤخرا: "مئات الآلاف من الأبرياء في خطر داهم. والمنطقة بأكملها أشبه بالجحيم على الأرض".

وفي أغسطس، قالت منظمة أطباء بلا حدود، إن اثنتين من شاحناتها التي تحمل إمدادات للأشخاص في مخيم زمزم، أوقفتهما قوات الدعم السريع في كبكابية، غربي طويلة، مما منع عمال الإغاثة من إكمال رحلتهم.

وفي المقابل، قال مستشار من قوات الدعم السريع، إن الشاحنات "سُمح لها بمغادرة كبكابية لاحقا، لكنها علقت نتيجة للظروف السيئة على الطريق إلى الفاشر بسبب موسم الأمطار".

كما وجهت اتهامات للجيش السوداني بـ"وضع العراقيل" أمام المساعدات، وفق تقرير صحيفة "غارديان".

ففي فبراير، أمر الجيش السوداني وكالات الإغاثة بالتوقف عن استخدام معبر أدري في تشاد لنقل المساعدات إلى دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في الغالب. 

وفي الشهر الماضي، ألغى الأمر مؤقتًا لمدة 3 أشهر، لكن وكالات الإغاثة تقول إن "جزءًا ضئيلًا فقط من المساعدات المطلوبة يصل".

وذكرت الصحيفة البريطانية أنها حاولت الحصول على تعقيب من الجيش السوداني، دون أن تتمكن من ذلك، بيد أن القوات المسلحة السودانية نفت سابقا "عرقلة" تسليم المساعدات الإنسانية.