شوهدت حشود وهي تغادر المدينة بعد تقارير عن احتداد النزاع في ود مدني
شوهدت حشود وهي تغادر المدينة بعد تقارير عن احتداد النزاع في ود مدني

على نحوٍ اعتبر مراقبون أنه "يتقاطع مع النزعة القومية التي عُرفت بها ولاية الجزيرة بوسط السودان"، تصاعدت مؤخرا دعوات بصورة مكثفة إلى "ضرورة تكوين قوة عسكرية شعبية، تعمل على طرد قوات الدعم السريع، ثم تخطط لحكم الولاية ذاتيا".

وبسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، في 18 ديسمبر الماضي، بعد انسحاب الجيش من المدينة التي تقع على مسافة 180 كلم جنوب الخرطوم، قبل أن تتمدد في معظم مدن وقرى الولاية.

وأصدر قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، قرارا بتكليف القائد الميداني بالدعم السريع، أبو عاقلة كيكل، الذي ينتمي إلى ولاية الجزيرة، حاكما على الولاية، بعد أن كانت تدار بحكومة داعمة للجيش السوداني.

وكون الجيش السوداني، في 19 ديسمبر الماضي، لجنة للتحقيق في ملابسات وأسباب انسحاب قواته من مدينة ود مدني، لكنه لم يعلن نتائج التحقيق حتى الآن.

انتهاكات وتعديات

أفرز دخول قوات الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة، موجة من الانتهاكات طالت عددا من المدن والقرى، وأجبرت النازحين الذين وفدوا إلى الولاية من الخرطوم، للنزوح مجددا إلى ولايات أخرى، بحسب لجنة محامي الطوارئ السودانية.

وعلقت وكالات الأمم المتحدة والمجموعات الإنسانية الرئيسية، عملها في مدينة ود مدني الاستراتيجية، التي كانت ملاذاً لمئات الآلاف من النازحين، إذ نزح إليها نصف مليون شخص وفق أرقام الأمم المتحدة.

ويرى عضو غرفة الطوارئ في مدينة الحصاحيصا، منذر عثمان، أن "معظم مواطني ولاية الجزيرة يشعرون أن الجيش السوداني تركهم يواجهون مصيرا قاسيا، ولم يعمل على طرد مليشيا الدعم السريع التي ارتكبت عمليات نهب وسلب وقتل في عدد من مناطق الولاية".

وقال عثمان في اتصال هاتفي مع موقع الحرة، عبر خدمة "ستار لينك" من مدينة المناقل، إن "معظم قرى ولاية الجزيرة تعرضت للنهب والانتهاكات بواسطة الدعم السريع، مما أضطر غالبية المواطنين إلى النزوح إلى مدينة المناقل".

ويسيطر الجيش على مدينة المناقل الواقعة جنوب غرب مدينة ومدني. وتحولت المدينة إلى وجهة جديدة لآلاف النازحين من جحيم الحرب، بحسب لجنة محامي الطوارئ.

وتابع عثمان "أنا مثل غيري، وصلت إلى المناقل هربا من انتهاكات مليشيا الدعم السريع. وحينما نذهب إلى قيادة الجيش في المدينة ونطلب منهم التحرك لمواجهة المليشيا، يقولون إنه لم تصلهم توجيهات من قادتهم بالقتال".

وأضاف "ربما لذلك تصاعدت الدعوات بضرورة تكوين قوة شعبية لمواجهة مليشيا الدعم السريع وطردها من الولاية".

وبحسب مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فر ما لا يقل عن 250 ألف شخص مؤخرا من ولاية الجزيرة وعاصمتها.

وأعلن المرصد المركزي لحقوق الإنسان، في السودان، أن "قوات الدعم السريع اجتاحت 53 قرية في ولاية الجزيرة، مما أدى لمقتل 46 من المدنيين، وإصابة أكثر من 90 آخرين، ونهب مئات الممتلكات والسيارات، تزامنا مع استمرار انقطاع الاتصالات عن الولاية لنحو شهر".

