الحرب في دارفور
الحرب في دارفور أجبرت الآلاف على النزوح واللجوء - أرشيفية

سلط مقال رأي في مجلة " فورين بوليسي" الضوء على الانتهاكات والفظائع التي تطال المدنيين جراء الحرب في السودان، بما في ذلك القتل على أساس عرقي والتهجير وطرد السكان.

وكشف المقال الذي كتبه معتصم علي ويونا دايموند، المستشاران القانونيان في مركز راؤول والنبرغ لحقوق الإنسان، عن تحركات قانونية لإدانة قوات الدعم السريع، منتقدا تحركات المجتمع الدولي، قائلا إنها "أقل مما حدث في الحرب السابقة بدارفور".

وشهد إقليم دارفور غربي السودان، في عام 2003، حربا طاحنة بين عدد من الحركات المسلحة وبين الجيش، المدعوم وقتها من ميليشيا الجنجويد، مما خلف الآلاف من القتلى وشرد أكثر من مليوني شخص، وفق الأمم المتحدة.

وفي عام 2009، أصدرت نفس المحكمة الجنائية الدولية، مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، كأول رئيس تلاحقه أثناء ولايته، بعد أن اتهمته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، وذلك بعد تحركات وإدانات دولية.

وأشار المقال إلى أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يصدر خلال الحرب الحالية سوى قرار واحد، بعد نحو عام من بدء الصراع، دعا فيه إلى وقف مؤقت للأعمال العدائية.

وذكر المقال أن "الحرب الحالية في السودان يتم تصويرها على أنها صراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع أنها تحولت في دارفور إلى عنف عرقي، الأمر الذي يتطلب استجابة فورية من المجتمع الدولي".

وأدت الحرب الدائرة، منذ 15 أبريل عام 2023، إلى مقتل آلاف السودانيين، من بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.

وتشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، المدينة الأخيرة التي يسيطر عليها الجيش في الإقليم، مواجهات عنيفة بينه وقوات الدعم السريع، مما يهدد سكانها الذين يبلغ عددهم ما يصل إلى 2.8 مليون نسمة.

يعاني نحو 18 مليون شخص في السودان من الجوع الحاد
صراع أوسع وسيناريو أسوأ.. تحذيرات من "تجاهل" السودان
مع مرور أكثر من عام على الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، ازدادت المخاوف من تحولها إلى صراح إقليمي شامل أو أن يصبح السودان دولة فاشلة في ظل غياب اتفاق على تحقيق سلام دائم أو مسار نحو انتقال سياسي يقود إلى حكومة مدنية.

ويلفت المقال إلى أن الهجوم على الفاشر من شأنه أن يضع الآلاف على حافة المجاعة والتشريد، إذ لا يوجد مكان يذهبون إليه، وتعد المدينة ملاذا تاريخيا لضحايا الحروب التي شهدها إقليم دارفور.

وذكر الكاتبان، علي ودايموند، وهما مستشاران قانونيان، أنهما كانا عضوين في لجنة أشرفت على "أول تحقيق دولي" مستقل عن "الإبادة الجماعية" بالسودان، شارك فيه عشرات الحقوقيين والباحثين من جميع أنحاء العالم، "خلص إلى أن قوات الدعم السريع مسؤولة عن ارتكاب الإبادة الجماعية في دارفور".

وشارك في التحقيق مدعون عامون ومؤسسون للمحاكم الجنائية الدولية وخبراء في تحقيقات الإبادة الجماعية. إذ "تطابقت المخرجات مع تقرير صدر عن هيومن رايتس ووتش عن حملة الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الدعم السريع في دارفور"، بحسب المقال.

وقال الكاتبان: "توصل التحقيق إلى أن قوات الدعم السريع تتلقى دعما عسكريا وماليا ودبلوماسيا مباشرا من الإمارات، الأمر الذي يدعمه أيضا فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالسودان، الذي وجد أدلة موثوقة على قيام الإمارات بتوفير أسلحة ثقيلة لقوات الدعم السريع".

وأشار المقال إلى أن مجموعة من أعضاء الكونغرس الأميركي أرسلت، في ديسمبر عام 2023، رسالة إلى وزير خارجية الإمارات تحثه على وقف الدعم العسكري الإماراتي لقوات الدعم السريع.

وكان مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، طالب مجلس الأمن، في أبريل الماضي، بإدانة الإمارات، وقال إن "الصراع في السودان ما كان سيستمر إلى عام، لولا الدعم العسكري الذي تقدمه الإمارات الراعي الإقليمي لميليشيا الدعم السريع".

وبعد أن وصفها مندوب السودان بـ"الراعي الإقليمي" لتمرد قوات الدعم السريع، دفعت أبوظبي برد رسمي إلى مجلس الأمن الدولي، رفضت فيه ما سمتها "الادعاءات الزائفة" عن اتهامها بتغذية الصراع في السودان.

وقال مندوب الإمارات لدى الأمم المتحدة، محمد أبوشهاب، في الرد الذي سلمه لمجلس الأمن، إن "نشر المعلومات المضللة، والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان".

اتهامات جديدة للإمارات بدعم قوات الدعم السريع
الإمارات قد تكون الهدف.. ما هي "لجنة ملاحقة الدعم السريع" وما فرص نجاحها؟
في مسار قانوني جديد، شكّل رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، لجنة لرفع دعاوى أمام المحاكم والمنظمات الإقليمية والدولية، ضد قوات الدعم السريع وقادتها، والدول المساندة لها، وفق ما أوردت وكالة الأنباء السودانية.

ويرى الكاتبان أن الطريقة الوحيدة لوقف "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها قوات الدعم السريع في الفاشر، والانتهاكات في مناطق أخرى، هي فرض عقوبات فورية على مرتكبي الفظائع. 

وشهدت قرية ود النورة بولاية الجزيرة في الخامس من يونيو، هجوما من قوات الدعم السريع أوقع أكثر من 120 قتيلا، بحسب مجلس السياسي السوداني. 

وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، بأنها تلقت "تقارير تفيد بمقتل ما لا يقل عن 35 طفلا" في الهجوم.

ونقل البيان عن مديرة اليونيسف، كاترين راسل، قولها إنها "شعرت بالرعب من التقارير التي تفيد بمقتل ما لا يقل عن 35 طفلا وإصابة أكثر من 20 طفلا خلال الهجوم".

ودعا الكاتبان الولايات المتحدة للعمل مع الشركاء الإقليميين لحماية المدنيين في الفاشر، كما ناشدا الرئيس الأميركي، جو بايدن، توجيه الدعوة علنا إلى الإمارات لوقف دعمها لقوات الدعم السريع. 

وأكدا في مقالهما أنه "ما لم توقف الإمارات العربية المتحدة دعمها، فإن قوات الدعم السريع ستستمر في ارتكاب الفظائع التي تستهدف المدنيين العزل".

وأدت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص وإصابة آلاف آخرين، بينما دفعت سكانه إلى حافة المجاعة.

وقالت المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، الاثنين، إن عدد النازحين داخليا في السودان وصل إلى أكثر من 10 ملايين شخص.

وأوضحت المنظمة أن العدد يشمل 2.83 مليون شخص نزحوا من منازلهم قبل بدء الحرب الحالية، بسبب الصراعات المحلية المتعددة التي حدثت في السنوات الأخيرة.

وأشارت المنظمة الأممية إلى أن أكثر من مليوني شخص آخرين لجؤوا إلى الخارج، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر.

ويعني عدد اللاجئين خارجيا، والنازحين داخلياً، أن أكثر من ربع سكان السودان البالغ عددهم 47 مليون نسمة نزحوا من ديارهم.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".