السودان يعيد العلاقات مع إيران في ظل حرب شرسة بين الجيش وقوات الدعم السريع
الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع دخلت عامها الثاني - أرشيفية

موجة من الانتقادات الكثيفة طالت  السعودية، من ناشطين وإعلاميين سودانيين، على خلفية مقطع فيديو ظهر فيه عدد من عناصر قوات الدعم السريع، فيما قال متحدث في المقطع إنهم "يحتلفون بتدريبهم على استخدام أسلحة المدفعية والقنص في أحد المعسكرات بالسعودية".

وتشارك قوة من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ضمن التحالف الدولي الذي تقوده السعودية بمشاركة دول أخرى لمواجهة الحوثيين في اليمن.

وعقب انتشار مقطع الفيديو، اتهم ناشطون وإعلاميون سودانيون قيادة المملكة "بتدريب قوات الدعم السريع بدلا عن طردها من أراضيهم، أو تسليمها إلى السلطات السودانية"، مشيرين إلى أن قائد الجيش السوداني أصدر قرارا بحلها، "مما نزع عنها الشرعية".

في المقابل طالب ناشطون وإعلاميون وزارة الخارجية السودانية باستدعاء السفير السعودي لدى السودان، علي بن حسن جعفر، ومساءلته عن مقطع الفيديو.

وبعد تصاعد الحملة الناقدة للسعودية في مواقع التواصل الاجتماعي، تضاربت الأنباء بشأن موقف السلطات السودانية، إذ ذكرت منصات إعلامية مقربة من الجيش أن "وزارة الخارجية استدعت السفير السعودي ولم تعلن عن ذلك".

بينما أوردت صحف محلية أخرى أن وزارة الخارجية "استفسرت" من السفير السعودي عن محتوى الفيديو وتاريخ تصويره.

بدورها، ذكرت وكالة الأنباء السودانية، أن "المدير العام للعلاقات العربية والآسيوية بوزارة الخارجية، عمر عيسى، التقى السفير السعودي علي بن حسن جعفر".

ولم تشر الوكالة الرسمية إلى أن وزارة الخارجية السودانية استدعت السفير.

وبحسب وكالة السودان للأنباء، فإن "السفير السعودي أكد رفض بلاده استخدام أراضيها في أي نشاط يهدد السودان أو أي دولة شقيقة أخرى، أو الإساءة للقيادة السودانية أو أي مسؤول رسمي".

وذكرت الوكالة أن السفير السعودي أشار إلى أن مقطع الفيديو يعود لأربعة أشهر سابقة، وأن تصويره جرى عقب دورة تدريب أساسية يتلقاها الجنود المشاركون في قوات التحالف، لا تتضمن التدريب على المدفعية أو المسيرات أو الأعمال الطبية".

"غبن وأجندة سياسية"

ويرى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية، عبد المنعم مالك، أن "الانتقادات الموجة إلى السعودية من قبل إعلاميين سودانيين وناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، مردها إلى الغبن الشعبي الواسع تجاه انتهاكات الدعم السريع ضد المدنيين".

وقال مالك لموقع الحرة، إن "قطاعات واسعة من الشعب السوداني ممن تعرضوا إلى الانتهاكات من قبل الدعم السريع، ينظرون إلى أن كل من يساند تلك القوات، فهو يقف ضد الشعب السوداني، ولذلك كثفوا حملاتهم ضد السعودية".

ولفت أستاذ العلاقات الدولية إلى أن "حديث أحد المتحدثين في مقطع الفيديو عن أن قوات الدعم السريع الموجودة بالسعودية، جاهزة لدك معاقل الجيش السوداني، أجج المشاعر الناقدة للقيادة السعودية".

وتابع قائلا "صحيح أن هناك إساءات غير مبررة لحقت بالسعودية، لكن هذا لا يعفي قيادة المملكة من اتخاذ موقف صارم تجاه قوات الدعم السريع الموجودة على أراضيها، وفي الحد الأدنى أن تلزمها بالحياد، أو الصمت عن ما يجري في السودان". 

في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عز الدين المنصور، أن "الحملة الناقدة للسعودية على خلفية مقطع الفيديو، لا تخلو من غرض وأجندة سياسية".

وقال المنصور لموقع الحرة، إن "معظم الإعلاميين والناشطين الذين تصدروا الحملة الناقدة للسعودية، من منسوبي نظام الرئيس السابق عمر البشير وجماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية السودانية".

