التقرير أشار إلى أن أعمار الضحايا تتراوح بين 9 إلى 60 عاما - تعبيرية
التقرير أشار إلى أن أعمار الضحايا تتراوح بين 9 إلى 60 عاما - تعبيرية

قال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، الاثنين، إن الأطراف المتحاربة في السودان، خاصة قوات الدعم السريع، ارتكبت أعمال اغتصاب واسعة النطاق، بما فيها الاغتصاب الجماعي، وأجبرت نساء وفتيات على الزواج في الخرطوم، خلال النزاع الذي اندلع بينها والجيش السوداني في 15 أبريل 2023.

وأضاف التقرير الذي نُشر على موقع المنظمة، أن "مقدمي الخدمات الذين يعالجون الضحايا ويدعمونهن استمعوا إلى إفادات من نساء وفتيات عن احتجازهن لدى قوات الدعم السريع في ظروف قد تصل إلى الاسترقاق الجنسي".

وقالت نائبة مديرة قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، لاتيشيا بدر، إن "قوات الدعم السريع اغتصبت، واغتصبت جماعيا، وأجبرت على الزواج عددا كبيرا من النساء والفتيات في المناطق السكنية في العاصمة السودانية، الخرطوم".

وأضافت بدر أن "الأطراف المتحاربة منعت النساء والفتيات من الحصول على المساعدة وخدمات الدعم، مما أدى إلى تفاقم الأذى الذي يواجهن، ودفعهن إلى الشعور بأنه لا يوجد مكان آمن".

وأشار التقرير إلى أن هيومن رايتس ووتش، قابلت 42 من مقدمي الرعاية الصحية والاختصاصيين الاجتماعيين والاستشاريين النفسيين والمحامين والمستجيبين المحليين، بين سبتمبر 2023 وفبراير 2024.

ولفت التقرير إلى أن 18 من مقدمي الرعاية الصحية، أبلغوا المنظمة أنهم تعاملوا مع 262 ضحية عنف جنسي، تتراوح أعمارهن من 9 إلى 60 عاما، بين أبريل 2023 وفبراير 2024.

وقالت امرأة (20 عاما) تعيش في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع: "نمت وأنا أضع سكينا تحت وسادتي على مدى أشهر، خوفا من مداهمات قوات الدعم السريع التي قد تُفضي إلى الاغتصاب".

وأضافت "منذ بدأت هذه الحرب، لم يعد من الآمن أن تعيش امرأة في الخرطوم تحت سيطرة هذه القوات".

ووصف التقرير الآثار الجسدية والعاطفية والاجتماعية والنفسية التي تعرضت لها الضحايا بأنها "هائلة"، لافتا إلى أن العاملين في مجال الرعاية الصحية التقوا بضحايا طلبن المساعدة بسبب الإصابات الجسدية الشديدة التي تعرضن لها أثناء الاغتصاب والاغتصاب الجماعي.

وأضاف التقرير: "توفيت 4 نساء على الأقل نتيجة لذلك. بينما واجهت العديد من الضحايا اللاتي سعين إلى إنهاء حالات الحمل الناتجة عن الاغتصاب عوائق كبيرة في الوصول إلى خدمات رعاية الإجهاض، في حين فكر بعضهن في الانتحار".

ونقل التقرير عن طبيب نفسي قوله: "تحدثتُ إلى ضحية تعرضت للاغتصاب، واكتشفتُ أنها حامل في شهرها الثالث. كانت مصدومة وترتعش، وخائفة من رد فعل عائلتها. قالت لي: إذا اكتشفوا وضعي سيقتلونني".

ويلفت التقرير إلى أن بعض الضحايا أبلغن مقدمي الخدمات الطبية أنهن تعرضن للاغتصاب من قبل ما يصل إلى 5 من مسلحي قوات الدعم السريع.

وأوضح التقرير أن قوات الدعم السريع اختطفت نساء وفتيات واحتجزتهن في بعض المنازل والمرافق الأخرى التي احتلتها في الخرطوم وبحري وأم درمان، وعرضتهن للعنف الجنسي وغيره من الانتهاكات.

وتابع التقرير "في بعض الأحيان، اعتدى أفراد من قوات الدعم السريع جنسيا على نساء وفتيات أمام أفراد عائلاتهن. كما أجبر عناصر من قوات الدعم السريع بعض النساء والفتيات على الزواج".

