متلازمة الجوع والحرب تلاحق السودانيين . أرشيفية
متلازمة الجوع والحرب تلاحق السودانيين . أرشيفية

قد يواجه السودان الذي يشهد حربا أهلية منذ نحو عام ونصف "واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود"، على ما يؤكد خبراء لصحيفة "نيويورك تايمز".

هذا التحذير يتسق مع ما تحدثت به منظمات إغاثية، وحتى مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التابعة للأمم المتحدة، في أواخر يونيو، أن في ظل معاناة نصف السكان من جوع شديد، هناك 14 منطقة في أنحاء البلاد تواجه خطر المجاعة.

ويمر السودان بأسوأ أزمة جوع في العالم منذ اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، وفق ما نقلته رويترز.

ويشير تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز إلى أن الجيش السوداني بمنع إدخال كميات هائلة من المساعدات عبر معبر حدود حيوي، وهو ما يعمق من أزمة الجوع في زمن الحرب.

ونقلت الصحيفة عن جماعات إغاثية أن هذه المساعدات ضرورية لمنع حدوث آلاف الوفيات، ومنع إدخال المساعدات من معابر يؤثر على ما لا يقل عن 2.5 مليون سوداني.

معبر أدري في بؤرة الأزمة

ويتركز الحديث عن معبر أدري الذي يوصل المساعدات القادمة من تشاد إلى دارفور، والتي تقدر بمساحة إسبانيا، وكانت قد عانت من إبادة جماعية قبل عقدين، ويوجد فيها ثماني مناطق على الأقل من بين 14 منطقة مهددة بخطر المجاعة المباشرة.

هذا المعبر يتدفق عبره كل شيء إلا شاحنات المساعدات التي ترسلها الأمم المتحدة، حيث يتدفق اللاجئون والتجار، ودراجات نارية تحمل جلود الحيوانات وعربات تجرها الحمير محملة ببراميل الوقود، وفق الصحيفة.

ويقول الجيش السوداني إن معبر أدري المؤدي إلى ولاية غرب دارفور، التي تطلب منظمات الإغاثة دخولها، يُستخدم في إمداد قوات الدعم السريع بأسلحة بحسب تقرير لوكالة رويترز.

وتشير الصحيفة إلى أن التذرع بتهريب الأسلحة "لا معنى له" إذ يمكن أن تستمر الأسلحة والمقاتلون في التدفق للسودان، الذي يمتلك حدودا طولها أكثر من 1400 كلم، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على العديد من نقاطها.

وحتى معبر أدري، الذي أصدر الجيش أمرا بمنع دخول المساعدات من خلاله قبل أشهر، تقول الصحيفة إن "انعدام إمكانية الجيش على السيطرة على أي شيء يدخل عبره واضح بشكل ملفت"، مشيرة إلى أن المتنقّين يحملون مئات البراميل من الوقود والتي تستخدم لصالح مركبات الدفع الرباعي التابعة لقوات الدعم السريع، والتي تتربع فوقها الأسلحة. 

وتقول الأمم المتحدة إنها يجب "أن تحترم أمر عدم العبور من الجيش" المتمركز في بورتسودان على بعد 1600 كلم إلى الشرق، ولهذا تحتاج شاحنات الأمم المتحدة للذهاب في رحلة شاقة لأكثر من 300 كلم شمالا، إلى معبر التينة الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني، حيث يسمح لها بالدخول باتجاه دارفور.

وتقول منظمات إغاثة إن معبر التينة لا يمكن استخدامه بسبب الأمطار، وهو المعبر الوحيد الذي تسمح الحكومة بالمرور منه إلى إقليم دارفور الذي توجد به معظم البؤر المعرضة لخطر المجاعة.

