صحفيون سودانيون يحتجون على تعليق صدور صحيفة التيار
وقفة احتجاجية سابقة لصحفيين سودانيين مطالبين بالحرية - أرشيفية

تواجه الصحفيات والصحفيون في السودان ظروفا تُوصف بالقاسية، خلال الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، في وقت دعت فيه منظمات محلية ودولية طرفي القتال لتمكين العاملين في مجال الصحافة من القيام بواجبهم المهني، وعدم تعريضهم للمخاطر.

وتعرّض عدد من الصحفيات والصحفيين إلى تعديات وانتهاكات على أيدي عناصر تابعة للجيش السوداني، وأخرى تابعة لقوات الدعم السريع، في عدد من المدن السودانية، بينها مدن لا تشهد أي مواجهات عسكرية، وفق منظمات حقوقية.

وانضم الصحفي صديق دلاي إلى قائمة الصحفيين الذين تعرضوا إلى الاعتقال خلال الحرب الحالية. إذ كشفت نقابة الصحفيين، الثلاثاء، عن اعتقال دلاي، بواسطة قوة من استخبارات الجيش، بمدينة الدمازين عاصمة إقليم النيل الأزرق الحدودي مع دولتي جنوب السودان وإثيوبيا.

وفرّ دلاي من الخرطوم إلى الدمازين البعيدة عن دائرة المعارك، ضمن عشرات الصحفيين الذين شردتهم الحرب، التي دخلت عامها الثاني.

وأشار نقيب الصحفيين السودانيين، عبد المنعم أبو إدريس، إلى أن "اعتقال دلاي جرى على خلفية مقال ندد فيه بحادثة مقتل أحد أقربائه في ولاية الجزيرة بوسط السودان".

وكان حزب المؤتمر السوداني أعلن الأسبوع الماضي، عن مقتل رئيس فرعيته بمنطقة القرشي بولاية الجزيرة، صلاح الطيب، داخل معتقلات استخبارات الجيش، بينما لم يصدر تعليق من الجيش على الاتهام.

وقال أبو إدريس لموقع "الحرة"، إن "الصحفيين السودانيين كانوا من أوائل الفئات التي تضررت من الحرب، إذ أنها دارت في منطقة وسط الخرطوم التي تضم غالبية المؤسسات الصحفية".

ولفت إلى أن المعارك أفقدت أكثر من 90 في المئة من الصحفيين وظائفهم، بسبب تعرُّض مؤسساتهم إلى التخريب والنهب والتدمير، كما أجبرت مئات منهم على النزوح الداخلي، بينما لجأ عشرات إلى عدد من الدول.

ولم يصدر تعليق من الجيش على بيان النقابة، كما لم يستجب الناطق باسمه لطلبات موقع "الحرة"  للتعليق، حتى نشر هذا التقرير.

وتشير بيانات صادرة من نقابة الصحفيين إلى تعرُّض أكثر من 390 صحفيا إلى انتهاكات مباشرة، بجانب تعرض 5 صحفيين وثلاث صحفيات إلى إصابات واعتداء جسدي، بينها حالة اعتداء جنسي.

وتشير البيانات إلى 39 حالة اختطاف وتوقيف واحتجاز، تعرض لها صحفيون سودانيون، بينهم 5 صحفيات، بجانب 28 حالة إطلاق نار، طالت صحفيين، بينهم 10 صحفيات.

"تخوين وتهديد"

وفي أحدث التعديات ضد الصحفيات والصحفيين، تلقت الصحفية سمر سليمان، تهديدات من مجهولين، "مما عرّض حياتها إلى الخطر".

وقالت سليمان لموقع "الحرة" إن "الحرب أجبرتها على مغادرة الخرطوم، والعودة إلى موطن أسرتها الكبيرة في ولاية كسلا بشرق السودان، بعد أن فقدت ممتلكاتها ووظيفتها".

وأضافت قائلة "بعد وصولي إلى كسلا، انخرطت في نشاط طوعي لتقديم العون إلى النازحين في مراكز الإيواء بالمدنية، الأمر الذي لم يعجب البعض، إذ تعرضت لتهديدات بالثأر والانتقام، عبر رسائل نصية في تطبيق واتساب، ومن خلال مكالمات هاتفية".

