مسيحيون سودانيون في كنيسة
مسيحيون سودانيون في كنيسة

مثل غيرهم من السودانيين، واجه المسيحون في السودان فصولا من المعاناة بسبب الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكنهم دفعوا ثمنا آخر يتعلق بتدمير وتخريب طال عددا من مؤسساتهم الدينية والتعبدية، وفق ما ذكره مجلس الكنائس السوداني.

وأكد المجلس في بيان تدمير 17 كنيسة كليا، بجانب تعرض 153 كنيسة للاعتداء، قائلا إن أكثر من 3 آلاف شخص تعرضوا للاعتداء خلال ممارستهم العبادة بالكنائس. 

وفي ورقة بعنوان "التعديات على دور العبادة وآليات الحماية الدولية"، نشرتها وكالة السودان للأنباء، قال الأمين العام لمجلس الكنائس السوداني، عبد الله سردار، إن تكلفة إعادة إعمار الكنائس التى تم تدميرها تقدر بأكثر 9 ملايين دولار.

وفي 13 مايو الماضي، تعرضت كنيسة مار جرجس القبطية في حي المسالمة في أم درمان إلى هجوم من مسلحين، اقتحموا الكنيسة، وطالبوا الموجودين فيها بإرشادهم عن الذهب والنقد الأجنبي، وفق ما نقلته رويترز عن شاهدين.

وقال الشاهدان لرويترز إن المسلحين اقتادوا الكاهن أثناء الهجوم إلى منزله تحت التهديد بخنجر، قبل الاستيلاء على خزانة بها ذهب وأموال، كما سرقوا سيارة.

وأضاف الشاهدان أن المسلحون قاموا بتخريب مكاتب الكنيسة ومقر الأنبا صرابامون أسقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في السودان، الذي كان موجودا أثناء الهجوم وتعرض للضرب بكرسي وعصي.

ويتبادل الجيش وقوات الدعم السريع المسؤولية عن التعديات والقصف الذي طال عددا من الكنائس.

وفي حين يتهم الجيش قوات الدعم السريع بالوقوف وراء تلك الأحداث، يرد المتحدث باسمها أن الانتهاكات التي تطالب الكنائس تقف وراءها "جماعة إرهابية متطرفة تابعة للقوات الانقلابية".

تعصب ديني

ويرى الخبير القانوني السوداني، نبيل أديب، أن "التعديات التي تطال الكنائس والمسيحيين في السودان لا تتم على أساس تصنيف سياسي، وإنما تتم على أساس ديني".

وقال أديب، وهو أحد أبرز الأقباط في المجال القانوني والسياسي بالسودان، لموقع الحرة، إن "التعديات عل الكنائس تتم على أساس فهم مغلوط للإسلام، وتصدر من تعصب ديني".

وأشار إلى أن "عددا من مقاطع الفيديو التي جرى بثها على منصات التواصل الاجتماعي، وأظهرت تعرُّض بعض الكنائس إلى التعديات، قال مطلقوها إن المتورطين فيها أشخاص يرتدون أزياء قوات الدعم السريع".

ولفت الخبير القانوني إلى أن "ما جرى من تعديات وتخريب وتدمير للكنائس خلال الحرب الحالية لم يحدث طوال تاريخ السودان".

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة المسيحيين تقدر بـ3 في المئة من سكان السودان، البالغ عددهم نحو 45 مليون نسمة. ولكن قادة دينيين يقولون إن النسبة الحقيقية أكبر من ذلك، وفق فرانس برس.

وكان كبير أساقفة الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في السودان، حزقيال كندو، قال في بيان على فيسبوك، في مايو الماضي، إن "قوة من الدعم السريع اقتحمت الكنيسة وسرقت سيارة".

ونقلت رويترز، عن موظف بكنيسة مريم العذراء في الخرطوم، قوله إن "قوة من الدعم السريع اقتحمت الكنيسة وأجبرت الموظفين على المغادرة"، خلال شهر مايو الذي تعرضت فيه عدد من الكنائس لاعتداءات عدة.

اتهام الطرفين

يشير عمران جدعون، وهو أحد الشباب الذين يتطوعون لخدمة الكنائس في السودان، إلى أن "التعديات على الكنائس لا تقتصر فقط على قوات الدعم السريع"، مؤكدا "تعرض إحدى الكنائس في أم درمان إلى قصف بالمدفعية بواسطة الجيش السوداني".

وقال جدعون، لموقع الحرة، إن "أحد المشرفين على كنيسة الملازمين نشر مقطع فيديو عن تعرُّض الكنيسة للقصف بواسطة مدفعية الجيش السوداني، وذلك بعد لحظات من عملية القصف".

ولفت إلى أن "القصف طال كذلك المدرسة الإنجيلية السودانية العريقة، مشيرا إلى أن "انتهاكات الجيش التي طالت الكنائس تبدو أقل من التي تورطت فيها قوات الدعم السريع".

وكانت منظمة  التضامن المسيحي العالمي أكدت تعرض المدرسة التجارية الإنجيلية والمدرسة الثانوية الإنجيلية في أم درمان، وكذلك مقر الطريقة التبشيرية الكاثوليكية في منطقة الشجرة بالخرطوم إلى اعتداءات خلال الحرب.

وعقب سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة في ديسمبر الماضي، بث ناشطون مقطع فيديو يُظهر تعرُّض الكنيسة الإنجيلية في المدينة إلى الحرق.

واتهم الجيش قوات الدعم السريع بالتورط في الحادثة، وقال إن "المليشيا دمرت المكتبة الرئيسية بالكنيسة التي تحتوي على وثائق تاريخية يمتد عمرها لأكثر من قرن"، بينما ردت الأخيرة بأن "الكنيسة تعرضت إلى القصف بواسطة الطيران التابع للجيش".