وتشير الصحيفة إلى أن الرحلة إلى معبر التينة "خطيرة وغير سهلة" وتزيد تكاليف النقل لخمسة أضعاف، ناهيك عن أنه لا يمر إلا جزء بسيط من الشاحنات والمساعدات المطلوبة، ومنذ فبراير لم تدخل سوى 320 شاحنة من المواد الغذائية، فيما يؤكد مسؤولون في الأمم المتحدة أنه بدلا من إدخال آلاف الشاحنات، حولت الأمطار المعبر إلى ما يشبه النهر.

وفي مؤتمر صحفي الخميس، جددت مفوضية العون الإنساني "التزام السودان بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتأثرة جراء انتهاكات مليشيا الدعم السريع"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السودانية "سونا".

ونوه عثمان خوجلي المكلف للعون الإنساني في السودان إلى "التزام الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة في جهود توصيل المساعدات الإنسانية للمناطق المتأثرة، مشيرا إلى الموجهات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمساعدة المنظمات فى عملها وتذليل  العقبات التي تواجه المنظمات في القيام بواجباتها"، على حد تعبيره . 

ونقلت الوكالة السودانية عن خوجلي قوله إن ادعاءات بعض الدول والمنظمات بإعاقة الحكومة لوصول المساعدات "محض افتراء ولا أساس له من الصحة".

وأوضح خوجلي أنه "تم الاتفاق على عدد من المعابر والمطارات مع دول الجوار مع مصر وتشاد وجنوب السودان  لتسهيل عملية الإغاثة وتقديم المساعدات للنازحين".

كما أشار إلى "الدعم الذي تم تقديمه عبر معبر الطينة لعدد  ٦٠٢  شاحنة مواد غذائية تشمل مواد غذائية  وايوائية  مبينا أن معبر أدري لم يصرح للعمل به لاستخدام المليشيا له في أغراض غير إنسانية في نقل السلاح والمرتزقة. ونفى تلقي المفوضية طلبا لإيصال مساعدات من إثيوبيا". 

بين تأكيد للمجاعة.. ونفي وقوعها

ومع إغلاق معبر أدري، منذ فبراير وحتى الآن، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات مرتفعة من الجوع من 1.7 مليون شخص إلى سبعة ملايين نسمة.

من جانبه، نفى وزير الزراعة السوداني، أبو بكر البشري، في المؤتمر الصحفي ذاته الخميس، وجود تواجد مجاعة في البلاد وشكك في بيانات مدعومة من الأمم المتحدة مفادها أن 755 ألف نسمة يعانون من جوع كارثي.

وذكر أن 755 ألف مواطن ليسوا نسبة كبيرة مقارنة بالعدد الإجمالي للسكان، وإنه لا يمكن وصف ذلك بالمجاعة.

ويبلغ عدد سكان السودان 50 مليون نسمة.

نازحون من ولاية سنار بمدينة كسلا في شرق السودان - فرانس برس

ويمكن إعلان المجاعة إذا تعرض ما لا يقل عن 20 بالمئة من سكان منطقة ما لظروف جوع كارثية وإذا عانى الأطفال من سوء التغذية ووقعت وفيات بسبب الجوع.  

وشكك البشري في قدرة الخبراء على قياس بيانات في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وقال إن مؤشرات سوء التغذية لم تتحدد بعد.

وعقب صدور بيانات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، يمكن للجنة مستقلة إعلان حدوث مجاعة، وهو ما يُحتمل أن يدفع مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إلى إصدار أوامر بتجاوز أي قيود يفرضها الجيش على معابر يمكن استخدامها في توصيل المساعدات.

وقال البشري إن الحكومة ترفض مثل هذه الأوامر.

وذكر البشري أنهم يرفضون "طبعا فتح الحدود بالقوة... لأنه قد يفتح لنا حدودا مع دول معادية، وحدودا تسيطر عليها الميليشيا"، بينما قال مسؤول آخر في المؤتمر الصحفي ذاته إن مثل هذا التحرك جزء من "مؤامرة" على البلاد.