الصحفية سمر سليمان تعرضت لتهديدات من مجهولين

وأشار سليمان إلى أن مجهولين قاموا بنشر صورتها في منصات التواصل الاجتماعي، مع تعليقات تزعم أنها ضمن الخلايا النائمة المساندة لقوات الدعم السريع، بينما ادعى آخرون أنها تنتمي إلى حزب المؤتمر السوداني، وإلى تحالف الحرية والتغيير الذي ناهض نظام الرئيس السابق عمر البشير.

وأوضحت أن "التهديدات حملت طابع الانتقام والوعيد، بينما ألمح بعضهم إلى التصفية الجسدية، لذلك قامت بفتح 7 بلاغات ضد الذين توعدوها، بينهم وزير سابق في نظام البشير".

وشددت على أنها لا تنتمي إلى أي جهة سياسية، وأنها تلتزم جانب المهنية، وتعمل على تقديم العون للمتضررين من القتال، كما أنها تدعم إيقاف الحرب التي تأذى منها السودانيون.

كانت محاكم سودانية، بينها محكمة القضارف بشرق السودان، أصدرت أحكاما بالسجن والإعدام في حق عدد من السودانيين بتهم معاونة قوات الدعم السريع وإثارة الحرب وتقويض النظام الدستوري.

وفي أبريل الماضي، تعرضت الصحفية عزة إيرا، لاعتداء بواسطة 3 مسلحين يتبعون لحركة العدل والمساواة في مدينة بورتسودان الساحلية، وفق نقابة الصحفيين السودانيين.

"قتل وترويع"

الانتهاكات التي طالت الصحفيات والصحفيين في السودان لم تتوقف عند التهديد، ووصلت إلى القتل، إذ لقي 6 من الصحفيين السودانيين مصرعهم خلال الحرب، وفق ما تقول نقابة الصحفيين السودانيين، ومنظمات صحفية أخرى.

وأكدت النقابة مقتل الصحفية سماهر عبد الشافع والصحفية حليمة إدريس والصحفي عصام حسن مرجان والصحفي عصام الحاج والصحفي أحمد يوسف عربي والصحفي خالد بلل، خلال الحرب الحالية.

ويشير أبو إدريس إلى "أن بعض الصحفيين قُتل بنيران الدعم السريع، بينما سقطت قذائق على منازل صحفيين آخرين، مما أدى لمقتلهم".

وأضاف أن "الصحفيين السودانيين يواجهوان معاناة وتضييقا من طرفي القتال، وكثيرا ما وجد صحفيون أنفسهم في موضع الشك والتخوين، حينما أبرزوا هوياتهم الصحفية لعسكريين في بعض نقاط التفتيش العسكرية، إذ يتهمهم كل طرف بأنهم يساندون الطرف الآخر".

كانت شبكة الصحفيين السودانيين دانت في مارس الماضي مقتل الصحفي خالد بلل، وقالت إن "الحادثة تفتح ملف استهداف واغتيال الصحفيين، إذ راح عدد منهم غدرًا، وعلى أيدي أفراد ينتمون لطرفي الصراع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع".

وفي يناير الماضي اعتقلت قوة من الدعم السريع عضو مجلس نقابة الصحفيين السودانيين، عقيل أحمد ناعم من منزله بضاحية الجيلي بشمال الخرطوم، بينما تعرض الصحفي ياسر جبارة، للاعتقال بواسطة قوة من استخبارات الجيش بمدينة الدمازين، لمدة أربعة أيام.

وبحسب بيانات النقابة، فقد توقفت 26 صحيفة ورقية عن النشر، بينما توقف البث في 18 محطة إذاعية وستة محطات تلفزيونية، بينما تعرض أكثر من 29 مؤسسة إعلامية ومكتب صحفي للتدمير والإغلاق.

حرية الصحافة تتراجع في معظم الدول العربية
في يومها العالمي.. السياسة والحروب تقلص حرية الصحافة حول العالم
يعتبر اليوم العالمي لحرية الصحافة، المحدد من قبل الأمم المتحدة في اليوم الثالث من شهر مايو كل عام، مناسبة لتسليط الضوء على واقع هذه الحرية والتحديات التي تواجهها وتقوضها، وفرصة لتقديم جردة حساب سنوية للانتهاكات التي تعرض لها الجسم الإعلامي والصحفيين حول العالم، ما من شأنه أن يقدم صورة عن المخاطر والاستحقاقات التي تهدد واحدة من أبرز مقومات الديمقراطية حول العالم. 

