اجتمعت في القاهرة، السبت، القوى السياسية والمدنية السودانية في مؤتمر تبنته مصر، بهدف إيجاد حلول سياسية للأزمة في السودان، حيث نتج عنه بيان ختامي يدعو إلى "إيقاف الحرب"، دون عقد اجتماعات مشتركة بين الأطراف المشاركة.
وذكر بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، الأحد، أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التقى وفدا سودانيا من المشاركين في المؤتمر وشدد على أن "مصر لن تدخر أية محاولة، في سبيل رأب الصدع بين مختلف الأطراف السودانية، ووقف الحرب، وضمان عودة الأمن والاستقرار، والحفاظ على مقدرات الشعب السوداني".
وشدد السيسي "على ضرورة أن يتضمن الانتقال للمسار السياسي للأزمة، مشاركة كافة الأطراف، وفقا للمصلحة الوطنية السودانية دون غيرها، وأن يكون شعار (السودان أولا) هو المحرك لجميع الجهود الوطنية المخلصة، فضلا عن ضرورة أن ترتكز أية عملية سياسية ذات مصداقية على احترام مبادئ سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها".
"رفض الجلسات المشتركة"
وفي افتتاح "مؤتمر معا لوقف الحرب في السودان"، السبت، قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إن "أي حل سياسي حقيقي للأزمة في السودان لا بد وأن يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم"، وفق بيان صادر عن الوزارة.
ومع ذلك، رفضت الكتلة الديمقراطية المتحالفة مع الجيش خلال المؤتمر عقد جلسات مشتركة مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" التي تتهمها الكتلة بالتعاطف مع قوات الدعم السريع، حسب وكالة رويترز.
فيما نقلت وكالة فرانس برس عن مصادر من الجانبين قولها إن مسؤولين حكوميين بينهم نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، ووزير المالية، جبريل إبراهيم، وحاكم دارفور، مني مناوي، رفضوا عقد لقاء مباشر مع رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية.
واعتبر المحلل السياسي السوداني، عمسيب عوض، أن "جولة مفاوضات القاهرة تهدف بشكل أساسي إلى تقريب وجهات النظر أكثر من الوصول إلى اتفاق كامل لحل الأزمة السودانية".
وأضاف لموقع "الحرة" أن "الأزمة السودانية معقدة، وتشمل أطرافا من داخل وخارج السودان. وأن مصر، التي تضررت بشكل كبير جدا من الحرب، تحاول جاهدة لإيجاد حلول من خلال هذا المؤتمر".
أين الحل؟
لكن إيقاف الحرب في السودان بحاجة إلى مخاطبة الأطراف التي أشعلت الحرب بشكل مباشر والتعامل معها (الجيش والدعم السريع)، حسب عمسيب.
ويتفق مع هذا، المحلل السياسي والصحفي السوداني، شوقي عبد العظيم، الذي قال في اتصال هاتفي مع موقع "الحرة" إن "مؤتمر القاهرة معني بمعالجة الخلافات السياسية وإعادة المسار المدني الديمقراطي. ولكن في كل الأحوال فإن الحل يكمن في يد الجيش وقوات الدعم السريع، حيث يتعلق دور القوى السياسية بالمسار الديمقراطي فيما بعد المصالحة".
وأضاف عبد العظيم، الذي يقيم حاليا في القاهرة: "البيان الختامي لمؤتمر القاهرة، يشير إلى اتساع قاعدة القوى السياسية والمدنية الرافضة للحرب في السودان، حيث أن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وأيضا الكتلة الديمقراطية المؤيدة للجيش واستمرار الحرب، اتفقتا على ضرورة إنهاء هذه المأساة".
وفي البيان الختامي للمؤتمر، السبت، طالبت القوى السياسية والمدنية السودانية بالوقف الفوري للحرب، بما يشمل آليات وسبل مراقبة الوقف الدائم لإطلاق النار ووقف الأعمال العدائية.
