جانب من استقبال وفد قبيلة الرزيقات
جانب من استقبال وفد قبيلة الرزيقات قبل سقوط المسيرة - فيسبوك

في تحركات أثارت موجة من الجدل، شرعت مجموعة من قيادات قبيلة الرزيقات التي ينتمي إليها قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، في لقاءات علنية مع مسؤولين في الحكومة السودانية، وقادة من قبائل أخرى.

وتباينت الآراء بخصوص تلك التحركات بين من يرى أنها تهدف إلى التبرؤ من الدعم السريع، وتأكيد المساندة للجيش، وبين من يشير إلى أنها تأتي في سياق تحركات أهلية ترمي لإنهاء الحرب.

والأسبوع الماضي، التقت مجموعة من قبيلة الرزيقات برئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، في مقر الحكومة المؤقت، في مدينة بورتسودان الساحلية.

وبحسب إعلام مجلس السيادة، فإن البرهان تسلم من المجموعة القبلية "رؤية ومصفوفة تهدف إلى إيقاف الحرب"، مؤكدا على أن "التمرد لا يمثل قبيلة الرزيقات، وإنما يمثل أسرة آل دقلو".

ويرى المحلل السياسي، أشرف عبد العزيز، أن "لقاء البرهان والمجموعة القبلية، جاء في إطار دعوة قدمها الجيش إلى تنسيقية قبيلة الرزيقات".

وقال عبد العزيز لموقع "الحرة" إن "معظم الذين ظهروا من قبيلة الرزيقات في لقاء البرهان من قيادات نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير".

ولفت المحلل السياسي إلى أن "تلك التحركات تهدف إلى إيقاف عمليات انضمام أبناء القبائل العربية في دارفور إلى قوات الدعم السريع، باعتبار أن تلك القبائل مصنفة كحاضنة اجتماعية لها".

وأضاف: "لقاءات المجموعة القبلية مع نافذين ومسؤولين تؤكد أن الحكومة غيرت موقفها الذي كان لا يميز بين القبائل العربية الدارفورية وبين قوات الدعم السريع، إذ كثيرا ما يساوي الخطاب الحكومي الرسمي بين الطرفين".

وترأس وفد قبيلة الرزيقات الذي التقى بالبرهان في بورتسودان، الضيف عيسى عليو، وهو مسؤول محلي سابق في نظام البشير.

في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، عز الدين المنصور، أن "تحركات وفد قبيلة الرزيقات ترمي إلى التبرؤ من الجرائم والانتهاكات الواسعة التي تورطت فيها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في عدد من المناطق السودانية".

وقال المنصور لموقع "الحرة" إن "القبائل العربية في دارفور، تضررت من تلك الانتهاكات، لأن غالبية المنتمين إلى قوات الدعم السريع ينحدرون منها، ولذلك سعت التحركات إلى تعديل صورة تلك القبائل عند السودانيين".

وأشار أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية إلى أن "هناك تحركات سرية أخرى يقوم بها بعض قادة القبائل العربية في دارفور، توازي هذه التحركات المعلنة، والفارق بينها أن التحركات غير المعلنة تسعى لإيقاف الحرب وحقن الدماء، وليس تأكيد المساندة للجيش، على نحو ما تقوم به التحركات المعلنة".

وتبرأ عدد من قادة القبائل العربية في دارفور من اللقاء الذي جرى في بورتسودان، مشيرين إلى أن المجموعة القبلية التي قابلت البرهان، "لا تمثلهم، وأنها تمثل نفسها"، وفق ما ورد في بيانات رسمية.

وأعلن عدد من القادة الميدانيين في قوات الدعم السريع رفضهم تحركات مجموعة الضيف عليو، وفق ما جرى نشره في منصات إعلامية تابعة لقوات الدعم السريع.

في المقابل، ساند قادة أهليون بارزون ومسؤولون سابقون في نظام البشير اللقاء، مشددين على أنه "أكد على موقف القبائل العربية الدارفورية التي ترفض الانتهاكات ضد المدنيين الأبرياء".

وفي أحدث تحركاتها، زارت المجموعة القبلية التي يقودها الضيف عيسى عليو، القيادي الأهلي مصلح نصار الرشيدي في منزله في إحدى مناطق مدينة شندي بولاية نهر النيل، شمالي السودان.

وحضر اللقاء قادة أهليون من بعض مناطق شمال السودان، كما شارك فيه مناصرون للجيش السوداني، وفق ما ذكرت صحف سودانية محلية.

وبعد دقائق من انتهاء الفعالية، سقطت طائرة هجومية مسيرة على منزل الرشيدي الذي استضاف وفد قبيلة الرزيقات، بحسب ما أعلن الصحفي السوداني بكري المدني، الذي حضر اللقاء.

وقال المدني في صفحته على موقع فيسبوك، إن "الطائرة المسيرة ضربت مقدمة باب غرفة الرشيدي الخاصة، بعد خروجه وابنه منها، مما أدى إلى تضرر الغرفة والجدران والأثاث وتحطم الباب الخارجي".

ومع أن المدني أشار إلى أن العملية "محاولة لاغتيال الرشيدي"، إلا أن عبد العزيز يرى أن "قوات الدعم السريع تعد المستفيد الأول من الحادثة".

وأضاف قائلا "مع أنه لا يوجد ما يؤكد الاتهام، إلا أن قوات الدعم السريع، المستفيد الأول من الحادثة. وإذا ثبت أنها الفاعل، فهذا يدلل على أنها تملك جهاز استخبارات فعال".

وبالنسبة، للمنصور، فإن "قوات الدعم السريع أطلقت الطائرة المسيرة، لتحقيق 3 أهدف، أولها الانتقام من المجموعة القبلية التي تتحرك دون رغبتها".

وثاني تلك الأهداف "الانتقام من الرشيدي الذي كان مقربا من حميدتي، قبل أن يعلن موقفا داعما للجيش، وثالثها، إصابة هدف في مدينة شندي التي يتوعد قادة ميدانيون في الدعم السريع بدخولها، لأن أكثرية أهلها يعلنون موقفا صارما ضد الدعم السريع". 

وبعد الحادثة ظهر الرشيدي في مقطع فيديو، مؤكدا عدم حدوث أي ضرر، قائلا إنه "سيستمر في دعم الجيش السوداني في معركة الكرامة التي تهدف للحفاظ على السودان من المرتزقة والعملاء".

ولا تقع مدينة شندي في مناطق الاشتباكات المباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكنها تعرضت في أبريل الماضي إلى هجوم من 3 طائرات مسيرة، دون خسائر، وفق ما أعلن متحدث باسم الجيش.

وذكرت وسائل إعلام سودانية وقتها أن المضادات الأرضية في الفرقة الثالثة مشاة في المدينة، تمكنت من إسقاط 3 طائرات مسيرة حاولت استهداف مقر الفرقة.

وتعرضت مدن عطبرة والقضارف والفاو، البعيدة عن دائرة الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلى القصف بطائرات مسيرة، في حين لم تعلن قوات الدعم السريع مسؤوليتها عن تلك العمليات الهجومية.

ولم يصدر من قوات الدعم السريع أي بيان رسمي يؤكد مسؤوليتها عن الطائرة التي استهدفت منزل الرشيدي.

ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 حربا دامية بين الجيش بقيادة، عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو، أعقبتها أزمة إنسانية عميقة.

وأسفرت الحرب في السودان عن مقتل عشرات الآلاف بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.

لكن ما زالت حصيلة قتلى الحرب غير واضحة، فيما تشير بعض التقديرات إلى أنها تصل إلى "150 ألفا"، وفقا للمبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو.

كذلك، سجل السودان قرابة عشرة ملايين نازح داخل البلاد وخارجها منذ اندلاع المعارك، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.

وتعرضت البنية التحتية للبلاد إلى دمار هائل، في حين بات سكانها مهددين بالمجاعة.

سودانيون فروا من العنف المتصاعد في مخيم للنازحين
الحرب في السودان أودت بحياة عشرات الآلاف

سقط قتلى وجرحى في قصف لقوات الدعم السريع، الخميس، على مناطق إيواء النازحين بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

وقالت مصادر طبية للحرة إن نحو 10 أشخاص قتلوا وأصيب 70 آخرون معظمهم من النساء والأطفال جراء القصف.

وأوضحت المصادر أن القصف استهدف مراكز الإيواء الواقع في حي (الثورة جنوب) بصورة مكثفة واستخدمت فيه جميع الأسلحة.

ويأتي ذلك بعد مقتل خمسة أشخاص في قصف لقوات الدعم، الثلاثاء، على مخيم زمزم للنازحين الذي يشهد مجاعة في شمال دارفور، بحسب التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور وهي إحدى منظمات المجتمع المدني.

والثلاثاء، أعلن والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة أن عمليات قصف نفّذتها قوات الدعم السريع طالت مدينة أم درمان، أسفرت عن مقتل 65 شخصا على الأقل.

وقُتل 176 شخصا على الأقل خلال يومين من الضربات التي نفذها الجيش وقوات الدعم السريع في أنحاء مختلفة من السودان، وفقا لمعطيات قدّمها مسؤولون ونشطاء ومحامون الثلاثاء.

وأودت الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع بحياة عشرات الآلاف وشردت 12 مليون شخص وتسبّبت بما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة.

والجمعة، أعربت قوات الدعم السريع عن رفضها انعقاد امتحانات الشهادة السودانية في أواخر ديسمبر الجاري، ووصفت انعقادها بأنه يأتي ضمن سياسات مدروسة تهدف إلى تقسيم البلاد.

وقالت القوات في بيان، إن انطلاق الامتحانات في مناطق بعينها دون سائر ولايات البلاد يؤكد عدم الاكتراث لمستقبل مئات الآلاف من الطلاب في مختلف المناطق.

والثلاثاء، اتّهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين في ولاية جنوب كردفان في الفترة من ديسمبر 2023 إلى مارس 2024.

واتهمت المنظمة الجماعات بارتكاب "جرائم حرب" بما فيها "القتل والاغتصاب والاختطاف لسكان النوبة، فضلا عن نهب منازل وتدميرها" وحضّت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي على نشر بعثة لحماية المدنيين في السودان.