وأضاف "نُسب عدد أقل من الحالات إلى أفراد الجيش السوداني، لكن جرى الإبلاغ عن ارتفاع طفيف في الحالات بعد سيطرة الجيش على أم درمان في أوائل 2024. كما تعرض رجال وفتيان أيضا للاغتصاب، بما فيه أثناء الاحتجاز".

ووجد تقرير هيومن رايتس ووتش أن الطرفين المتحاربين منعا الضحايا من الحصول على الرعاية الصحية الطارئة والشاملة.

وأكد التقرير أن الجيش قيّد عمدا الإمدادات الإنسانية، بما فيها الإمدادات الطبية، ووصول عمال الإغاثة، وفرض حصارا فعليا على الإمدادات الطبية التي تدخل المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في الخرطوم منذ أكتوبر 2023.

وأشار التقرير إلى أن قوات الدعم السريع نهبت الإمدادات الطبية واحتلت المرافق الطبية.

وتابع قائلا "أرهب الطرفان المتحاربان واحتجزا وهاجما الأطباء والممرضين والمتطوعين في رعاية الطوارئ، بما فيه لأنهم يدعمون ضحايا الاغتصاب، بينما ارتكب أعضاء قوات الدعم السريع في عدة حالات أعمال عنف جنسي ضد مقدمات الخدمات".

وقالت هيومن رايتس ووتش إن العنف الجنسي، مثل الزواج القسري، عندما يُرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق، أو منهجي، على السكان المدنيين، كما يحدث في السودان، يمكن التحقيق فيه وإجراء محاكمات بشأنه باعتباره جريمة ضد الإنسانية.

المنظمة دعت مجلس الأمن الدولي إلى توسيع حظر الأسلحة ليشمل بقية السودان وتعزيز آليات المراقبة والتحقق
"أمنستي" تطالب الأمم المتحدة بتوسيع حظر الأسلحة ليشمل السودان بأكمله
دعت منظمة العفو الدولية "أمنستي" الأمم المتحدة إلى توسيع حظر الأسلحة المفروض على إقليم دارفور بغرب السودان منذ عام 2005 ليشمل كل أنحاء البلاد، في ظل الحرب المستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من 15 شهرا.

وشدد التقرير على أن العرقلة المتعمدة أو التقييد التعسفي للمساعدات الإنسانية تنتهك القانون الإنساني الدولي، كما أن أعمال النهب والهجمات التي تستهدف المدنيين، بمن فيهم العاملين في مجال الرعاية الصحية والمستجيبين الأوائل، تشكل جرائم حرب.

وأضاف "توجيه الهجمات عمدا ضد عمليات المساعدة الإنسانية، والأفراد والمباني والمركبات، يشكل أيضا جريمة حرب منفصلة تخضع للمحاكمة بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".

ووجد تقرير هيومن رايتس ووتش أن كلا الطرفين المتحاربين لم يتخذا خطوات حقيقية لمنع قواتهما من ارتكاب الاغتصاب، أو مهاجمة مرافق الرعاية الصحية، ولم يحققا بشكل مستقل وشفاف في الجرائم التي ارتكبتها قواتهما.

وأوضح التقرير أنه في 23 يوليو، كتب المتحدث باسم قوات الدعم السريع إلى هيومن رايتس ووتش رافضا المزاعم بأن القوات تحتل مستشفيات أو مراكز طبية في مدن ولاية الخرطوم.

وأضاف "لم يُقدّم المتحدث أدلة على أن القوات فتحت تحقيقات فعلية في مزاعم العنف الجنسي على أيدي قواتها".

وطالب التقرير الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بالعمل معا لنشر بعثة جديدة لحماية المدنيين في السودان، ولمنع العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر، وتوثيق العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، ومراقبة عرقلة المساعدة الإنسانية وتسهيل الوصول إليها.

وحثّ التقرير المانحين الدوليين لزيادة الدعم السياسي والمالي بشكل عاجل للمستجيبين المحليين، داعيا الدول لمحاسبة وفرض عقوبات على القادة المسؤولين عن العنف الجنسي، والهجمات على العاملين في مجال الرعاية الصحية.

