الحرب في دارفور
الحرب في دارفور أجبرت الآلاف على النزوح واللجوء - أرشيفية

على الرغم من الدعوات الدولية لوقف القتال، استمرت المواجهات في مدينة الفاشر بإقليم دارفور، بين قوات الدعم السريع من جهة والجيش السوداني والحركات المتحالفة معه من جهة أخرى، ما فاقم أوضاع المدنيين في المدينة التي تعد الملاذ الأخير لضحايا الحروب في الإقليم المضطرب.

وشهد إقليم دارفور الذي يقع غرب السودان، حربا طاحنة في عام 2003، إذ استعان نظام الرئيس السابق، عمر البشير، بميليشيات "الجنجويد" التي أدمج أعضاؤها لاحقا، في قوات الدعم السريع.

وبعد اندلاع الصراع بينها والجيش السوداني في 15 أبريل 2023، تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة 4 من أصل 5 ولايات في دارفور، إذ سيطرت أولا على ولاية جنوب دارفور، وتبع ذلك سيطرتها على ولاية غرب دارفور، ثم ولاية وسط دارفور، وولاية شرق دارفور.

وتعيش ولاية شمال دارفور وضعا استثنائيا، وخاصة عاصمتها الفاشر، إذ توجد قوات الدعم السريع، في أحياء شرق المدينة، بينما توجد الحركات المسلحة والجيش في الأجزاء الأخرى.

وتضم المدينة أكثر من مليون شخص نزحوا إليها خلال الصراع الحالي والحروب الماضية التي أوقعت أكثر من 300 ألف قتيل، وقادت لنزوح ولجوء أكثر من مليوني شخص، بحسب الأمم المتحدة.

وفي تطور ميداني جديد، نشرت منصات إعلامية موالية لقوات الدعم السريع، الاثنين، مقطع فيديو يُظهر قوة من الدعم السريع داخل خزان قولو المصدر الوحيد الذي يمد مدينة الفاشر بالمياه، قبل أن يوجه قائد ميداني بالقوة بإغلاق منافذ الخزان لقطع المياه عن المدينة.

وندد حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الاثنين، باقتحام قوات الدعم السريع لخزان قولو، قائلا إنها "وثقت جريمتها بمقطع فيديو، وهي تحرم المواطنين في الفاشر من المياه"، قبل أن يعلن الثلاثاء، أن قوة مشتركة من الحركات المسلحة تمكنت من استعادة السيطرة على الخزان الذي يقع غرب الفاشر.

وفي أحدث حصيلة عن ضحايا المواجهات، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود، الأحد، ارتفاع حصيلة القتلى بمدينة الفاشر، إلى 134 شخصا.

ووقّع مناوي الذي يرأس حركة تحرير السودان، في أكتوبر 2020 اتفاقا مع الحكومة التي تأسست عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير. كما وقعت على الاتفاق حركة العدل والمساواة التي يقودها جبريل إبراهيم.

وتولى مناوي منصب حاكم إقليم دارفور، بينما تولى جبريل منصب وزير المالية، بناء على الاتفاق.

ومع تفجُّر الحرب في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع، سارعت الحركتان إلى جانب حركات دارفورية أخرى، لإعلان الوقوف على الحياد، إذ جرى تكوين قوة مشتركة لحماية المواطنين، وتوفير الأمن في إقليم دارفور.

وفي مارس الماضي، غيّرت حركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان، الرئيسيتان في دارفور، موقفها المحايد، وشاركتا في القتال إلى جانب الجيش، ما جعل قوات الدعم السريع تعلن ولاية شمال دارفور هدفا لعملياتها العسكرية.