حملات إعلامية

ونشر ناشطون في منصات التواصل الشبكي، دعوات "لتكوين قوات درع الجزيرة"، وحثوا أبناء الولاية العاملين في خارج السودان "للمساعدة في توفير الدعم المالي، للعمل على طرد مليشيا الدعم السريع من الولاية".

وبرأي محمد الزين، وهو أحد مواطني المناقل، فإن "عمليات تكوين درع الجزيرة بدأت فعليا، مشيرا إلى أنه "جرى تشكيل كتيبة باسم الزبير بن العوام، برعاية زعيم قبيلة الكواهلة، لمواجهة مليشيا الدعم السريع، ولتحديد مصير الولاية في المستقبل، سواء بالحكم الذاتي أو حتى الانفصال".

وقال الزين لموقع الحرة، إن "هناك حالة من الغبن وسط مواطني الجزيرة، بعد أن تصاعدت انتهاكات المليشيا، تجاه المواطنين العزل الذين لا يملكون أي سلاح ولا يعرفون التعامل معه أصلا".

وأضاف "وجدت الحملة تفاعلا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة لدى المغتربين بالخارج، كما تفاعل معها الشبان في الداخل، مما سهل الشروع فعليا في تدريب الراغبين في التطوع لقتال المليشيا".

وروج أعضاء في متلقى نهضة مشروع الجزيرة، وناشطون في منبر أبناء الجزيرة، وكيانات أخرى، دعوات على صفحات رسمية بمنصات التواصل الاجتماعي "لأهمية تكوين قوات درع الجزيرة".

وحاول موقع "الحرة" الحصول على تعليق من الناطق الرسمي باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، ولكن لم يصلنا أي رد حتى نشر هذا التقرير.

في المقابل، استغرب الخبير الاستراتيجي، عمر جمال، صدور الدعوات المنادية بتكوين قوات شعبية منفصلة عن الجيش، وأشار إلى أن "ذلك سيضع الولاية أمام مخاطر كبيرة في المستقبل"، على حد تعبيره. 

وقال جمال، وهو ضابط سابق بالجيش السوداني، لموقع الحرة، إن "قائد الجيش فتح الباب رسميا أمام الشباب الراغبين في التطوع بالقتال إلى جانب الجيش، وهذا يعني أنه لا حاجة إلى تكوين قوة منفصلة، وعلى الراغبين في التصدي للمليشيا أن ينخرطوا في المسعكرات التي خصصها الجيش لهذا الغرض".

وأضاف "الدعوات لتكوين مثل هذه القوات الشعبية المقاتلة ستقود لبروز أصوات تنادي بالحكم الذاتي أو الانفصال، ولو في المستقبل، وهذا ليس من مصلحة الولاية المشهود لها بأنها جامعة لكل المكونات القبلية في السودان".

وأشار الخبير الاستراتيجي، إلى أن "الجيش لم يترك مواطني الجزيرة نهبا لتعديات مليشيا الدعم السريع، ويقوم بعمليات قصف جوي مركزة على مواقع تمركزها في الولاية، مما أدى لتدمير عدد من عرباتها القتالية، ومقتل أعداد ضخمة من منسوبيها".

وأضاف: "الجيش يحاصر المليشيا في ولاية الجزيرة من جهات مدينة سنار "جنوب" ومن اتجاه المناقل "جنوب غرب"، ويعمل بتخطيط دقيق لتنفيذ عملية برية شاملة لطرد المليشيا من ولاية الجزيرة".

وكانت السفارة الأميركية حذّرت في ديسمبر الماضي، من أن "التقدم المستمر لقوات الدعم السريع يهدد بوقوع خسائر هائلة بين المدنيين وتعطيل كبير لجهود المساعدة الإنسانية".

وأشارت إلى أن تقدم قوات حميدتي "تسبب بالفعل في عمليات نزوح واسعة النطاق للمدنيين من ولاية الجزيرة، وأدى لإغلاق الأسواق في ود مدني التي يعتمد عليها كثيرون".

