السودان يشهد حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023
السودان يشهد حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023

في انتقادات تعد الأولى من مسؤول رفيع بالجيش السوداني، حذر نائب القائد العام للجيش، شمس الدين كباشي، من "تسييس المعسكرات المخصصة لتدريب الشباب الذين تطوعوا للقتال إلى جانب الجيش"، وشدد على ضرورة "ضبط عمليات توزيع السلاح على المتطوعين".

وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، دعا في يناير الماضي "كل من يستطيع حمل السلاح إلى الانضمام لحماية البلاد من قوات الدعم السريع"، مما مهد الطريق لفتح معسكرات تدريب الشباب تحت اسم "المقاومة الشعبية".

لم يتوقف حديث كباشي، الذي كان يخاطب مجموعة من الجنود في مدينة القضارف، بشرق السودان، على أهمية وضع قانون ينظم عمل المقاومة الشعبية، وإنما مضى إلى أبعد من ذلك، وقال إن "المقاومة الشعبية يمكن أن تتحول إلى خطر يهدد أمن السودان، إذا لم يتم التعامل بالقانون في توزيع السلاح".

ما هدف الرسالة؟

تباينت التفسيرات بخصوص حديث نائب القائد العام للجيش، بين من يرى أنها محاولة لإظهار حياد الجيش تجاه المنظومات السياسية، وبين من يرى أنه رسالة موجهة إلى عناصر نظام الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، الذين تتهمهم قوى الحرية والتغيير بالسيطرة على المقاومة الشعبية.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، مرتضى نورين، أن "حديث كباشي رسالة واضحة إلى عناصر النظام السابق، لرفع أيديهم عن معسكرات المتطوعين".

وقال نورين لموقع الحرة، إن "عناصر نظام البشير سيطروا كليا على معسكرات وقيادة المقاومة الشعبية، ضمن مشروعهم للعودة إلى السلطة مجددا، لأن كتائب المقاومة الشعبية باتت لاعبا أساسيا في معادلة القتال، وصناعة القرار العسكري".

ولفت إلى أن "عددا من ولاة الولايات السودانية أصدروا قرارات بحظر نشاط عضوية تحالف الحرية والتغيير الذي كان يقود الاحتجاجات ضد نظام البشير، وسمحوا لحزب البشير الذي تم حله عقب الثورة السودانية بالعمل مجددا، مما يؤكد على أن معسكرات المقاومة الشعبية أُنشئت لأغراض سياسية وليست عسكرية".

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن "ما يدلل على أن الرسالة موجهة لعناصر النظام السابق، هو الهجوم الكثيف الذي صوبه ناشطون وصحافيون موالون للبشير على كباشي في مواقع التواصل الاجتماعي، عقب انتقاده المقاومة الشعبية".

مبادرات سابقة فشلت في ترتيب لقاء مباشر بين البرهان وحميدتي - أرشيفية
بعد إعلان 18 أبريل.. هل تنجح واشنطن في إحياء مفاوضات السودان؟
بعد نحو شهرين من توقف المحادثات التي جرت بين الجيش وقوات الدعم السريع، في البحرين، قال المبعوث الأميركي للسودان، توم بيرييلو، إن "الولايات المتحدة تتطلع إلى استئناف محادثات السلام بشأن السودان في السعودية في 18 أبريل المقبل"، ما أعاد النقاش مجدداً عن فرص نجاح التفاوض بين الطرفين، بعد سلسلة من الجولات الفاشلة.

في المقابل يشير المحلل السياسي، عز الدين المنصور، إلى أن "كباشي سعى لتوجيه رسائل إلى الخارج، تحديدا إلى الدول التي ترعى المفاوضات بين الجيش والدعم السريع، أكثر من كونه يريد فعلا إصلاح المقاومة الشعبية، وضبط عمليات التسليح".

وقال المنصور لموقع الحرة، إن "قادة الجيش متهمون بالوقوع تحت سيطرة قادة نظام البشير، وأن قرار الجيش ليس بيدهم وإنما بيد عناصر النظام السابق، ولذلك سعى كباشي لنفي هذه التهمة، قبل جولة المفاوضات المرتقبة في 18 أبريل المقبل".

وأشار إلى أن "كباشي رحب خلال خطابه بالتفاوض مع الدعم السريع، وفق شروط محددة، بينها الخروج من الأعيان المدنية وتعويض المواطنين، مما يدلل على أن موقفه الناقد للمقاومة الشعبية يهدف لتطمين رعاة التفاوض بأن الجيش ليس رهينة لقادة نظام البشير".