مخاوف من انقسام السودان حال سيطرة الدعم السريع على مدينة الفاشر
حصار الفاشر.. ذكريات المذابح السابقة وشبح الانقسام تُرعب السودانيين
يحاصر المقاتلون الموالون لقوات الدعم السريع السودانية، مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور غربي البلاد، وذلك منذ 14 أبريل، ما خلق مخاوف هائلة من تكرار مذابح شهدها الإقليم على يد قوات "الجنجويد" التي تحولت بعد ذلك إلى الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عثمان المرضي، أن "مدينة الفاشر تمثل قيمة كبيرة للطرفين المتحاربين، إذ أنها المدينة الرئيسية الوحيدة التي يسيطر عليها الجيش وحلفاؤه من الحركات المسلحة في دارفور".

وقال المرضي إن "استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر يعني سيطرتها على كامل إقليم دارفور الذي تفوق مساحته مساحة فرنسا، مما يجعلها في وضع ميداني جيد، خاصة أن الإقليم يجاور دولة تشاد التي ترتبط حكومتها بعلاقة راسخة مع الدعم السريع".

ولفت أستاذ العلوم الساسية إلى أن "المواجهات في الفاشر اتخذت طابعا عرقيا، إذ اصطفت القبائل العربية للقتال إلى جانب الدعم السريع، بينما اختارت القبائل غير العربية القتال في صفوف الحركات الدارفورية المسلحة التي تساند الجيش".

وأشار إلى أن "الوضع في الإقليم قد يخرج عن السيطرة، ومن الممكن أن يقود الصراع إلى أحد احتمالين، حرب أهلية طاحنة، أو نشوء دولة أو إقليم مستقل عن السودان، حال تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على الفاشر". 

وكانت قوات الدعم السريع حشدت في سبتمر الماضي، مسلحيها للهجوم على مدنية الفاشر، العاصمة التاريخية للإقليم الذي كان مستقلا عن السودان حتى عام 1916، لكنها تراجعت بعد تفاهمات مع قادة الحركات المسلحة التي كانت تقف على الحياد، حسبما ذكر تقرير سابق للأمم المتحدة.

وتعيش في إقليم دارفور أكثر من 100 قبيلة، يتحدث المنتمون لها أكثر من 14 لغة محلية، غير اللغة العربية. بينما يمتد وجود بعض تلك القبائل إلى عدد من الدول التي تجاور السودان.

ويجاور إقليم دارفور 4 دول، هي ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان التي انفصلت عن السودان في العام 2011.

ويأتي تصاعد القتال في الفاشر، على الرغم من بروز قلق دولي وتحذيرات أممية عن مخاطر إنسانية قد تترتب على استمرار الصراع.

وفي أبريل الماضي، دعت وزارة الخارجية الأميركية على لسان المتحدث باسمها، ماثيو ميلر، "جميع القوات المسلحة السودانية إلى الوقف الفوري لهجماتها على الفاشر في شمال دارفور".

وجاء في البيان: "تشعر الولايات المتحدة بقلق بالغ إزاء التقارير الموثوقة التي تفيد بأن قوات الدعم السريع والميليشيات التابعة لها قامت بتدمير قرى متعددة غرب الفاشر". 

كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في وقت سابق هذا الشهر، من عمليات القتال في الفاشر.

اتهامات لناشطين بتسريب معلومات استخباراتية
السودان.. أحكام بالإعدام وسط الحرب تثير جدلا قانونيا وسياسيا
أثارت أحكام بالإعدام صدرت من محاكم سودانية في مواجهة عدد من الأشخاص بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، موجة من الجدل في الأوساط القانونية والسياسية السودانية، إذ يرى البعض أن تلك الأحكام ذات صبغة سياسية، بينما دافع عنها آخرون

بدوره، يلفت المختص في شؤون دارفور، عمر إسحق، إلى أن "القتال في الفاشر ضاعف معاناة المدنيين "لأن الطرفين المتحاربين يستخدمان القذائف بشكل عشوائي، مما أوقع عشرات القتلى من المدنيين".

وقال إسحق لموقع الحرة، إن "استمرار المعارك في دارفور سيقطع الطريق أمام أي مساعٍ جادة تنشط لإنهاء أزمة السودان عبر التفاوض، إذ أن الحرب في دارفور أصبحت ذات طابع أهلي، ويصعب إقناع الأطراف المتحاربة بالجلوس إلى التفاوض".