"عرقلة غير مقبولة".. وتسييس متعمَّد

السودان يشهد منذ 15 أبريل 2023 حربا دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع

سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، قالت للصحفيين مؤخرا "إن هذه العرقلة غير مقبولة"، في إشارة إلى منع إدخال المساعدات عبر معبر أدري.

المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس الحارث دافع في مقابلة عن إغلاق معبر أدري، وقال إن "الأمم المتحدة سعيدة بترتيب توجيه الشاحنات شمالا لمعبر التينة".

وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتنبأ بحدوث مجاعة في السودان تعتمد على "أرقام قديمة" وتبحث عن "ذريعة للتدخل الدولي".

واتهم الحارث مانحين بـ "تسييس متعمد ودقيق للمساعدات الإنسانية للسودان".

عمال الإغاثة والمسؤولون الأميركيون  يقولون إن قيادة الأمم المتحدة يجب أن "تحث بقوة أكبر" على إعادة فتح معبر أدرية، ويتساءلوا لماذا لا يتم تكثيف الضغط بجعل الشاحنات تصطف أمام المعبر.

ولم يرد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لدى السودان على استفسارات "نيويورك تايمز".

وزارة الخارجية السودانية، اتهمت قبل أسبوعين "ميليشيا الجنجويد" بمواصلة مخططها "الخبيث لإحداث مجاعة في البلاد"، وتعطيل النشاط الزراعي، وتدمير النية التحتية للزراعة، ونهب الآليات، بحسب بيان نقلته وكالة الأنباء السودانية "سونا".

الحرب تسببت بأزمة إنسانية واسعة النطاق في السودان (أرشيف)

وأعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء أنها دعت الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى محادثات سلام في أغسطس المقبل في سويسرا بهدف إنهاء النزاع في السودان.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان إن واشنطن "دعت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات بشأن وقف إطلاق النار، بوساطة الولايات المتحدة، تبدأ في 14 أغسطس في سويسرا".

وأضاف أن المحادثات التي ترعاها أيضا السعودية ستضم الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والأمم المتحدة بصفة مراقب.

وقد أدى النزاع إلى مقتل عشرات الآلاف وتسبب في أزمة إنسانية كبيرة. ولم تثمر الجولات السابقة من المفاوضات التي عقدت في جدة بالسعودية بنتيجة.

وحذرت منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية في تقرير الاثنين، من أن 15 شهرا من الحرب في السودان كان لها تأثير "كارثي" على المدنيين.

ويورد التقرير أن "ما يبدو وكأنه صراع بين طرفي نزاع هو في الواقع حرب ضد الشعب السوداني".

في حين أوقفت منظمات عديدة أنشطتها في البلاد، تواصل منظمة أطباء بلا حدود العمل في ثماني ولايات في جميع أنحاء السودان.

وأجبرت الحرب أكثر من 11 مليون شخص على النزوح داخل السودان وعبر الحدود، وفقا للأمم المتحدة، ودمرت البنية التحتية ودفعت البلاد إلى حافة المجاعة.

وذكر تقرير رعته الأمم المتحدة، ونشر في نهاية يونيو، أن نحو 26 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، يواجهون حاليا "انعداما حادا للأمن الغذائي".

وقد اتهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب لاستهدافهما مدنيين عمدا.

منذ بداية الحرب، اتهم الجيش وقوات الدعم السريع بنهب المساعدات الإنسانية وعرقلة توزيعها، فضلا عن تدمير النظام الصحي الهش أصلا، في حين نفى الطرفان الاتهامات الموجهة بحقهما. 

بيان قوات الدعم السريع تضمن انتقادات شديدة لمصر
بيان قوات الدعم السريع تضمن انتقادات شديدة لمصر

سلطت تصريحات لقوات الدعم السريع السودانية عن مصر الضوء مجددا على الدور المصري في السودان، حيث يدور صراع بين جنرالين متحاربين منذ عام ونصف، أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين.

ووجهت قوات الدعم السريع في السودان تحذيرا شديد اللهجة إلى القاهرة، وكشفت لأول مرة عن وجود "أسرى مصريين" لديها حاليا، قالت إنهم شاركوا إلى جانب الجيش السوداني في الحرب الحالية.

