أوضاع إنسانية قاسية يعيشها ملايين السودانيين والبلاد أمام مصير غامض
أوضاع إنسانية قاسية يعيشها ملايين السودانيين والبلاد أمام مصير غامض

في محاولة جديدة لإنهاء حرب السودان، أعلن الاتحاد الأفريقي عن حوار بين عدد من المكونات السياسية السودانية، بغية التوصل إلى مسار يؤسس لوقف القتال وإطلاق عملية سياسية تعيد البلاد إلى مسار الاستقرار.

وتأتي تحركات الاتحاد الأفريقي بعد المؤتمر الذي استضافته القاهرة، الأحد، وشاركت فيه قوى سياسية سودانية، بهدف البحث عن سبل لحل أزمة السودان.

ولم يتفق المشاركون في مؤتمر القاهرة على مخرجات البيان الختامي، إذ رفضت قوى مساندة للجيش التوقيع على البيان، لأنه لم يتضمن إدانة واضحة وصريحة "للانتهاكات" التي ترتكبها قوات الدعم السريع.

وقاطعت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" التي يقودها رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، مؤتمر الحوار الذي أطلقه الاتحاد الأفريقي، على الرغم من مشاركتها في مؤتمر القاهرة.

وأرجع القيادي في التنسيقية، شريف محمد عثمان، المقاطعة إلى "عدم وضوح أجندة الفعالية، بجانب وجود ممثلين لنظام الرئيس السابق، عمر البشير".

وقال عثمان لموقع الحرة، إن "نجاح أي تحركات تهدف لإنهاء أزمة السودان، رهين بمشاورة القوى الفاعلة بخصوص أجندة الاجتماع والأطراف المشاركة، مع أهمية الابتعاد عن الإملاءات والحلول المفروضة، ولذلك على الاتحاد أن يراجع طريقته في هذا المسار".

ولفت إلى أن موقف التنسيقية معلن مسبقا عن ضرورة وقف الحرب وإجراء عملية سياسية شاملة وواسعة، بمشاركة كل الأطراف السياسية والمهنية، عدا المؤتمر الوطني، حزب النظام السابق.

وتقول تنسيقية "تقدم" إنها تقف على الحياد، وإنها لا تنحاز إلى أي من طرفي الحرب، بينما يتهمها موالون للجيش بمساندة قوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه التنسيقية.

وانضمت حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية، بقيادة عبد العزيز الحلو، وحزب البعث، إلى قائمة الذين قاطعوا الحوار الذي أطلقه الاتحاد الأفريقي، اعتراضا على بعض المشاركين.

وكان الاتحاد الأفريقي حذر، في يونيو الماضي، من أن السودان يواجه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ودعا "للضغط على الأطراف الخارجية التي تؤجج الصراع، من خلال توفير الأسلحة للمتحاربين".

البرهان وآبي أحمد
حسابات أمنية ومواجهة "تحركات مصرية".. لماذا ذهب آبي أحمد إلى السودان؟
في أول زيارة له منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الثلاثاء، إلى بورتسودان المدينة الساحلية التي اتخذها قادة الجيش السوداني عاصمة لإدارة شؤون البلاد، وأجرى مباحثات مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان.

ورحب تحالف القوى المدنية لشرق السودان بمبادرة الاتحاد الأفريقي، لكنه دعا إلى تأجيل الحوار لمزيد من التشاور، ولضمان مشاركة كل القوى المدنية والحركات المسلحة الفاعلة.

وفي المقابل، أعلنت قوى سياسية مساندة للجيش السوداني المشاركة في حوار الاتحاد الأفريقي، أبرزها الكتلة الديمقراطية التي رفضت التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر القاهرة.

ويرى أستاذ العلوم السياسية، عثمان المرضي، أن مبادرة الاتحاد الأفريقي يمكن أن تساهم في زيادة الاصطفاف الذي يدعو إلى تفعيل المسار السلمي التفاوضي لحل الأزمة السودانية، بعدما فشل خيار الحسم العسكري، بواسطة أي من طرفي القتال.

وقال المرضي لموقع الحرة، إن "القوى المساندة للجيش كانت ترفض مبدأ الحوار لحل الأزمة السودانية، لكن مشاركتها في مؤتمر القاهرة دللت على أنها غيرت من موقفها الداعي للحسم العسكري، ما يعد نقطة إيجابية مهمة".

ولفت إلى أن الاتحاد الأفريقي تحرّك بكثافة في أزمة السودان لأن الدول الأعضاء في الاتحاد استشعرت خطر تداعيات حرب السودان عليها، وخاصة دول الجوار السوداني.

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن الاتحاد الأفريقي يتحرك من باب المصالح والتخوفات المشتركة، ما يجعل مبادرته أقدر على إحداث اختراق في الأزمة.

وأضاف "لم تكن مقاطعة تنسيقية "تقدم" لمبادرة الاتحاد الأفريقي قرارا موفقا، كونها تعلن مواقف تدعو إلى إيقاف الحرب، ولذلك كان من الأوجب أن تشارك في الحوار، كونه يدعم موقفها الاستراتيجي".