من جانبه، نفى عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، إبراهيم صديق، "تورط قواتها في الانتهاكات الممنهجة على المدنيين"، واتهم في الوقت ذاته "عناصر نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير بالضلوع في تلك الانتهاكات".

وقال صديق لموقع الحرة، إن "هناك بعض التجاوزات التي حدثت من متفلتين داخل صفوف الدعم السريع، وتم التعامل معها وحسمها بعد توجيهات القائد حميدتي، وما يحدث في الجزيرة من صنائع عناصر نظام البشير البائد".

ولفت إلى أن "قوات الدعم السريع تلقت بلاغا من المواطنين بمنطقة كترة، الواقعة جنوب مدينة أبو قوتة بولاية الجزيرة، تفيد بوجود مجرمين يمارسون النهب والسلب، وأرسلت قوة اشتبكت مع المجرمين".

وأضاف "أدت الاشتباكات التي جرت يوم الثلاثاء، إلى مقتل 20 من المجرمين، بينما فقدت قواتنا قائد القوة واثنين من عناصر الدعم السريع، وهذا أكبر دليل على أن قواتنا ليس لها أي علاقة بما يجري في الجزيرة من انتهاكات". 

ونددت هيئة شؤون الأنصار، المرجعية الدينية لحزب الأمة القومي، في بيان الاثنين، "باجتياح قوات الدعم السريع لعدد من قرى ولاية الجزيرة"، وأشارت إلى "أن هجمات الدعم السريع تسببت في مقتل عدد كبير من المدنيين".

ووصفت الهيئة "العدوان على الرجال والنساء والأطفال والممتلكات في قرى ولاية الجزيرة بالبشع".

وبدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عز الدين المنصور، أن "ولاية الجزيرة تعرضت لأسوأ موجة انتهاكات بواسطة عناصر قوات الدعم السريع الذين لا يفرقون بين رجل إو امرأة أو طفل".

وقال المنصور لموقع الحرة، إن "حجم الانتهاكات لا يوصف، وعدد القتلى من المدنيين يفوق المئة، بينما يكتفي الجيش بالقصف الجوي على قوات الدعم السريع، دون تنفيذ أي عملية برية، على الرغم من مرور شهرين على دخول الدعم السريع إلى الولاية".

وأشار إلى أن "أي اتجاه لتشكيل قوة شعبية خارج إطار الجيش، سيجعل السلاح ينتشر بكثافة في أيدي المواطنين، وستصعب السيطرة عليه، مما يهدد الاستقرار مستقبلا في الولاية".

ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "أفضل خيار لإنهاء الحالة التي تتعرض لها ولاية الجزيرة وكل السودان، يكمن في تعجيل التفاوض لإنهاء الحرب"، وقلل "من الأصوات الداعية إلى الحكم الذاتي بالجزيرة".

وأضاف أن "طبيعة ولاية الجزيرة لا تسمح بالانفصال أو حتى الحكم الذاتي، لكونها ولاية وسطية، ولا تطل على أي منفذ بحري، كما أنها لا تجاور أي دولة خارجية".

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.

وفي السابع من فبراير، أطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نداء لتقديم دعم دولي بقيمة 4.1 مليار دولار للمدنيين المحاصرين في السودان، وسط مؤشرات على أن البعض ربما يموتون جوعا، بعد ما يقرب من عام من الحرب.

وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، وإن الأموال المطلوبة ستخصص لمساعدة ملايين المدنيين في السودان وغيرهم ممن فروا إلى الخارج.

دخان يتصاعد إثر اشتباكات بالعاصمة السودانية الخرطوم (رويترز)
دخان يتصاعد إثر اشتباكات بالعاصمة السودانية الخرطوم (رويترز)

إما "حكومة تصريف أعمال" أو "حكومة حرب".. هكذا وصف قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الحكومة الجديدة التي يعتزم تشكيلها، إلا أن طبيعة هذه الحكومة ومن قد يشاركون فيها لا تزال غير واضحة، خاصة في ظل استمرار القتال الذي أفضى إلى مكاسب عسكرية للجيش خلال الأسابيع الأخيرة.