وأكد البيان على ضرورة الالتزام بإعلان جدة والنظر في آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب، كما اتفق المجتمعون على تشكيل لجنة لتطوير النقاشات ومتابعة هذا المجهود من أجل الوصول إلى السلام.
"لا وجود لأطراف النزاع!"
وسبق أن رعت الولايات المتحدة والسعودية جولات تفاوض عدة بين طرفي النزاع في السودان بمدينة جدة من دون أي نتيجة.
وأشارت الولايات المتحدة مؤخرا إلى إمكانية استئناف المحادثات في جدة، إلا أن المعارك مستمرة بلا هوادة مع تحقيق قوات الدعم السريع مكاسب ميدانية وتقدمها نحو شرق البلاد الخاضع لسيطرة الجيش.
والسبت، قال المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، في تصريح لفرانس برس إنه على الرغم من عدم عقد المعسكرين لقاءا مباشرا، أثبتت القاهرة أنه من الممكن "جمع لاعبين أساسيين من مختلف الأطياف السياسية".
وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، هي تحالف يدعو لإنهاء الحرب ويضم أحزابا مؤيدة للديمقراطية وجماعات مسلحة ومنظمات من المجتمع المدني.
فيما تضم الكتلة الديمقراطية المتحالفة مع الجيش عددا من قادة الجماعات المسلحة المشاركة في القتال.
ولم يحضر ممثلون عن الجيش ولا قوات الدعم السريع المحادثات في القاهرة، وأكد هذا عبد العظيم، لكنه أشار إلى أن "هناك بعض الشخصيات التي ينظر إليها البعض على أنها موالية سواء للجيش أو الدعم السريع، مثل مالك عقار، وعبد الله حمدوك".
وحمدوك يعد من أبرز الشخصيات السياسية في السودان، لكنه متهم بالتقرب من قوات الدعم السريع المتهمة بدورها بارتكاب فظائع بما في ذلك جرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي، وفقا لوكالة فرانس برس.
أما مالك عقار، فهو نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، وكان القائد السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان "جناح الشمال"، والتي تشكلت عام 2011، في أعقاب استقلال جنوب السودان، وهي إحدى حركات التمرد المسلحة التي قاتلت إلى جانب جنوب السودان.
بدوره، قال عوض إن "المؤتمر لم يصل إلى صيغة أو تفاهمات واضحة حول حل الأزمة السودانية، وذلك لتباين مواقف الأطراف المشاركة. كما أن إيقاف الحرب في السودان، في حاجة إلى مخاطبة الأطراف التي أشعلت الحرب".
وفي رد على موقع "الحرة"، قال المستشار القانوني لقوات الدعم السريع، محمد المختار النور، إن قوات الدعم السريع لم تتلق دعوة رسمية للمشاركة في مؤتمر القاهرة حول السودان الذي عقد السبت.
وأكد النور أن "قوات الدعم غير معنية بهذا المؤتمر"، مشيرا إلى "علمه بأنه مخصص للقوى المدنية" لكنه لفت إلى وجود أطراف من الحرب، مثل حركة العدل والمساواة جناح جبريل إبراهيم، من بين المشاركين".
واعتبر النور أن هذه الأطراف لا يمكن أن تكون جزءا من الحل، وأن خطاباتها خلال المؤتمر كانت تدعو للحرب، "التي أشعلها الكيزان (جماعات الإسلام السياسي) وسببت معاناة كبيرة للشعب السوداني".
ورغم ذلك، أعرب النور عن تقديره للمخرجات الإيجابية التي خرج بها المؤتمر، خاصة فيما يتعلق بالدعوة إلى وقف الحرب والدعوة إلى العودة لمنبر جدة وغيرها من الإجراءات الإيجابية من الأطراف المدنية الفاعلة التي تساهم في رفع المعاناة عن الشعب السوداني، على حد قوله.