وقال البيان إن "مصر الرسمية، لم تعدّل موقفها المنحاز إلى المؤسسات والأنظمة العسكرية عموماً، وأوقعها التناقض في احتضان الجيش السوداني المختطف كلياً لجماعة "الإخوان المسلمين" في السودان".

وجاء في البيان: "لم تتوقف الحكومة المصرية أبدا عن تقديم الدعم العسكري للجيش من سلاح وذخائر وقنابل الطائرات والتدريب إلى جانب الدعم الفني والسياسي والدبلوماسي والإعلامي".

 ولدى مصر والسودان علاقات تاريخية امتدت عبر فترات مختلفة. 

وقبيل اندلاع الحرب بين قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، ونائبه السابق، قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أجرى البلدان تديبات مشتركة ونسقا مواقفها إزاء ملف سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا، المجاورة، على نهر النيل.

وفي نوفمبر 2020، أكد مصدر عسكري سوداني إجراء كل من مصر والسودان مناورات عسكرية جوية تحت اسم "أسود النيل 1". وقال المصدر لموقع الحرة، آنذاك، إن قاعدة الفريق عوض خلف الله الجوية القريبة من قاعدة مروي الجوية، ستشهد المناورات الجوية المشتركة.

وكان لدى الجيش المصري قوات في قاعدة مروي الشمالية، لدى اندلاع الحرب بين حميدتي والبرهان.

وفي مارس 2021، أعلن الجيش المصري أن قوات سودانية ومصرية نفذت سلسلة من التدريبات العسكرية، وذلك في إطار المناورات لمشتركة "نسور النيل- 2"، في وقت شهدت العلاقات بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم توترا على خلفية قضية سد النهضة.

وفي أبريل 2023، ظهرت بوادر الخلاف بين مصر وقوات الدعم السريع، عندما نشرت الأخيرة مقطع فيديو في 15 أبريل يظهر جنودا مصريين معتقلين لديها. وقالت إن "كتيبة من الجيش المصري سلمت نفسها" في مدينة مروي، وسط المعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع هناك.

وفي البيان الأخير، قالت قوات الدعم السريع: "لم يكن خافيا أسر قواتنا ضباط وجنود مصريين في قاعدة مروي العسكرية، وسلمتهم لاحقاً للحكومة المصرية عبر الصليب الأحمر الدولي".

وأشار البيان إلى الدور المصري في "الانقلاب على الحكومة المدنية للفترة الانتقالية... وتجلى الموقف المصري الداعم للجيش السوداني عسكرياً في محطات معلومة وشواهد مادية... كانت مصر شريكا أساسياً للحركة الإسلامية و"الجيش المختطف" في إشعال الحرب، حيث جمعت طائراتها في مروي، وكانت ضمن الخطة العسكرية لإشعال الحرب".

واتهمت قوات حميدتي الطيران المصري بقصف معسكرات قوات الدعم السريع، ومنها "مجزرة معسكر كرري". وفي مقطع فيديو، نشر في التاسع من أكتوبر الجاري، اتهم "حميدتي"، في فيديو، الجيش المصري بقصف عناصر الدعم السريع في جبل موية بولاية سنار وسط السودان.

وقال حميدتي: "صمتنا كثيرا على مشاركة الطيران المصري في الحرب كي يتراجعوا، لكنهم تمادوا الآن".

وأشار إلى أنه خلال شهر أغسطس الماضي وصلت طائرات k-8 تابعة للجيش المصري القاعدة الجوية في بورتسودان، "وتشارك الآن في القتال، وآخرها في معركة جبل موية". واتهم الطيران المصري كذلك بـ"قتل مئات المدنيين الأبرياء في دارفور والخرطوم والجزيرة وسنار، ومليط، والكومة، ونيالا، والضعين".