بدوره يرى الخبير الأمني، اللواء عبد الهادي عبد الباسط أن "كثيرا من الصحفيين الذين ينتمون إلى قوى الحرية والتغيير، أو يساندونها، كانت مواقفهم سالبة خلال الحرب الدائرة في السودان".

وقال عبد الباسط لموقع الحرة، إن "كثيرا من الصحفيين يساوون بين الجيش الرسمي للبلاد وبين قوات الدعم السريع التي تمردت عليه، وهذا لا يستقيم مع الأعراف الصحفية المهنية".

وقلل الخبير الأمني من الاتهامات الموجهة إلى الاستخبارات التابعة للجيش، بالتضيق على الصحفيين واعتقالهم، على أساس الهوية الصحفية.

وأضاف "أن الجيش يعمل على تسهيل مهمة الصحفيين في الحصول على المعلومة، ولا توجد خطة أو توجيهات لاعتقال الصحفيين أو التضييق عليهم، وإذا حدث احتجاز لأحدهم فإنه يكون لظروف وتقديرات ميدانية، وليست لخطة ممنهجة، أو تعليمات مستديمة".

كانت النيابة العامة في السودان، وضعت في أبريل الماضي، الصحفية صباح محمد الحسن والصحفي ماهر أبو الجوخ والصحفي شوقي عبد العزيز، ضمن لائحة اتهام صدرت ضد قادة سياسيين يتقدمهم رئيس الوزراء السباق عبد الله حمدوك، بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.

ويلفت أبو إدريس إلى أن "أوضاع الصحفيين السودانيين الحالية، تعد الأسوأ منذ سنوات طويلة، إذ إن الخطر سيلاحقهم حتى مع توقف الحرب، لأنهم لن يجدوا مؤسسات تستوعب كثيرين منهم، بسبب النهب والدمار الذي لحق بها".

ويواجه الصحفي عماد عبد الهادي بلاغات جنائية تتعلق بالجرائم ضد الدولة، وإثارة الحرب، ومعاونة العدو وتقويض النظام الدستوري، وذلك ضمن لائحة اتهام شملت 49 شخصاً من القيادات المدنية في مدينة النهود بولاية غرب كردفان.

ويشير منتدى الإعلام السوداني، إلى أن "العنف الممنهج والقتل والتدمير والمطاردة طال مئات الصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية خلال الحرب".

وقال المنتدى في بيان، الأسبوع الماضي، إن "طرفي النزاع لم يتوقفا عند قمع أجهزة الإعلام الحر، وإسكات صوتها بقوّة السلاح، وواصلا حربا موازية عبر غرف إعلامية، هدفها تلويث الفضاء الإعلامي، ببث الدعاية الحربية، وخطاب الكراهية، مما ساهم في تفاقم النزاع".

بدوره، يشير عضو المكتب الاستشاري الخارجي لقائد قوات الدعم السريع، عمار صديق إسماعيل، إلى أن قوات الدعم السريع أعلنت مرارا وتكرارا عدم ممانعتها في التعاون مع الصحفيين لنقل الحقائق من مناطق سيطرتها، لدخض الأكاذيب التي يروج لها الجيش وفلول النظام السابق".

وقال صديق لموقع "الحرة"، إن حالات الاحتجاز التي تطال بعض الصحفيين من عناصر من الدعم السريع، لا تتم على أساس المهنة، وغالبا تحدث نتيجة لخطأ، وسرعان ما يتم تدارك الخطأ وإطلاق سراح الصحفي بمجرد إبراز هويته".

وشدد عضو المكتب الاستشاري على أن "قوات الدعم السريع حريصة على إبراز الحقائق، وقدمت الدعوة لصحفيين محليين وأجانب لزيارة مناطق سيطرتها لعكس الواقع، وأنها لا تزال على ذات الموقف، لإيمانها بحق الحصول على المعلومة".