وقال البرهان إن هذه الحكومة ستضم "كفاءات وطنية مستقلة"، وحدد مهمتين رئيسيتين لها، الأولى تتمثل في "وضع أسس لاستكمال المرحلة الانتقالية والإعداد للانتخابات"، والثانية تتعلق بـ"المساعدة في إنجاز العمليات العسكرية المتبقية وتطهير البلاد من المتمردين"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

وأكد قائد الجيش في كلمة ألقاها في مدينة بورتسودان، أن تشكيل الحكومة سيسبقه وضع "وثيقة دستورية"، متعهدا بـ"عدم التدخل في صلاحيات رئيس الوزراء المرتقب".

أما فيما يخص التفاوض مع قوات الدعم السريع، فقد اشترط "انسحابها من الخرطوم وغرب كردفان ودارفور، وتجمعها في مراكز محددة قبل أي مفاوضات".

ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربا مدمرة بين البرهان وحليفه السابق محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، حيث استعاد الجيش مؤخراً مساحات واسعة من العاصمة الخرطوم ومحيطها.

واستعاد الجيش، خلال الأسابيع الأخيرة، مساحات واسعة من العاصمة الخرطوم ومحيطها، سيطرت عليها قوات الدعم السريع لحوالي عامين.

وأثار إعلان البرهان ردود فعل متباينة في الأوساط السودانية، حيث انقسم كثيرون بين "متفائل" بإمكانية إحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي للبلاد التي مزقتها الحرب، و"متشكك" في جدية هذه الخطوة وأهدافها الحقيقية.

المحلل السياسي محمد محي الدين، يرى أن إعلان تشكيل حكومة انتقالية برئاسة مدنية "يأتي في سياق مهم، حيث يواجه السودان ضغوطاً داخلية وخارجية تتعلق بمخاوف من استغلال العسكريين للحرب الحالية للسيطرة على السلطة".

ويوضح في تصريح لموقع "الحرة"، أن إعلان اختيار رئيس وزراء مدني من التكنوقراط يمثل "مؤشراً إيجابياً يؤكد التزام القوات المسلحة بمسار الانتقال نحو الديمقراطية، وذلك من خلال تفويض إدارة الشأن العام لحكومة مدنية".

ويشير المحلل إلى أن أهمية هذه الخطوة تكمن في "نفي الجيش أي شبهات حول استغلال الحرب لتمكين طرف معين أو تعزيز سيطرة العسكريين على السلطة"، معتبرا أن هذا "يصب في اتجاه تحقيق تطلعات الشعب السوداني نحو تحول ديمقراطي يفضي إلى انتخابات عامة، بعد انتهاء الفترة الانتقالية".

وقال البرهان إنه ستكون هناك "تعديلات على الدستور المؤقت للبلاد"، مضيفا أنه "بعد إجازة الوثيقة الدستورية سيتم اختيار رئيس وزراء ليقوم بمهامه في إدارة الجهاز التنفيذي للدولة دون أي تدخل".

ودعا البرهان أعضاء تحالف (تقدم) المدني، إلى "الابتعاد عن قوات الدعم السريع"، موضحا أنهم سيكونون "محل ترحيب مرة أخرى إذا فعلوا ذلك".

عضوة الهيئة القيادية بتنسيقية "تقدم"، عبلة كرار، تقول إن المبادرة السياسية المطروحة "تغفل واقع الحرب الدائرة في السودان، والتي لم تنته بعد"، حيث لا تزال العديد من المناطق تقع تحت وطأتها.

وتؤكد كرار في تصريح للحرة، أنه "لا يمكن في ظل هذه الظروف الحديث عن تشكيل حكومات أو استقرار"، معتبرة أن "الأجدى أن يذهب طرفا الصراع أولا نحو التفاوض لإنهاء النزاع، ثم يتم إطلاق عملية سياسية تشمل الجميع، دون أي إقصاء".

وبعد تراجع الجيش لفترة طويلة في الحرب أمام قوات الدعم السريع، تمكّن في الأسابيع القليلة الماضية من إحراز تقدم في العاصمة الخرطوم على عدة محاور، واقترب من القصر الرئاسي ذي الدلالة الرمزية المهمة والواقع على ضفة النيل.

