FILE PHOTO: Hazy geopolitics means Sudan conflict rages largely unseen
أدى القتال في السودان إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح جماعي

نقل تقرير لمجلة "فورين بوليسي" عن مسؤولين غربيين وعمال إغاثة يعملون في السودان قولهم إنهم منزعجون لقلة الاهتمام الدولي بالصراع الجاري منذ أشهر في هذا البلد.

وأدى القتال بين الجيش السوداني، بقيادة عبد الفتاح البرهان، وميليشيا قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص ونزوح حوالي 9 ملايين منذ بدء الصراع في أبريل 2023. 

واتهمت الولايات المتحدة كلا الجانبين بارتكاب جرائم حرب، وخلصت إلى أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت عمليات تطهير عرقي.

والثلاثاء، بحث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الحاجة لإنهاء الحرب في السودان، وفق ما أفادت الخارجية الأميركية.
 
وقال المتحدث باسم الخارجية، ماثيو ميلر، في بيان إن الجانبين "ناقشا الحاجة الملحة لإنهاء النزاع في السودان بشكل عاجل وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، بما في ذلك عبر الحدود وعبر خطوط القتال، لتخفيف معاناة الشعب السوداني".

وأضاف إن بلينكن ناقش أيضا في المحادثة الهاتفية التي استمرت قرابة 30 دقيقة "استئناف المفاوضات في منبر جدة والحاجة إلى حماية المدنيين وخفض الأعمال العدائية في الفاشر بولاية شمال دارفور".

ويحذر مراقبون وعمال الإغاثة من أنه إذا استمر الصراع ولم تكن هناك استجابة دولية قوية، فمن المرجح أن ينهار السودان وقد نشهد إبادة جماعية مرة أخرى.

وقال آلان بوسويل، خبير شؤون المنطقة في مجموعة الأزمات الدولية "لا يسعك إلا أن تشاهد مستوى التركيز على أزمات مثل غزة وأوكرانيا وتتساءل عما كان يمكن أن تفعله 5 بالمائة فقط من هذه الطاقة في سياق مثل السودان، وكم كان من الممكن إنقاذ آلاف وعشرات الآلاف من الأرواح". 

خارطة  الصراع

استولى القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس قوات الدعم السريع، محمد حمدان  دقلو، بشكل مشترك على السلطة من حكومة انتقالية في انقلاب عام 2021. 

بعدها، تصاعدت التوترات بين الجانبين وأخيراً اندلعت الحرب في أبريل 2023.

وفي الأشهر الـ 13 التي تلت ذلك، عززت قوات الدعم السريع مواقعها حول العاصمة الخرطوم، ما أجبر القوات المسلحة السودانية على نقل مقرها إلى مدينة بورتسودان الساحلية. 

وحققت قوات الدعم السريع مكاسب مطردة في السيطرة على دارفور والتقدم جنوبًا وشرقًا ضد القوات المسلحة السودانية. 

ولا تزال القوات المسلحة السودانية تسيطر على المناطق المحيطة بالخرطوم وحتى نهر النيل، وهو طريق استراتيجي حيوي إلى مصر؛ على طول ساحل البحر الأحمر، والحدود الشرقية مع إثيوبيا وإريتريا.

حرب بالوكالة

توسع الصراع أيضًا ليتحول إلى حرب إقليمية كاملة بالوكالة. 

وتدعم مصر والسعودية، وكذلك إيران، القوات المسلحة السودانية، في حين تفيد التقارير أن دولة الإمارات تقوم بنقل الأسلحة والإمدادات العسكرية إلى قوات الدعم السريع. 

وبحسب ما ورد تتلقى قوات الدعم السريع أيضا دعما من تشاد ومن روسيا من خلال مجموعات المرتزقة التابعة لها.

وتتركز نقطة الصراع الآن في الفاشر، عاصمة شمال دارفور ومركز القتال. 

وسيطرت قوات الدعم السريع على مساحات شاسعة من غرب وجنوب السودان في حربها ضد القوات المسلحة السودانية. 

