حذرت منظمات طوعية من مصير غامض يواجه آلاف النازحين الذين فروا من ولاية سنّار بوسط السودان، إلى مناطق بشرق البلاد، مشيرة إلى أنهم يواجهون "أسوأ كارثة إنسانية" منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وتضاعفت أعداد الفارين من ولاية سنّار عقب استيلاء قوات الدعم السريع على عدد من مدن الولاية، بما في ذلك عاصمتها سنجة، في 29 يونيو الماضي، إذ اتجه معظم الفارين إلى مدينتي القضارف وكسلا بشرق السودان.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أفاد الثلاثاء، بأن أكثر من 55400 شخص فرّوا من مدينة سنجة، مع امتداد النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى المدينة.
والخميس، أعلنت حكومة ولاية القضارف، في بيان، عن استقبال أكثر من 120 ألف نازح من الفارين من القتال بولاية سنّار.
وبحسب ناشطين ومنظمات طوعية، فإن آلاف النازحين يعيشون بلا مأوى لليوم الخامس على التوالي، بينما اكتظت دور الإيواء في ولاية القضارف بالهاربين من جحيم الحرب.
*الان في ولاية القضارف ملاييين النازحين .. فيهم من نزح من الخرطوم إلى ولاية الجزيرة ثم إلى ولاية سنار ومناطقها والأن إلى ولاية القضارف وكسلا، يحتاجون إلى الدعم والمساعدات الإنسانية والوقوف مع غرف الطوارئ والاهالي والجمعيات الخيرية من أجل مساعدتهم#الحرب_القذره pic.twitter.com/e98dZvBC8U
— د/كمال الشريف (@kamalshref) July 7, 2024
وفي أحدث إحصائية، أعلنت منظمة شباب من أجل دارفور، المعروفة بـ"مشاد"، الأحد، عن فقدان أكثر من 500 مدني، بينهم 95 طفلا دون سن الثامنة عشر، أثناء فرارهم من سنّار.
وقال رئيس منظمة "مشاد"، أحمد عبد الله، لموقع الحرة، إن "النازحين من سنّار يعيشون ظروفا غاية في الصعوبة، وبعضهم يعيش في العراء لأيام، بسبب امتلاء دور الإيواء بالنازحين".
وأشار عبد الله إلى أن النساء والأطفال وكبار السن واجهوا ظروفا صعبة جدا، إذ قطع كثيرون مسافات طويلة سيرا على الأقدام، هربا من القتال.
وأكد رئيس منظمة "مشاد"، وفاة 3 من كبار السن، بسبب نقص الغذاء والإجهاد، خلال رحلة الهرب، مشيرا إلى غرق 4 أشخاص، حاولوا عبور النيل الأزرق، الأحد.
وكشف عن تعرُّض سيدتين للإجهاض، خلال رحلة الفرار من ولاية سنّار، لافتا إلى أن 4 من النساء الحوامل وضعن أطفالهن بسلام في الطريق إلى القضارف.
ولفت إلى أنه لا يوجد أي تدخل حاليا من المنظمات الإقليمية والدولية لتقديم العون والإغاثة، مشيرا إلى أن بعض الأهالي نفذوا مبادرات لإعانة النازحين.
وأضاف "للأسف هذه المبادرات الشعبية والمجتمعية، مع أنها مطلوبة ومهمة، لكنها أقلّ من حجم الكارثة والمعاناة التي يواجهها النازحون".
وكانت لجان المقاومة في سنّار، أكدت الخميس، غرق 25 شخصا، أغلبهم من النساء والأطفال، بنهر النيل الأزرق، أثناء محاولتهم الفرار في زورق خشبي من ولاية سنّار.
ونفت قوات الدعم السريع كل ما ورد من قبل المنظمة، وقالت إنها مشبوهة وتشوه الحقائق.
وقال رئيس المكتب الإعلامي لقوات الدعم السريع، نزار سيد أحمد، في حديثه لموقع "الحرة" إن "منظمة مشاد عبارة عن جسم تم إنشاؤه من قبل الحركة الإسلامية، وهي عبارة عن شخص واحد ليس لها مكاتب أو موظفين على الأرض".
وأضاف أحمد أن هذا "يعني ليس هناك مؤسسة اسمها مشاد، هناك شخص منتمي للحركة الإسلامية يقوم بنشر معلومات مضللة تخدم مصالح الحركة الإسلامية".
ووفقا للتعريف الرسمي لمشاد على صفحتها في فيسبوك، فهي "منظمة محلية، إقليمية، دولية غير حكومية وغير ربحية تعمل في المجال الإنساني، وتقدم المساعدات الإنسانية، والقانونية، والتنموية.