وتراجعت قوات الدعم السريع، التي قالت إنها "ستدعم تشكيل إدارة مدنية"، بعد أن تفوّق عليها الجيش بقدراته الجوية الواسعة وقواته البرية المدعومة بمسلحين متحالفين معه.

وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم غربي السودان، وتكثف حملتها لتعزيز سيطرتها على دارفور بالاستيلاء على مدينة الفاشر. واستبعد البرهان في كلمته، وقف إطلاق النار، خلال شهر رمضان، ما لم توقف قوات الدعم السريع حملتها.

في هذا السياق تقول كرار، إن شكل العملية السياسية المعلن عنها "لم يتشكل على الطرق الصحيحة، بأن يكون نتاج مشاورات بين مختلف الأطراف وأيضا وفقا لتراتبية".

وقالت إن  المبادرة جاءت في "الوقت الخطأ"، إذ أن المساعي في التوقيت الراهن يجب أن "تُوجه نحو إسكات صوت البنادق ووقف إطلاق النار".

واندلعت الحرب في أبريل 2023 بسبب خلافات حول الدمج بين الجيش وقوات الدعم السريع، بعد التعاون معا في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.

وبشأن ما إن كانت فكرة توحيد المؤسسة العسكرية لا تزال مطروحة في الوقت الراهن، ترى كرار أن الأمر "ضروري وحيوي من أجل ضمان وحدة السودان وأمن السودانيين".

وتوضح أنه رغم التقدم العسكري لقوات الجيش، فإن "المواطنين لا يزالون غير قادرين على العودة بأمان" نحو مناطقهم التي تسمى بـ"المحررة"، في ظل "غياب كل مقومات الحياة وغياب الأمن، مما يستدعي التوافق حول آليات سلمية تنهي الحرب قبل الانتقال نحو إجراءات تشكيل حكومة واقتراح مسار سياسي معين".

على صعيد آخر، يقول الكاتب والصحفي السوداني، عثمان ميرغني، إن تشكيل الحكومة الجديدة كان محل انتظار من القوى السياسية والمجتمعية لسنوات، حيث ظل البرهان يكرر وعوده بتشكيل حكومة وتعيين رئيس للوزراء.

ويضيف في تصريح لموقع "الحرة"، أنه "منذ بداية العام الحالي، تم توجيه دعوة رسمية لطيف واسع من القوى السياسية والمجتمعية المؤيدة للبرهان، للمشاركة في مشاورات بمدينة بورتسودان، والتي أفضت إلى توافق حول وثيقة لإدارة مرحلتين: تأسيسية ثم انتقالية بعد انتهاء الحرب".

ويشير  المتحدث ذاته، إلى أن تسلم البرهان للوثيقة "أثار ضجة كبيرة، خاصة عندما بدأ في كلمته ما يشبه الهجوم على حزب المؤتمر الوطني، ومهادنة بعض المجموعات الأخرى".

ويتوقع ميرغني أن "يستخدم البرهان ورقة تشكيل الحكومة لتحقيق هدفين: كسب المزيد من الوقت، وضمان ولاءات سياسية ومجتمعية جديدة في محاولة لتعزيز قبضته على السلطة".

"خارطة طريق" من 5 محاور

في أعقاب خطاب البرهان في بورتسودان، أصدرت وزارة الخارجية السودانية، الإثنين، بياناً طرحت فيه "خارطة طريق" للخروج من الأزمة الراهنة في البلاد.

وأعلنت الوزارة، أن هذه "الخارطة" جاءت "بعد مشاورات واسعة مع القوى الوطنية والمجتمعية"، وعقب النجاحات التي حققتها القوات المسلحة والقوات المشتركة والمساندة في مختلف المناطق.

وتضمنت خارطة الطريق 5 محاور رئيسية؛ في مقدمتها "اشتراط وضع السلاح وإخلاء الأعيان المدنية كشرط مسبق لأي محادثات مع المتمردين، مع رفض أي دعوة لوقف إطلاق النار قبل رفع الحصار عن الفاشر".