وأشار إلى أن "الحرب في الفاشر أصبحت حربا من أجل البقاء، لأن كل طرف يعلم أن انتصار الطرف الآخر يعني إزاحته كليا من خارطة المكونات الديمغرافية بإقليم دارفور".

وأضاف "لذلك تشهد مدينة الفاشر مواجهات عنيفة، وبصورة تبدو أكبر من التي تجري في الخرطوم أو في ولاية الجزيرة، إذ أن الصراع هناك يتخذا طابعا سياسيا".

وحذرت مسؤولة الشؤون السياسية بالأمم المتحدة، روزماري ديكارلو، في أبريل الماضي، من أن نحو 800 ألف شخص في مدينة الفاشر معرضون "لخطر شديد ومباشر" في ظل تفاقم أعمال العنف".

من جانبه، يشير المرضي إلى أن "الأمل الوحيد في إيقاف الحرب في الفاشر، رهين بالدور الذي يمكن أن تعلبه الحركات الدارفوية المسلحة، التي أصرت على الاستمرار في الحياد، وعدم القتال إلى جانب أي طرف، وخاصة حركة الطاهر حجر وحركة الهادي إدريس".

وأضاف أن "وجود حركات محايدة محسوبة على القبائل غير العربية، يمكن أن يجعل الدعم السريع المسنودة من القبائل العربية، تستجيب إلى المقترحات التي يمكن أن تنشط لإحداث هدنة في الفاشر، وربما يجعلها تغض الطرف كليا عن إعلان حكومة في إقليم دارفور".

واختارت حركة المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، وتجمُّع حركات التحرير بقيادة الطاهر حجر الاستمرار في الحياد، بعد أن قررت عدد من حركات دارفور القتال إلى جانب الجيش.

وحجر وإدريس هما عضوان في مجلس السيادة، وجرى فصلهما من المجلس بقرار من رئيسه عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، بعد أن أصرا على الموقف المحايد خلال الحرب.

وحينما أعلن مناوي وجبريل المشاركة في الحرب إلى جانب الجيش، تمسك حجر وإدريس بالحياد، وانسلخا من القوة المشتركة المكلفة بحماية المدنيين في إقليم دارفور.

واندلعت المعارك في السودان في 15 أبريل من العام الماضي بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، بما في ذلك ما يصل إلى 15 ألفا في مدينة الجنينة بإقليم دارفور بغرب البلاد، وفق الأمم المتحدة.

وأجبر القتال نحو 9 ملايين شخص على النزوح. وبحلول نهاية أبريل، نزح إلى ولاية شمال دارفور وحدها أكثر من نصف مليون شخص جديد، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.

وتسببت الحرب بإغلاق أكثر من 70 في المئة من المرافق الطبية في البلاد، ووضعت ما تبقى من مرافق تحت ضغوط كبرى. ويواجه 1,7 مليون سوداني في دارفور خطر المجاعة.
 

دخان يتصاعد إثر اشتباكات بالعاصمة السودانية الخرطوم (رويترز)
دخان يتصاعد إثر اشتباكات بالعاصمة السودانية الخرطوم (رويترز)

إما "حكومة تصريف أعمال" أو "حكومة حرب".. هكذا وصف قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الحكومة الجديدة التي يعتزم تشكيلها، إلا أن طبيعة هذه الحكومة ومن قد يشاركون فيها لا تزال غير واضحة، خاصة في ظل استمرار القتال الذي أفضى إلى مكاسب عسكرية للجيش خلال الأسابيع الأخيرة.