ووفق بيانات نقابة الصحفيين، فإن قوة تابعة للدعم السريع، بمدينة زالنجى بولاية وسط دارفور، اعتقلت المصور بتلفزيون السودان، عبد العزيز محمود، بينما تعرض الصحفي لؤي عبد الرحمن إلى حملات تخوين وتهديد من قبل منصات إعلامية تابعة للدعم السريع، في ديسمبر الماضي.

وبدورها تشير سليمان إلى أنها ماضية في مشروعها للتوعية بقيمة السلام من خلال عملها كصحفية، وكذلك تقديم العون للنازحين في مراكز الإيواء، وتؤكد أنها وزملاءها، الذين يؤمنون بحق الإنسان في المعلومة والكرامة الإنسانية، سيتغلبون على عمليات الترهيب والابتزاز والتهديد التي تطالهم.

كانت السلطات السودانية أغلقت في أبريل الماضي، مكاتب قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز، قبل أن تتراجع عن قرارها بخصوص قناتي العربية والحدث، بينما لا يزال مكتب قناة سكاي نيوز مغلقا.

ومع اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 سيطرت قوات الدعم السريع على مقر الإذاعة والتلفزيون في مدينة أم درمان، قبل أن يتمكن الجيش من طردها من المقر، في مارس الماضي، بينما قّدر وزير الإعلام السوداني الخسائر التي لحقت بالمقر باكثر من 30 مليون دولار.

جمعت البرهان وحميدتي علاقة قوية قبل الحرب - أرشيفية
وجهت قوات الدعم السريع في السودان تحذيرا شديد اللهجة لمصر بسبب مساندتها الجيش.

وجهت قوات الدعم السريع في السودان تحذيرا شديد اللهجة لمصر، وكشفت لأول مرة عن وجود "أسرى مصريين" لديها حاليا، قالت إنهم شاركوا إلى جانب الجيش السوداني في الحرب الحالية.

وتكررت اتهامات الدعم السريع لمصر بالتدخل في الحرب لمساندة الجيش السوداني في أكثر من مناسبة، وزادت حدتها في الفترة الأخيرة، ما أثار تساؤلات بشأن الأسباب وراء تصاعد التوتر بين الطرفين.

خطورة خطاب حميدتي 

وقال الخبير السياسي السوداني، محمد الصالح، لموقع "الحرة" إن الخطاب الأخير لقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، مساء الأربعاء، لاقى اهتماما محليا ودوليا لما يحمله من رسائل شديدة الأهمية في وقت حرج من الحرب، مع تحقيق الجيش السوداني، بقيادة عبدالفتاح برهان، انتصارات مهمة، كما تم تفسيره وتحليله بطرق مختلفة.

وأضاف أنه "رغم تكبد قوات الدعم السريع هزائم في الفترة الأخيرة، لكن خطاب حميدتي يعتبر الأخطر على الإطلاق منذ بداية الحرب، وليس كما يعتقد البعض أنه إعلان استسلام، لأنه تحدث بطريقة مختلفة عن المعتاد، واعترف بهزيمة قواته في منطقة جبل موية الاستراتيجية".

وقال بيان للدعم السريع، مساء الجمعة إن "سلاح الجو المصري شارك في القتال إلى جانب الجيش السوداني في قصف معسكرات قوات الدعم السريع". وهو الأمر الذي نفته مصر.

وقال "ظلت مصر تدعم الجيش بكل الإمكانيات العسكرية، وسهلت عبر حدودها دخول إمدادات السلاح والذخائر والطائرات والطائرات المسيرة، إذ قدمت خلال شهر أغسطس الماضي (8) طائرات k8  للجيش وصلت القاعدة الجوية في بورتسودان، وتشارك الآن في القتال، وآخرها في معركة جبل موية".

وأضاف " كما ساهم الطيران المصري في قتل مئات المدنيين الأبرياء في دارفور والخرطوم والجزيرة وسنار، ومليط، والكومة، ونيالا، والضعين. وكذلك وفرت مصر للجيش إمدادات بقنابل 250 كيلو أميركية الصنع كانت سبباً في تدمير المنازل والأسواق والمنشآت المدنية".

وتطرق البيان إلى "أسر عدد من المقاتلين المصريين"، قائلا "لم يكن خافياً أسر قواتنا ضباط وجنود مصريين في قاعدة مروي العسكرية، وسلمتهم لاحقاً للحكومة المصرية عبر الصليب الأحمر الدولي".