في المقابل لم يتسن لموقع "الحرة" الحصول على تعليق من المجلس السيادي الانتقالي في السودان أو الجيش السوداني، حتى تاريخ نشر هذه المادة.
الكثير من المبادرات؟
يشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 حربا دامية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أدت إلى أزمة إنسانية كبرى.
وانهارت المحادثات التي استضافتها مدينة جدة السعودية، العام الماضي، بين الجيش وقوات الدعم السريع تحت رعاية الولايات المتحدة والسعودية، حيث تبادل الطرفان الاتهامات بعدم تنفيذ اتفاق ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية"، جرى توقيعه في 11 مايو 2023، كشرط للعودة إلى طاولة التفاوض من جديد.
كما فشلت وساطات الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، حيث قاطع البرهان، في يناير الماضي، قمة "إيغاد" التي استضافتها أوغندا، لمناقشة الشأن السوداني، اعتراضا على دعوة قدمتها الهيئة إلى دقلو للمشاركة في القمة.
ولم يكن مؤتمر القاهرة المبادرة الوحيدة في الوقت الراهن، إذ من المقرر أن يعقد الاتحاد الأفريقي اجتماعا يضم مختلف الأطراف السودانية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا منتصف الشهر الحالي.
مع ذلك، قال عوض خلال حديثه إن كثرة المبادرات لحل الأزمة السودانية لا تجدي نفعا، بل إن الفاعلية هي مفتاح الحل، حيث شدد على ضرورة حصول أي مبادرة على قبول من جميع الأطراف المتصارعة في السودان، بما في ذلك الأطراف الداعمة لها من الخارج، وإلا فإنها ستكون مقدرة بالفشل.
وأضاف عوض أن "الاتحاد الأفريقي والدول الأفريقية الفاعلة، ومن بينها مصر، هم الجهات المُناسبة للتدخل في الوقت الحالي لحل الأزمة السودانية. لكن يجب أن تكون الاجتماعات مباشرة بين أطراف الحرب لتكون أكثر فاعلية، وأن يكون التعامل بشفافية".
بدوره، أكد عبد العظيم أن "كثرة المبادرات قد تتسبب في تشتت الجهود، حيث أن هناك منافسة فيما يتعلق بالملف السوداني على المستويين الدولي والإقليمي".
وأسفرت الحرب منذ العام الماضي عن مقتل وجرح عشرات الآلاف، بينهم نحو 15 ألف شخص في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء بالأمم المتحدة.
لكن ما زالت حصيلة قتلى الحرب غير واضحة، فيما تشير بعض التقديرات إلى أنها تصل إلى "150 ألفا" وفقا للمبعوث الأميركي الخاص للسودان.
وسجل السودان أكثر من 10 ملايين نازح داخل البلاد، بينهم أكثر من 7 ملايين شخص نزحوا بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع العام الماضي.
كما دفعت الحرب حوالي مليونين ونصف مليون شخص إلى الفرار إلى الدول المجاورة. كما دمرت إلى حد كبير البنية التحتية للبلاد التي بات سكانها مهددين بالمجاعة.
ومع عدم وجود "حلول جدية تلوح في الأفق من المبادرات المطروحة"، وفق عبد العظيم، فإن ما تحتاجه بلاده في الوقت الراهن "هو تدخل من أطراف قوية لإقناع أو إجبار المتحاربين - قوات الدعم السريع والجيش - على وقف هذه الحرب".
ورفض قائد الجيش، الدخول في أي مفاوضات مباشرة مع قائد الدعم السريع، وقال في مطلع هذا الشهر، إن "الجيش لن يخضع لأي ابتزاز، ولن يدخل في أي تفاوض يسلب هيبته، ولا يلبي طموح الشعب السوداني".
بدوره، شدد عوض على ضرورة مخاطبة الأطراف التي أشعلت الحرب في السودان بشكل مباشر والتعامل معها لحل الأزمة.