وأضاف قائلا "الذين ينتقدون السعودية لا يتحركون بسبب مقطع الفيديو، وإنما تحركهم أجندة سياسية خاصة بهم، وهؤلاء لن يتصالحوا مع السعودية، حتى إن لم يظهر مقطع الفيديو".

ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "السعودية لم تُظهر موقفا مساندا لقوات الدعم السريع بعد اندلاع الحرب الحالية، مع أنها تملك علاقة راسخة مع قائدها حميدتي، بل كانت أول دولة تسارع لطرح وساطة لوقف الحرب من خلال دعوة الجيش والدعم السريع إلى منبر جدة".

ومع تفجُّر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، نشطت سريعا مبادرة من السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، لإنهاء الحرب. ولاحقا انضم إلى المبادرة ممثلون عن الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومة للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد".

ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو الماضي، اتفاقا في مدينة جدة، برعاية من السعودية والولايات المتحدة، ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية".

مستقبل العلاقات

من جانبه يقول مالك إن "البلدين تمكنا من تفكيك الخلاف الذي نشب جراء مقطع الفيديو، بعدما نفى مسؤولون سعوديون أن تكون بلادهم قد دربت قوات الدعم السريع للمشاركة في القتال الدائر بالسودان".

ولفت إلى أن "السعودية أظهرت مواقف إيجابية في الأزمة السودانية الحالية، على عكس دول كان السودانيون يظنون أنها حريصة على أمنهم واستقرارهم، قبل أن يثبت أنها من أكبر الداعمين لقوات الدعم السريع، والمساندين لاستمرار الحرب".

وعقب تصاعد الحملات على السعودية، تبرأت وزارة الخارجية السودانية من "ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية".

وقالت الوزارة في بيان إنها "تابعت كتابات وتعليقات لكُتاب أعمدة وناشطين سودانيين في الوسائط الاجتماعية تتناول العلاقات السودانية السعودية بما لا يعبّر عن حقيقة موقف الحكومة والشعب السوداني تجاه المملكة".

وتابع البيان "ترفض وزارة الخارجية ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية، لا تشبه ما عرف به الشعب السوداني من تهذيب واحترام لأشقائه، وخاصة أصحاب السمو والفخامة والمعالي ملوك وأمراء وقيادات الدول الشقيقة".

الاشتباكات والفوضى لا تزال مستمرة في الخرطوم
بين غضب الجيش وضغط الإمارات.. لماذا صعّد السودان لهجته ضد بريطانيا؟
بعد شكاوى ومذكرات رسمية، عادت السجالات بين السودان والإمارات إلى أروقة مجلس الأمن الدولي مجددا، بينما اتهم السودان بريطانيا بأنها "غيرت أجندة جلسة مغلقة مخصصة لمناقشة شكواه ضد الإمارات، إلى مناقشة الأوضاع السودانية العامة، وأوضاع مدينة الفاشر"، وفق بيان للخارجية السودانية.

وفي المقابل، توقّع المنصور أن "تستمر الانتقادات التي يقف وراءها عناصر نظام البشير، ضد السعودية"، مشيرا إلى أن "الهدف الرئيس من هذه الانتقادات تخريب علاقة السودان والسعودية، بما يقود في خاتمة المطاف إلى إيقاف المبادرة السعودية الساعية لإنهاء الحرب في السودان".

وأضاف قائلا "عناصر نظام البشير يعلمون أن إنهاء الحرب سيجعلهم ملاحقين بتهم الفساد وقتل المتظاهرين، كما أن الأطراف الفاعلة عسكريا وسياسيا في السودان ترفض وجودهم ضمن أي عملية سياسية تعقب وقف الحرب، ولذلك ينشطون ضد أي مبادرة تهدف للحل السلمي التفاوضي".

وذكرت صحف ومواقع إخبارية سودانية، أن قوات الدعم السريع وجهت منسوبيها في السعودية بعدم تصوير أو نشر أي مقطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي.

وأورد موقع "سودان تربيون" الإخباري أن قوات الدعم السريع عممت على جميع عناصرها بالسعودية توجيها يحظر عمليات التصوير، وتوعدت أي فرد يخالف التعليمات بالمساءلة القانونية.

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم إلى مناطق داخل وخارج السودان.

وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، من جراء تداعيات الحرب التي تدور في عدد من أنحاء البلاد.

الأمم المتحدة تحاول الوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع
الأمم المتحدة تحاول الوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن ما وصفه بـ "المزيج القاتل" من الجوع والنزوح وتفشي الأمراض، يخلق ما سماه بعاصفة مثالية لـ "خسارة كارثية" في الأرواح بالسودان.

وأفاد المكتب في آخر تحديث أصدره الخميس، بأن برنامج الأغذية العالمي يعمل على مدار الساعة للوصول إلى 8.4 مليون شخص بحلول نهاية العام للتغلب على الجوع في البلاد، مشيرا إلى أن البرنامج ساعد في عام 2024 وحتى الآن أكثر من 5 ملايين شخص، بمن فيهم 1.2 مليون في منطقة دارفور.

يأتي هذا في الوقت الذي تواصل فيه منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "يونيسف" نقل إمدادات التغذية المنقذة للحياة لعلاج حوالي 215 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في السودان. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن "يونيسف" وشركاءها قدموا لحوالي 6.6 مليون طفل في السودان وأسرهم مياه شرب آمنة هذا العام، في وقت تتفاقم فيه حالات تفشي الأمراض، بما في ذلك الكوليرا.

وسط المعارك والأمراض.. أطفال "يموتون جوعا" في بلدة سودانية
مع استمرار المعارك العنيفة بين قوات الدعم السريع وبين الجيش السوداني، فر عشرات الآلاف من عاصمة شمال دارفور، الفاشر المحاصرة والممزقة بالحرب، نحو بلدة صغيرة على بعد نحو 70 كيلومترا، حيث بدأت معاناة أخرى جراء نقص الطعام وعدم وجود رعاية صحية.

وأوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن الأطفال يشكلون حوالي نصف الأشخاص الذين فروا من ديارهم ويفوق عددهم 10 ملايين، منذ اندلاع الصراع في السودان العام الماضي. في وقت عبر مليونان من هؤلاء النازحين إلى البلدان المجاورة، حيث تقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الدعم العاجل لهم.

وأفاد المكتب بأن مفوضية اللاجئين تقدم خدمات الحماية الأساسية وتساعد في نقل الأعداد الهائلة من الوافدين الجدد بعيدا عن المناطق الحدودية إلى أماكن أكثر أمانا في بلدان اللجوء، منبها إلى أن هذه الجهود يعرقلها نقص التمويل والفيضانات وانعدام الأمن.

وتقول الأمم المتحدة إنه تم تمويل خطة هذا العام التي تبلغ 1.5 مليار دولار لدعم الاستجابة الإقليمية للاجئين في سبع دول مجاورة، بأقل من ربع المبلغ، إذ لم يتم جمع سوى 347 مليون دولار فقط. وفي الوقت ذاته، تم تمويل الاستجابة داخل السودان بأقل من النصف، حيث تلقت خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024 نحو 1.3 مليار دولار فقط من 2.7 مليار دولار لازمة للوصول إلى حوالي 14.7 مليون شخص في البلاد حتى نهاية العام.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك في المؤتمر الصحفي اليومي الذي عُقِد في مقر المنظمة في نيويورك الخميس، إن أكثر من 113 شاحنة مساعدات دخلت السودان من تشاد عبر معبر أدري منذ إعادة فتحه من قبل السلطات السودانية الشهر الماضي.

وأضاف أن خمس شاحنات أخرى عبرت المعبر مساء الأربعاء، مضيفا أن الإمدادات عن طريق أدري عبرت إلى أكثر من ربع مليون شخص في السودان، وتشمل هذه الإمدادات الغذاء والتغذية والمأوى والمستلزمات الطبية وغيرها من المواد التي تشتد الحاجة إليها.

وفي تطور منفصل، كشف دوجاريك عن حدث وزاري رفيع المستوى سيعقد في 25 من شهر سبتمبر الحالي، بشأن الأزمة المتصاعدة في السودان والمنطقة. وأوضح أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يستضيفان هذا الحدث إلى جانب مصر والسعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وإن المجاعة تلوح في الأفق، كما نزح نحو 10 ملايين شخص. وانتقل أكثر من 2.2 مليون شخص من هؤلاء إلى بلدان أخرى.