وأضاف البيان، المنشور على حسابات الدعم السريع مواقع التواصل الاجتماعي، "ضبطت قواتنا مرتزقة مصريين شاركوا إلى جانب الجيش في الحرب الحالية، وهم أسرى الآن لدى قواتنا".

دعم مصر للجيش فجر غضب حميدتي

وبشأن أسباب هجوم حميدتي على القاهرة مؤخرا، يرى المحلل السوداني أن "قائد الدعم السريع تجنب العداء المباشر مع مصر طوال الأشر الماضية لأنه ليس من مصلحته ذلك نظرا لأهميتها وقوتها في المنطقة، ولذلك فإن هذا الانتقاد الحاد يحمل دلالات مهمة، أبرزها غضبه الشديد مما يحدث في أرض المعركة خاصة مع تدخل مصر لصالح لجيش، وكذلك استعداده للدخول في معارك قادمة أكثر شراسة وعنفا".

وتابع أنه "رغم النفي المصري، إلا أن حميدتي أكد أن الطائرات المصرية ظلت عشر ساعات تضرب قواته في جبل موية، وهي مجموعة قرى صغيرة بولاية سنوار الاستراتيجية".

وأكد أن "الجميع في السودان يعلم مساندة الجيش المصري للبرهان"، مشيرا إلى أنه "في بداية الحرب، تم اكتشاف وجود قوات مصرية في قاعدة مروي العسكرية، وبعد أن هاجمتهم الدعم السريع، تم أسر الجنود المصريين، ثم تسليمهم للقاهرة، ومع ذلك حاول حميدتي عدم معاداة مصر بشكل مباشر".

لكن الصالح يرى أنه "بجانب التدخل العسكري، فإن التحالفات الدبلوماسية الجديدة التي تقودها القاهرة مع الدول الأفريقية تثير غضب حميدتي، مع ظهور محور إقليمي جديد يضم مصر وإريتريا والصومال".

وأشار إلى أن "خطاب حميدتي الأخير حمل تهديدات واضحة ومباشرة قد تكون لها تبعات خطيرة في الفترة المقبلة، محليا وإقليميا، ومن المتوقع أن يشهد السودان تصعيدات عسكرية كبيرة من الدعم السريع والجيش".

"ورد الفعل العنيف الذي يخطط له حميدتي يحاول استباقه بقلب الرأي العام المحلي والدولي على الجيش بإظهاره بمظهر الضعيف والعميل الذي يستعين بدول أجنبية، مثل مصر"، بحسب الصالح.

ونفت القاهرة مزاعم قائد قوات الدعم السريع السودانية بضلوعها في الحرب الدائرة بالسودان، في رد على تصريحات، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي اتهم فيها مصر بالمشاركة في ضربات جوية على قواته.

وتدعم مصر الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح برهان. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي انعقد في مصر، يوليو الماضي، في سبيل إنهاء الصراع الدامي الممتد منذ أكثر من سنة، إن أي حل سياسي "لا بد أن يستند إلى رؤية سودانية خالصة، دون ضغوط خارجية"، مشدداً على أهمية " وحدة الجيش ودوره" في حماية البلاد.

ونفى الجيش السوداني، في سبتمبر الماضي، حصوله على طائرات من نوع K-8 من مصر، مؤكدا امتلاكه أسرابا من هذا الطراز من الطائرات منذ أكثر من 20 عاما.

ويشهد السودان، منذ 15 أبريل من العام الماضي، معارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص وتشريد الملايين داخل وخارج والبلاد.

دبلوماسية القاهرة تؤثر على حلفاء حميدتي 

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، كريم أبو المجد، والمتخصص في الشأن الأفريقي، لموقع "الحرة" إن "حميدتي توقع من خلال التقرب من رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ومحاولته التودد إلى رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، أن يتمكن من الانتصار محليا وكسب القبول الإقليمي والدولي، لكن الأمور لم تسر لصالحه".

وأضاف أن "حميدتي كان يتمنى أن يعامل كرجل دولة، وأن يتم الاعتراف به إقليميا ودوليا، وأن يتخلص من لقب قائد ميلشيات، لكن هذا لم يحدث، وهو ما أثار غضبه تحديدا تجاه مصر بسبب تحركاتها الأخيرة سياسيا ودبلوماسيا في منطقة القرن الإفريقي، والتي أثرت بدورها عليه بشكل سلبي".

وأوضح أنه "بالنسبة للإمارات، فزيارة (الرئيس محمد) بن زايد، الأسبوع الماضي، لمصر، وحضوره حفل تخرج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية، تهدف لإرسال رسالة تتمثل في أن العلاقات بين مصر والإمارات لم تتأثر رغم الاختلافات في بعض الملفات، ومنها السودان".

وأشار إلى أنه "لحماية مصالحها في السودان، حاولت الإمارات مساعدة حميدتي بالأسلحة والأموال، لكن يبدو في الفترة الأخيرة أنها تراجعت عن دعمه بعد الخسائر التي لحقت بميليشياته، مقابل تعهد مصر والجيش السوداني حماية مصالحها في السودان، وهو ما أثار غضب حميدتي تجاه القاهرة".

والجيش السوداني يتهم أبوظبي بتقديم دعم عسكري ولوجستي ومالي لقوات الدعم السريع، الأمر الذي يسمح لها بمواصلة الحرب، كما أن الإمارات تمارس نفوذها على عدد من دول الجوار، وفي مقدمتها تشاد وإفريقيا الوسطى وخليفة حفتر في ليبيا، من أجل أن تفتح أراضيها لإيصال الدعم لقوات الدعم السريع.

وتنفي الإمارات هذه الاتهامات، وقال مستشار الرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، إن بلاده مهتمة بوقف الحرب في السودان والعودة إلى المسار السياسي.

ورفض قرقاش، في تدوينة على حسابه على منصة إكس، في 19 يونيو الماضي، اتهامات مندوب الخرطوم، لدى الأمم المتحدة، لبلاده بالمسؤولية عن استمرار الحرب في السودان.

وكتب قرقاش: "في الوقت الذي تسعى الإمارات إلى تخفيف معاناة الأشقاء السودانيين يصر أحد أطراف الصراع على خلق خلافات جانبية وتفادي المفاوضات وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية ...اهتمامنا ينصب على وقف الحرب والعودة للمسار السياسي. اهتمامهم يشدد على تشويه موقفنا عوضا عن وقف الحرب".

وكان سجال كلامي قد وقع، في 18 يونيو الماضي، بين مندوب الإمارات، محمد أبو شهاب، ونظيره السوداني، الحارث إدريس، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، خصص لبحث الوضع في السودان. وفي الجلسة جدد المندوب السوداني اتهام بلاده للإمارات بدعم ميلشيات الدعم السريع بالسلاح قائلا إن بلاده تملك أدلة على ذلك.

أما بالنسبة لرئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، الذي يدعم حميدتي، فيرى أبو المجد أن "التحركات المصرية الأخيرة في القرن الأفريقي تضعه في موقف حرج وتزيد عزلته عن الدول المجاورة، كما تبعده عن الاستمرار في مساندة ودعم حميدتي في السودان".

واتضح التقارب بين آبي أحمد وحميدتي، في سبتمبر 2023، عندما توجه حميدتي، في ثاني جولة إقليمية له منذ اندلاع الحرب بين قواته والجيش السوداني، إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، على رأس وفد يضم عدداً من مساعديه. واستُقبل استقبالاً رسمياً من قبل نائب رئيس الوزراء، دمقي مكونن، وآبي أحمد.

وتطرق الخبير السياسي أبو المجد إلى التحركات المصرية الأخيرة والتي أثرت سلبا على آبي أحمد نفسه، قائلا إن "السيسي توجه، منذ يومين، لزيارة عاصمة إريتريا، أسمرة، بدعوة خاصة من الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، والذي كان سابقا من أقرب حلفاء وداعمي آبي أحمد. واتفق الزعيمان مع الصومال على تعزيز العلاقات العسكرية والاقتصادية في منطقة القرن الأفريقي، وهذا سيشمل تمكين الجيش الصومالي من التصدي للإرهاب، وحماية حدودها البرية، وطرد القوات الأثيوبية من أرض الصومال".

وفي زيارة لافتة بتوقيتها، توجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في ١٠ أكتوبر، إلى العاصمة الإريترية أسمرة، حيث كان الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، على رأس مستقبليه، وفقا لوكالة "فرانس برس".

