حرب واسعة تدور بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي
حرب واسعة تدور بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي

في أحدث تطور في ميدان القتال بالسودان، نشرت منصات إعلامية تابعة لقوات الدعم السريع مقاطع فيديو، قالت إنها لطائرات مسيرة تستهدف عددا من المقرات العسكرية للجيش.

في المقابل، ذكر قادة بالجيش، أن الطائرات من دون طيار أفشلت هجومين متتالين لقوات الدعم السريع، يومي الاثنين والثلاثاء، على مقرات عسكرية حيوية في الخرطوم بحري، مما يؤكد تصاعد اعتماد الطرفين على الطائرات المسيرة، وفق مختصين.

ويتنافس الجيش وقوات الدعم السريع على توظيف الطائرات من دون طيار في عمليات الاستطلاع وجمع المعلومات، وفي استهداف مواقع الطرف الآخر، وتمركزات قواته.

دقة التصويب

ويرى الخبير العسكري السوداني، الطيب نعمان، أن "اتجاه الجيش لاستخدام الطيران المسير، يعود لحرصه على عدم الإضرار بالمدنيين والمنشآت المدنية، لأن الحرب تجري وسط الأحياء والشوراع، وكما هو معلوم، فالطيران المسير دقيق التصويب".

وقال نعمان، وهو ضابط سابق بسلاح الطيران، لموقع الحرة، إن "الجيش استخدم سلاح الطيران منذ الساعات الأولى لحرب 15 أبريل، مما أفشلل عمليات الهجوم الكاسح التي كانت تشنها قوات الدعم السريع على مقرات الجيش، بما في ذلك قيادته الرئيسية وسط الخرطوم".

ولفت إلى أن "الجيش وظف طائرات "زاجل" المصنوعة محليا، بجانب طائرات استطلاع أخرى خصصت لرصد تمركزات قوات الدعم السريع، تمهيدا لضربها بواسطة طائرت ميغ وسوخوي، وكذلك لإفشال هجمات الدعم السريع".

وذكر رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة، لسان حال الجيش، العميد إبراهيم الحوري، أن "الطيران المسير أفشل الثلاثاء، هجوم قوات الدعم السريع على مقر سلاح الإشارة في الخرطوم بحري، وكذلك هجومها على مدينة الفاو شرق السوداني.

وفي المقابل، يشير الباحث في الدراسات العسكرية السودانية، عبد المنعم خلف الله، إلى أن "قوات الدعم السريع حصلت على مجموعة من الطائرات المسيرة، واستهدفت فعليا عددا من المقرات العسكرية التابعة للجيش مثل منطقة وادي سيدنا العسكرية ومعسكر المرخيات في أمدرمان".

وقال خلف الله لموقع الحرة، إن "قوات الدعم السريع، بخلاف الجيش، تستخدم الطيران المسير كظهير مساعد حينما تقوم بالهجوم على المواقع العسكرية، ما يسهل عمليات دخولها البري والاستيلاء على بعض المواقع".

ولفت إلى أن "قوات الدعم السريع وظفت الطيران المسير كظهير في هجومها البري على مقر الكتيبة الاستراتيجية ومصنع اليرموك وسط الخرطوم، مما مكنها من الاستيلاء على المقوقعين المهمين".

ونشر مستشار قائد قوات الدعم السريع، عمران عبد الله، على صفحته في منصة (إكس) مقطع فيديو، قال إنه "عملية نوعية استهدفت طائرة شحن في منطقة وادي سيدنا العسكرية"، في حين لم يصدر أي تعليق من الجيش.

ويسيطر الجيش على منطقة "وداي سيدنا" التي تقع في شمال أم درمان، وتعد من أهم القواعد العسكرية، كونها تضم قيادة سلاح الجو، وزادات أهميتها مع اندلاع المعارك الحالية في السودان.

ولعب سلاح الجو التابع للجيش دورا محوريا في العمليات القتالية الدائرة حاليا، إذ كثف طلعاته الجوية على تمركزات قوات الدعم السريع منذ الساعات الأولى لتفجر المعارك في 15 أبريل 2023.

ومنذ ذلك التاريخ، تحاول قوات الدعم السريع عبور جسر الحلفايا من ناحية الخرطوم بحري (شرقي النيل)، للوصول إلى منطقة "وادي سيدنا" العسكرية في أم درمان (غرب النيل)، لكن الترسانة العسكرية التي ينشرها الجيش صعّبت المهمة.

أطراف خارجية

ظهور الطائرات المسيرة بكثافة في سماء الخرطوم، وتصاعد رهان الطرفين عليها في العمليات العسكرية الهجومية والدفاعية، يطرح أسئلة بخصوص طريقة حصول الطرفين عليها، خاصة في ظل قرار مجلس الأمن الذي صدر في 2004 وقضى بحظر توريد السلاح إلى السودان، وفق مختصين.

ويشير نعمان إلى أن "الطائرات المسيرة لعبت دورا محوريا في سيطرة الجيش على مقر الإذاعة والتلفزيون الواقع في مدينة أم درمان، بعد أن كان تحت سيطرة الدعم السريع".

ولفت إلى أن "الجيش يستخدم طائرات مصنعة محليا في مجمع الصافات بمنظومة الصناعات الدفاعية السودانية، وكذلك في منطقة وادي سيدنا العسكرية وفي مصنع اليرموك".

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن "حصول الجيش على طائرات مسيرة أو أي أسلحة من الخارج أمر طبيعي، لأنه جهة سيادية تمثل الدولة السودانية، بخلاف قوات الدعم السريع، التي لا تملك صفة سيادية بعد صدور قرار من البرهان بحلها". 

وأضاف "ظلّ قادة الجيش السوداني يتهمون الإمارات بأنها توفر العتاد العسكري لقوات الدعم السريع، ولا أعتقد أن مثل هذه الاتهمات الخطيرة تصدر دون معلومات مؤكدة".

وبحسب تسجيل صوتي لقائد منطقة وادي سيدنا العسكرية، الفريق آدم هارون، فإن 7 طائرات مسيرة تمكنت من تدمير 18 عربة تابعة لقوات الدعم السريع، وقتلت جنود سرية، لحظة خروجهم من مقر الإذاعة والتلفزيون.

وكانت وكالة "بلومبرغ"، نقلت في يناير الماضي، عن ثلاثة مسؤولين غربيين أن الجيش السوداني تلقى شحنات من طائرة "مهاجر 6" وهي طائرة مسيرة مزودة بمحرك واحد، تم تصنيعها في إيران بواسطة شركة القدس للصناعات الجوية، وتحمل ذخائر موجهة بدقة.

سيارات ومبان متضررة في السوق المركزي بالخرطوم بحري
موجات هجوم أم "محاولات انتحارية".. ماذا يحدث بالخرطوم بحري؟
عادت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مدينة الخرطوم بحري، بعد أن شهدت المدينة حالة من الهدوء خلال الأيام الماضية، إذ تجددت الاشتبكات بين الطرفين في عدد من المحاور القتالية بالمدينة التي يفصلها النيل الأزرق عن العاصمة الخرطوم.

في المقابل، يقول خلف الله إن "قوات الدعم السريع تكونت بقانون صادر من البرلمان، وكانت جزءًا من الجيش السوداني، وتولى قائدها منصب نائب رئيس مجلس السيادة، وكل ذلك مكنها من نسج علاقات في الضوء مع عدد من الدول".

ولم يستبعد "وجود أطراف خارجية تمد طرفي القتال بالسلاح والطائرات المسيرة، خاصة أن المعارك الحالية شهدت دخول أنواع من الطائرات المسيرة فائقة الدقة، مصحوبة بتصوير عمليات التصويب".

وأضاف "ليس بالضرورة أن تحصل قوات الدعم السريع على دعم مجاني من دولة بعينها، لأن سوق شراء وتهريب الأسلحة منتعش في غرب أفريقيا، ويمكن لأي صاحب مال أن يشتري ما يريد من الأسلحة، ومعلوم أن قوات الدعم السريع تملك إمبراطوية مالية ضخمة من العمل في مجال تعدين الذهب".

ولفت إلى أن "بعض التقارير الإعلامية في دوريات أجنبية تتحدث عن مشاركة أوكرانيا في حرب السودان من خلال عمليات نوعية داعمة للجيش، كما أن قادة الدعم السريع يتهمون مصر بدعم الجيش أيضا".

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في أغسطس الماضي، أن "الإمارات ترسل أسلحة إلى قوات الدعم السريع"، كما أشارت في أكتوبر الماضي، إلى أن "مصر زودت أيضا الجيش السوداني بطائرات من دون طيار ودربت القوات على كيفية استخدامها".

وتنفي الإمارات رسميا إرسال أسلحة إلى قوات الدعم السريع.

وكان تقرير لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، ذكر في فبراير الماضي، أن معلومات ومقاطع فيديو أفادت أن قوات خاصة أوكرانية تعمل في السودان لدعم جيش البلاد ضد مرتزقة فاغنر الروس المتحالفين مع قوات الدعم السريع.

وبحسب "ذا غارديان"، أصدرت صحيفة "كييف بوست" مقطع فيديو قصيرا، قالت إنه جاء من مصادر داخل المخابرات العسكرية الأوكرانية المسؤولة عن العمليات السرية، ويظهر فيه سجين روسي أسير يتم استجوابه إلى جانب رجلين من أصل أفريقي.

وفي سبتمبر الماضي، ذكر تقرير لشبكة "سي إن إن" الأميركية، أنه من المحتمل أن تكون أوكرانيا استهدفت مواقع لقوات الدعم السريع في السودان، حيث تلقت دعما من مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة، في صراعها الذي تخوضه مع الجيش السوداني منذ أبريل الماضي.

وأوضحت الشبكة أن "القوات الخاصة الأوكرانية على الأرجح نفذت هجمات بطائرات مسيّرة، مستهدفة عناصر مدعومة من فاغنر قرب العاصمة السودانية"، مما يشير إلى توسع نطاق الحرب الأوكرانية.

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".