ونفى الجيش السوداني، في سبتمبر الماضي، حصوله على طائرات من نوع K-8 من مصر، مؤكدا امتلاكه أسرابا من هذا الطراز من الطائرات منذ أكثر من 20 عاما.

وقال البيان الأخير لقوات الدعم: "تكشف موقف مصر بشكل أوضح في بيان وزارة خارجيتها الذي وصفت فيه قوات الدعم السريع بالمليشيا وهو دليل أخر يدعم موقفنا تجاه الحكومة المصرية التي لا تقف موقف الحياد حيث لم تستحي من إظهار نواياها الحقيقية تجاه قوات الدعم السريع".

وردا على هذا البيان، قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان إن الجيش المصري لا يشارك في المعارك الدائرة بالسودان، ودعت المجتمع الدولي للوقوف على الأدلة التي تثبت حقيقة ما ذكره حميدتي.

وأشارت الخارجية المصرية إلى أن هذه الاتهامات "تأتي في خضم تحركات مصرية حثيثة لوقف الحرب وحماية المدنيين وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية للمتضررين من الحرب الجارية بالسودان".

وأكد البيان أن "مصر حريصة على أمن واستقرار ووحدة السودان أرضا وشعبا، وتشدد على أنها لن تألو جهدا لتوفير كل سبل الدعم للسودان لمواجهة الأضرار الجسيمة الناتجة عن تلك الحرب".

أشرف أبو الهول، مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية، قال لموقع قناة الحرة إن مصر لم تشارك في أي عمليات عسكرية، ولو كانت أرادت ذلك، لفعلته في اللحظة الأولى.

ويشير أبو الهول إلى أن حميدي أشاع أن قواته كانت في طريقها إلى مروي بزعم "وجود احتلال مصري" رغم أن القوات المصرية كانت متواجدة هناك في مهام تدريبية لمساعدة الجيش السوداني في استعادة أراضيه في الفشقة.

وقال أبو الهول: "لم يذكر حميدي الذي كان نائبا للبرهان وشاهدا على اتفاق تدريب القوات المصرية للقوات السودانية أنه سوف ينقلب على البرهان، وسوف يهاجم القوات السودانية في عدة أماكن، بل قال إنه سوف يهاجم القوات المصرية".

ومع ذلك، قال أبو الهول، إن مصر "التزمت الصمت والهدوء ولم تتدخل في هذه الأزمة".

وتقول رويترز إنه رغم قرب مصر من الجيش السوداني وقائده  البرهان، فقد انضمت البلاد إلى جهود الولايات المتحدة والسعودية للتوسط في الصراع.

وشاركت القاهرة في المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة والسعودية، التي بدأت بعد وقت قصير من اندلاع الحرب، في أبريل 2023، بهدف سد الخلافات بين الطرفين وإنهاء القتال.

وأشار تقرير سابق لهيئة الاستعلامات المصرية (مؤسسة حكومية) إلى أنه في مايو 2023 أعربت مصر عن تطلعها لأن تسفر المحادثات الأولية بين ممثلين عن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في جدة، عن وقف شامل ودائم لإطلاق النار، "يحفظ أرواح ومقدرات الشعب السوداني الشقيق، وييسر وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين".

ويقول طاهر المعتصم، المحلل السياسي السوداني، في تصريحات لموقع الحرة، إن التدخل المصري لحل الأزمة بدأ في  يوليو 2023 بدعوة رؤساء دول الجوار إلى عقد قمة، ثم في يوليو 2024 بدعوة القوى المدنية والسياسية السودانية لاجتماع في القاهرة من أجل الخروج باتفاق ينهي الحرب.

وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية إن أي حل سياسي "لا بد أن يستند إلى رؤية سودانية خالصة، دون ضغوط خارجية"، مشدداً على أهمية " وحدة الجيش ودوره" في حماية البلاد.

وقالت صحيفة الأهرام حينها إنه "من خلال استضافة المؤتمر، تحاول مصر فتح حوار سياسي بين السودانيين مع التأكيد على أن أي حل يجب أن يكون من داخل السودان دون أي تدخل خارجي".