وكان المبعوث الأميركي للسودان، توم بيرييلو، أعلن الثلاثاء، أن "الولايات المتحدة تتطلع إلى استئناف محادثات السلام بشأن السودان في السعودية في 18 أبريل المقبل"، وذلك بعد أكثر من شهرين من آخر محادثات بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وسبق أن أجرى كباشي مفاوضات غير معلنة مع نائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في العاصمة البحرينية، المنامة، في يناير الماضي، لكن المفاوضات توقفت عقب تسريب معلومات عنها.

واتهمت قوى الحرية والتغيير عناصر نظام البشير "بتدبير حملة انتقادات وتخوين ممنهجة ضد كباشي، لقطع الطريق على مساعيه لإتمام التفاوض مع الدعم السريع"، بينما ينفي قادة بالنظام السابق التهمة.

"سيناريو الحرب الأهلية"

أبرز الانتقادات التي وجهها نائب القائد العام للجيش إلى المقاومة الشعبية، تمثلت في التحذير من أن تتحول إلى خطر يصعب السيطرة عليه، "حال لم يتم وضع ضوابط مشددة لعمليات توزيع السلاح على المتطوعين"، مما اعتبره مختصون "محاولة لتفادي سيناريو تأسيس الدعم السريع كقوة مساندة للجيش".

ويرى نورين أن "نظام البشير ظل يعتمد على الحشد الشعبي والمقاتلين المتطوعين لمواجهة حركات التمرد في جنوب السودان وكذلك في دارفور، مما أدى إلى ظهور كتاب الدفاع الشعبي ومليشيا الجنجويد ومليشيا الدعم السريع وغيرها، كقوات موازية للجيش".

ولفت إلى أن "تلك المليشيات أسهمت في إضعاف الجيش، لأن نظام البشير كان يطورها ويغذيها بالأسلحة مقابل إهمال الجيش، ولذلك تحولت إلى أزمة على نحو ما حدث مع قوات الدعم السريع، التي رفضت شروط الجيش لإدماج مقاتليها في صفوفه، مما أدى لنشوب الحرب في 15 أبريل الماضي".

كان نظام البشير أسس في تسعينيات القرن الماضي قوة باسم الدفاع الشعبي للقتال إلى جانب الجيش، كما أنشأ قوة باسم حرس الحدود يقودها الزعيم الأهلي في غرب السودان، موسى هلال، قبل أن تنبثق منها قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

وأضاف المتحدث ذاته "من غير المعقول أن يكرر الجيش ذات الخطأ ويسمح بتسليح كتائب المقاومة الشعبية دون رقيب أو ضابط، وربما لذلك أعلن الكباشي عن قانون لتنظيم المقاومة الشعبية".

بدوره، يرى المنصور، أن "كتائب المقاومة الشعبية يمكن أن تقود السودان إلى مربع الحرب الأهلية، لأن المعسكرات جرى إنشاؤها على أساس قبلي ومناطقي، إذ أقيمت في ولايات تقع وسط وشمالي وشرقي السودان، لمواجهة قوات الدعم السريع التي ينحدر قائدها ومعظم مقاتليها من غرب السودان".

وأشار إلى أن "أغلب الخطاب السائد في معسكرات المقاومة الشعبية ينطلق من أسس قبلية ومناطقية، ويهاجم قبائل الرزيقات والمسيرية والحوزامة، التي تعد الحاضنة الاجتماعية والقبلية لقوات الدعم السريع، مما ينذر بخطر التحشيد القبلي، كأحد أسباب الحرب الأهلية".

ولفت إلى أن "أكبر المخاطر تتمثل في أن تستغل الجماعات المتطرفة والإرهابية فكرة المقاومة الشعبية للتسلل إلى المعسكرات وإلى ميادين القتال لتنفيذ أنشطة إرهابية، تحت ستار المقاومة الشعبية".

وأضاف المتحدث ذاته أن "كتائب المقاومة الشعبية، إن لم تضع السودان أمام سيناريو الحرب الأهلية، فإنها ستتحول إلى مليشيا تابعة لنظام الرئيس السابق عمر البشير، مما يصعّب مهمة إنهاء الحرب والوصول إلى سلام، ما لم تمنح المفاوضات حزب البشير الذي تم حله الحق في ممارسة العمل السياسي".

وأودت الحرب في السودان بحياة 13 ألف شخص على الأقل، وفق تقديرات "مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها" (أكليد).