وفي قمة ثلاثية انعقدت في أسمرة، التقى رؤساء مصر وإيتريا والصومال على خلفية التوترات المتزايدة في المنطقة القرن الأفريقي. ويأتي تصاعد التوتر في المنطقة بعد أن وقعت الجارة إثيوبيا في يناير اتفاقا مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية يمنح الدولة المغلقة منفذا بحريا.

وأثار الاتفاق البحري غضب مقديشيو وسلط الضوء على الخصومات الإقليمية مع توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال المجاورة وكذلك مصر.

وجاءت زيارة السيسي لإريتريا بعد أسابيع قليلة من زيارة أجراها كل من رئيس المخابرات المصرية،  اللواء عباس كامل ووزير الخارجية، بدر عبد العاطي، إلى أريتريا لبحث استعادة الملاحة عبر باب المندب وتطورات الأوضاع في الصومال.

ويذكر أن العلاقات المتوترة تاريخيا بين الصومال وإثيوبيا تدهورت منذ الإعلان في الأول من يناير عن توقيع مذكرة تفاهم بين أديس أبابا وأرض الصومال الانفصالية، نددت بها مقديشو ووصفتها بأنها "اعتداء" على سيادتها.

وتنص المذكرة على تأجير 20 كيلومترا من ساحل أرض الصومال لإثيوبيا غير الساحلية لمدة 50 عاما. وكان إقليم أرض الصومال أعلن استقلاله من جانب واحد عام 1991.

  وردت الصومال بتعزيز علاقاتها مع مصر.

ومنذ يناير، عزّزت مقديشو علاقاتها مع القاهرة، منافسة إثيوبيا التي تعارض خصوصا سد النهضة الكهرومائي الضخم الذي بنته أديس أبابا على نهر النيل.

واتخذ التعاون منحى عسكريا مع توقيع في 14 أغسطس اتفاق دفاع، لم يتم الكشف عن محتواه.

وتحدث أستاذ العلوم السياسية عن أهمية هذه الخطوة بالنسبة لإثيوبيا وكذلك السودان ومصر، قائلا إن "أديس أبابا أرسلت سابقا عدة قوات للصومال، وتحديدا أقاليم، جيدو، وجوبا لاند، وأرض الصومال، الذي يخضعون لحكومات مستقلة ويريدون الانفصال".

وأضاف أنه "في يناير القادم ستنتهي صلاحية اتفاقية تعاون بين أديس أبابا ومقديشيو، وفي حال رفض آبي أحمد إخراج قواته من أراض الصومال، فمن المتوقع أن تندلع حربا كبرى مباشرة بين إثيوبيا والصومال، التي بدورها ستسلح المتمردين الإثيوبيين مثل ميلشيات فانو الأمهرية، التي نجحت مؤخرا في السيطرة على مناطق حدودية بين إرتريا والسودان، أي ستندلع حربا إقليمية في القرن الإفريقي".

وتابع أن "قوات فانو، التابعة للأمهرة بأثيوبيا، أعلنت منذ قليل سيطرتها على بلدة بلشي شيو، الإستراتيجية، اللي تبعد 38 ميل عن العاصمة الأثيوبية، أديس أبابا، ووقعت اشتباكات عنيفة بين الجيش ببلدات على مدخل العاصمة الأثيوبية، بمناطق مختلفة، تبعد عن العاصمة بمسافات مختلفة بين400 كم، و200 كم، و100 كم".

وأشار أبو المجد إلى أن "تصريحات حميدتي بقيام الطائرات المصرية بضرب قواته لساعات طويلة في سنوار والتي بالمناسبة تبعد عن سد النهضة في إثيوبيا حوالي 250 كم أو 300 كم، أربك حسابات آبي أحمد، لأن ذلك يعني أن الطيران المصري يمكنه الوصول إلى سد النهضة بسهولة".

وبشكل عام، يرى الخبير السياسي المصري أن هجوم حميدتي الحاد على مصر يرجع إلى "إحساسه بتخلي حليفيه الأساسيين عنه، الإمارات وإثيوبيا، ودور القاهرة في ذلك، فضلا عن تكبده خسائر على الأرض".