وقال البرهان إن هذه الحكومة ستضم "كفاءات وطنية مستقلة"، وحدد مهمتين رئيسيتين لها، الأولى تتمثل في "وضع أسس لاستكمال المرحلة الانتقالية والإعداد للانتخابات"، والثانية تتعلق بـ"المساعدة في إنجاز العمليات العسكرية المتبقية وتطهير البلاد من المتمردين"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

وأكد قائد الجيش في كلمة ألقاها في مدينة بورتسودان، أن تشكيل الحكومة سيسبقه وضع "وثيقة دستورية"، متعهدا بـ"عدم التدخل في صلاحيات رئيس الوزراء المرتقب".

أما فيما يخص التفاوض مع قوات الدعم السريع، فقد اشترط "انسحابها من الخرطوم وغرب كردفان ودارفور، وتجمعها في مراكز محددة قبل أي مفاوضات".

ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربا مدمرة بين البرهان وحليفه السابق محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، حيث استعاد الجيش مؤخراً مساحات واسعة من العاصمة الخرطوم ومحيطها.

واستعاد الجيش، خلال الأسابيع الأخيرة، مساحات واسعة من العاصمة الخرطوم ومحيطها، سيطرت عليها قوات الدعم السريع لحوالي عامين.

وأثار إعلان البرهان ردود فعل متباينة في الأوساط السودانية، حيث انقسم كثيرون بين "متفائل" بإمكانية إحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي للبلاد التي مزقتها الحرب، و"متشكك" في جدية هذه الخطوة وأهدافها الحقيقية.

المحلل السياسي محمد محي الدين، يرى أن إعلان تشكيل حكومة انتقالية برئاسة مدنية "يأتي في سياق مهم، حيث يواجه السودان ضغوطاً داخلية وخارجية تتعلق بمخاوف من استغلال العسكريين للحرب الحالية للسيطرة على السلطة".

ويوضح في تصريح لموقع "الحرة"، أن إعلان اختيار رئيس وزراء مدني من التكنوقراط يمثل "مؤشراً إيجابياً يؤكد التزام القوات المسلحة بمسار الانتقال نحو الديمقراطية، وذلك من خلال تفويض إدارة الشأن العام لحكومة مدنية".

ويشير المحلل إلى أن أهمية هذه الخطوة تكمن في "نفي الجيش أي شبهات حول استغلال الحرب لتمكين طرف معين أو تعزيز سيطرة العسكريين على السلطة"، معتبرا أن هذا "يصب في اتجاه تحقيق تطلعات الشعب السوداني نحو تحول ديمقراطي يفضي إلى انتخابات عامة، بعد انتهاء الفترة الانتقالية".

وقال البرهان إنه ستكون هناك "تعديلات على الدستور المؤقت للبلاد"، مضيفا أنه "بعد إجازة الوثيقة الدستورية سيتم اختيار رئيس وزراء ليقوم بمهامه في إدارة الجهاز التنفيذي للدولة دون أي تدخل".

ودعا البرهان أعضاء تحالف (تقدم) المدني، إلى "الابتعاد عن قوات الدعم السريع"، موضحا أنهم سيكونون "محل ترحيب مرة أخرى إذا فعلوا ذلك".

عضوة الهيئة القيادية بتنسيقية "تقدم"، عبلة كرار، تقول إن المبادرة السياسية المطروحة "تغفل واقع الحرب الدائرة في السودان، والتي لم تنته بعد"، حيث لا تزال العديد من المناطق تقع تحت وطأتها.

وتؤكد كرار في تصريح للحرة، أنه "لا يمكن في ظل هذه الظروف الحديث عن تشكيل حكومات أو استقرار"، معتبرة أن "الأجدى أن يذهب طرفا الصراع أولا نحو التفاوض لإنهاء النزاع، ثم يتم إطلاق عملية سياسية تشمل الجميع، دون أي إقصاء".

وبعد تراجع الجيش لفترة طويلة في الحرب أمام قوات الدعم السريع، تمكّن في الأسابيع القليلة الماضية من إحراز تقدم في العاصمة الخرطوم على عدة محاور، واقترب من القصر الرئاسي ذي الدلالة الرمزية المهمة والواقع على ضفة النيل.