واستقبلت مصر عشرات آلاف السودانيين على أراضيها، وساعدت في إجلاء الآلاف.

وفي مارس 2024، استقبلت الخارجية المصرية ممثلي لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوي المعنية بالسودان بهدف تعزيز جهود التوصل لحل شامل ومستدام للأزمة في السودان.

واعتبر أبو الهول في تصريحاته لموقع الحرة اتهامات الدعم السريع بأنها تأتي في إطار مساعي حميدتي لتبرير "الإخفاقات" التي منيت بها قواته، بعد "استعادة الجيش السوداني عافيته وتوجيه ضرباته في عدة مناطق تواجد هذه القوات.

وقال أبو الهول: "مصر منذ البداية، اتخذت قرارا بعدم التدخل في الصراع رغم الادعاءات بِشأن مروي وأنها كان يمكن أن تتخذها ذريعة للتدخل بعد الخسائر التي حصلت للقوات المصرية، من بينها إتلاف ثلاث طائرات تدريب".

جوزيف سيغل، خبير الشؤون الأفريقية في "مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية"، في واشنطن، قال لموقع الحرة إن "المصريين لم يتورطوا بشكل مباشر في الحرب".

لكنه يشير إلى بعض التقارير التي تتحدث عن "بعض التمويل المصري للقوات المسلحة السودانية. وعلى وجه التحديد، تزويدها بطائرات من دون طيار للمساعدة في استعادة بعض الزخم".

ويرى سيغل، الذي يراقب التحركات المصرية في أفريقيا، أن اتهامات حميدتي تهدف إلى "تشتيت الانتباه لحصول قواته على دعم مالي ومادي، منذ بداية الصراع من روسيا، عبر تشاد، وجنوب ليبيا، وجمهورية أفريقيا الوسطى".

وهذا الدعم "كان مستمرا لبعض الوقت وساعد قواته في تحقيق بعض المكاسب".

ولهذا السبب، يحاول حميدتي الآن "تحويل الانتباه عما يحدث فيما يتعلق بمؤيديه الإقليميين والدعم الإقليمي الذي تحصل عليه قواته".

ويرى طاهر المعتصم، المحلل السياسي السوداني، أن قوات الدعم السريع "تبحث عن مشروعية تدخل دول أخرى في شؤون السودان"، مشيرا إلى أنه يبحث حاليا عن دعم بعض الدول مثل إثيوبيا.

ويقول المعتصم إن قوات الدعم ليست لديها أدلة دامغة على مشاركة مصر في عمليات عسكرية لتقدمها.

واتهمت الحكومة السودانية دولة الإمارات بـ"الاستمرار في دعم" قوات الدعم السريع بالذخائر والمركبات القتالية والمسيرات وغيرها، وفق ما قاله وزير الخارجية، حسين عوض، خلال مؤتمر صحفي عقده في بورتسودان، الاثنين.

وأضاف الوزير، وفق ما نقل عنه مراسل الحرة، أن تقارير الأمم المتحدة "أثبتت هبوط 400 رحلة جوية لطائرات تنقل السلاح ومعدات عسكرية إلى مطار أم جرس في شرق تشاد، بالإضافة إلى مطار انجمينا (عاصمة تشاد)".

وسبق أن نفت الإمارات جميع الاتهامات بتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح، وقالت إنها لم ترسل دعما عسكريا لأي من الأطراف المتحاربة في السودان.

وفي يوليو الماضي، قالت البعثة الإماراتية لدى الأمم المتحدة إن الادعاءات التي تشير إلى خلاف ذلك "أكاذيب ومعلومات مضللة، ودعاية ينشرها بعض الممثلين السودانيين".

وزار قائد قوات الدعم السريع إثيوبيا، في ديسمبر الماضي، حيث قال إنه ناقش الحاجة إلى إنهاء سريع للحرب.