كما تسببت في نزوح ولجوء حوالي 8 ملايين شخص، وهي "أكبر أزمة نازحين في العالم"، وفق الأمم المتحدة.

ويعاني ما يقرب من 18 مليون شخص في أنحاء السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 48 مليون نسمة، من "الجوع الحاد"، كما يواجه أكثر من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع في المناطق الأكثر تضررا من الصراع، بحسب وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.

آثار دمار في مدينة الفاشر (أرشيفية من فرانس برس)
دمار في مدينة الفاشر السودانية (أرشيفية من فرانس برس)

قرابة 21 شهرا منذ اشتعال الحرب، والمشهد السوداني يزداد تعقيدا في ظل غياب الحلول السياسية، وسط تقارير أممية تشير إلى حدوث انتهاكات واسعة ضد المدنيين.

ويتبادل طرفا النزاع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الاتهامات حول استهداف البنى التحتية الأساسية مثل محطات الكهرباء والمياه والجسور، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية.

في الوقت ذاته، يأمل السودانيون التوصل لحلول سياسية شاملة، إذ يترقبون مبادرات دولية تهدف إلى إيجاد مناخ حوار بدلاً من الحرب المستمرة، وسط دعوات لوقف العنف وبدء عملية تفاوض جادة تؤدي إلى تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

الدبلوماسي الأميركي السابق والباحث في الشأن الأفريقي ديفيد شين قال لـ"الحرة" إن إدارة الرئيس بايدن السابقة قامت بالكثير من أجل انهاء النزاع في السودان لكن هذه الجهود لم تكن كافية.

ورغم أن الإدارة الاميركية الحالية لم تعين بعد مبعوثا جديدا لها للسودان، لكن شين توقع أن تبدأ الجهود الأميركية من جديد لإنهاء هذا النزاع.

تحقيق هذا الهدف، يضيف الدبلوماسي الأميركي السابق، يتطلب جهدا دوليا وألا يقتصر على الولايات المتحدة، مشيرا إلى وجود جهات بعضها فاعلة وتخدم هدف إنهاء الحرب، وأخرى "لا تلعب دورا مفيدا".

وتوقع شين أن تشهد إدارة الرئيس دونالد ترامب الجديدة دفعا أكبر للجهود، "سيما أن وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو مهتم جدا بالملف السوداني" موضحا أن إدراة ترامب الأولى اهتمت بالسودان ونجحت الجهود آنذاك في التطبيع بين السودان وإسرائيل في إطار "الاتفاقيات الابراهيمية".

سفير السودان في واشنطن لـ"الحرة": معاقبة البرهان خطأ ونتطلع لعهد ترامب
في مقابلة خاصة مع قناة "الحرة"، قال السفير السوداني لدى الولايات المتحدة، محمد عبد الله إدريس، إن العقوبات الأميركية على قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، "لا تستند إلى حقائق أو أدلة موثوقة".

رئيس حملة سودان المستقبل ومؤسس الحزب الليبرالي السوداني عادل عبد العاطي أشار إلى أن السودان يمر بأزمة هي "الأكبر في العالم" متوقعا أن تلعب إدارة الرئيس ترامب دورا أكبر، ووجه اللوم للإدارة الأميركية السابقة "في تعاطيها الذي لم يكن بحجم المأساة " وفق قوله.

وقال عبد العاطي "للحرة" إن الرئيس ترامب حريص على إنهاء الحروب في العالم، "ويمكن أن يكون له نجاح في الملف السوداني من خلال الضغط على طرفي النزاع".

لكن عبد العاطي أشار ايضا إلى أن دبلوماسية السلام يجب أن تشمل "العصا والجزرة" وأن لا تقتصر على فرض عقوبات على طرفي النزاع، بل أيضا وضع حلول سياسية والتفاوض بشأن المرحلة الانتقالية بعد إيقاف الحرب.

وشهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في السودان يوم الجمعة اشتباكات عنيفة دارت بين الجيش وقوات الدعم السريع عقب قصف الطيران الحربي التابع للجيش مواقع عدة تنتشر فيها قوات الدعم شمالي المدينة.

وفي الخرطوم اتهم متحدث باسم قوات الدعم السريع طيران الجيش بقصف مصفاة الجيلي للبترول شمالي الخرطوم، ما أسفر عن تدمير ما تبقى من منشآتها، فيما اتهم بيان للخارجية السودانية قوات الدعم السريع بحرق المصفاة.

وتقول تقارير أميركية إن القتال تسبب في مقتل نحو 150 ألف شخص منذ بداية الحرب في أبريل/نيسان 2023.