والفاشر هي آخر معقل للقوات المسلحة السودانية في دارفور وتحتل موقعا استراتيجيا مهما لطرق التجارة من ليبيا وتشاد المجاورتين.
 

وتعد الفاشر مركزا رئيسيا للمساعدات في الإقليم الغربي الذي يعيش فيه ربع سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة، وهي العاصمة الوحيدة بين عواصم ولايات الإقليم التي لا تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

ومؤخرا، بدأت قوات الدعم السريع تقدمها نحو الفاشر حيث لجأ ما يقدر بنحو 2 مليون إلى 2.8 مليون مدني هربا من القتال. (لكن من الصعب الحصول على أرقام دقيقة).

وحذرت أليس نديريتو، المستشارة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمنع الإبادة الجماعية، في اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، من خطر الإبادة الجماعية  قائلة إن "التهديد حقيقي، وينمو كل يوم".

وكان تقرير مطول أصدرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" وثق كيف ارتكبت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها فظائع واسعة النطاق، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي وقتل الأطفال ومذابح المدنيين عندما استولت على مدينة الجنينة السودانية العام الماضي. 

ويحذر المسؤولون الأميركيون والأمم المتحدة، وخبراء حقوق الإنسان من أن نفس الشيء سيحدث على الأرجح إذا سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر "ولكن على نطاق أوسع بكثير" وفق تعبير المجلة. 

واتهمت الولايات المتحدة وجماعات الإغاثة، القوات المسلحة السودانية بمنع دخول المساعدات الغذائية الحيوية إلى البلاد، كما اتهمت قوات الدعم السريع بنهب مخزونات المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى تفاقم الأزمة ودفع مناطق البلاد أقرب إلى المجاعة.

وقال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل والذي يدير مشروعاً بحثياً يراقب الصراع في السودان، إن "معدل الوفيات المحتمل هنا يتجاوز التوقعات". 
وتابع متسائلا "ماذا سيحدث عندما تسيطر قوات الدعم السريع على الفاشر؟"

وأضاف "هناك احتمال وقوع ضحايا بنفس مستوى ما حدث في هيروشيما وناغازاكي"، في إشارة إلى القنابل الذرية الأميركية التي أسقطتها على اليابان في الحرب العالمية الثانية والتي أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 225 ألف شخص.

إهمال؟

لطالما شجبت منظمات الإغاثة والمسؤولون الذين يعملون في السودان الإهمال النسبي للصراع في السودان مقارنة بأوكرانيا أو الحرب في غزة. 

ويواجه نحو 20 مليون شخص خطر المجاعة في مناطق مختلفة من السودان. 

وقال بوزويل "قلة قليلة من الأشخاص الذين لا يعملون في السودان يعرفون أن دارفور على حافة المجاعة". 

وتوفر منشورات الرئيس الأميركي جو بايدن على وسائل التواصل الاجتماعي حول غزة مقابل السودان نافذة أخرى، وإن كانت غير كاملة، على الاهتمام الذي يتلقاه كل صراع. 

وقام بايدن بالتغريد عن إسرائيل أو غزة 107 مرة على الأقل في الأشهر الستة منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 التي أشعلت الحرب الجديدة بين إسرائيل وحماس. 

ومنذ أن بدأت الحرب في السودان قبل أكثر من عام، قام بالتغريد عن السودان أربع مرات - ثلاث منها كانت حول إخلاء السفارة الأميركية في الخرطوم مباشرة بعد اندلاع القتال.

وتواجه جماعات الإغاثة ضغوطا للحصول على الموارد اللازمة لمعالجة الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب. 

وفي فبراير، حذرت منظمة أطباء بلا حدود من أنه في مخيم واحد فقط للاجئين في شمال دارفور، يموت طفل كل ساعتين بسبب سوء التغذية. 
وفي أبريل، في الذكرى السنوية الأولى للصراع، قالت جماعات الإغاثة إن خطة الاستجابة الإنسانية الدولية لمساعدة السودانيين لم تمول سوى 6 بالمائة فقط. 