وبحسب إحصاءات صادرة عن مجلس الكنائس السوداني، فقد طال التدمير والتخريب كنيسة مار جرجس المطرانية، وكنيسة الأسقفية المطرانية، وكنيسة العذراء مريم المطرانية، والكنيسة الإنجيلية.

وأدت العمليات الحربية والتعديات التي تعرضت لها بعض الكنائس في الخرطوم وأم درمان إلى توقف تلك الكنائس عن الأنشطة الدينية لنحو عام.

وعقب قيام الجيش بطرد قوات الدعم السريع من أحياء أم درمان القديمة فتحت بعض الكنائس أبوابها، إذ بث ناشطون مقاطع فيديو من داخل عدد من الكنائس.

وظهر في الفيديو المعلم سفين، معلم كنيسة مار جرجرس في أم درمان، مستعرضا عددا من التعديات التي طالت بعض الكنائس.

واتهم سفين الذي ظهر بجواره عدد من الأشخاص يرتدون أزياء الجيش، قوات الدعم السريع بتدمير بعض الكنائس في أم درمان.

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.

وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، من جراء تداعيات الحرب التي تدور في عدد من أنحاء البلاد.

أدى الصراع في السودان إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 12 مليون شخص
أدى الصراع في السودان إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 12 مليون شخص

أوقعت أعمال عنف ضد سودانيين 12 قتيلا خلال يومين في جنوب السودان، حيث عاد الهدوء النسبي خلال الساعات الـ24 الماضية، على ما أعلنت القوات الأمنية في البلاد التي تعاني انعداما مزمنا للأمن.

وقد تحولت تظاهرة في العاصمة جوبا احتجاجا على تقارير عن مقتل 29 مواطنا من جنوب السودان في ود مدني بولاية الجزيرة في السودان المجاور، مساء الخميس إلى عمليات نهب استهدفت محال تجارية مملوكة لمواطنين سودانيين.

وأطلقت الشرطة النار لتفريق التجمع، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة سبعة آخرين، وفرضت السلطات الجمعة حظر تجوال ليلي مع تمدد الاحتجاجات إلى مدن أخرى.

وقالت الشرطة في تقرير أصدرته السبت إن "تسعة أشخاص لقوا حتفهم في مدينة أويل" في شمال البلاد الجمعة، مشيرة إلى أن اثنين من جنوب السودان وسبعة سودانيين كانوا من بين الضحايا.

والجمعة أيضا، أصيب 13 شخصا من جنوب السودان بالرصاص في تبادل لإطلاق النار في أماكن مختلفة في جوبا، وفق الشرطة.

وقال الناطق باسم الشرطة جون كاسارا في بيان السبت إن الوضع الأمني "هادئ ومستقر نسبيا في كل أنحاء البلاد خلال الساعات الـ24 الماضية".

وعادت الأمور إلى طبيعتها في العاصمة بحلول المساء، باستثناء متاجر سودانية بقيت مغلقة، وسط انتشار كثيف لقوات الأمن.

ونقلت شرطة ولاية وسط الاستوائية 278 سودانيا، بينهم 35 طفلا، إلى أماكن آمنة. وفي العاصمة، لا يزال 551 سودانيا في ملاجئ آمنة.

ودعا الرئيس سلفا كير إلى "ضبط النفس".

الجيش السوداني سيطر على مدينة ود مدني المحورية - رويترز
المعارك تحتدم في السودان.. ماذا بعد حديث "القتال 21 عاما"؟
"سنقاتلهم 21 عاما".. هكذا توعد قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) الجيش السوداني، بعد اعترافه بخسارة مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة.

رأي محللون أن هذه الكلمات لا تعبر سوى عن حجم الهزائم التي تتلقاها قوات دقلو خلال الأسابيع الأخيرة أمام الجيش، وخصوصا في ولاية الجزيرة وسط البلاد، وفي الخرطوم أيضًا.

ويعيش السودان منذ أبريل 2023 حربا يتواجه فيها الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان مع قوات الدعم السريع بقيادة حليفه السابق الفريق أول محمد حمدان دقلو.

وقد أدى الصراع إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، ونزوح 12 مليون شخص، كما ترك مئات الآلاف تحت رحمة الجوع.

وتستضيف جنوب السودان عددا كبيرا من السودانيين المقيمين أو اللاجئين. وقد نالت البلاد استقلالها عن السودان المجاور عام 2011، وتعاني مذاك من عدم استقرار مزمن.

وفي عام 2013، انزلقت البلاد إلى حرب أهلية دامية بين سلفا كير ورياك مشار، ما أسفر عن مقتل أكثر من 400 ألف شخص ونزوح الملايين.

ورغم توقيع اتفاق السلام في عام 2018، لا تزال البلاد تعاني من صراعات على السلطة، مع استشراء الفساد والصراعات العرقية المحلية.

وأعلنت جنوب السودان العام الماضي تأجيل أول انتخابات في تاريخها الحديث لمدة عامين، والتي كان من المفترض أن تنهي الفترة الانتقالية المنصوص عليها في الاتفاق.

وأعلن وفد حكومي على تلفزيون جنوب السودان أنه غادر السبت إلى العاصمة الكينية نيروبي، حيث من المقرر أن تُستأنف محادثات السلام الاثنين مع جماعات مسلحة لم توقّع على اتفاق العام 2018.

ولا تزال هذه المفاوضات تراوح مكانها منذ اتفاق لوقف إطلاق النار في 2020 لم يتم احترامه.