ولدى المنظمة نحو 15 ألف متابع على صفحتها في موقع فيسبوك.
هذا الصور توثق معاناة النازحين الذين فروا من مدينة سنجة بعد دخول قوات الدعم السريع المدنية، هم في ولاية كسلا مدرسة كسلا الصناعية DVS تطلق مناشدة انسانية عاجلة لكل المنظمات الدولية والمحلية. pic.twitter.com/cJytvQwozk
— Darfur Victims Support (@dvs2030) July 7, 2024
وبدورها، أعلنت مبادرة "مفقود" التي تتابع حالات المفقودين من المدنيين خلال المعارك والاشتباكات، أن "عدد الأطفال المفقودين، ومن ضمنهم أطفال رضع وحديثي ولادة، بلغ 91 طفلا من أطفال مدينة سنجة".
وأظهر تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، التابع للأمم المتحدة، الخميس، أن هناك خطرا حقيقيا من حدوث مجاعة في 14 منطقة بالسودان، إذا تصاعدت الحرب.
وذكر التقرير أن تلك المناطق تشمل أجزاءً من العاصمة الخرطوم ودارفور وكردفان وولاية الجزيرة، وهي المناطق التي شهدت أعنف القتال.
ووفقا للتقرير فإن عدد الأشخاص الذين يعانون من أزمة الجوع ارتفع بنسبة 45 بالمئة، ليصل إلى 25.6 مليون يمثلون أكثر من نصف السكان.
ويواجه نحو 8.5 مليون، أي ما يقرب من خُمس السكان، نقصا في الغذاء يمكن أن يؤدي إلى سوء التغذية الحاد والوفاة، أو يتطلب استراتيجيات تعامل طارئة.
ولفت المحلل السياسي، طارق عثمان، إلى أن الذين نزحوا من ولاية سنّار إلى القضارف، يواجهون خطرا حقيقيا، كونهم يعيشون في مراكز تفتقر إلى مطلوبات الصحة.
وقال عثمان الذي يقيم في القضارف، لموقع الحرة، إن "النازحين من سنّار جرى استقبالهم في الميناء البري للمدينة، الذي يفتقر لدورات المياه، مما يعرض النازحين للخطر، خاصة أن القضارف تشهد حاليا معدلات عالية من الأمطار".
ولفت إلى أن الميناء البري عبارة عن "هنغر" كبير مشيد من الحديد، وأنه لا يزال تحت التشييد، ولم يدخل الخدمة بصورة رسمية، مما يعني أنه لا يفي بمتطلبات السلامة، كما لا يراعي خصوصية النازحين.
وأشار المحلل السياسي إلى أن معظم دور الإيواء في مدينة القضارف مكتظة بالنازحين، "ومع ذلك لم يعد أمام كثير من نازحي ولاية سنّار سوى الانضمام إلى بعض تلك الدور".
وأضاف "المشكلة الأكبر، أن بعض مقار المدارس التي كانت تأوي النازحين شرعت في استئناف الدراسة، وذلك رغم إقامة بعض النازحين فيها، مما يعكس حجم المعاناة التي يعيشها الفارون من الحرب".
وأوضح عثمان أن أحد رجال الأعمال السودانيين، وجدي ميرغني، خصص 80 فدانا لإقامة مخيم لإيواء الفارين من ولاية سنّار، "لكن لم يتم تنفيذ خطوات فعلية لإنشاء المخيم حتى الآن".
ونوّه إلى أن بعض الناشطين والحقوقيين طرحوا مبادرة على حكومة ولاية القضارف بأن يتم استخدام بعض المباني الحكومية التي لم يكتمل إنشاؤها لإيواء النازحين".
وتابع قائلا "صحيح أن تلك المباني ليست مشيدة بالكامل، لكن إذا تم تركيب إنارة، وتنفيذ دورات مياه ومرافق صحية، يمكن أن تكون حلا يساعد على تقليل معاناة النازحين، الذين يعيشون وضعا كارثيا بحق".
ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 حربا دامية بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، أعقبتها أزمة إنسانية عميقة.
وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف، بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.
لكن ما زالت حصيلة قتلى الحرب غير مؤكدة، فيما تشير بعض التقديرات إلى أنها تصل إلى "150 ألفا"، وفقا للمبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو.
كذلك، سجل السودان قرابة 10 ملايين نازح داخل البلاد وخارجها منذ اندلاع المعارك، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة.