نازحون سودانيون
الحرب في السودان أجبرت الملايين على النزوح واللجوء - فيسبوك

كشفت مراصد حقوقية عن تفاقم الأوضاع الإنسانية في مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار، عقب الاستيلاء عليها بواسطة قوات الدعم السريع، في وقت أكد فيه ناشطون انقطاع الكهرباء وشبكة الاتصالات في أنحاء واسعة بالولاية، مما فاقم معاناة السكان.

وأعلنت قوات الدعم السريع، الاثنين، سيطرتها على اللواء 67 مشاة في مدينة الدندر، وذلك بعد يومين من إعلان استيلائها على الفرقة 17 في مدينة سنجة، السبت.

وتداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو، تظهر عمليات نزوح واسعة من المدينة التي تقع جنوب شرق السودان، باتجاه ولاية القضارف في شرق السودان.

وذكر تجمُّع شباب سنار في صفحته بمنصة (إكس)، أن معظم مستشفات الولاية خرجت عن الخدمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وانعدام الوقود.

وأشار التجمُّع إلى أن عمليات النزوح مستمرة من سنجة وعدد من المدن والمناطق الأخرى، مثل ود العيس والدالي، مؤكدا استقرار الأوضاع في سنار، مع استمرار عمليات النزوح منها لليوم الثالث.

ونشر تجمُّع شباب سنار معلومات عن فقدان مجموعة من الأطفال وكبار السن بعد دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة سنجة، مؤكدا أن الولاية تعيش حالة من انعدام الوقود.

وذكرت صحف ومواقع إخبارية محلية، أن مبادرة "مفقود"، وهي مبادرة تنشط لرصد المفقودين والمخفيين قسريا، وثقت فقدان 17 طفلا أثناء دخول قوات الدعم السريع إلى سنجة، وأثناء فرار ذويهم خارج المدينة.

ومنذ أكثر من أسبوع تحاول قوات الدعم السريع الاستيلاء على مدينة سنار، لكن الجيش والتشكيلات التي تقاتل معه، تصدت لتلك المحاولات.

والاثنين الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على منطقة جبل موية الاستراتيجية، التي تربط بين ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض.

وبعد يومين من دخولها جبل موية، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار، مما وضع آلاف المدنيين أمام خطر الموت أو النزوح.

 

وأوضح الناشط المجتمعي في ولاية سنار، مازن علي، أن معظم أحياء سنجة وبعض مناطق الولاية تعرضت إلى علميات نهب وسرقة، بعد دخول قوات الدعم السريع.

وقال علي لموقع الحرة، إن "غالبية المؤسسات الحكومية تعرضت للاقتحام والسرقة والنهب بواسطة متفلتين ومعتادي إجرام وبعض الخلايا النائمة".

وأشار إلى أن "أكثرية مناطق ولاية سنار تواجه معاناة سوداوية وتعيش حالة من القلق، على اعتبار أن ما جرى في سنجة من الممكن أن يتكرر في مدن ومناطق أخرى، ولذلك شرع كثير من السكان في عمليات نزوح استباقية".

وأظهر تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، التابع للأمم المتحدة، الخميس، أن هناك خطرا حقيقيا من حدوث مجاعة في 14 منطقة بالسودان، إذا تصاعدت الحرب.

وذكر التقرير أن تلك المناطق تشمل أجزاءً من العاصمة الخرطوم ودارفور وكردفان وولاية الجزيرة، وهي المناطق التي شهدت أعنف القتال.

ووفقا للتقرير فإن عدد الأشخاص الذين يعانون من أزمة الجوع ارتفع بنسبة 45 بالمئة، ليصل إلى 25.6 مليون يمثلون أكثر من نصف السكان.

ويواجه نحو 8.5 مليون، أي ما يقرب من خُمس السكان، نقصا في الغذاء يمكن أن يؤدي إلى سوء التغذية الحاد والوفاة، أو يتطلب استراتيجيات تعامل طارئة.

وبدوره، أكد المنسق الرئيس لنداء الوسط، معمر موسى، نزوح أكثر من 10 آلاف شخص من مدينة سنجة إلى مناطق بشرق السودان، خاصة مدينة القضارف.

وقال موسى لموقع الحرة، إن "عمليات النزوح تتم وسط مخاطر عالية يتعرض لها النازحون، خاصة عمليات السلب والنهب التي يقوم بها عناصر من قوات الدعم السريع".

وأشار إلى أن النازحين من سنجة إلى مدينة القضارف يواجهون مصيرا مجهولا، إذ أن هناك نقصا في مراكز الإيواء بالقضارف، مما يجعل الوافدين إليها أمام خطر البقاء في الشارع بلا مأوى.

ولفت منسق نداء الوسط إلى أن قوات الدعم السريع درجت على تحويل المستشفيات في المناطق التي تسيطر عليها إلى ما يشبه الثكنات العسكرية.

وتوقع أن يتكرر ذات السيناريو في مستشفيات سنجة وغيرها من المرافق الصحية في ولاية سنار، بما في ذلك احتجاز الطاقم الطبي قسرا لعلاج مصابي الدعم السريع.

ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 حربا دامية بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، أعقبتها أزمة إنسانية عميقة.

وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف، بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.

لكن ما زالت حصيلة قتلى الحرب غير واضحة فيما تشير بعض التقديرات إلى أنها تصل إلى "150 ألفا"، وفقا للمبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو.

كذلك، سجل السودان قرابة 10 ملايين نازح داخل البلاد وخارجها منذ اندلاع المعارك، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".