وفي مؤتمر للمانحين في ذلك الشهر في باريس، تعهدت الدول بتقديم مبلغ إضافي قدره ملياري دولار، على الرغم من أن هذا لا يزال حوالي نصف ما تقدره مجموعات الإغاثة باحتياجات البلاد.

وعين بايدن مبعوثًا خاصًا للسودان في فبراير، وهو توم بيرييلو، من ولاية فرجينيا والمخضرم في وزارة الخارجية. 

وقد رحب معظم الخبراء بجهود بيرييلو الجديدة لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار في الأشهر التي تلت ذلك وإشراك المشرعين الأميركيين لجلب المزيد من أدوات القوة والتمويل الأميركي للتأثير على المشهد في السودان، لكنهم يخشون أيضًا أن جهوده قد تكون قليلة مقارنة لما يحدث للمدنيين المحاصرين في الفاشر.

لدى الدبلوماسيين ومسؤولي المساعدات العاملين في السودان بعض النظريات حول سبب قلة الاهتمام بالفظائع في دارفور مقارنة بدرجة الاهتمام بما حدث العام 2006 في ذات المنطقة " لكن لا شيء يعطي إجابة كاملة" تقول "فورين بوليسي".

وفي عام 2006، كانت الولايات المتحدة في ذروة "حملتها ضد الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. 

وقالت نيكول فيدرسهايم، المسؤولة الكبيرة السابقة في مجلس الأمن القومي والتي تعمل الآن مع "هيومن رايتس ووتش" إنه في ذلك الوقت كان السودان، في عهد الدكتاتور السابق عمر البشير، قد أعطى ملاذاً آمناً لأسامة بن لادن أثناء قيامه ببناء شبكة عالمية تابعة لتنظيم القاعدة".

وتابعت "لذلك فإن مهاجمة البشير والإبادة الجماعية التي ارتكبها في دارفور صيغت بشكل جيد مع أولويات مكافحة الإرهاب للحكومة الأميركية".

وكانت ذكريات التدخلات الدولية الفاشلة والناجحة لوقف الإبادة الجماعية ــ رواندا في عام 1994 والبلقان في وقت لاحق من ذلك العقد، على التوالي ــ لا تزال حاضرة نسبيا في أذهان صناع السياسات.

فالحملات الغربية المكلفة في أفغانستان، والعراق، وليبيا، والتي كشفت فيما بعد عن أوجه القصور والانتكاسات الناجمة عن التدخلات العسكرية، كانت لا تزال جارية.

كما أنها سبقت الحقبة الحالية من المنافسة بين القوى العظمى، حيث تركز واشنطن بشكل مكثف على مواجهة روسيا والصين. 

ويتنافس السودان أيضًا مع الحروب المستمرة في غزة وأوكرانيا على الاهتمام الدولي والموارد الإنسانية. 

وأشار مراقبون إلى أن العنصرية المتأصلة في السياسة الخارجية الغربية لعبت دوراً. 

قال أحد المسؤولين "يُنظر إليها على أنها حرب أخرى في أفريقيا مثل كل الحروب الأخرى". 

وخلص الخبراء إلى أنه لا يوجد عامل واحد يمكن أن يفسر "عدم الاكتراث" بما يحدث في السودان.

ويقول خبراء إن الإهمال النسبي الذي تلقاه السودان من أعلى المستويات في القوى الغربية التي يمكن أن يكون لها تأثير في الضغط على الأطراف المتحاربة في السودان للجلوس لمحادثات السلام قد أدى إلى الحالة الراهنة للحرب التي طال أمدها.

واستضاف بايدن الرئيس الكيني ويليام روتو في زيارة دولة هذا الأسبوع، حيث دعا الجانبان "الأطراف المتحاربة في السودان إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق والالتزام الفوري بوقف إطلاق النار" .

وفشلت محادثات وقف إطلاق النار المتعاقبة في جدة السعودية خلال العام الماضي، والتي توسطت واشنطن والرياض، في التوصل إلى أي اتفاق دائم. 

ولم يرأس هذه المحادثات من الجانب الأميركي مسؤول كبير في البيت الأبيض أو وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ولكن مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، مولي بي.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".