وأضاف "على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وخاصة في المنطقة، مواصلة دعم التحقيقات الدولية في هذه الجرائم، بما فيه من خلال البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان".

الحرب في السودان

تتفاقم آثار الكارثة الإنسانية في جميع أنحاء السودان، دون أن تظهر أي علامات على إمكانية تراجعها، جراء الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين.

لا يزال آلاف السودانيين يُقتلون ويُجوعون ويُغتصبون بوتيرة يومية، ويجبر العنف ملايين الأشخاص على ترك منازلهم والنزوح داخليا أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة. 

تسبب  الصراع بـ"أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم" وفق توصيف الأمم المتحدة، إذ تصدر السودان دول العالم في عدد النازحين داخليا بسبب الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، شبه الحكومية.

وتجاوز عدد النازحين قسرا داخل البلاد 9 ملايين شخص، بالإضافة إلى أكثر من 3.8 مليون لاجئ إلى الدول المجاورة، ما يعني أن نحو 13 مليون شخص قد فروا من العنف خلال العامين الماضيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وتحذر منظمات دولية، بينها اليونيسيف، من أن الموت يشكل "تهديدا مستمرا" لحياة الأطفال في السودان.

وفي محيط مدينة الفاشر، غربي البلاد، وحدها، يحاصر الموت ما يقرب من 825 ألف طفل، يواجهون قصفا مستمرا ونقصا حادا في أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.

وحذرت هيئة تابعة للأمم المتحدة من انتشار حالات الاغتصاب مع استمرار الحرب التي تفجرت بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه الحكومية منذ سنتين في السودان.

وقالت آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب إفريقيا: "بدأنا نشهد استخداما ممنهجا للاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب".

وشددت على أن "ما خفي كان أعظم، فهناك كثيرات لا يبلغن عن هذه الجرائم خوفا من العار وتحميل المسؤولية للضحايا، الذي يُلازم كل امرأة تتعرض للاغتصاب".

وأكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إن "الحكومة عازمة على تنفيذ كافة الاتفاقيات الخاصة بحماية النساء من العنف الجنسى والقضاء على التمييز، وانفاذ القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم العنف الجنسي ضد النساء والفتيات والأطفال".

وأشار عقار لدى لقائه، في بورتسودان، مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للعنف الجنسي في مناطق النزاعات، براميلا باتن، إلى أن "السودان ومنذ الشرارة الأولى أرسل العديد من التقارير المصورة والموثوقة لعدد من الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، توضح العنف الذي مارسته قوات الدعم السريع في حق النساء والفتيات والأطفال في السودان إلا أن الاستجابة كانت بطيئة مما فاقم الأوضاع لاسيما في المناطق التي كانت تسيطر عليها".

ونفت الدعم السريع في يوليو الماضي عن الانتهاكات التي تقع أثناء الحرب، إنها ستتخذ تدابير وقائية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

خطر آخر يهدد المدنيين وعمليات الإغاثة يتمثل في الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب. وحذر رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في السودان، صديق راشد، من أن المناطق التي كانت آمنة أصبحت الآن ملوثة بشكل عشوائي بهذه الأسلحة القاتلة، بما فيها الخرطوم وولاية الجزيرة.

وقد تجسدت هذه المخاوف في حوادث مأساوية، حيث لقي مدنيون، بينهم أطفال ونساء، مصرعهم وأصيب آخرون بسبب انفجار هذه الذخائر.

وناشد صديق راشد الأطراف المتحاربة تجنب استخدام الأسلحة في المناطق المأهولة، وتسجيل المناطق الملوثة لتسهيل عملية التطهير، ودعا المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لجعل المناطق آمنة قبل عودة المدنيين.

وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، توجه كليمنتاين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي: الناس في وضع يائس.

وقالت: "نناشد المجتمع الدولي ألا ينسى السودان وألا ينسى الرجال والنساء والأطفال في السودان الذين وجدوا أنفسهم في هذا الوضع الصعب للغاية في هذه اللحظة الحرجة".

ووجه المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، رسالة إلى العالم حول السودان: "يجب أن يكون مرور عامين على هذا الصراع الوحشي الذي لا معنى له بمثابة جرس إنذار للأطراف لإلقاء أسلحتها وألا يستمر السودان في هذا المسار المدمر".