وتراجعت قوات الدعم السريع، التي قالت إنها "ستدعم تشكيل إدارة مدنية"، بعد أن تفوّق عليها الجيش بقدراته الجوية الواسعة وقواته البرية المدعومة بمسلحين متحالفين معه.

وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم غربي السودان، وتكثف حملتها لتعزيز سيطرتها على دارفور بالاستيلاء على مدينة الفاشر. واستبعد البرهان في كلمته، وقف إطلاق النار، خلال شهر رمضان، ما لم توقف قوات الدعم السريع حملتها.

في هذا السياق تقول كرار، إن شكل العملية السياسية المعلن عنها "لم يتشكل على الطرق الصحيحة، بأن يكون نتاج مشاورات بين مختلف الأطراف وأيضا وفقا لتراتبية".

وقالت إن  المبادرة جاءت في "الوقت الخطأ"، إذ أن المساعي في التوقيت الراهن يجب أن "تُوجه نحو إسكات صوت البنادق ووقف إطلاق النار".

واندلعت الحرب في أبريل 2023 بسبب خلافات حول الدمج بين الجيش وقوات الدعم السريع، بعد التعاون معا في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.

وبشأن ما إن كانت فكرة توحيد المؤسسة العسكرية لا تزال مطروحة في الوقت الراهن، ترى كرار أن الأمر "ضروري وحيوي من أجل ضمان وحدة السودان وأمن السودانيين".

وتوضح أنه رغم التقدم العسكري لقوات الجيش، فإن "المواطنين لا يزالون غير قادرين على العودة بأمان" نحو مناطقهم التي تسمى بـ"المحررة"، في ظل "غياب كل مقومات الحياة وغياب الأمن، مما يستدعي التوافق حول آليات سلمية تنهي الحرب قبل الانتقال نحو إجراءات تشكيل حكومة واقتراح مسار سياسي معين".

على صعيد آخر، يقول الكاتب والصحفي السوداني، عثمان ميرغني، إن تشكيل الحكومة الجديدة كان محل انتظار من القوى السياسية والمجتمعية لسنوات، حيث ظل البرهان يكرر وعوده بتشكيل حكومة وتعيين رئيس للوزراء.

ويضيف في تصريح لموقع "الحرة"، أنه "منذ بداية العام الحالي، تم توجيه دعوة رسمية لطيف واسع من القوى السياسية والمجتمعية المؤيدة للبرهان، للمشاركة في مشاورات بمدينة بورتسودان، والتي أفضت إلى توافق حول وثيقة لإدارة مرحلتين: تأسيسية ثم انتقالية بعد انتهاء الحرب".

ويشير  المتحدث ذاته، إلى أن تسلم البرهان للوثيقة "أثار ضجة كبيرة، خاصة عندما بدأ في كلمته ما يشبه الهجوم على حزب المؤتمر الوطني، ومهادنة بعض المجموعات الأخرى".

ويتوقع ميرغني أن "يستخدم البرهان ورقة تشكيل الحكومة لتحقيق هدفين: كسب المزيد من الوقت، وضمان ولاءات سياسية ومجتمعية جديدة في محاولة لتعزيز قبضته على السلطة".

"خارطة طريق" من 5 محاور

في أعقاب خطاب البرهان في بورتسودان، أصدرت وزارة الخارجية السودانية، الإثنين، بياناً طرحت فيه "خارطة طريق" للخروج من الأزمة الراهنة في البلاد.

وأعلنت الوزارة، أن هذه "الخارطة" جاءت "بعد مشاورات واسعة مع القوى الوطنية والمجتمعية"، وعقب النجاحات التي حققتها القوات المسلحة والقوات المشتركة والمساندة في مختلف المناطق.

وتضمنت خارطة الطريق 5 محاور رئيسية؛ في مقدمتها "اشتراط وضع السلاح وإخلاء الأعيان المدنية كشرط مسبق لأي محادثات مع المتمردين، مع رفض أي دعوة لوقف إطلاق النار قبل رفع الحصار عن الفاشر".

وأكدت الخارطة على "إطلاق حوار وطني شامل لكل القوى السياسية والمجتمعية"، مع الترحيب بـ"كل من يتخذ موقفاً وطنيا وينأى بنفسه عن المعتدين".

كما نصت على تشكيل "حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة لاستئناف مهام الفترة الانتقالية، إلى جانب إجراء التعديلات اللازمة في الوثيقة الدستورية وتعيين رئيس وزراء مدني لإدارة الجهاز التنفيذي دون تدخل".

وشددت الخارطة على "ضمان حرية الرأي والعمل السياسي دون المساس بالثوابت الوطنية، مع التأكيد على حق كل مواطن في الحصول على جواز السفر".

حرب السودان: المرتزقة واللاجئون وضحايا الغارات
حرب السودان: المرتزقة واللاجئون وضحايا الغارات
ناقشت هذه الحلقة تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” الذي كشف عن وجود مرتزقة من كولومبيا يقاتلون في صفوف قوات الدعم السريع. كما تناولت الأوضاع الإنسانية والاخبار التي تتحدث عن غارات تستهدف معسكرات النازحين والمناطق المدنية في دارفور.

واختتمت الوزارة بيانها، بدعوة المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لـ"دعم خارطة الطريق باعتبارها تمثل توافقاً وطنياً لإرساء السلام والاستقرار في البلاد واستكمال مهام الانتقال".

في هذا السياق، يقول ميرغني إن بيان خارطة الطريق "لا يحمل جديداً، حيث سبق طرح محاورها في مؤتمرات وخطابات سابقة"، مشيراً إلى أنها تحتوي على "بنود عامة تفتقر إلى التفاصيل".

غير أنه يشير إلى أن "الجزء الأهم والمتعلق بتشكيل الحكومة، يظل محل خلاف كبير بين القوى السياسية التي لم تشارك في مشاورات بورتسودان".

من جانبه، يرى محي الدين أن الخارطة "امتداد للخطط السابقة وتتوافق مع مخرجات منبر جدة، خاصة فيما يتعلق بانسحاب القوات من المناطق المدنية".

وفيما يتعلق بتوقيت الإعلان عن هذه الخطوة المزدوجة بكلمة البرهان عن الحكومة الجديدة وإصدار الخارجية لخارطة الطريق، يرى محي الدين أنه "يعكس استشعار الحكومة لقرب انتهاء العمليات العسكرية والقضاء على الميليشيات، مما دفعها للتمهيد لمرحلة ما بعد الحرب، عبر إرسال رسائل سياسية واضحة لكافة الأطراف".

ويلفت إلى أن هذا التطور "يتزامن مع نشاط سياسي ملحوظ، حيث قامت بعض القوى والأحزاب السياسية والمكونات المجتمعية بعقد اجتماعات وتقديم رؤيتها حول عملية الانتقال، في نفس يوم خطاب رئيس مجلس السيادة".

ويعتبر المحلل أن هذا التزامن "يؤكد إدراك القيادة العسكرية لطبيعة تحديات المرحلة الانتقالية، وحرصها على العمل مع القوى السياسية الداعمة لها لتحقيق هدفين رئيسيين: القضاء على الميليشيات والشروع في عملية سياسية انتقالية تمهد للتحول المدني الديمقراطي".

وتتهم جماعات حقوقية، الجيش والميليشيات المتحالفة معه، بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القانون وخطف وتعذيب جسدي ونفسي، لا سيما استهداف المجتمعات المشتبه في وجود صلات لها بقوات الدعم السريع.

كما وردت تقارير عن استهداف مدنيين على أساس عرقهم في المناطق التي يسيطر عليها الجيش.

ووردت اتهامات متكررة أيضا ضد قوات الدعم السريع، تتعلق بارتكاب انتهاكات بينها جنسية وأخرى متعلقة بالعنف العرقي، مما دفع الولايات المتحدة إلى اتهامهم رسميا في 7 يناير بارتكاب "إبادة".