من جانبه، يرى خبير الحوكمة وإدارة الأزمات، الطاهر عبد المنعم، أن "تحركات الاتحاد الأفريقي في الشأن السوداني لن تقود إلى إحداث اختراق حقيقي، لأن الاتحاد لا يملك أدوات ضغط على الطرفين المتحاربين، ولا على الأطراف السياسية".

وقال عبد المنعم لموقع الحرة،إن "المقاطعة التي أعلنتها قوى سياسية مؤثرة لمبادرة الاتحاد، أكبر دليل على عدم فاعليته وقدرته على التأثير، مع أن تلك القوى تتخذ من أديس أبابا التي يوجد بها مقر الاتحاد الأفريقي، مقرا لكثير من قادتها، ومركزا رئيسا لمعظم أنشطتها السياسية".

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن الاتحاد الأفريقي وكذلك هيئة التنمية الحكومية في شرق أفريقيا "إيغاد"، سبق أن أعلن عن تحركات لجمع قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، مع قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان "حميدتي"، لكن التحركات فشلت في جمع الرجلين".

وفشلت مبادرة قادتها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا "إيغاد"، في يناير الماضي، لجمع البرهان وحميدتي في لقاء مباشر، رغم موافقة الرجلين على اللقاء من حيث المبدأ.

وقاطع البرهان قمة هيئة "إيغاد" التي استضافتها أوغندا في 18 يناير، لمناقشة الشأن السوداني، اعتراضا على دعوة قدمتها الهيئة إلى حميدتي للمشاركة في القمة.

ويختلف المرضي مع عبد المنعم بخصوص تأثير الاتحاد الأفريقي وتحركاته، ويشير إلى أن الاتحاد مضى في طريق لم تتطرق له المبادرات التي سعت لحل أزمة السودان، مشيرا إلى أن "الاتحاد دعا أطرافا فاعلة، جرى تجاهلها سابقا".

وأضاف قائلا: "اختار الاتحاد أن يمضي في مسار أكثر واقعية، إذ دعا ممثلين لنظام الرئيس البشير إلى المشاركة في الحوار، وهي خطوة ذكية وشجاعة لأن كثيرين يعتقدون أن نظام البشير يؤثر على قرار الجيش".

وتابع "اعتقد إذا ضمنت مبادرة الاتحاد الأفريقي لقادة نظام البشير أن حزبهم سيكون جزءا من العملية السياسية التي تعقب إيقاف الحرب، فإن ذلك سيدفهم لإنجاح المبادرة، من خلال عناصرهم داخل الجيش".

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أنه يتوجب على الاتحاد الأفريقي أن يشرع في إنهاء تعليق عضوية السودان، لضمان دعم الجيش السوداني لمبادرته، "لأن الجيش يرهن تعاطيه مع الاتحاد بإعادة السودان إلى عضويته".

وأضاف: "من الممكن أن تسهم زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى السودان، التي جرت الثلاثاء، في تغيير مواقف قادة الجيش ناحية الاتحاد الأفريقي، بحيث تصبح إيجابية بدلا من التوتر الذي شاب علاقة الطرفين".

وكان الاتحاد الأفريقي علّق عضوية السودان، عقب استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر 2021 وإطاحته حكومة رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك. 

في الجانب الآخر، يرى عبد المنعم أنه من الأفضل للاتحاد الأفريقي أن يدعم المبادرة السعودية الساعية لإنهاء الحرب في السودان، كونها مبادرة أكثر فاعلية، وتمكنت من تحقيق بعض النجاحات".

وأضاف "يريد الاتحاد الأفريقي أن يقول إنني موجود، ويمكن أن ألعب دورا في حل أزمة السودان، لكن الواقع يشير إلى أن تحركاته السابقة لم تثمر شيئا، مما يوحي إلى أن تحركاته الحالية لن تحقق أي نتائج مبشرة".

ولفت المتحدث ذاته، إلى أن مشاركة عناصر من نظام الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، نقطة ضعف وليس عامل قوة، "بدليل أن القوى السياسية الرئيسية والحركات المسلحة الفاعلة، قاطعت مبادرة الاتحاد الأفريقي اعتراضا على تلك المشاركة".

ووقع الجيش وقوات الدعم السريع في 11 مايو 2023، اتفاقا في مدينة جدة، برعاية من السعودية والولايات المتحدة، ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية".

ويتبادل الطرفان الاتهامات بعدم تنفيذ الاتفاق، بينما يشترط الجيش تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في 11 مايو للعودة إلى طاولة التفاوض من جديد.

وفشلت مبادرات دولية وإقليمية في إعادة الطرفين إلى طاولة المفاضات، مجددا. والاثنين، زار نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، السودان، وسلم البرهان دعوة لاستئناف التفاوض.

وتمسك البرهان بعدم مشاركة أي أطراف تساند قوات الدعم السريع، أو تدعمها بالسلاح، في جهود حل أزمة السودان، بحسب وسائل إعلام سودانية محلية.

