نازحون في مدينة كسلا
نازحون في مدينة كسلا بشرق السودان - أرشيفية

مع اقتراب الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من إكمال شهرها السادس عشر، لا يزال الجدل مستمرا عن حجم الكارثة وما خلفته الحرب من دمار، بينما تتناقض الإحصائيات الخاصة بالقتلى، الصادرة عن جهات محلية ودولية.

وتشير آخر إحصائية صادرة عن وكالات الأمم المتحدة، في 29 يوليو الماضي، إلى أن الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 أدت إلى مقتل أكثر من 18,800 شخص وإصابة أكثر من 33 ألف آخرين.

وقالت منسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، في بيان، إن "الحرب أجبرت أكثر من 10 ملايين شخص على الفرار من ديارهم، بما في ذلك أكثر من مليوني شخص عبروا الحدود إلى دول الجوار".

وشكك الطبيب والإعلامي، هيثم مكاوي، في الأرقام التي تعلنها الأمم المتحدة عن ضحايا الحرب في السودان، مشيرا إلى أن الأرقام تبدو أقلّ بكثير من حجم الكارثة.

وقال مكاوي لموقع الحرة، إن "الأمم المتحدة نفسها أعلنت مقتل حوالي 15 ألف شخص في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وبالتالي ليس من المنطقي أن يكون العدد الكلي للقتلى 18 ألف شخص".

وأشار إلى أن ما جرى في الجنينة تكرر بصورة من الصور في مدن سودانية كثيرة، مما يدلل على أن الأحصائيات ليست دقيقة.

وكان تقرير للأمم المتحدة، أشار في يناير الماضي، إلى مقتل ما بين 12 ألف إلى 15 ألف شخص بمدينة الجنينة، في الفترة بين بين أبريل ويونيو 2023، وفق رويترز.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن هناك عوائق وعقبات تمنع وصول الفرق الطبية والطوعية إلى مناطق النزاع، مما يجعل كثيرا من الضحايا خارج الحصر.

وفي 19 مايو الماضي، أعلنت نقابة أطباء السودان، عن مقتل أكثر من 30 ألف شخص، وإصابة أكثر من 70 ألف آخرين، وتوقعت أن يكون الرقم الحقيقي للضحايا أكبر بكثير.

وأشارت اللجنة في بيان على حسابها بموقع فيسبوك، إلى أن الحرب أدت لمقتل أكثر من 53 من العاملين في مجال الصحة، منوهة إلى تعرض 21 مستشفى للقصف، و22 مستشفى للاخلاء القسري.

وأضاف البيان أن "خسائر الاقتصاد السوداني بسبب الحرب بلغت ما لايقل عن 120 مليار دولار، أي مايعادل ميزانية البلاد لـ12 عاما".

وبدوره، يشير الناطق باسم تجمع المهنيين، الطبيب علاء نقد، إلى أن التضارب عن أعداد الضحايا بدأ منذ الأيام الأولى للحرب، لافتا إلى أن "ذلك أمر متوقع في الحروب".

وقال نقد لموقع الحرة، إن "الأمم المتحدة تستند في تقاريرها وإحصائياتها على المنظمات المحلية، التي تعاني من عدم القدرة على الوصول إلى كل المناطق، وخاصة الأكثر اشتعالا".

وأشار إلى أن المؤسسات الحكومية العاملة في المجال الصحي، بما في ذلك وزارة الصحة، مسيسية وغارقة في العمل السياسي.

وأضاف "هذه المشكلة ورثناها من نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، وعادت للظهور مجددا عقب انقلاب الجيش على الحكومة المدنية في 25 أكتوبر 2021".

ولفت الناطق باسم تجمع المهنيين إلى أن وزارة الصحة السودانية رفضت الاعتراف بوجود مجاعة في السودان، "على الرغم من أن جهات دولية متخصصة أعلنت عن وجود مجاعة في البلاد".

وتابع " الحكومة ترفض الإقرار بوجود المجاعة حتى لا يتم فتح المعابر لإيصال المساعدات للنازحين، بحجة أن ذلك سيسمح بدخول السلاح لقوات الدعم السريع، وفي تقديري هذا أمر غير مبرر ويحرم المنكوبين من الإغاثة التي يحتاجونها بشدة".

وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، فإن 25.6 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، يواجهون الجوع الحاد، بما في ذلك أكثر من 750 ألف شخص على حافة المجاعة.

وكان خبراء دوليون، أعلنوا مطلع أغسطس، أن المجاعة في مخيم زمزم للنازحين بشمال دارفور، "تحولت إلى مجاعة كاملة".

ومن جانبها، نفت الحكومة السودانية "وجود أي مجاعة" بالمخيم، الذي يأوي قرابة 600 ألف شخص.

ويعلن الخبراء عن المجاعة عندما يعاني واحد من كل 5 أشخاص، أو أسر، من نقص حاد في الغذاء، مما يؤدي في النهاية إلى مستويات حرجة من سوء التغذية الحاد والموت.

وفي 25 يونيو، أصدرت لجنة الإنقاذ الدولية تقريرا عن الأوضاع في السودان، مشيرة إلى أن "تقديرات ضحايا الحرب تصل إلى 150 ألف شخص".

وأشارت اللجنة، وهي منظمة غير حكومية مقرها في نيويورك، إلى أن 25 مليون شخص من سكان السودان البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والحماية.

وكان المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، لفت إلى أن التقديرات تشير إلى مقتل 150 ألف شخص خلال الحرب في السودان، وفق رويترز.

ومن جانبه يشير مكاوي، إلى أن تضارب الإحصائيات بهذه الدرجة، وبهذه الفوارق الكبيرة، أمر محيّر، أسهم بصورة أو بأخرى في عدم تفاعل المجتمع الدولي مع الكارثة، "الأمر الذي حوّل حرب السودان إلى كارثة منسية".

وأضاف "القصور لا يتعلق فقط بإداء وزارة الصحة السودانية، وإنما يتصل أيضا بالكيانات الطبية النقابية، لكونها تحولت إلى واجهات سياسية لتنظيمات محددة، مما أفقدها المصداقية".

وتوقع المتحدث ذاته، أن يكون عدد الذين قضوا بأسباب متعلقة بالحرب، أكثر من مرتين من أعداد الذين ماتوا بالرصاص خلال الحرب.

وتابع قائلا "خرج أكثر المستشفيات في السودان عن الخدمة، بينما فقد أصحاب الأمراض المزمنة، خاصة الكلى والسكري والضغط، العلاج تماما، في كثير من المناطق السودانية".

القتال في السودان تسبب في أكبر أزمة إنسانية عالمية حسب الأمم المتحدة
القتال في السودان تسبب في أكبر أزمة إنسانية عالمية حسب الأمم المتحدة. (AFP)

أعلنت لجنة "محامي الطوارئ" في السودان، أن 7 أشخاص قتلوا جراء قصف جوي للجيش السوداني، طال مسجداً شمال العاصمة الخرطوم.

وذكرت اللجنة التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان منذ اندلاع الحرب في السودان، بين الجيش وقوات الدعم السريع، أن مسجد الشيخ أحمد الصديق، الواقع في حي شمبات بالخرطوم بحري، تعرض "لقصف عشوائي" عقب صلاة الجمعة، ما أسفر عن سقوط 7 ضحايا، في حصيلة أولية، ولازالت عمليات حصر أعداد الضحايا مستمرة حسب اللجنة.

كما أكدت الخبر "لجنة المقاومة المحلية"، وهي إحدى لجان النشطاء في السودان، التي تقدم المساعدة للمدنيين، مشيرة إلى أن عدداً من الجرحى نُقلوا لتلقي الإسعافات.

وقالت لجنة "محامي الطوارئ" إن القصف يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استهداف المواقع المدنية والأماكن المقدسة.

يأتي ذلك في ظل تفاقم الوضع الإنساني، الذي تصفه الأمم المتحدة بأنه إحدى أكبر الكوارث الإنسانية في العالم، وسط شكوك بشأن إمكانية وقف القتال.

وكان الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون، قال في تصريح سابق لقناة "الحرة" إن من الأسباب الأخرى، هو أن بعض الدول "لم تكن محايدة" في التعامل مع الملف السوداني.

وأضاف هدسون أن "غياب ائتلاف مدني يقدم نفسه على أنه بديل للحكم العسكري في هذا البلد، جعل من الصعب أن تكون هناك رؤية واضحة بشأن طريقة إدارة البلاد في المستقبل".