وأكدت الخارطة على "إطلاق حوار وطني شامل لكل القوى السياسية والمجتمعية"، مع الترحيب بـ"كل من يتخذ موقفاً وطنيا وينأى بنفسه عن المعتدين".

كما نصت على تشكيل "حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة لاستئناف مهام الفترة الانتقالية، إلى جانب إجراء التعديلات اللازمة في الوثيقة الدستورية وتعيين رئيس وزراء مدني لإدارة الجهاز التنفيذي دون تدخل".

وشددت الخارطة على "ضمان حرية الرأي والعمل السياسي دون المساس بالثوابت الوطنية، مع التأكيد على حق كل مواطن في الحصول على جواز السفر".

حرب السودان: المرتزقة واللاجئون وضحايا الغارات
حرب السودان: المرتزقة واللاجئون وضحايا الغارات
ناقشت هذه الحلقة تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” الذي كشف عن وجود مرتزقة من كولومبيا يقاتلون في صفوف قوات الدعم السريع. كما تناولت الأوضاع الإنسانية والاخبار التي تتحدث عن غارات تستهدف معسكرات النازحين والمناطق المدنية في دارفور.

واختتمت الوزارة بيانها، بدعوة المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لـ"دعم خارطة الطريق باعتبارها تمثل توافقاً وطنياً لإرساء السلام والاستقرار في البلاد واستكمال مهام الانتقال".

في هذا السياق، يقول ميرغني إن بيان خارطة الطريق "لا يحمل جديداً، حيث سبق طرح محاورها في مؤتمرات وخطابات سابقة"، مشيراً إلى أنها تحتوي على "بنود عامة تفتقر إلى التفاصيل".

غير أنه يشير إلى أن "الجزء الأهم والمتعلق بتشكيل الحكومة، يظل محل خلاف كبير بين القوى السياسية التي لم تشارك في مشاورات بورتسودان".

من جانبه، يرى محي الدين أن الخارطة "امتداد للخطط السابقة وتتوافق مع مخرجات منبر جدة، خاصة فيما يتعلق بانسحاب القوات من المناطق المدنية".

وفيما يتعلق بتوقيت الإعلان عن هذه الخطوة المزدوجة بكلمة البرهان عن الحكومة الجديدة وإصدار الخارجية لخارطة الطريق، يرى محي الدين أنه "يعكس استشعار الحكومة لقرب انتهاء العمليات العسكرية والقضاء على الميليشيات، مما دفعها للتمهيد لمرحلة ما بعد الحرب، عبر إرسال رسائل سياسية واضحة لكافة الأطراف".

ويلفت إلى أن هذا التطور "يتزامن مع نشاط سياسي ملحوظ، حيث قامت بعض القوى والأحزاب السياسية والمكونات المجتمعية بعقد اجتماعات وتقديم رؤيتها حول عملية الانتقال، في نفس يوم خطاب رئيس مجلس السيادة".

ويعتبر المحلل أن هذا التزامن "يؤكد إدراك القيادة العسكرية لطبيعة تحديات المرحلة الانتقالية، وحرصها على العمل مع القوى السياسية الداعمة لها لتحقيق هدفين رئيسيين: القضاء على الميليشيات والشروع في عملية سياسية انتقالية تمهد للتحول المدني الديمقراطي".

وتتهم جماعات حقوقية، الجيش والميليشيات المتحالفة معه، بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القانون وخطف وتعذيب جسدي ونفسي، لا سيما استهداف المجتمعات المشتبه في وجود صلات لها بقوات الدعم السريع.

كما وردت تقارير عن استهداف مدنيين على أساس عرقهم في المناطق التي يسيطر عليها الجيش.

ووردت اتهامات متكررة أيضا ضد قوات الدعم السريع، تتعلق بارتكاب انتهاكات بينها جنسية وأخرى متعلقة بالعنف العرقي، مما دفع الولايات المتحدة إلى اتهامهم رسميا في 7 يناير بارتكاب "إبادة".