وأدت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص وإصابة آلاف آخرين، بينما دفعت سكان السودان إلى حافة المجاعة.

وقالت المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، في يونيو الماضي، إن عدد النازحين داخليا في السودان وصل إلى أكثر من 10 ملايين شخص.

وأوضحت المنظمة أن العدد يشمل 2.83 مليون شخص نزحوا من منازلهم قبل بدء الحرب الحالية، بسبب الصراعات المحلية المتعددة التي حدثت في السنوات الأخيرة.

وأشارت المنظمة الأممية إلى أن أكثر من مليوني شخص آخرين لجأوا إلى الخارج، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر.

ويعني عدد اللاجئين خارجيا، والنازحين داخليا، أن أكثر من ربع سكان السودان البالغ عددهم 47 مليون نسمة نزحوا من ديارهم.

ثلثا النازحين في شرق السودان لا يمكنهم الحصول على غذاء كاف
ثلثا النازحين في شرق السودان لا يمكنهم الحصول على غذاء كاف

حذر المجلس النرويجي للاجئين الجمعة من أن أكثر من ثلثي الأسر النازحة في شرق السودان لا تستطيع توفير ما يكفي من الغذاء، داعيا إلى تحرك دولي لمساعدة هذه المجتمعات التي تقف "على شفا الانهيار".

وقال المجلس في تقرير يستند إلى دراسات استقصائية أجريت على أكثر من 8600 أسرة في ست ولايات بشرق السودان إن 70 في المئة من الأسر النازحة و56 في المئة من الأسر المضيفة في شرق السودان "غير قادرين على توفير ما يكفي من الغذاء بسبب ارتفاع الأسعار وفقدان الدخل"، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.

السودان يشهد حربا منذ أبريل 2023

وأوضح التقرير أن الغالبية الساحقة من الأسر المضيفة 95 في المئة وغالبية كبيرة من النازحين 76 في المئة أفادوا أيضا خلال هذه الدراسات الاستقصائية بأنهم لم يتلقوا أي مساعدة غذائية خلال الأشهر الستة الماضية.

وقال مدير المجلس النرويجي للاجئين في السودان، ويل كارتر في بيان إن "مدن شرق السودان وقراه كانت هشة أساسا" قبل أن يتدفق عليها النازحون.

وأضاف أن النازحين والمجتمعات المضيفة لهم أصبحوا الآن "على شفا الانهيار"، كما أن حجم الاحتياجات "يتجاوز ما يمكن للاستجابة الإنسانية الحالية التعامل معه إذا لم تحصل على دعم عاجل".

وحذر المجلس النرويجي للاجئين من أن التحرك الدولي ضروري "لتكثيف المساعدة الإنسانية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الحيوية والاستثمار في سبل العيش لتجنب مزيد من زعزعة الاستقرار".

يواجه ما يقرب من ثلثي النازحين نقصا خطرا في الرعاية الصحية. أرشيفية

وقال كارتر "يجب على العالم أن يقف إلى جانب جميع المتضررين من هذه الحرب الرهيبة".

ومنذ أبريل 2023، تشهد السودان حربا بين جنرالين: قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.

مشروع أميركي لفرض عقوبات على المتحاربين في السودان
حلقة هذا الأسبوع من بين نيلين ناقشت مشروع قانون في مجلس النواب الأميركي يفرض عقوبات على القادة المتحاربين في السودان ومنع بيع الأسلحة الأميركية للدول التي تغذي الصراع. كما تطرقت لزيارة المبعوث الأميركي الخاص توم بيرييلو للإقليم من أجل التوصل إلى حل يوقف الصراع. كما ناقشت تطورات الوضع الميداني والتقدم العسكري الذي يوصف بالأكبر منذ بدء الحرب، للجيش السوداني في عدة مناطق، لاسيما وسط البلاد في وقت تعتبر فيه الأزمة الإنسانية السودانية هي الأسوأ عالميا.

وتواصل الأمم المتحدة التحذير من خطورة الوضع الإنساني الناجم عن هذه الحرب التي خلفت عشرات آلاف القتلى في صفوف المدنيين وشردت أكثر من 11 مليون شخص وأغرقت البلد الواقع في شرق أفريقيا في أسوأ أزمة إنسانية في السنوات الأخيرة.

حوالي نصف السكان يواجهون خطر حدوث مجاعة جماعية

ويواجه ما يقرب من 26 مليون شخص، أي حوالي نصف السكان، خطر حدوث مجاعة جماعية وسط تبادل طرفي الحرب الاتهامات باستخدام الجوع سلاح حرب ومنع وصول المساعدات الإنسانية أو نهبها.

ووفقا لتقرير المجلس النرويجي فإن الخدمات الصحية مثقلة أيضا بالأعباء، إذ يواجه ما يقرب من ثلثي النازحين وأكثر من 40 في المئة من الأسر المضيفة لهم نقصا خطرا في الرعاية الصحية.